اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

شؤون تللسقف

تـللسـقـف تـنهض من جديد// لطيف پولا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

لطيف پولا

 عرض صفحة الكاتب

تـللسـقـف تـنهض من جديد

لطيف پولا

القوش

 

تِللا زقـيـپـا (التل المرتفع). وهو التل الذي يُعتقد منه جاء اسم تللسقف بعد تصحيف الكلمة تـِـللا زقـيـپـا, تسقوبا =تللسقف. وهي قرية كبيرة في سهل نينوى على بعد ثلاثين كيلومتر شمال الموصل .وجنوب القوش بخمسة عشر كيلو متر تقريبا.

 

قبل 6 اب 2014م كانت لنا نشاطات وفعاليات فنية وادبية كثيرة في القرية التي دأب أبناءها على اقامة مهرجانات واحتفالات وامسيات شعرية وندوات فنية وثقافية ساهمنا في معظمها في قراءات قصائد شعرية في مناسبات عديدة, وفي تدريب فرقة الإنشاد التي ساهم فيها الكثيرون من الموهوبين الشباب وقد شهدت تللسقف بحق نهضة ثقافية فنية اجتماعية بالاضافة الى النشاط الاقتصادي والتجاري. وبرهن ابناء تللسقف على كفاءتهم وجدارتهم في استقطاب الكثيرين من ابناء القرى المجاورة لزيارة تللسقف للمساهمة في فعالياتها او كزبائن الى محلاتها التجارية لحسن معاملتهم وطيب معشرهم. ولم تفلت تللسقف من مخالب الارهاب, فقد تعرضت الى تفجيرات عدوانية  لتعكير صفوتها وهدوءها ولتعطيل مسيرتها الثقافية والفنية والتجارية. وبعد الانفجار الذي اوقعه الارهاب بالقرب من مدرسة الاطفال والسوق كتبت قصيدة في الحال عام 2008م وهي في ديواني الثامن ـ اخر الدموع 2008م . ومما جاء فيها:

صبراً لنُحرقَ جيشَ الدجى بصبرِنا

             أنّى له ضبعُ الليل ِهذا الجرمَ يُكذّبا

إذا ظَنَّ سيفَ الحق ِهذا اليوم مُغَيَّبا

       كان الشعبُ للأوغادِ في التاريخ ِمُحاسبا

قد أثقلَ نيرُ الأمسِ لقرونٍ مَناكبا

                  فما لنا ومن دون الشهادة ِمَناقِبا

أو أن نحيا كالأحرارِ في وطن ٍ مُحرّر ِ

             أو نموت في ثراه ولن أحيا مُغتربا

 

ولم يفت, ما حصل من عدوان غادر, في عضد ابناء تللسقف بل شمروا عن سواعدهم وتزاحموا لإزالة الانقاض واعادة كل شيء الى ما كان عليه واقيمت أمسية شعرية كان لي الشرف ان اقرأ فيها قصيدتي: (يا تلسقفَ صبرا صبرا) وكان نجم تللسقف الساطع الصحفي المعروف والصديق العزيز جميل روفائيل اكثر الناس تشوقا الى قريته واكثرهم حماسا للنهوض بها ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا, وكان قد وعدنا ان يأتي من الغربة ويسكن في قريته تللسقف التي احبها الا ان القدر كان اقوى منه. رحل ليترك قلبه في تللسقف وذكرياته الطيبة في قلبونا لأرثيه بأكثر من قصيدة. وقد قرأت في حفل تأبينه قصيدتي (لا تجزعوا من أمرِ قضى) وهي في ديواني العاشر (وداعا يا احلام) 2012م جاء فيها:

آلــيتم ان تزوروا وطـنا معذبـــا   

               لقد أمسى الوفاءُ هذا اليوم  مـَثـلـَبا 

  بالأمس ِ وعدتنا ان تروي اشتياقـَـنا 

                     تـُقاسمنا الـــمُرّ والهَــمّ والكَربا

  اتيتَ تلسقفَ مرحى مرحى مرحبا! 

                   وليس كالمعهود ِ لن تعانقَ الصُحُبا

قد أحزنك أمري يا جميلُ لأني        

                   أزرع ُ في الرمال ِ،غيري يجني ذهبـــا

عاتبتني حينما أهملتُ التواصلَ       

                وقلــــب ُ الشــعراء ِ قــــليل ٌ أن يعتبــــا

 نحن هنا نخيط ُ جراحا لاتنتهي      

                لتـــُعلـن أخبــــارا  فتثـيـــر الطـَـــَربــــا

فبدت حياتـُنا مسرحا  للمآسي          

                كــــأنّ الفـــرح َ من الوجــوه  شُــــطبا

 والوحش ُ يريدنا من أجل ِ ان نسلــــــم َ

                أن نـكســــر َ القلـــم َ ونحـــرق الكـُتـبــا

 يئسنا بعد ليل ٍ طال ظلمُ دجاه ُ     

                أفلـــتْ نجومُــه  فاحــترقنــــا حَطبــــا

 وتــــاه قطيعـُنا  شـــتاتا  دون راع ٍ      

             مـزقــتــه  الذئـابُ  في الدروب ِ إرَبـا

فبتنا كالذين استفاقوا في القبر ِ  

            قد ضيعنا الآمـال َ وشاهـدنا العجبـــا

 تركنا اعشاشـَنا ويـَمّمنا البوادي                 

           وأهلنا في التيه ِ قد وصلوا القـُـــُطــُبا

ما كلُ نجم ٍ غاب َمن الفانين حُسبا  

        فكل ُ النوازك كانت يومــــا شُــهــــــبا

 

وحزنت تللسقف على نجمها الذي هوى, وشاركناها احزانها ولم يبخل قلمي بتصوير اشجانها كما شارك في افراحها.. ويوم طرق سمعي الخبر المحزن برحيل شاعر تللسقف الفذ والمنسيُ, مع الاسف, الاستاذ عبد الرزاق صادق ماميزا لم استطع ان ازم مشاعري التي انفجرت من شدة الحزن على استاذ فاضل وموهوب عاش معذبا ايامه الاخيرة بعد ان فقد بصره بسبب التعذيب والمعاناة في السجن ثمناً لمواقفه الوطنية ليصبح مدرسا مكفوفا لكن وبسبب ذهنه الوقاد وقلبه البصير لم يفقد بصيرته بل كان افضل من الكثيرين الذين لهم عيون وهم عميان القلوب والعقول!. لذا رثيته بقصيدتي (يا شاعراً جرع العذاب دهرا) وهي في ديواني الثامن ـ  اخر الدموع ـ 2008م جاء فيها:

أترحلُ ومن غــــير أن تقـولَ     أم الموت ُ كان عليك عجولا؟

يا شاعرا جرع العذابَ دهرا      ظلماً وكان عذابهٌ طـــــويلا

كنت بلبلا في الحياة سجينا        تقرض الشعر وتصدح الترتيلا

وإذا كنتَ  تواجـه الســـيولا        فعند المــــــوت قد تجد الحلولا

 

ولما انقطعت السبل بفتاة مهاجرة من تللسقف وهي في الاردن تطلق نداء استغاثة كان قلبي اول من سمعها وترجم استغاثتها الى قصيدة لتصبح لسان حالها لأبثها الى العالم عبر صفحتي المتواضعة. وهذا ما جاء في قصيدتي (انا وحدي في العباب) من ديواني السادس ـ زقزقات في الغسق ـ 2007م

ماذا افعلُ يـا ربي       أهذا جزاءُ حبــــــي؟

 في الاردنَ بقايا جسمي    وفي استراليـــا قلبي

 خذني ألـى تلسقفَ        كفى الضياعُ يـا ربي

خلقتني للــــــهمومِ           فمن ينقذُ مـــركبي؟

ومصــــابنا مأساةٌ            لــم تذكر في الكتبِ

تلعب بنا الاقـــدارُ            قتلى مـن دون سببِ

من يجمع بقايانـــا          تبعثرت كـــــالسحبِ

فُرادا عبر المـحيطِ         وفي بـــــــلاد العربِ

ووطني قد اصبـــح        كــــالكرة في الملعبِ

لتركلهُ الاقـــــــدامُ             انـــــاسٌ بلا ادبِ

وحلمنا بالفردوسِ             في سرابٍ وكــذبِ

واطعمونا الوعـــــــودَ      في الكــلام والخطبِ

من الوم يـا زمني؟          احــرقونا  كالحطبِ

انا وحــدي في العبابِ      كالاسير وفي السبي

من يخسرُ امـــاله           لن تعودَ بــــــالذهبِ

فقد بعنا انفسنـــــا           بــلا عيبِ اوعجبِ!

وزرعنــــا ضحايانا         من قطبِ للــــــقطبِ

وفتكوا بشعبنــــــا           شيخٍ وشابٍ وصبي

 

وكتبت مرثاة (من يا هل ترى تلوم؟ من ديواني السادس ـ زقزقات في الغسق 2007) على روح المرحوم ابن تللسقف المناضل صبري يونان العم مرقس جاء فيها:

مررتُ في تللسقف وقد عمَّها الوجومُ

                     وقد أبى زماننا أن تفارقنا الهمومُ    

 لازالت ضحايا الوغد في درب النضال  تترى     

               من قال ظُلم الظالم ِ في العراق لايدومُ

أبو((صميم)) مثال في العطاء والعذابِ

                       نَهَشَـت به الذئابُ وأخوه معـدومُ

وقد أوقـد عـمرهُ لـشعـبٍ طـال لـيلهُ

                      لـحـلـم تـبـددَ  أو يـَنـْعَـبُ فـيه بـومُ

وترك وحيدهُ كقارب في العبابِ يهيمُ

                     من غير هدى على الأحزان يعومُ

وعلى ((صبري)) تبقى كل اليمام ِ تنوحُ

                       لتـنـدبَ بـقاياهُ وتجـيـبها الرسومُ

عَجّـلَ  به المرض وليسقيه الزؤامَ

                     وشـرابُ المناضل ودواؤه سـمومُ

 

وكان يوم 6 اب 2014م لتواجه تللسقف مصيرها وحدها شأنها شان معظم القرى والبلدات في سهل نينوى اصبحت بيوتها وازقتها واسواقها ومدارسها وكنائسها خاوية مهجورة. إلا انَّ الغيارى من ابناء تللسقف واخرين من ابناء شعبنا وقواته المسلحة وقوات البيشمركة الابطال تمكنوا من افشال المخططات الجهنمية بصمودهم وبتوجيههم الضربات القاصمة للأرهاب رغم الخسارة الكبيرة بالارواح والممتلكات وهجرة عشرات الالاف الا نهاية الارهاب جاءت بانتصار ارادة ابناء تللسقف وارادة بقية ابناء شعبنا بتضامنهم مع قواته المسلحة وقوات البيشمركة الابطال. وما ان انجلى الظلام وراح الأرهاب يجر اذيال الخيبة اسرع ابناء شعبنا بالعودة ومنهم ابناء تللسقف يتسابقون للإعمار وتضميد الجروح ولم تمضِ الا اشهر قليلة حتى غدت تللسقف بلدة عامرة باسواقها ومدارسها وكنائسها. كان  ذلك بفضل شجاعة واصرار ابنائها والخيرين المتعاونين معهم وباشراف الاب الفاضل سالار الغيور على رعيته وابناء وطنه فلم يغمض له جفن حتى اعاد الى تللسقف معظم ابنائها الذين لم يتركوا الوطن ومعهم الكثيرين من ابناء تلكيف وباطنايا . فقد عمل الاب سالار, ومعه ابناء تللسقف الغيارى, ما يثير الدهشة واعجاب كل من يزور تللسقف على هذه الإنجازات الرائعة وفي وقت وجيز. واصبح للأب سالار مكانة خاصة في قلوب ابناء رعيته لعمله الدؤوب في خدمتهم والبقاء معهم في محنتهم فكان المثل الاعلى في الشجاعة والتضحية وخدمة ابناء تللسقف. وقد لا يصدق المرء كل تلك الانجازات بما يسمعه الا حينما يزور تللسقف ويشاهد بأم عينه ويصغي الى حديث ابناء تللسقف الغيارى الذين يلهجون بذكر الاب سالار شاكرين جهوده. وانطلاقا من تلك المحبة المتبادلة  تكاتف ابناء تللسقف صفا واحدا داعمين ومشجعين جهود الاب سالار في اعادة وجه تللسقف الناصع الى ما كان عليه وازالة اثار الخراب والدمار وانقاض الحرب.

 

واليوم وبعد دعوة وجهها لي الصديق الاستاذ باسم روفائيل لزيارة متحف تللسقف للتراث الشعبي كنت سعيدا جدا لمشاهدتي للمتحف وما فيه من تحف تراثية تبرع بها ابناء تللسقف من ادوات زراعية تستعمل للحراثة والحصاد والاواني البيتية المتنوعة الفخارية منها والخشبية والتي هي من صنع ابائهم واجدادهم وامهاتهم وان دل هذا على شيء فانما يدل على حب ابناء تللسقف لتراث الاباء والاجداد وهذا الحب جعلهم يتمسكون بارضهم رغم كل المصائب والمصاعب والماسي التي حلت بهم. وكانت سعادتي اكبر لمشاهدتي الاعمال الكبيرة التي قام بها الأب الفاضل سالار, ومعه ابناء تللسقف الغيارى, من تعمير الكنيسة وتوسيعها وازالة الانقاض وتعمير البيوت واكساء الشوارع وهذا ما شجع ابناء تللسقف الى الاسراع بالعودة الى قريتهم الخالدة لتعود الحركة العمرانية والتجارية والثقافية بجهود ابنائها الغيارى  وعودة المحلات الى فتح ابوابها وازدهار التجارة في سوق تللسقف من جديد وكل شيء يستبشر بالخير. ومما افرحني كثيرا قراءتي على وجوه ابناء تللسقف تلك الفرحة النابعة من قلوبهم والتي ساهم في ايقادها بشكل كبير الاب سالار الذي كرس ويكرس جُلَّ وقته في خدمة اخوته من ابناء تللسقف الذين احبوه كثيرا لتضحياته ونشاطه الدائم في خدمة تللسقف وابنائها الغيارى. وانا بدوري اضم صوتي الى صوت الاخوة  والاخوات من ابناء تللسقف شاكرين الاب سالار على هذه الجهود الخيرة ونتمنى من الجميع ان يكونوا بنفس الهمة في اعادة بلداتنا التي عانت من بطش الارهاب وتحملت المعاناة والخراب والدمار الى ما كانت عليه. ولما هممت بالعودة الى القوش سعيدا جدا بما رأيت وسمعتُ طلبتُ من الصديقين العزيزين الاستاذ باسم روفائيل العم مرقس والاستاذ صباح ميخا رفوكا ان يلتقطا لي بعض الصور لأنشرها في صفحتي كشهادة ناصعة على تلك الجهود التي بُذلت لأعادة تللسقف الى ما كانت عليه وباشراف الاب سالار وبجهود وتعاون الخييرين من ابناء تللسقف واصدقائهم الغيارى. وما ان وصلت الى مكتبي في بيتي في القوش حاولت ان اصور تلك الفرحة من خلال هذه الاسطر القليلة لحكاية البطولة التي كانت بمثابة ملحمة البناء سجلتها جماهير تللسقف باشراف الاب سالار ليبرهنوا للعالم اننا شعب يحب الحياة والعمران والحضارة  ولا يفت في عضدنا كل المحاولات الاجرامية في انهاء وجودنا التاريخي على ارضنا المقدسة ارض الآباء والاجداد, وفي نفس الوقت خيبوا ظن من كان ينتظر نهايتنا بعد التهجير من بلداتنا وقرانا واشاعة الخراب والدمار في بيوتنا وكنائسنا وحقولنا ومدارسنا. انظروا الى هذه الصور وفيها ابناء تللسقف صغارا وكبارا رجالا ونساءا ومعهم الاب سالار وقد شمروا عن سواعدهم لإعادة تللسقف الى ما كانت عليه, ليخيبوا امل الإرهابيين اعداء الحياة. هذه هي بيوت تللسقف ومدارسها وكنائسها واسواقها وحقولها تعجُّ بابنائها الغيارى كخلية نحل شأنهم شأن كل ابناء بلدات وقرى سهل نينوى يصنعون الحياة من جديد اذا توفر لهم قائد همام ومستلزمات البناء. لذا أهيب بكل ابناء شعبنا حيثما كانوا ان لا يبخلوا بشيء ولا يدخروا وسعاً لدعم اخوتهم الصامدين في ارض اجدادهم وان يتذكروا دوما: لولا هذا الصمود الرائع والإرادة الصلبة لكانت معظم بلدات وقرى سهل نينوى اليوم أثر بعد عين  تنعب فيها الغربان. انها معركة البناء والوجود ايها الإخوة عليكم جميعا ان تساهموا في هذه المعركة حيثما كنتم, ومن يبخل في ذلك لن تذكره الاجيال القادمة بخير.. و( على قدر اهل الكرم تأتي المكارمُ ... وعلى قدر اهل العزم تأتي العزائمُ ).

 

 

أبناء تللسقف مع الأب سالار يزرعون الحياة من جديد

 

أضف تعليق


شؤون تلسقف

تللسقف/ تلا زقيبا

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.