زكي رضا
العراق ... وطن يُدار بالفساد
زكي رضا
الدنمارك
خرج الشباب المغربي من جيل z الذي يعاني من البطالة والفقر والتهميش، بمظاهرات وإحتجاجات صاخبة في المدن الرئيسية بالبلاد كطنجة والرباط والدار البيضاء وغيرها من المدن والبلدات، رافعين شعارات تدعو إلى إصلاح شامل في قطاعات الصحة والتعليم، ومكافحة الفساد، وضمان العدالة الاجتماعية. وكان الشعار الأبرز الذي تصدح به حناجر هؤلاء الشباب ومعهم جماهير شعبية تعاني من الفقر والبطالة هو (الشعب يريد إسقاط الفساد). وجيل z هم فئة الشباب الذين ولدوا أواخر العقد الأخير من القرن الماضي وبداية القرن الحالي. وقد اختار بعض هؤلاء الشباب إطارًا تنظيميا افتراضيًا تحت اسم Gen Z 212″" حيث يتم حشد الدعوات للاحتجاج عبر المنصات الرقمية، قبل محاولة ترجمتها ميدانيًا. الّا إنّ السلطات المغربية لم تستخدم ضدّهم القنّاصين ولا الكواتم ولا القنابل الدخانيّة التي توجّه نحو رؤوسهم، ولا إتّهامهم بكونهم أبناء السفارات، على الرغم من إتهاماتها للمحتجين بمهاجمة البنوك والدوائر الحكومية في عدد من المدن والبلدات، كما فعلت سلطات الفساد والمحاصصة وهي تواجه شباب إنتفاضة تشرين/ أكتوبر التي تمرّ الذكرى السادسة لإنطلاقتها الجبّارة هذه الأيّام، بالنار والحديد والتسقيط غير الأخلاقي، على الرغم من عجزها عن إتهام المنتفضين بمهاجمة أي بنك أو مقر وزارة!!
أنّ نسبة الفساد في المغرب أقلّ من نسبته بالعراق، وفق تصنيف منظمّة الشفافية الدولية التي ذكرت في تقريرها السنوي المتعلّق بمدركات الفساد للعام الماضي 2024، من أنّ "العراق حل في المرتبة الـ(140) عالميا بـ(26) نقطة فقط، وبالمرتبة الثامنة بين الدول العربية الأكثر فسادًا. حيث تقدمت عليه دول الصومال، وسوريا، والسودان واليمن، وليبيا، وارتيريا، ولبنان كأكثر الدول العربية فسادًا. وقد أرجعت المنظمة تصنيفها للعراق ضمن البلدان الأكثر فسادًا في العالم، إلى عمليات الفساد الممنهجة للنظام الذي وصفته بالقائم على تقاسم السلطة طائفيًا، وتعيين موظفين في مؤسساتهم بسبب الولاء الطائفي والعلاقات الشخصية وليس على أساس الكفاءة". في الوقت الذي حصل المغرب فيه بنفس العام على 37 نقطة، أي أنّه أفضل من العراق بتسع نقاط وفق ترتيب المنظمّة. لكننا نرى شباب المغرب يحتج ويتظاهر، فيما هناك بالعراق نسبة من الشباب والجماهير التي لا تملك وعيا سياسيا ولا يهمّها مستقبل بلدها وشعبها، تذهب الى صناديق الإقتراع لتنتخب الفاسدين مقابل رشى إنتخابية تُضحك الثكلى ويشيب منها الرضيع في رحم أمّه كتقديم (فخذ دجاجة على تمّن وورقة نقدية من فئة الخمسة وعشرون الف دينار عند جسر السنگ وشارع الخلّاني)، وهؤلاء مستعدون "لدگ الإصبعتين وهلاهل تصل الى عنان السماء عند أبواب المراكز الأنتخابية، لو كانت الرشوة أكثر دسامة كأن تحتوي على (نص دجاجة على تمن باجّله وعلبة كوكا كولا وخمسين ألف دينار).
في العراق اليوم، تتغيّر حكومات دون تغيير في النهج طبعا. ولأنّ الفساد وحده باق لا يتزعزع وراسخ رسوخ الجبال التي لا تهزّها رياح التغيير، صار علينا أن نمنح الفساد هذا، مكانته المستحقّة نتيجة خدمته للدولة منذ العام 2003 لليوم!! في أن تتشكل عندنا وزارة تحت إسم ( وزارة الفساد)، بميزانيّة مفتوحة، لها موقع رسمي أسوة ببقية الوزارات. أعتقد أنّه آن الأوان لتأسيس هذه الوزارة رسميّا، بعد عرض المقترح على مجلس الوزراء والبرلمان العراقي، والذي سيكون جميع أعضاءه حاضرين للتصويت بنعم عليه، دون أن يغيب وزير أو برلماني منهم أثناء تقديم المقترح والتصويت عليه، فالموضوع يتعلّق بالسرقة والنهب ومن الطبيعي أن نراهم في مبنى البرلمان منذ ساعات الفجر الأولى، بعد أن يقيموا الصلاة جماعة.
ولأهميّة هذه الوزارة، نقترح أن يكون الوزير والبرلماني والساسة الذين يهيمنون على القرار السياسي ذوو خبرة ميدانية. فالوزير والبرلماني والسياسي لا يحق له أن يكون مشمولا بإمتيازات وزارة الفساد الّا بشروط منها (أن يكون له على الأقل 20 قضيّة فساد في هيئة النزاهة، وتقديم مستندات تثبت مهاراته في تهريب وتبييض الأموال، وخبرة كبيرة في ترتيب العقود الوهمية، ومساهمته في مشاريع الجسور المنهارة قبل إفتتاحها وغيرها من عمليات النصب وسرقة ثروات الشعب والبلاد). وأن يتعهّد على توظيف أبناءه وأقرباءه وأعضاء حزبه أو كتلته في المناصب الحسّاسة كهيئة النزاهة ودوائر العقود والمشاريع.
وستقدّم هذه الوزارة خدمة كبرى للوطن لو أنّها وضعت الفساد كمادّة تاريخية تُدرّس في الجامعات والمعاهد والمدارس العراقيّة، وأن تصنع لهم تماثيل ليبقوا في ذاكرة شعبنا دوما. فبلادنا اليوم جمهورية فساد، ولا صوت يعلو فيها على صوت الفساد.
في الختام أعتقد أن حلم عاهل المغرب و العديد من زعماء العرب والعالم، هو أن يكونوا رؤساء وزراء وبرلمان وجمهورية في العراق لمدة أربع سنوات فقط، لأنّ ما سيحصلون عليه من رواتب ومكافآت ورشى خلال الأربع سنوات هذه، يفوق ما يحصلون عليها في بلدانهم في أربعة عقود.
زكي رضا
الدنمارك
1 /10 /2025