محمد حمد
الدولة التي لا تستغني عن الحروب ابدا!
محمد حمد
شكّلت الحروب في تاريخ امريكا الحديث علامة فارقة ومميّزة. وأصبحت البلد الوحيد الذي لا "يشبع" من الحروب والنزاعات والتدخلات العسكرية. وكانّ أمريكا وجدت في هذا الكون من أجل الحروب فقط. فهي تتفوّق على جميع دول العالم في القدرة على صناعة الاعداء وزرع العملاء في كل بلد لغاية في نفس ساكن البيت الأبيض. وحاجة امريكا للحرب كحاجة الإنسان إلى الهواء. ولم تعد واشنطن كما كان في الماضي بحاجة إلى مبررات أو أدلّة أو حجج لشن عدوان أو تدخل عسكري بشكل مباشر أو غير مباشر على بلد ما. فخزائن الاستخبارات الأمريكية مليئة بلوائح الاتهام ومن مختلف الانواع وحسب اهمية النظام أو الحكم المراد التخلّص منه أو اضعافه اوتحجيم دوره. وامريكا، أضافة إلى أمور اخرى معروفة، هي عبارة عن مجمع صناعي ضخم لشتى أنواع الاسلحة. يبحث عن اسواق في الداخل والخارج وعن زبائن يدفعون مقدّما. والرئيس الامريكي، ترامب في هذه الحالة، هو رجل "على باب الله" يسعى لكسب "لقمة العيش" ولو على جثث آلاف البشر! فامبريالية الولايات المتحدة الأمريكية لا تعرف الهدنة ابدا. فكل عامين أو ثلاثة تبدأ عجلات آلة القتل والدمار الامريكية بالدوران. وكانّ غريزة الحرب متأصلة فيهم والظما لشن عدوان على الدول الأخرى لا تكفيه دماء آلاف الناس.
ومنذ زمن ليس ببعيد وامريكا تتحرش وتستفز دولتي فنزويلا وكولومبيا بسبب ما تدّعيه (الحرب على تجارة المخدرات). ولكن النوايا الامبريالية الخفية تتحدث عن أهداف أخرى ابعد من المخدرات. وكما ذكرت في أكثر من مناسبة سابقة أن معظم سياسة امريكا الخارجية هي دائما في خدمة ومن أجل دويلة اسرائيل. وقد يستغرب القاريء من كلامي هذا ونحن نتحدّث عن فنزويلا أو كولومبيا البعيدتين. ولكن تذكروا أن هاتين الدولتين وقفتا موقفا شجاعا وصلبا ومعارضا بشدة لجرائم دويلة اسرائيل والإبادة الجماعية التي ارتكبتها وما زالت ترتكبها في غزة. ونشير بالأخص إلى الموقف الشجاع جدا للرئيس الكولومبي غوستافو بيترو في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة. والذي فضح وعرّى وهاجم باقسى العبارات واشدّ الكلمات كيان اسرائيل العنصري.
أن أمريكا باعتبارها خادمة المعبد الصهيوني في العالم تريد معاقبة كل من يمسّ ويسيء لحكومة تل أبيب، ولو بكلمة عابرة. وامريكا، كما هو واضح من تصرفاتها، يجب عليها في كل مناسبة مهمة، اثبات حسن نواياها وصدق مشاعرها وصفاء جوهرها إزاء الكيان الصهيوني. وخلاف ذلك فان بقاء الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض مهدّد بالزوال.
ولهذا فإن الحرب والعدوان والتدخل العسكري أو التهديد به يكاد يكون سياسة يومية ثابتة. كما ان واشنطن، خصوصا في عهد دونالد ترامب، تعتبر العالم سوقا حرّة للأسلحة الأمريكية أو ساحة حرب مفتوحة لها، تقرر فيها متى وكيف تعاقب رئيس نظام أو دولة من الدول. بذرائع وحجج واهية وزائفة تستطيع تمريرها على ما يسمى بالمجتمع الدولي، الذي سرعان ما يقف إلى جانبها بلا تردّد.
هناك نوايا معلنة وربما خطط جاهزة لتدخل عسكري (محدود) ضد دولة فنزويلا والإطاحة برئيسها الشرعي نيكولاي مادورو بحجة محاربة تجار المخدرات. وهي حجّة لا تصمد ولا تبرّر اي عدوان. لكن مشكلة أمريكا مع رئيس فنزويلا هي أنه يشكّل التحدي الأكبر للنفوذ الأمريكي في أمريكا اللاتينية، التي تعتبرها واشنطن حديقتها الخلفية. وبالتالي غير مسموح لأي دولة هناك أن ترفع راسها وتتمسّك بقرارها المستقل وسياستها الوطنية ومصالح شعبها. ولا ننسى أن عين واشنطن الوقحة تركز بشكل خاص على ثروات وخيرات فنزويلا. وان إخضاعها مع كولومبيا يعني بسط السيطرة الامريكية على القارة. وسبق وان نوّه دكتاتور أمريكا ترامب إلى ما وصفه (حصول اشياء جديدة قريبا على الأرض في فنزويلا) وليس بعيدا أنه يقصد أعمال شغب وفوضى واضطرابات او ثورة (ملوّنة) بالدماء، يقودها العملاء للتخلّص من نظام الرئيس الاشتراكي نيكولاي مادورو...