قراءة أدبية في نصوص " تانكا- مع عزف الريح"// د. عادل جوده

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. عادل جوده

 

 

قراءة أدبية في نصوص " تانكا- مع عزف الريح"

الدكتور عادل جوده

 

(1)

مع عزف الريح

متعبة أنا بك في ضلوعي~

بتفتيت المنافي!

وبتفكيك نشرات الأخبار،

بهرطقات العالم في ساعة خدر.

 

(2)

مع عزف الريح~

أغنية بباب الله،

تبكي وطنًا!

أوجعته المنافي وشعبًا

مزقته الأماني المبتورة!

 

(3)

تانكا

مع عزف الريح~

يسألني المطر عن عطره،

وعن خد العبير!

وعن خيمة تضرب أوتادها،

في مدخنة الكلام إذا غبت.

 

فاطمة الفلاحي - فرنسا

 

أيتها القصيدة التي تشبه نداء الروح في صمت الليالي، أيتها الكلمات التي تعلو كأنين المزامير في حضرة الألم ها أنا ذا أتلو عليكِ قراءةً تكون كالندى على جبين الفجر، راقيةً كطيف الحبيب في منام المتعبين.

 

(١)

"مع عزف الريح"..ما أعمق هذا النداء! إنه ليس مجرد استهلال بل هو دخول إلى مملكة الحزن من أوسع أبوابها.

فالريح هنا ليست هواءً يتحرك

بل هي قيثارة الوجود التي تعزف على أوتار الروح أغاني البعد والاغتراب.

والشاعر يخبرنا بأنه "متعبة" - بتأنيث الألم - في أعماق ضلوعه وكأن القلب لم يعد يتسع لكل هذا الجرح.

إن "تفتيت المنافي" صورة مفجعة تحول الغربة من مكان إلى حالة وجودية. فالمنفى لم يعد أرضاً بعيدة بل أصبح شظايا تمزق كيان الإنسان.

ويا للعظمة في ذلك التصوير "بهرطقات العالم في ساعة خدر"..

إنه وصف دقيق لعصرنا الذي تدور فيه أخبار كالسراب تملأ الأسماع ولا تُشبع العقول تلهث وراءها النفوس كما يلهث العطشان وراء سراب الصحراء.

 

(٢)

ها هي الريح تعود لتغني"أغنية بباب الله" - يا له من تعبير يذوب خشوعاً..

إنه الباب الذي يئن تحت وطأة الحنين، يبكي وطناً لم يعد مجرد أرض بل أصبح جرحاً نازفاً في خاصرة الزمن.

فالشعب الذي "مزقته الأماني المبتورة" هو شعب أصبحت أحلامه أشلاءً مبعثرة كسفينة تحطمت على صخور الواقع المر.

إن القصيدة هنا تتحول إلى مرثية وجودية لا تبكي أرضاً فحسب بل تبكي إنساناً فقد جذوره في عالم لا يرحم.

إنها صلاة حزينة ترفع في محراب الغربة تبحث عن وطن في عيون الغرباء.

 

(٣)

وتأتي "تانكا" - ذلك الشكل الياباني المكثف - لتحملنا إلى عالم من الشفافية والشفافية.

إنها لحظة صوفية يسأل فيها المطر عن العطر وكأن الطبيعة نفسها تبحث عن جوهرها المفقود. "خد العبير" صورة شاعرية تذوب رقة تخلط بين الحبيب والوطن بين العطر والذكرى.

ثم تأتي القبلة الأخيرة في القصيدة: "خيمة تضرب أوتادها في مدخنة الكلام إذا غبت".

يا له من تصير مدهش يجمع بين المتناقضات..

فالخيمة ترمز إلى الأصالة والترحال، والمدخنة ترمز إلى الصناعة والثبات.

إنها معادلة المستحيل التي يعيشها المغترب - أن يبقي على هويته في عالم يذوب فيه كل متميز.

 

أيتها الفلاحي في فرنسا

لقد جعلتِ من الغربة قصيدة ومن الحنين فلسفة ومن الألم أغنية.

كتبتِ بريشة من نور على صحيفة الوجدان فخرجت لنا هذه التحفة التي تذكرنا أن الشعر ليس كلماتٍ تنظم، بل هو دمعة تتراقص على جفن الزمن.

هذه القصيدة ليست مجرد نص

بل هي كون كامل من المشاعر، تحمل في طياتها كل معاني الشتات والوجود.

إنها توقيع الروح على صفحة الاغتراب، وشهادة القلب في محكمة الغربة.

تحياتي واحترامي