اخر الاخبار:
سامراء.. القبض على الإرهابي "أبو إخلاص" - الخميس, 30 تشرين1/أكتوير 2025 20:34
فائق زيدان يوجه بإزالة اسمه من أحد شوارع الموصل - الأربعاء, 29 تشرين1/أكتوير 2025 11:14
ترمب: إن لم تُحسن حماس التصرف فسيتم تدميرها - الأربعاء, 29 تشرين1/أكتوير 2025 11:11
العراق.. توقعات جوية غير متفائلة للموسم المطري - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 19:26
نتنياهو يأمر بتنفيذ ضربات قوية وفورية في غزة - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 19:22
انخفاض كبير في أسعار الذهب في بغداد واربيل - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 11:10
البطريرك ساكو يشارك في مؤتمر عن السلام بروما - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 11:04
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

المعاهدة العراقية الأمريكية: بين السيادة الوطنية! وهيمنة الاستعمار الجديد// ناظم زغير التورنجي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

ناظم زغير التورنجي

 

المعاهدة العراقية الأمريكية:

بين السيادة الوطنية! وهيمنة الاستعمار الجديد

المهندس ناظم زغير التورنجي

 

منذ توقيع المعاهدة العراقية الأمريكية عام 2008، والتي عُرفت رسميًا بـ"اتفاقية الإطار الاستراتيجي" و"اتفاقية سحب القوات"، لم يتوقف الجدل والنقاشات حول طبيعتها الحقيقية وأهدافها العميقة. فرغم المظاهر القانونية والدبلوماسية التي أحاطت بتوقيعها، يرى كثير من المفكرين والباحثين أن هذه المعاهدة تمثل شكلاً جديداً من الهيمنة الاستعمارية، ومرحلة متطورة من الاسترقاق السياسي والاقتصادي المغلف بغطاء "التعاون الاستراتيجي".

 

أولاً: منطق الهيمنة في نصوص المعاهدة

تحتوي المعاهدة على بنود تمنح القوات الأمريكية امتيازات استثنائية داخل الأراضي العراقية، سواء من حيث حرية الحركة والتنقل أو الحصانة القانونية. فالقوات الأمريكية، بموجب الاتفاق، لا تخضع للقضاء العراقي في حال ارتكابها جرائم أو تجاوزات، وهو ما يمثل خرقاً صريحاً لمفهوم السيادة الوطنية.

هذا النوع من الامتيازات يذكّرنا بمعاهدات "الامتيازات الأجنبية" التي فرضتها القوى الاستعمارية في القرنين التاسع عشر والعشرين، حين كانت الدول الضعيفة تخضع قانونياً وسياسياً لنفوذ الإمبراطوريات الكبرى.

 

ثانياً: الاقتصاد العراقي بين التبعية والاستغلال

لم تقتصر المعاهدة على الجانب العسكري فحسب، بل فتحت الأبواب أمام هيمنة اقتصادية أمريكية منظمة على الموارد الحيوية العراقية، وفي مقدمتها النفط. فالشركات الأمريكية حصلت على عقود ضخمة طويلة الأمد، ضمنت بقاء الاقتصاد العراقي رهيناً لسياسات واشنطن، وجعلت من "الاستثمار" غطاءً لـ"النهب المنظم".

هذه التبعية الاقتصادية تتطابق مع ما يسميه الباحثون في العلاقات الدولية الاستعمار الاقتصادي الجديد، حيث لا تُمارس السيطرة بالاحتلال العسكري المباشر، بل عبر شبكات المال والشركات والاتفاقيات التي تُكبّل القرار الوطني.

 

ثالثاً: البعد الثقافي والسياسي للهيمنة

من أخطر ما أنتجته المعاهدة هو تطبيع التبعية السياسية والثقافية. إذ سعت الولايات المتحدة، من خلال هذه الاتفاقية، إلى إعادة صياغة البنية المؤسساتية للدولة العراقية على نحو يجعلها متوافقة مع رؤيتها الخاصة للمنطقة.

فالسياسات الأمنية، والتعليمية، وحتى الإعلامية، أصبحت تتأثر بالمنظور الأمريكي لما يُسمّى "الشرق الأوسط الجديد"، ما جعل العراق في موقع التابع السياسي والفكري لا الشريك المتكافئ. وهذه هي الاسترقاقية الحديثة: استعباد العقول قبل استعباد الأبدان، وإخضاع الدولة من الداخل دون الحاجة إلى الاحتلال المباشر.

 

رابعاً: بين الاستقلال الشكلي والتبعية الفعلية

رغم أن المعاهدة تُظهر العراق كدولة مستقلة ذات سيادة، إلا أن واقعها العملي يشير إلى العكس. فوجود المستشارين الأمريكيين في أغلب مفاصل الدولة الأمنية والسياسية، واستمرار الاعتماد على الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي، جعل من الاستقلال مجرد إطار شكلي يخفي خلفه واقعاً من التبعية العميقة.

بهذا المعنى، يمكن القول إن العراق يعيش مرحلة "الاستعمار المقنّع"؛ استعمار بلا جيوش محتلة، بل باتفاقيات قانونية وأدوات ناعمة تحكم البلد من الداخل.

 

المعاهدة بين الرفض الشعبي الوطني وإرادة التحرر

لقد واجهت هذه المعاهدة رفضاً واسعاً في الأوساط الشعبية والسياسية العراقية، خاصة من القوى التي تؤمن بضرورة بناء قرار وطني مستقل. لكنّ الهيمنة الأمريكية، بمظاهرها المتعددة، لا تزال تشكل تحدياً مستمراً لإرادة التحرر الوطني.

إن التحرر الحقيقي لا يتحقق بإعلان الانسحاب العسكري فقط، بل بتحرر القرار العراقي من كل أشكال الوصاية السياسية والاقتصادية والثقافية.

وعليه، تبقى المعاهدة العراقية الأمريكية وثيقة استعمارية في جوهرها، استرقاقية في نتائجها، وإن غُلّفت بلغة "الشراكة" و"التعاون". إنها استمرار لنهج الاستعمار، ولكن بأدوات القرن الحادي والعشرين.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.