كـتـاب ألموقع

• البحث عن الاصـالة في الغناء السرياني الحديث

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 
كمـال يلـدو

مقالات اخرى للكاتب

البحث عن الاصـالة في الغناء السرياني الحديث

 

 

 

   يسترجع الكثيرون منـّا ، تلك  النقلة النوعية  التي حصلت في المشهد الموسيقي التحديثي ابان السبعينات ، وذلك من خلال بروز العديد من الفرق الشابة ، والتي جاءت متزامنة مع عدة ظواهر كان  منها ، افتتاح العديد من النوادي الاجتماعية العائلية ،  وكثرة الحفلات الخاصة ، ثم تأثير بروز فرق ( الروك ان رول ) في اميركا و أوربا  ، والظاهرة الاهم هي مطاوعة الفنان  الهام المدفعي لآلة  الكيتار  واستخدامها لأداء  المعزوفات والغناء العراقي الفلكلوري ، مع ما رافق المشهد السياسي من انفتاح نسبي لم يدم طويلا . كانت هذه الظواهر وربما اخرى غيرها،  هي ما شـــجع جمع كبير من الشباب والشابات للتوجه نحو تعلم العزف على الآلات الغربية وتشكيل الفرق الناشئة ، وانتشار الغناء الغربي  ومزجه مع الغناء  - العراقي – بأستخدام هذه الآلات . وكان للغناء السرياني نصيب في هذه النقلة النوعية ،  اذ برزت فعلا  طاقات وأمكانيات شكلة اللبنة الأساسية التي نعيش امتداداتها لحد هذا اليوم . وفي العموم ، عندما نقف ونقـيم تلك المرحلة ، سيكون من المنصف ان نقول ، انها كانت مرحلة مهمة في نقل الغناء والموسيقى السريانية الى مديات كبيرة  مما ساعد على انتشارها  وتقبل الجيل الجديد لها اكثر .

لكن، حينما ننظر لتلك المرحلة ونقيس ما جرى بعدها من تأثيرات ، قد يحمل استنتاجنا مآخذ كثيرة على ذاك ( التطور ) الذي حصل منذ حوالي اربعة عقود .

 

  لا شك ان الغناء السرياني ( الكلداني ، الآشوري ، السرياني) ، كان قد نمى وترعرع في المدن والقصبات والقرى التي يكثر فيها ابناء هذا الشعب ، وربما كانت الالحان الكنسية  والألحان المتوافرة في المنطقة ( العربية ، الكردية ، التركية والايرانية) معينا لا ينضب لتلك الاغاني التي مازال جيل كبير  وبضمنهم الشباب ايضا ، يستمتع فيها لأنها تحاكي ماض يطلق عليه البعض ( الزمن الجميل) .ومما لا شـك فيه من ان الآلات المستخدمة كانت تلقي بظلالها الوافرة على جودة اللحن وعذوبته ، وارتباطا بالمنطقة ( الارض) ، وطبيعة المناسبات ان كانت افراح او احزان  ، ومن هنا اخذت اغاني ذلك العهد اصالتها واستمراريتها في وجدان الاجيال اللاحقة .لم تمر العقود الاربعة على العراق والعراقيين بسلام ، واذا تحدثنا عن الموسيقى والغناء السرياني فأنه هو الآخر تأثر بما شهدته الساحة السياسية من عنف ، ودخول النظام  العراقي بالحروب الكارثية وصولا للحصار ومن ثم الاحتلال ، وأرتباطا بما رافق التغير عام 2003 ،  من استهداف للمكونات القومية الصغيرة ، وصل حد التصفية الجسدية ،  مضافا لها ما شهده ابناء هذا الشعب نتيجة لذلك ، من اكبر موجة  - هجرة او لجوء  – للخارج ، مما سـاهم في تشتيت التراث والفن والفنانين وابتعادهم عن الارض التي تشكل عاملا مهما وجوهريا ، في تقدم ورقي الفنون ذات الطابع القومي . كان لابد لهذه المقدمة ، لكي اصل ايضا الى ما افرزته الفرق الفنية الجديدة ، واستخدامها للآلات الغربية الحديثة  وخاصة ( الكي بورد)  بأفراط ، في طرح الوان جديدة من الغناء ، وباللغة السريانية ( الكلدانية ، الآشورية) ، ولكن بروح غربية لاتمت للغناء السرياني  ( في معظمها) بأية صلة ، الا لكون المفردات المستخدمة هي من اللغة  السريانية . وبقدر ما يتحمل هؤلاء الفنانين ( فرادى او فرقا) من مسؤولية في حالة التشرذم التي اصابت وتصيب هذه الحلقة الهامة من الهوية القومية لأبناء هذا الشعب ، فأن مسؤولية اكبر يتحملها الملحنون والشعراء اضافة الى النخب الثقافية التي لم تتعاطى مع هذا الامر بالجدية اللازمة . كيف يمكن تخيل الغناء السرياني دون الآلات  الفلكلورية المعروفة في المنطقة ( الطنبور ، العود ، الناي ، الكمان  ، الدف  والايقاع ، الزرنة والطبل واحيانا القانون) ؟  وهل يقوم الكيتار او الجاز او الكي بورد مقام هذه الآلات ، حتى لو كانت بأيدي امهر العازفين ؟ هل يمكن على سبيل المثال تصور الغناء العربي الاصيل دون العود ، أو الجالغي البغدادي دون الجوزة  والسنطور ، اوالموسيقى الآيرلندية دون " المزماري"،  أو الموسيقى الهندية دون " السيتار" ؟ان نظرة متأنية للغناء السرياني  الدارج في الحفلات  والمناسبات ســـيكشف للمتابع حجم الابتعاد ( الكارثي) لهذا الفن الاصيل عن قواعده الحقيقية في الألحان ،  وتفضيله  الالحان الدخيلة على اللحن العراقي والسرياني المتميز ، لابل حتى ان الكثير منها مسروق ، و الكلمات جاءت في معظمها باهتة ، وكأنها حشرت حشرا لأكمال النص الغنائي او تفصيلها على مقاس اللحن ، ناهيك عن مواضيعها المملة والرتيبة والتي غالبا ما تدور في محور  واحد هو "الحب" ! على  الرغم  من اهميته ، الا ان العديد من   هذه الاغاني ، صـارت تطرحـه  بشكل ممجوج ،  وكأن لا مواضيع اخرى تشغل بال الشعراء والملحنين والمغنين غير هذا الامر . ويحق لي ان اتسـائل :  اين اضحى الانسان  والوطن والارض والقرية والمسـتقبل  والطموح  والمعاناة ، في اهتمام الغناء السرياني ؟ قد يحمل كلامي عموميات كثيرة ،  رغم اني لا أدعي بالتخصص في الالحان والغناء السرياني ،  لكني اكتب ملاحظاتي هذه ، بقلم مستمع ومتذوق للغناء العراقي الاصيل ، ومنـه الغناء السرياني . ويهمني كثيرا،  ان يتحمل الفنانون  الذين يؤدون غنائهم باللغة السريانية ، مسؤلياتهم  كاملة ، وان يكونوا امناء على الموروث الثقافي والفني لهذا الشعب ، كـون  هذا اللون  ، هو جزء مكمل واساسي للهوية القومية ومظهرا من مظاهر الاعتزاز بها ،  خاصة في  ظل ظرف عصيب يمر به ابناء هذا الشعب في ارض اجداده  ، ان كان بالتهميش  والمحاربة ، او حتـى بالترهيب ونتائجه الكارثية التي انعكست  على آلاف العوائل  التي اضطرتها  هذه الظروف العصيبة ، الى ترك وطنها واللجوء الى دول الجوار ، او ممن اختاروا اوطان الغربة ملاذا اخيرا لهم بعد ان ضاق العراق على ابنائه الاصلاء . دعوة مخلصة الى المؤسسات المعنية بالغناء والفنون السريانية ، الى التوقف امام هذا الامر بجدية ، والدعـوة موصولة للشعراء والملحنين والفنانين الذين يقدمون نتاجاتهم باللغة السريانية ، ان يعيروا الغناء السرياني اهتمامهم الصحيح ،  وأن لا يشاركوا في تشويه الهوية القومية الصادقة لهذا الفن . من اجل ان لا تكون الدعوة متأخرة ،  لأن اجيالا تنشـأ  اليوم وتتكاثر ،  وهي بعيدة عن الاصالة ، ولا يحق لنا  ان نلوم ظروف العراق والغربة دائما ، بل ان نسعى بما نملكه ونتمكن منه ،  في اداء هذا الواجب الوطني والقومي ايضا .