اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

الصين في قفص أتهام كورونا (1-2)// د. لبيب سلطان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. لبيب سلطان

 

الصين في قفص أتهام كورونا

   وهل يمكنها الخروج منه دون ثمن باهض (1-2)

د. لبيب سلطان

 

الجزء الأول: كيف نفهم الصين اليوم

خلال 40 عاما الماضية انجزت الصين طفرة نوعية وفريدة في التاريخ، وهو أنتقالها من نظام ماركسي متطرف يقارع الأمبريالية خلال حكم ماوتسي تونغ الى النموذج الراسمالي واقتصاد السوق، محافظة بنفس الوقت على نظام توتالاري  للحزب الشيوعي الصيني كقائد للدولة، والغريب انه القائد ايضا لهذا التحول الأقتصادي نحو الراسمالية، رغما عن عقيدته. ووصلت الصين بعد تبنيها للراسمالية كمنهج لتطوير الأقتصاد الى تبوئها عام 2016 المركز الأقتصادي الثاني في العالم من حيث الناتج القومي الكلي (طبعا من حيث الحجم وليس النوع، فالصين لازالت تحتل المرتبة 95 في العالم من حيث مقاييس العيش والعمل والصحة والخدمات، والمرتبة 79 من حيث دخل الفرد قياسا الى المنتوج الوطني الكلي، وهي تأتي بعد بلدان مثل العراق وايران وكازاخستان وفق احصائيات عام 2017). فنمو الصين الأقتصادي هو نمو كمي جرى اساسا على توسيع الأستثمارات العالمية والوطنية في توسيع الأنتاج الصناعي مستفيدة من رخص الأيدي العاملة، وغياب تشريعات بيئوية، او تشريعات حماية ظروف العمل والأنتاج (تشكل هذه العوامل الثلاثة نسبة تفوق 70% من كلف الأنتاج في البلدان المتقدمة بينما هي تشكل فقط 20% من كلف الأنتاج في الصين، اي ان الشركات الدولية تستطيع خفض كلفها التصنيعية 50% وبذلك مضاعفة أرباحها).  والواقع أن اميركا هي المهندسة الرئيسية لنجاح الصين، وفق نظريات هنري كيسنجر في السبعينات لتحويل الصين من بلد مناهض لها سياسيا في سنوات الحرب الباردة الى بلد محايد مقابل أن ينهض بالتصنيع، وتنصرف هي لتطوير التكنولوجيا وفق رؤيا لتطوير المصالح المشتركة التي اقنعت قيادة الصين وتسير عليه منذ الثمانينات. وتحولت الصين تدريجيا الى مصنع كبير للعالم، تتوجه له الشركات من الدول الراسمالية من كافة أنحاء الأرض للأستثمار لأجل ألأنتاج الرخيص محققة ارباحا طائلة من جهة، وسمحت لهذه البلدان الغنية بخفض معدلات التضخم فيها وتحسين مستويات الرفاه من خلال البضائع الصينية الرخيصة التي باتت تنتجها شركاتها في الصين. الا أن الخاسر الأكبر كانت الطبقة العاملة في هذه البلدان، وكذلك البلدان النامية والفقيرة، حيث تم تدمير صناعتها الوطنية والحرفية لأنعدام القدرة على المنافسة مع ماتنتجه الصين "فحتى النعال والدشداشة والعقال يتم استيرادها اليوم من الصين بدل انتاجها محليا". بل والأنكى، ان الصين تحركت نحو افريقيا تحت غطاء مساعدتها وكان هدفها  السيطرة على موادها الخام وأعطت قروضا كبيرة تستردها من مناجم وموارد طبيعية سيطرت كليا عليها لاحقا لعدم تمكن هذه البلدان التي يسودها الفساد الحكومي من دفع قروضها (ونموذج عبد المهدي في الأتفاقية التي وقعها مع الصين هو نفسه مع هذه البلدان ويبدو انه وقعها بطلب ايراني لتكون غطاء  لتجارة الصين مع ايران لتفادي العقويات الأمريكية وهذا يدل على غباءه وعدم وطنيته). ويكفي القول ان الولايات المتحدة صرفت زمن الرئيس اوباما 5 مليارات بدون مقابل (وهو ما يعادل ثلث استثمارات الصين في القارة) على مكافحة مرض الأيدز في القارة السوداء. واستمتعت الصين وفق الهندسة الأمريكية الكيسنجرية  بامتيازات كثيرة من العالم أهمها أعفاء بضائعها من الرسوم الكمركية للأستيراد، حيث صنفت كبلد نام وليس متطور لتعفى من الضرائب وفق مواثيق منظمة التجارة الدولية لمساعدة البلدان النامية على التنافس. والواقع أن النمو الأقتصادي الصيني بقي نموذجا وطنيا مغلقا، اي انه لم ينجح ان يولد ماكنة أقتصادية تسهل نمو اقتصاديات العالم بشكل مواز، مثل النموذج الأميركي الذي طرح ماكنة اقتصادية تشغل اقتصاديات العالم بصورة متوازية منذ خمسينات القرن الماضي خصوصا في اليابان وبلدان اوربا ولاحقا في كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة وغيرها، وساهم بتشيغل ملايين العاطلين وخلق الرفاه فيها، فالنمودج الصيني بقي نمودجا وطنيا صرفا مقتصرا على "أنتاج البضائع الرخيصة للتصدير"، ودمر اقتصاديات البلدان النامية، وقام بنقل فرص العمل الى الصين، عكس النموذج الأمريكي الذي خلق فرص العمل في العالم. وامام فوائد جني أرباح طائلة من الأقتصاد الصيني سكتت البلدان الغربية وأميركا تحت ضغط شركاتها، وبشكل منافق، عن أمور تتعلق بخروقات للحريات العامة والبيئة وحقوق الأنسان وظروف العمل، وهو أمر مفهوم طبعا، مادام الجميع مستفيدا من النمو الأقتصادي للصين (المصالح تاتي فوق المبادئ). هذا هو واقع حال الصين الراسمالية تحت قيادة الحزب الشيوعي، وهو واقع غريب ان تنمو الراسمالية دون أدوات التعددية الليبرالية السياسية والحريات التي كسبتها الشعوب بنضالها في البلدان الراسمالية، ومنها ضمان الحريات الشخصية وحرية الأعلام والصحافة وحرية الوصول للمعلومات واحترام البيئة والكف عن تلويثها، وانهاء الدكتاتوريات وتسلط الحكومات على المواطنين. وفي الصين يجري عكس ذلك تماما، فهي تجري وفق قواعد حددها  الحزب الشيوعي لوحده ويسمح بها فقط وفق مايناسبه، وخير مثال على هذا هو حجب الكثير من المعلومات عن تفشي وباء كورونا، وسابقها عن مواقع "Google " و "“ Facebook التي لاتروق له، وسكوت العالم عن تقارير المنظمات الدولية لحقوق الأنسان وهي تتحدث عن وجود معسكرات للأعتقال الجماعي في مناطق نائية (شمال غرب الصين) تضم اكثر من مليوني انسان لايسمح بزيارتها تضم الكثير من السياسيين ومن ضحايا الفكر والكلمة عدا البوذويين والتركستان المسلمين. من الناحية الداخلية هناك اقل من 1% من الصينيين اليوم، وهم الطبقة الأوليغارية الجديدة في الصين والمقربة من الحزب يسيطرون على 40% من ثروتها ،و5% تسيطر على 70% منها ، في بلد لايتجاوز متوسط الدخل السنوي للفرد فيه المقاس على القوة الشرائية $8000  دولار وفق احصائيات عام ،2017  ويصل الى اقل من 4000 $ دولار  بالنسبة لـ 95% من السكان تقريبا، ، وعليه تجد ظاهرتين: الملايين من الصينين  يجوبون المتاجر الفاخرة في اوروبا، وخصوصا ايطاليا وفرنسا واسبانيا، بينما 95% من سكانها يقتاتون من الفتات الرخيص (بما فيها الطعام الحيواني الرخيص مثل الخفافيش والفئران والقطط ويعتقد منها أنتقل وباء الكورونا الى السكان). هذا هو واقع الصين اليوم تحت قيادة الحزب الثوري الشيوعي الصيني. ولكن حدوث  الكورونا جلب الأنظار لوضع الصين هذا، ويتوقع  انه سيؤثر على تغيير موقعها  ومستقبلها، خصوصا وان العالم بدأ يعي أنه حان وقت فتح الحساب معها امام الخسائر الجسيمة التي تحملها من الوباء، فهو يحمل الصين وسياساتها سبب خسائره الجسيمة، سواء الأنسانية أو الأقتصادية.

د. لبيب سلطان

15-4-2020

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.