اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كتاب حصن أسامة، لمحات من ذاكرة قرية الحصين// نبيل عبد الامير الربيعي

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

نبيل عبد الامير الربيعي

 

عرض صفحة الكاتب 

كتاب حصن أسامة، لمحات من ذاكرة قرية الحصين

نبيل عبد الامير الربيعي

 

صدر للباحث والكاتب عدنان الحسيني كتابه الموسوم عن دار الصادق في بابل (حصن أسامة، لمحات من ذاكرة قرية الحصين). الكتاب يتضمن ٤٠٢ صفحة من الحجم الوزيري.

 

للتاريخ نكهته وحلاوته، وكتابة التاريخ فَنٌ لهُ مناهجه المعروفة، ونحن العرب تعودنا كتابة التاريخ من خلال مشاهيره وملوكه ناسين أو متناسين كتابة التاريخ الحقيقي للشعوب صانعة التاريخ وبناته المجهولين، فالملوك والأباطرة شيدوا البنايات الضخمة والتي عدَّت من عجائب الدُنيا، ولا زال بعضها ماثلاً للعيان، ونسبت لهذا الملك أو ذلك السلطان وتناسى التاريخ اليد العاملة والعقل المخطط لها، هذه الفلسفة العقيمة ثَبًت خَطؤها وبطلانُها، فالشعوب هي من تصنع التاريخ، ومن هنا أنطلق الكاتب والباحث السيد عدنان الحسيني في كتابه تاريخ (قرية الحصين) السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهو لم يعتمد المصادر التاريخية أو المخطوطات والوثائق لوحدها، بل اعتمد المصادر الميدانية من خلال تقصي الأخبار من رواتها ومصادرها صانعة الحدث والتي لا زالت تتفاعل معهُ، والتعامل مع المصادر الشفهية يحتاج لقدرات كبيرة على الفحص والتدقيق، فقد تختلف وجهات النظر للرواة تبعاً لتوجههم الفكري والطبقي، وقد تتباين رواية الحادثة من شخص لآخر، لأن كل منهم نظر إليها من زاويته أو وجهة نظره من هنا يظهر دور الباحث في التوفيق بين الروايات للخروج برؤية قريبة من الحقيقة أو الحقيقة ذاتها.

      وتاريخ الشعوب منهج جديد ظهر في الدراسات التاريخية، تناول فولكلورها وطبيعتها الاجتماعية ومعاركها وحياتها اليومية، على عكس التواريخ التي اعتمدت وجهة نظر الحاكم وزوقت لأعماله وجمَّلت تصرفاته وخلقت منه مثالاً للعدالة والالتزام.

 

       وكتاب تاريخ (قرية الحصين) السياسي والاقتصادي والاجتماعي يتكون من ستة فصول وكل فصل منها تناول فيها السيد عدنان الحسيني حقبة تاريخية معينة أو جانباً من جوانبها، تناول المؤلف الحسيني في هذا الكتاب، عذرا شط الحلة، الموقع ومصدر الاسم والنواعير ومتعة السبحة والنزهة، أعتمد فيه الكاتب على مصادر تاريخية عديدة استخلص من خلالها تاريخ القرية، من خلال استخدام النواعير لغرض السقي وما يتطلبه من جهد ووقت خصوصاً في فصل الصيف، إضافة إلى إعطاء وصف جميل لعمل النواعير ، وكيف يتم استغلال الماء في رياضة السباحة من خلال مختصين في تعلم هذه الهواية، إضافة إلى خطورة ماء النهر الذي اصبح مبعثاً للأحزان وفاجعاً للعوائل من خلال غرق ابنائهم فيه. كما يذكر السيد الحسيني في كتابه تاريخ وصول اسالة الماء الصالح للشرب إلى بيوت القرية عام 1974م.

 

    كما تناول الحالة الاجتماعية لعوائل قرية الحصين والبيوتات التي تركت أثاراً طيبة في القرية ودراسات عن شخصيات لها أثرها في التحولات الفكرية والاقتصادية، ودراسة لأصحاب المهن الحرة والطبقات الشعبية التي أهملها تاريخنا القديم، وهي جولة رائعة أظهرت صورة القرية وطبيعتها الاجتماعية، فضلاً عن مساجدها ومزاراتها ودور المضيف في القرية وتأثيره الاجتماعي على ابنائها، ومناسبة عاشوراء وطقوس العزية الحسينية وقراءها في القرية، فضلاً عن طقوس عيد الزهراء ، وذكر بعض الطرائف التي حصلت في القرية، وبصمات السيد ضايع من خلال مشارعيه التي ما زال أبناء القرية من كبار السن يتذكرونه منها (الطبكة، والمطحنة، وتوليد الطاقة الكهربائية،  وبحيرة الأسماك)، واستذكار بعض من  زال بعض المشاركين فيها أحياء يرزقون. فضلاً عن دور السيد ضايع والسيد مَعَد سليمان الحلي في التواصل مع الدوائر الحكومية في بغداد لربط قرية الحصين بالقرى الأخرى ومدينة الحلة بشارع معبد. فضلاً عن مطالبة أبناء القرية بتوصيل الكهرباء الوطنية لها حتى تحقق ذلك عام 1966م، وذكر المؤلف معاناة الأهالي من عدم توفر مواصلات وطرق معبدَّة حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي، عندما نفذ الطريق السياحي المحاذي للجانب الأيسر لشط الحلة، الذي ربط مركز مدينة الحلة بناحية المدحتية، ماراً بقرى العذار جميعاً.

 

      كما خصص للجانب الاقتصادي في تاريخ قرية الحصين فصلاً كاملاً من كصاص النخيل ونقل المحصول وقراء التعزية ودور المقاهي في قرية الحصين في التآلف الاجتماعي ودكاكين وتجار الحبوب في القرية، وبقية المهن التي تمارس في القرية من البناؤون والطبابة والخياطة والقصابون والنجارة وتجارة المواشي والمهن الأخرى، وهذا الفصل برزت فيه مقدرة الباحث على التقصي والتدقيق والخروج بنتائج مهمة يمكن التعويل عليها من قبل الباحثين والمؤرخين، فقد استطاع الوصول إلى الكثيرين ممن أسهموا في الأحداث الاقتصادية لتلك الفترة، متفحصاً دارساً ليخرج بنتائج تمثل على الأقل الصور الحقيقية لتلك الفترة.

      فضلاً عما تقدم سابقاً حول، فقد تناول من خلاله التعليم الابتدائي ودور المدرسة والمعلم في القرية، واسماء بعض المدارس وتأثيرها على تعلم القراءة والكتابة للباحث ذاكراً اسماء بعض المدارس الابتدائية ومنها تأسيس أول مدرسة مختلطة في القرية عام 1959م في مضيف السيد ضايع كريم وهي مدرسة التقدم، وكان أول مدير لها الاستاذ كاظم هادي، وكان التحاق السيد عدنان الحسيني فيها عام 1960م، ذكراً كيف تم نجاحه ووصولها السادس ومساهمته في امتحان البكلوريا للدراسة الابتدائية، وذاكراً اسماء مدارس المتوسطة والثانوية التي دخلها الباحث حتى حصوله على شهادة بكلوريوس في مجال الهندسة، هذا الفصل يعتبر سياحة تعليمية مرة بها الباحث في مقتبل العمر، فضلاً عن العادات والتقاليد الاجتماعية والظروف الاقتصادية التي عاشها وتبلور الصراع الطبقي من خلال الحركات الفكرية التي كان لها دورها في أذكاء الثورة الفكرية في المدينة، وتأثير الفكر اليساري على بعض طلبة الثانوية واعتناقهم لها.

 

      كما أشار الكاتب إلى الاوضاع السياسية في العهدين الملكي والجمهوري وانقلاب 14 رمضان التي قام بها حزب البعث بمساندة عبد السلام عارف والقوى القومية، والخلاف الذي حصل بين البعث والنظام العارفي، ثم عودتهم ثانية عام 1968م، وسيطرتهم على مقدرات الشعب والمؤسسات الحكومية، ثم تحالفهم مع عدوهم الأول الحزب الشيوعي العراقي حتى تمنكنهم من قص اجنحته واطرافه كي يضعف وينتهي كما يرغبون، ثم توضيح ما حدث من احداث في القرية خلال الحرب العراقية الإيرانية، والضغط على الشباب وكبار السن للمشاركة فيها وتقديم ابنائهم قرابين لهذه الحرب الخاسرة.

 

      كما قدم الحسيني في هذا الكتاب دراسة مائزّة باستذكار الانتفاضة الشعانية في آذار 1991م في قرية الحصين خاصة ومدينة الحلة عامة، في توثيق جهاد المنتفضين ضد نظام البعض في الانتفاضة الشعبانية التي حصلت في آذار عام 1991م، ومحاولة الاغتيال ومشاركة ابناء قرية الحصين في معارك مدينة الحلة، وسقوط شعبة الهاشمية والهجوم على الحلة وكيفية اسقاط المروحية التابعة للنظام، والمواجهات الأخير بين الثوار وجيش النظام وازلامه حتى انتقام السلطة من الثوار وعوائلهم وتجريف بساتينهم انتقاماً من ثورتهم الشعبانية المباركة، ذاكراً اسماء المعتقلين وممن اطلق سراحهم في ما بعد وممن غيبوا من قبل السلطات الحاكمة، ثم العقاب الجماعي لأبناء القرى المشاركة في الانتفاضة بتجريف بساتينهم على جانبي الطريق الرابط بين مدينة الحلة والقرى بحجة كشف الطريق وتامين مرور الوحدات العسكرية، وهو تبرير غير مقنع، وجريمة تكمل قمع المنتفضين. كما كرس الكاتب والباحث عدنان الحسيني في كتابه هذا لدراسة أعلام المدينة من أدباء وشعراء وقادة عسكريين وأعلام تركوا آثاراً طيبة في هذه المدينة المعطاء.

      وزين الكتاب بصور ووثائق بذل الباحث في سبيل الحصول عليها جهداً ووقتا يحمد عليه، وحفظ لنا من خلال كتابه وجوه ما كان لها أن تظهر لولا هذا الجهد الكبير ويمكن اعتبار كتابه هذه دراسة متكاملة لتاريخ قرية الحصين ذات التاريخ الزاهر الحافل بكل ما هو جميل.

 

      ولا يسعني في النهاية إلا الإشادة بهذا الجهد الكبير والعمل الموسوعي الذي يمثل القدرة الكامنة لدى الباحث في الوصول إلى مكامن الحدث واستخلاص الأحداث لتظهر كما هي خالصة لوجه الحقيقة والبحث، فعمل كهذا يحتاج إلى جهود عدد من الباحثين، ولا يخلوا الكتاب من أمور تحتاج لدراسة أوسع وجهد أكبر، أرى إن الباحث قادر في المستقبل على سد أي فجوة تظهر وصولا إلى الحقيقة التي يسعى إليها الباحث (النبيل).

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.