مقالات وآراء
نبالة صندوق البويا وحقارة قلم الإعلام!// يوخنا أوديشو دبرزانا
- تم إنشاءه بتاريخ السبت, 01 تشرين2/نوفمبر 2025 12:37
- كتب بواسطة: يوخنا أوديشو دبرزانا
- الزيارات: 204
يوخنا أوديشو دبرزانا
نبالة صندوق البويا وحقارة قلم الإعلام!
يوخنا أوديشو دبرزانا
شيكاغو
توطئة :
لم اكن اهتم كثيراً بحذائي، في الأيام المشمسة من الشتاء كانت طبقات طين شوارع مدينة الحسكة المتراكمة عليه تتشقق، كان يغدو كأرض بور أيام الصيف بعد شتاء شبه بخيل كان يقال كل الخدمات في هذه المدينة زفت إلا شوارعها، أما أن أضع حذائي أما طفل أو مراهق ليقوم بالتنظيف فتلك الفعلة كنت اعتبرها من الحقارة لكن وللاسف حدث ذلك يوماً ولو إني رفضت الوقوف وحذائي في مواجهة ذلك المراهق الكردي النبيل.
الحدث :
أثناء العطلة الانتصافية للمدارس في سوريا والموصوفة جوراً (عطلة الربيع) كنت برفقة صديق، تواجدنا صدفة في شارع سوق الحسكة القديم المشرف من جهة الشرق على بوابة خان بهنو وبوابة كراج القرى الآشورية القديم ومن جهة الشمال سوق الخضرة والقصابين ومطعمي العم موشة والعم ايليا الآشوريين كان المطعمين مؤلفين من بابور كاز وطنجرة وبضع كراسي حصير. ابن العم موشه تخرج طبيبا وابن العم ايليا مهندسا مدنياً, أما الطرف الجنوبي من هذا الشارع شبه المغلق مجموعة حوانيت للسمانة والخردة وبائعي الاقمشة البدوية. أمام تلك الحوانيت بمحاذاة الرصيف كان صف من منظفي الاحذية من مختلف الأعمار بصناديق مختلفة الأحجام تبعاً لقدرة حاملها، تستطيع تقدير عمر البويجي من خلال حجم صندوقه. قرر زميلي تنظيف حذائه، استقبله البويجي مرحباً به باللغة الكردية رد زميلي عليه بالعربية وسأله عن قصد ألا تعرف العربية؟ كان الرد نعم أعرفها فأنا طالب في الصف الأول الثانوي رد زميلي إذاً لماذا لا تكلمني باللغة العربية فكان الرد لماذا لا تحاول أنت ايضاً أن تتعلم الكردية وباقي لغات أهل الحسكة ألسنا جميعاً أخوة؟
قطع متابعتي حوارهما دعوة زميله لي لمسح حذائي كنت أرمقه بنظرة بين فترة وأخرى حيث كان منهمكاً في تصفح مجلة الأسبوع العربي اللبنانية كان في الثالثة عشرة من عمره سألته من أين لك هذه المجلة أجاب إني استعير المجلات والجرائد من العم بطرس وهذا الآشوري لا يبخل علينا. اعتذرت منه بخصوص تلميع حذائي لكنه بادرني أتظن إني لن انظفه والمعه جيداً مثل أبن عمي الذي يلمع حذاء صاحبك أجبته لا لكني أحتقر نفسي أن أضع حذائي أمام أي كان لينظفه، لكني سأدفع لك نصف ليرة التي تتقاضاها مقابل التلميع ولن ادعك تقوم بذلك وأضفت أليس بإمكانك القيام بعمل آخر؟ بدا التأثر على وجهه ورد علي بنبرة أتظنني شحاداً؟ إني أشتغل وأنا فخور بهذا الشغل وأضاف ماذا لو كان والدك يشتغل عامل نظافة مثلاً ((زبالاً)) هل يعيبك عمله؟ يا عم الشغل ليس عيباً أتدري ياعم إني طالب في الاعدادية واغلب هؤلاء الزملاء طلاب وأنا أنوي دراسة الطب مستقبلاً لكن أرجوك دعني انظيف حذاؤك أجبت يصعب علي مد حذائي أمامك أنت بالذات رد ضاحكاً لكني مصر وانت الآشوري تدري ماذا يعني عندما الكردي يصر؟ أجبته كيف عرفت أني آشوري؟ أجاب من حديثك وصديقك وتابع نحن وأنتم في ذلك متشابهين سألته في ماذا؟ رد ضاحكاً في متانة الرأس أحياناً. صدقاً هذا الفتى جعلني أعيد الكثير من مسلماتي إنه يحاور رأسي قبل أن يحاور حذائي. قام من كرسيه وتوجه إلى محل السمان العم بطرس الذي اعرفه جيداً. عاد بعد قليل قائلاً أن العم بطرس بانتظارك وزميلك لشرب الشاي، إنه آشوري من جماعتكم. في الدكان ناولته حذائي ليقوم بتلميعه وافادني العم بطرس أن هذا الصبي وابن عمه سيكونان يوما ذا شأن ولسمو اخلاقهما خصصت زاوية من المحل لصناديق بعضهم. لم يطل انتظاري لحذائي وابى تقاضي الأجر وزميلي مازال في حديث مع البويجي الآخر. في اليوم التالي أودعت لدى العم بطرس هديتي لهذا الكردي النبيل كتاب النبي لجبران خليل جبران. وعندما سألت زميلي عن إطالته الحديث أجاب كنت مستمتعاً بالحديث مع ذلك الفتى كان يحاورني في السياسة وكان يعرف عن الشهيدة مارغريت جورج والشهيد هرمز مالك جكو الآشوريين أكثر مما أعرف. بعد سنين حدث تغيير شامل على السوق والمحال وهذا الفتى النبيل أضحى طبيب اسنان في إحدى بلدات المحافظة وابن عمه مهندساً زراعياً.
الدافع والغاية :
إن ما دفعني لسرد هذه الرواية تعليق من إعلامي كان يوماً من أركان النظام البائد في سوريا من الوافدين على محافظة الحسكة ممن كانوا يستهزؤون بأكرادها واشوريبها واهزوجتهم ((آشوري ليخا ليخا أمه جابت بطيخة)) الآشوريون أولئك أصحاب الأرض الحقيقيين الذي كشفت سرقات تنظيم الدولة الإسلامية لآثارها في قرية العجاجة وتل التنانير وغيرها من المواقع طبعاً تلك الاثار لم تكن تعود للاكراد ولا للأعراب وإنما لآشور وما تلك العشائر ((المستعربة)) إلا امتداد لأصحاب تلك الحضارة لكن سيف الإسلام عربهم.
ذلك الإعلامي وأصحابه كانوا يستهزئون من أبناء العشائر العربية الفراتية والخابورية المتناولين لهم بنكاتهم البذيئة أخجل كآشوري من سردها. أنا أتفق مع هذا الإعلامي على وجوب طرد كل الغرباء من الأرض السورية إن كانوا من جبال قنديل أو من أي بقعة أخرى من العالم. لكن المؤسف أن يبرر تجنيس عشرات الآلاف من جنسيات وأجناس بشرية مختلفة في جيناتها وثقافاتها وسلوكياتها لمجرد أنها متوافقة مع نهجه السياسي ((الاسلاموي+ عروبي)) ولو أنهم موسومين عالمياً بالأرهاب علماً هذا النهج غير منسجم ومعادي لنهج الإسلام السوري المتميز المسالم والمنفتح ولو تخلله بعض الشوائب وبالاخص في عهدي الأب والابن. للاسف تغافل هذا الإعلامي أن المجرم ((بشار الأسد)) هو من استقدم بعضاً من هؤلاء الإرهابيين العابرين للأوطان والأمم بناء على أوامر سيده الإيراني ((قاسم سليماني)). للتأكد يمكن للإعلامي العودة إلى منشورات بثينة شعبان مستشارة بشار . لذا اليوم سوريا الحضارة تدفع ثمن هذا الهراء.
مسكها رسالة :
هذا الاعلامي لم يكتف بتنسيب كل أكراد الجزيرة السورية إلى جبل قنديل بل عزز كتابته بصورة عن صندوق ((البويا النبيل)) من باب السخرية والاستهزاء من الكرد شركاء الوطن. كل ما أرغبه أن يعود هذا الإعلامي وكل متزمت على شاكلته من أي قومية أو شريحة دينية أو مذهبية إلى رشده الإنساني أولاً وتغليب الحس الوطني ثانياً. إن العالم في تغير فلنشكر الله على نعمة العقل التي ميز بها البشر.
شخصياً: هاجرت سوريا في أيار عام 1998 في اليوم الأول من عملي تذكرت ((اليافع الكردي وصندوق البويا)) حينما قدت عربة الزبالة في المعمل الأول الذي عملت فيه. أما اليوم احتفلت بي المؤسسة الصحية التي تدير سبعة مشافي وعدد من المراكز الصحية في ولاية اللينوي لمرور ستة وعشرين عامًاً كمساعد صيدلي في تركيب الأدوية الكيماوية وبالأخص لمرضى الأمراض المستعصية بعد حصولي على شهادة مساعد صيدلي.
إن نصرة أخي ظالماً أو مظلوما خطيئة أكثر ما يكون لغواً، الوقوف مع الحق نبل إنساني بامتياز ويحضرني قول السيد المسيح له المجد فليكن كلامكم نعم نعم ولا لا وكل ما زاد عليه فهو من الباطل تعرفون الحق والحق يحرركم أما رسالتي إلى أخوتي الأكراد لا تمارسوا ما حاربتموه عند الآخرين. وليكن الوطن السوري بيتاً للجميع دعائمه العدل والمساواة وسقفه الحرية.
شيكاغو 26 تشرين الأول 2025
يوخنا أوديشو دبرزانا


