شفق نيوز- ترجمة خاصة
ساهم الآشوريون في تشكيل حضارة العراق وبلاد ما بين النهرين، وبرغم أنهم من السكان الاصليين لهذه البلاد، لكن تعرضوا للتهميش على مر القرون، وخصوصا خلال عهد مصطفى اتاتورك في تركيا، والنظام السابق بقيادة صدام حسين في العراق، في حين راج استخدام مصطلح "الأقلية" لوصفهم، وهو ما يمثل إنكارا لحقوقهم التاريخية، بحسب ما خلص اليه موقع "وكالة الأنباء الآشورية الدولية".
واعتبر الموقع الآشوري في تقرير له، وترجمته وكالة شفق نيوز، أن، استخدام مصطلح "أقلية" لوصف الاشوريين في تركيا ولاحقا في العراق، مرتبط بشكل وثيق بالاجندات السياسية والقومية لهذه الدول، خصوصا في القرن الـ20.
وبحسب التقرير، فانه برغم أن الاشوريين هم من السكان الاصليين لأرض الرافدين أو بلاد ما بين النهرين، فإن مصطلح "أقلية" استخدم لتقويض وجودهم، وانكار حقوقهم التاريخية، وتهميش تاثيرهم في التطور السياسي والاجتماعي للشرق الاوسط المعاصر.
وأوضح التقرير، أنه بعد انهيار الامبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الاولى، باشرت الجمهورية التركية الجديدة، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، في تطبيق برنامج قومي لبناء الدولة، حيث سعى اتاتورك والقادة القوميين الاخرين الى تشكيل هوية تركية موحدة من شانها توحيد السكان تحت راية قومية لدولة معاصرة وعلمانية ومتجانسة، ولهذا فقد جرى تصنيف الجماعات العرقية والدينية غير التركية، ومن ضمنها الآشوريون، باعتبارها من "الاقليات" رغم وجودهم التاريخي القديم في المنطقة.
وبالنسبة للاشوريين، بحسب ما قال التقرير، فإن مصطلح "اقلية" أصبح وسيلة لتبسيط ومحو هويتهم المتجذرة في التاريخ لالاف السنين، وانه من خلال تصنيف الاشوريين كـ"اقلية"، نجحت الدولة القومية المتشكلة في محو اهميتهم كاحد الشعوب المؤسسة للمنطقة.
ورأى التقرير، أن تصنيف "الأقلية" ارتبط ايضا بسياسات مثل الاندماج القسري، ومصادرة الاراضي، ومحو الثقافة، وبعد الاشارة الى مذبحة "سيفو" في السنوات الاخيرة من الدولة العثمانية، قال التقرير إن "استخدام مصطح أقلية، في السياق التركي لاحقا كان بمثابة وسيلة لاسكات اي مطالب محتملة من الاشوريين بارضهم التاريخية ودورهم في تشكيل تاريخ المنطقة".
وبالنسبة الى العراق، فقد قال التقرير، إنه بلد متعددة الأعراق، يضم العرب والكورد والتركمان والآشوريين، لكن تشكيل دولة قومية للغالبية العربية لم يترك مجالا كبيرا للمجموعات الأصلية مثل الاشوريين للمطالبة بحقوقهم السياسية والثقافية أو الإقليمية، فساهم تأسيس العراق الحديث بعد الحرب العالمية الاولى، تحت الانتداب البريطاني، بتحويل الاشوريين الى "اقلية" في وطنهم الأم.
وتابع التقرير، أنه بعد حصول العراق على الاستقلال في العام 1932، جرى الدفع بالاشوريين الذين ادوا دورا جوهريا في تطوير النظامين السياسي والاجتماعي الحديثين في العراق، الى هوامش الهوية العراقية، مذكرا بان الاشوريين لعبوا في بداية القرن القرن الـ20، دورا رئيسيا في تطوير البنية التحتية والتعليم والجيش العراقي، إلا أن صعود القومية العربية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، سار بالامور إلى محاولات منظمة لتكريس الهوية العربية على حساب المكونات الاخرى.
وبحسب التقرير، فإن الاشوريين، بحلول اربعينيات وخمسينيات القرن الـ20، اصبحوا يصنفون كـ"اقلية"، وهو مصطلح استخدم لتهميش دورهم في عملية بناء الدولة العراقية، مشيرا إلى أن ذلك كان جزءا من وجهة واسعة في الشرق الاوسط، حيث ادت حدود ما بعد الاستعمار الى تهميش الشعوب الاصلية لصالح مجموعات عرقية او دينية مهيمنة.
ولفت التقرير إلى أن مصطلح "أقلية" جرى استخدامه لطمس العلاقة التاريخية العميقة التي تربط الاشوريين ببلاد ما بين النهرين، وتصويرهم بدلا من ذلك كجماعة ثانوية وتابعة.
اما الحكومة العراقية، وخصوصا في عهد صدام حسين، فقد اشار التقرير الى انها عملت على ترسيخ هذا التهميش من خلال استخدام مصطلح "اقلية" لتبرير القوانين والسياسات التمييزية واعمال العنف الرسمية، موضحا انه "جرى تهجير الاشوريين من اراضيهم التاريخية نتيجة لسياسات التعريب، كما جرى تقويض هويتهم الثقافية عبر فرض الاندماج القسري ضمن الهوية العربية".
وعرج التقرير، على مصطلح "أقلية"، الذي استخدم في كل من تركيا والعراق، كهدف استراتيجي للحد من القوة السياسية والحقوق والاعتراف بالاشوريين، وهو جزء من جهد اوسع لتمركز السلطة بيد الاغلبية السكانية وخلق هوية وطنية موحدة، حيث لم يكن استخدام المصطلح لمجرد فقط وصف لحجمهم السكاني، وانما كان بمثابة حركة سياسية مقصودة من اجل تقليص تأثيرهم وشرعيتهم، لانه من خلال استخدام هذا الوصف، فان الدولتين كرستا فكرة ان هذه المجموعات اقل شأنا من السردية الوطنية السائدة.
وبحسب هذه السردية، قال التقرير انه تم تصوير الاقليات على انهم ليسوا شركاء كاملين في الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية للدولة، وهو تصور ترسخ من خلال قوانين وسياسات زادت من تهميش الاشوريين، ومنعتهم من الحصول على التعليم بلغتهم، او الحكم الذاتي، او الحفاظ على تراثهم الثقافي، ما اخفى الدور المحوري الذي لعبه الاشوريون في حضارات المنطقة القديمة وفي تطورها الحديث بعدما تم تصويرهم كغرباء في ارضهم.
استعادة السردية
وختم التقرير، بأن استخدام مصطلح "أقلية" لوصف الاشوريين في تركيا والعراق لا يقلل فقط من اهميتهم، بل يرسخ ايضا عملية محو لمكانتهم الحقيقية في تاريخ بلاد ما بين النهرين، حيث أن الآشوريين ليسوا مجرد جماعة صغيرة تعيش في دولة اكبر، وهم السكان الاصليون للارض، ولهم ارث ثقافي وديني وتاريخي عميق يمتد عبر الاف السنين.
بالتالي، وفقا للتقرير، بات من الضروري إعادة النظر في استخدام مصطلح اقلية"، في ظل استمرار الاشوريين في الكفاح من اجل حقوقهم والاعتراف بهم وببقائهم، مضيفا أن "استعادة السردية المتعلقة بالشعب الاشوري تعني الاعتراف بمساهماته في الحضارة الانسانية، ودوره كشعب مؤسس في الشرق الاوسط".
ترجمة وكالة شفق نيوز