أوراق الخريف- رواية: الفصل السابع عشر// د. آدم عربي
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 19 حزيران/يونيو 2024 19:41
- كتب بواسطة: د. آدم عربي
- الزيارات: 1856
د. آدم عربي
أوراق الخريف- رواية: الفصل السابع عشر
د. آدم عربي
في ليلتها التالية، بعد ليلة العشاء مع أحمد، جينا، وبعد يوم عملٍ مرهق، ها هي تتمدد على كنبتها الوثيرة، فتغرق في بحر ريشها الدفين المغلّف بالنسيج القطني الباهظ الثمن، المزركش بالألوان الزاهية كقوس قزح شتوي. تأخذها فكرة غريبة حول الظل، فباتت تعتقد بأنه كما للأشخاص في الشمس ظلها، أيضًا للمواقف ظل. تظن جينا أنه بجانب كل موقف معلن، موقف ظل، ليس بالضرورة أن يتواءم شبهاً مع الأصل لكنه لا ينفصل عنه، وإلا كيف يمكن تفسير نظرات أحمد الشبقة، ذات الأهداف المحددة، المرافقة مع أحاديث مختلفة لا تقرب النظرات بأم وأب؟ فكان مديح الشواء ينصبّ نظره على العنق المكشوف بقصة شعري القصيرة جدًا، فيما دقة وصفه جمال أشجار الحديقة تفضح ميله للفستان الأصفر القصير وقد بدت منه ساقان برونزيتان، فيما تجوب نظراته المكان بسرعة الكاشف. كانت كلماته مقتضبة، ومدروسة بدقة محقق، لولا توزيع ابتسامة كلما التقت نظراتنا بتقصد الصدف المفتعل، لينشغل ببقع الدهن المتقطر من سخونة الشواء. مدروسة نظراته، كما كلماته القليلة، تترك الظل من الموقف حشد تساؤلات، ودلالات، وحيرة أكبر، متخبطة في شكوكها، تريدها تفسيرات إعجاب من أحمد. بينما اقتضابه ينفي ..، لا تنطبق قاعدة الظل على أحمد .. هذا يُخيّل لي ... فأنا من بادر إليه وكان يتمنع، ربما نظرية الظل تنطبق عليّ أنا، فأحمد عندما حضر إلى البيت، كنتُ وضعته تحت الأمر الواقع ....... ما هذا الرجل؟ قطع تفكير جينا مشكلة دنيس، فقد وصلها عنه خلال الأسبوعين الماضيين مجموعة شكاوى، مفادها أنّ دنيس يأتي الشركة عندما يأتي، في وضع غريب غير معتاد عليه، فهو الأنيق المرح والذي يحول الموظفين عند قدومه القليل للشركة سعداء، فماذا حلّ به الآن؟ ولماذا يأتي عبوسًا وكئيبًا ورائحته كريهة؟ فهو مثال النظافة! لا بدّ أنْ أطلبه لمكتبي غدًا فالأمر مقلق ... غدًا سأرى الأمر وتخلد للنوم.
في الصباح وكعادتها تذهب جينا إلى الشركة وأول عمل تقرر فعله هو الاتصال بدنيس.
- تطلب الرقم فورًا،
رنين...
- صوت دنيس متقطع يصلها بعد الرنين الرابع...
- أهلا جينا
- ما بك دنيس؟ صوتك على غير عادته؟
- أوووف جينا... (نفس عميق) فصمت
- دنييييييس ...
- دنيييس ..
- هيا تكلم..
- ما بك؟ ماذا يحدث معك؟
- ظروفي صعبة قليلاً هذه الفترة... المهم قولي جينا، ماذا تريدين؟ لماذا تتصلين صباحًا؟ ليست عادتك أبدًا؟
- حسنًا دنيس، أريد رؤيتك ومحادثتك للضرورة، ثمّ أنا المدير العام أتصل متى أشاء.. أين أنت الآن؟
- أظنني قريب
- إذن تعالَ حالًا
- مسافة الطريق
- يطرق دنيس مكتب جينا
- تفضل يا دنيس
لقد هالها ما رأت، إنه شخص آخر، ذو رائحة كريهة، وسخ الملبس، كئيب، فهل هذا الرجل الأنيق المبتهج النظيف والذي يُسعد الموظفين حضوره؟ ما بك يا دنيس؟ وما حلّ بك؟
- (دنيس، منهارًا ويبكي)
- ما بك؟
- رائحتي الكريهة، وملابسي المتسخة، لأني أنام في الشارع
- ماذا؟ وكيف؟ تكلم..
- قصة حدثت منذ أسبوعين
- تكلم، ما بك؟
- خسرت بيتي في القمار، وطردتني زوجتي ورفعت ضدي قضية طلاق، فأنا الآن سكني هو سيارتي ومشرد
- يا للهول، لكن لكل مشكلة حلّ، وأنا هنا لمساعدتك
- لا بدّ من العلاج دنيس، فقد وصلت قصتك مع القمار إلى نتائج مدمرة
- حسنًا يا جينا
- اسمع دنيس، أنت ستذهب لمركز العلاج، والشركة تتكفل بالمصاريف، وهذا مبلغ مالي هو أيضًا ضمن المصاريف، من أجل شقة لك تسكن بها، فنحن ندعم موظفينا، المهم أن تكون مقتنعًا يا دنيس
- أنا مقتنع جدًا
لأول مرة منذ ولادته لم يعش هذا الشعور بالضعف، الخواء، الإهانة، الانزواء والدونية، لقد سمعه من أكثر شخص يحب، حتى إنه يحب زوجته أكثر من طاولة القمار ومكاسبها، لم يكن يتوقع يومًا أن يقف في مواجهة حبيبته، لتصرخ به مهينة موجعة دون إنذارات أو تسويات للبقاء ريثما يستطيع تعديل خساراته، فهذه المرة خسر منزله على طاولة القمار، بعد نفاد أمواله، راهن على المنزل وخسره، ليترك وحيدًا، خاسرًا، وبلا بيت، وبلا حبيبة...
- حسنًا دنيس .. لا تقلق
سوف تعود زوجتك إليك بعد أن تستعيد ثقتها بك وبأسلوبك في إدارة أمن الأسرة، هي تحبك ولن تفرط بك بسهولة ..
- أتمنى، أتعرفين حين؟ أسبوعان وأنا أنام في سيارتي على أرصفة الشوارع، ولا يؤلمني إلا آخر كلماتها وهي تغادر ..
- لا تقلق دنيس
سوف نجد حلولاً لاستعادة الثقة
هي لم تتركك لأنها مغرمة بشخص آخر،
هجرتك لخساراتك المتكررة
لا سيما وقد راهنت على البيت وخسرته
الموضوع ليس بسيطًا دنيس، لكن لكل مشكلة حل، لا تقلق... سوف نجد الحلول سويًا..
- أعرف طبعًا، لست ألومها
لكني متعب، أحتاجها جدًا بجانبي في هذه الأزمة
- أتريد رأيي؟
- بالتأكيد، تعرفين أني أثق بك تمامًا
- حسنًا سوف نتخذ قرارات تساعد زوجتك على استعادة الثقة بك
ولن نقول لها ذلك قبل أن تقدم ضمانات
ما رأيك؟
- في ماذا؟
- في أن تبادر للعلاج..
- موافق
- ممتاز
لقد وعدتك سابقًا بمجانية العلاج، وما زلت على عهدي، المهم أن آخذ منك وعدًا بالموافقة لنبدأ بأسرع وقت ممكن..
- موافق، أنا الآن لا خيار لي سوى الموافقة، فزوجتي اشتكتني للشرطة، وصوري الآن في جميع آلات القمار، حتى إنْ فكرت في الدخول يتم اعتقالي
- المهم يا دنيس قناعاتك الداخلية، فهذا يُسهل العلاج
- طبعًا أنا مقتنع جدًا
- ممتاز، هذا نصف العلاج
سوف تخرج من هذا الباب الأسود باتجاه المركز العلاجي وأتابعك بشكل يومي ودقيق وأقدم كل دعم يستلزم استعادة الثقة
- حسنًا... موافق
- سوف أتابع رحلة العلاج...
تقفز جينا فرحًا.. تعبر عن فرحها الكبير، تضمه وتدور به أرجاء المكتب دورات ثلاث، تقبله مهنئة..
بعد خروج دنيس تتذكر جينا كلمات أحمد عن دنيس "لن يترك القمار إلّا بمشكلة أكبر من القمار" تُقرر الاتصال بأحمد
- مرحبًا أحمد
- أهلاً جينا، أراكِ مبسوطة من صوتكِ
- نعم صحيح
- وما السرّ؟
- لنْ تُصدق يا أحمد
- جينا تخبر أحمد بما حصل لدنيس وموافقته على العلاج
- جيد يا جينا ، إنما اتمنى أنْ تكون النتائج حسب التوقعات
- ماذا تقصد
- لا شيء ، فقط أتمنى له مستقبلاً أفضل
- متى أراك يا أحمد
- سنرتب لاحقاَ
- باي
- باي
المتواجون الان
528 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع