مقالات وآراء

الإرهاب وتأثيره على السياحة// بنيامين يوخنا دانيال

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

بنيامين يوخنا دانيال

 

عرض صفحة الكاتب 

الإرهاب وتأثيره على السياحة

بنيامين يوخنا دانيال

 

يمثل (الإرهاب) بأنواعه وأشكاله المقيتة أحد المؤثرات السلبية والتحديات المعرقلة لمسيرة التنمية السياحية المستدامة وفقا للأدبيات السياحية التي نشطت في تناول الموضوع على نحو جلي بعد أحداث 11 سبتمبر / أيلول 2001 الدامية, ويأتي في مقدمة الأسباب الجسيمة التي تقوض صناعة السياحة والسفر على نحو بين منذ بداية القرن الحادي والعشرين, حيث لوحظ زيادة كبيرة في الأحداث الإرهابية في جميع أنحاء العالم تقريبا, وذلك من حيث اضراره بالبنية التحتية للسياحة المتمثلة في الخدمات الأولية الضرورية من أجل قيام ونمو وازدهار أي وجهة سياحية أو مشروع سياحي, مثل الطرق والجسور بأنواعها والأنفاق والمصارف والمراكز الصحية وشبكات المياه والكهرباء ومراكز الاتصالات والمطارات والموانىء ومحطات وسكك الحديد وغيرها. وأيضا البنية الفوقية للسياحة والمتمثلة في الفنادق ومنشآت الايواء الأخرى والمطاعم والمقاهي والكازينوهات وشركات السياحة والسفر ووكلاء شركات الطيران ومحطات الاستراحة على الطرق الخارجية ومكاتب تأجير السيارات ومراكز تأجير أدوات الغوص والمناطيد والطائرات الصغيرة ودور السينما ومدن الألعاب وأكشاك بيع الوجبات السريعة وقاعات المؤتمرات والمعارض والمهرجانات وغيرها كثيرة.

 

كما يؤدي (الإرهاب) على نحو مباشر وغير مباشر إلى تقليل الاعتمادات والمبالغ

المخصصة في ميزانيات الدول من أجل تنمية السياحة الوطنية وغيرها, وتعزيز البنية التحتية الضرورية لازدهارها, وذلك بسبب زيادة الانفاقات على الجوانب الأمنية والعسكرية كنتيجة حتمية ومؤكدة لتنفيذ العمليات الاستباقية والميدانية لمواجهة نشاطات العناصر الإرهابية المظلمة ودرء مخاطرها, وأيضا بسبب زيادة تكاليف ونفقات الأجهزة القائمة على تنفيذ الإجراءات الأمنية الضرورية التي ستحتاج بالتأكيد إلى عناصر بشرية إضافية ومتميزة نوعيا, وتجهيزات ومعدات وأدوات حديثة عالية الكلفة, ويدفع بالسلطات السياحية الوطنية إلى تخفيض اعتماداتها الموجهة إلى البرامج الضرورية للترويج السياحي الموزعة على الدعاية والعلاقات والأنشطة والاستعلامات والبحوث وغيرها. وتشير الاحصائيات والبيانات إلى زيادة الانفاق على الأمن الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات العشر اللاحقة لأحداث 11 سبتمبر / أيلول 2001 حوالي ( 1 ) ترليون دولار, وتم انشاء عدة وكالات فدرالية مثل وزارة الأمن الداخلي التي أنفقت وحدها خلال الفترة 2003 – 2011 نحو ( 286,781 ) مليون دولار, وأيضا أدارة أمن النقل والمركز الوطني لمكافحة الإرهاب. كذلك فعلت الحكومة البريطانية إثر تفجيرات لندن في 7 تموز 2005 . وأيضا الحكومة الفيدرالية الأسترالية التي أنفقت ( 8 ) مليارات دولار أسترالي على جهود مكافحة الإرهاب (غير شاملة الانفاق العسكري) خلال السنوات الخمس الأولى بعد أحداث 11 سبتمبر المأساوية

التي أودت بحياة ( 3000 ) شخص تقريبا. كما تنفق أيضا مليارات الدولارات على مستوى العالم سنويا في سبيل ردع أو منع الهجمات الإرهابية على الطيران, مع إيجاد تدابير أمنية مشددة, وتعديل بعض التصاميم في الطائرات, مثل تركيب حواجز ثانوية إضافية عالية الكلفة لقمرة القيادة لتكون معزولة عن الركاب, بحيث تحول دون وصولهم إليها حال فتحها أثناء الطيران.

 

وقد صاحب هذه الإجراءات والخطوات تشريع قوانين في العديد من الدول المتضررة والمهددة بالإرهاب, واصدار تعليمات وضوابط تمس المبادئ والمثل والعقائد الليبرالية الأساسية وموضوع حقوق الانسان, وبحسب تقرير لمنظمة (هيومن رايتس ووتش – مراقبة حقوق الإنسان) ان أكثر من ( 140 ) دولة قد سنت أو عدلت قانونا واحدا أو أكثر لمكافحة الإرهاب خلال فترة ال ( 11 ) سنة اللاحقة لهجمات 11 سبتمر, وأن ( 51 ) دولة على الأقل كان لديها تشريعات لمكافحة الإرهاب قبل هذه الهجمات.

 

فقد شرعت بريطانيا قبل 2005 قانون الإرهاب 2000 الذي عدل من حيث تعريف الإرهاب, ومنح بموجبه صلاحيات أوسع لأجهزة إنفاذ القانون لتسهيل توقيف الأشخاص وتفتيشهم واحتجاز المشتبه بهم, وقانون مكافحة الإرهاب والجريمة والأمن العام 2001 الذي سمح بحرية أكثر في حجز أصول المشتبه بهم بالإرهاب, وقانون الإرهاب 2006 و قانون مكافحة الإرهاب 2008, علما تم تمديد مدة احتجاز المشتبه بهم بموجب قانون العدالة الجنائية لعام 2003 لتصبح ( 14 – 28 ) يوما دون توجيه التهم إليهم.

 

أما في أستراليا فقد شرع قانون مكافحة الإرهاب 2002 الذي خول بموجبه مفوض

الشرطة أو نائبه صلاحية اتخاذ إجراءات معينة بإزاء الأعمال الإرهابية. أما روسيا التي كانت قد شهدت عدة أعمال إرهابية دامية, مثل الهجوم الانتحاري على مترو أنفاق موسكو في عام 2004 وراح ضحيته نحو (80 ) شخصا, وعملية احتجاز الرهائن لاحقا داخل مدرسة في (بيسلان – أوسيتيا الشمالية), وراح ضحيتها نحو (300) شخص معظمهم من الأطفال, فقد عدلت السلطات التشريعية فيها القانون الفيدرالي لمكافحة الإرهاب 2006, وصار للارهاب تعريفا آخر وفقا للمستجدات التي حدثت, مع توظيف جميع الموارد المتاحة في العمليات المضادة للارهاب, ومنهم الجيش طبعا, وتحت سلطة وزارة الشؤون الداخلية. وصار الجيش مخولا بتنفيذ العمليات العسكرية المضادة للإرهاب داخل وخارج البلاد عند الضرورة.

وهنا لابد من الإشارة إلى الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لعام 1999 الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة, كما أعلنت المنظمة المذكورة عن استراتيجية عالمية لمكافحة الإرهاب في عام 2006. كما صدر القرار رقم (1373/ 2001) عن مجلس الأمن بخصوص الموضوع, ثم القرار (1456 / 2003) والقرار رقم ( 1624 / 2005 ).

 

وتؤثر العمليات الإرهابية (التفجيرات, إطلاق النار الجماعي, احتجاز الرهائن, الهجوم بالمركبات, هجمات بيولوجية وكيميائية وإلكترونية .. الخ) حتما وسلبا على

حجم السياحة الأجنبية الوافدة إلى البلد, وبالنتيجة يقلل فرص دخول المزيد من النقد الأجنبي – العملة الصعبة) اللازم إلى خزينة الدولة على نحو سريع ومستدام ومرن (نتيجة اسيفاء الضرائب والرسوم وغيرها), وهي ضرورية لتنفيذ خطط التنمية

الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وتحسين مركز ميزان المدفوعات, لدخول السياحة ضمن الصادرات غير المنظورة فيه, إلى جانب المعاملات المصرفية والملاحة و التأمين وغيرها.

 

ولو أخذنا حالة تركيا على سبيل المثال لوجدنا حصول خسائر اقتصادية في قطاع

السياحة التركي جراء الإرهاب في عام 2006 بمقدار ( 700 ) مليون دولار تقريبا, مع تراجع حجم السياحة الواردة بمقدار ( 6 ) ملايين سائح أجنبي خلال السنوات التسع الماضية لعام 2009 بحسب دراسة قدمها (محمد أي يايا) إلى جامعة شرق ميشيغان بعنوان (الإرهاب والسياحة: حالة تركيا 2009).

 

كما يقلل (الإرهاب) وانعدام الأمن من فعالية السياحة في توفير فرص العمل ومعالجة مشكلة البطالة, وهي من أكبر المشاكل والتحديات التي تعاني منها اقتصاديات الكثير من البلدان في الوقت الراهن, وذلك بسبب الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية والصراعات والنزاعات والمشاكل السياسية المحلية, لاعتماد صناعة السياحة والسفر على العنصر البشري بالدرجة الأساس, ولارتباطها المباشر بعدد كبير من القطاعات والنشاطات الأخرى داخل الاقتصاد الواحد, والتي تحتاج حتما إلى الأيدي العاملة بمختلف أنواعها, وذلك من أجل انتاج وتوفير السلع والخدمات المختلفة التي يستهلكها السواح وغيرهم. ووفقا لتقرير صادر عن (منظمة العمل الدولية 2001) فان أحداث 11سبتمبر/ أيلول 2001 المأساوية قد هددت نحو ( 9 ) ملايين شخص يعمل في السياحة والفندقة على مستوى العالم, وان تراجع السياحة بنسبة ( 10 ) بالمائة يعني فقدان ( 8,8 ) ملايين وظيفة, منها (1,1) مليون وظيفة في الولايات المتحدة الأمريكية و (1,2) مليون وظيفة في الاتحاد الأوروب. علما بلغ حجم العمالة المشتغلة في السياحة والسفر على مستوى العالم قبل هذه الأحداث (207) مليون شخص بحسب المنظمة المذكورة.

وقد تدفع النشاطات الإرهابية وبقية التهديدات الأمنية (عدم الاستقرار السياسي وصراعات النفوذ الجيوسياسي ) باتجاه احجام المنظمات والدول المانحة عن تنفيذ

التزامات القروض والمساعدات الخارجية تجاه الدول التي تشهد مثل هذه النشاطات, وتؤدي بالتأكيد إلى تراجع و هروب الاستثمارات الأجنبية في قطاع السياحة والسفر والقطاعات المرتبطة به مباشرة بسبب ارتفاع عنصر المخاطرة والتشويه الذي يصيب سمعة البلد, مما يتطلب المزيد من الجهود والمحاولات لاستعادة صورة الوجهة السياحية المتضررة من الإرهاب. ووفقا لنتائج دراسة بعنوان (العلاقة بين الأحداث الإرهابية والاستثمارات الأجنبية المباشرة والطلب السياحي: أدلة من باكستان) قام بها (مير علم وزميله بي مينغك) من كلية الاقتصاد – جامعة شنغهاي وجد ان زيادة بنسبة (1) بالمائة في معدل حوادث الإرهاب ستؤدي إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي الموجه إلى السياحة الباكستانية بنسبة ( 0,42 ) بالمائة.

 

* عن ( السياحة و الإرهاب ) للباحث , دار نشر بيشوا , أربيل – العراق 2011