كـتـاب ألموقع

• الأعلام العراقي وتفرده في صناعة " القائد الضرورة "

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

كمال يلدو

مقالات اخرى للكاتب

الأعلام العراقي وتفرده في صناعة " القائد الضرورة "

لماذا يتحول عمل الدولة لهبات ومكرمات شخصية !؟

لم يعد خافيا على أحد حجم الخراب الذي تركه النظام البائد على كل مناحي الحياة ، والأهم منها ، على الأنسان العراقي . ولن نغالي حينما نلقي باللائمة على الماكنة الأعلامية والملايين التي صرفها البعث وصدام في شراء الأقلام والصحفيين والأعلاميين والشعراء والأدباء، الذين تحولوا بمرور الوقت الى جيش من المداحين والمزوقين ، تملقا وتزلفا لنزوات " الأب القائد" ، حتى يؤمئ باصبعـه الى احد حماياته ويقول : " اعطوه الف درهم" !!

هكذا كان المشهد البائس ، حينما كان العراقيون يكتوون بالحروب العبثية ، وأرهاب المخابرات ، ومنظمات البعث ، والجيش الشعبي سئ الصيت ، كان " طارق عزيز " و " مالك سيف " و " بيتر يوسف" و "صباح سلمان" وغيرهم من المداحين ، يؤلهون صدام حسين حتى اوصلوه لمنزلة الأنبياء والأولياء . نعم مازالت ذاكرتنا مثقلة بتلك الأيام السوداء . وربما يستذكر البعض ، كيف بدأت رحلة " السيد النائب " نحو الطريق الذي اوصله الى " بطل القادسية " و مجرم " المقابر الجماعية" . كانت اهم رافعة استعملها البعث هي الأعلام ، الذي وصفه احدهم ، بأنه " الفيلق الثامن" ، مكملاً به فيالق العراق العسكرية السبع .

بعد زلزال التاسع من نيسان ، خرج الأعلام من عباءة البعث وسلطة الحزب القائد ، ومن عطايا النظام ، وأنطلق في الفضاء محلقا . فأزدانت اسطح المنازل والبنايات بالأطباق ، ودخلت الفضائيات والكومبيوترات والصحف كل بيت ، وأزدحم أثير العراق بالكم الهائل من ذبذبات التلفزيونات والأذاعات ، ومن كل حدب وصوب . وكان لزاما على ايتام النظام البائد ، وأعلامييه ، ان يلبسوا ثوبا جديدا ليواكبوا التغيير ، حتى وأن تطلب منهم ذلك، شتم الأب القائد وعلى الأثير مباشرة ، وكأن ذاكرة العراقيين التعبة ، قد اصابها داء الألزايمر المزمن!

لا احسد العراقيين الذين تطل عليهم اليوم بعض وجوه الأمس ، وبما تمليه ضرورات المهنة . الا ان الأصعب من ذلك هي العقلية التي ترسخت في اولى دروس الأعلام البعثي ، وأعني به ، البحث عن " البطل " وكيفية ابرازه على المسرح ، بأسرع وأفضل صورة ممكنة ، وبأستعمال كل ما متوفر من مساحيق التجميل . هذه الآلية التي صنعت من اناس جهلة ، قادة عسكريين ، وأبطال ميدانيين ، ومفكرين سياسيين ، لا بل وصل الأمر الى تصويرهم بأنهم الرجال الذين سينقذون الأمة من هزيمتها ، ويوقظوها من سباتها ، ويرفعوها من كبوتها ، وهكذا كانت الشعارات " باجر بالقدس يخطب ابو هيثم " و " صدام اسمك هـز امريكا" ، وغيرها من المرثيات .

أغلب الفضائيات تبحث ، عن القصص المثيرة ، والغريبة ، لأنها تمثل مادة دسمة لحديث الناس ، وبالتالي تزداد شعبيتها ، فيرتفع اجر الأعلان التجاري فيها تبعا لذلك . وقد وجد بعض الأعلاميين ضالتهم في معاناة الناس ، اغلب الناس ، وخاصة شريحة الفقراء والمعدمين والمحرومين ، سكنة الأحياء الشعبية المنسية ، وبيوت الطين ، وأكواخ الحواسم والتجاوز ، قصور الصفيح وبيوت الشعر في قلب العاصمة والمدن العراقية التي مـّر على تحضرها عشرات السنين . وأكثر تلك الحالات اثارة ، هي بعض العوائل المعففة ، والتي ضربها الدهر مـرتين ـ الأولى بالفقر والعوز ، والثانية بالمرض أو الشيخوخة او بالأمراض الخبيثة التي عجز الطب العراقي عن علاجها ، بعد ان فرغت جيوبهم من كل ما جمعوه ووصل الأمر بهم الى طرح معاناتهم على الهواء ،لابل وتوجيه النداء والأستغاثة والترجي الى قمة الهرم ، رئيس الجمهورية ، رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان .

تفضح هذه المناشـــدات حجم الغبن الذي لحق ويلحق بالشرائح الفقيرة ، التي لا حول لها ولا قوة ، وعدم قيام المؤسسات المعنية بواجباتها تجاههم، وتكشف ايضا عن حجم جهل المواطن بحقوقه المنصوص عليها في الدستور ، وعدم محاولته تحدي " الخطأ " الشائع والروتين والفساد الأداري ، والقرب من الأحزاب الحاكمة او المسؤولين الكبار ، ويكشف في الجانب الآخر جهل ( بعض) المؤسسات الأعلامية بدورها التوجيهي في المجتمع ، والأكتفاء بولوج الطرق السهلة و (الرخيصة) في طرح المشاكل ، وأختزالها ب " الترجي" و " عطف" رئيس الوزراء " ابو اسراء" او رئيس الجمهورية " مام جلال" او رئيس البرلمان! دون محاولة توجيه تلك النداءات الوجهة الصحيحة التي تحفظ كرامة المواطن ( وما اكثرهم في العراق الجديد) ، ووفق السياقات الحكومية الصحيحة وعلى اساس حقوق المواطنة المكفولة بالدستور .

لايخامرني ادنى شك ، من ان معظم السياسيين ، والمسؤولين الحكوميين ، يبحثون عن الدعاية المجانية ، خاصة ان كانت موثقة ومنشورة في شبكات التلفزيون والفضائيات الكثيرة ، والتي تتسابق عليها ارضاءا للمسؤول ، ومن ثم يقوم ذات المسؤول بواجبه تجاهها ويرد الجميل لاحقا ، وهكذا تصاغ الأخبار في برامج خاصة ابتكرت لمثل هذه الحملات الدعائية الرخيصة :

" تلبية للنداء الأنساني الذي قدمته عائلة ....... والمنشور في محطتنا ، اوعز السيد ..........بأرسال المريض للعلاج في الخارج وعلى نفقته الخاصة" . طبعا ، من المضحك المبكي ، ان لا توجد ولا حالة واحدة قامت مسؤولة حكومية ، او احدى البرلمانيات او القياديات بمثل هذا العمل ، وبقى ذلك مقتصرا على الذكور من سياسيينا الأشاوس .

هكذا اذن يكتب السيناريو ، مظلمة ، وتلفزيون ، وأيعاز من المسؤول الفلاني ، ثم الحل ، ثم الثمن! تماما على خطى تلفزيون بغداد ونهج حزب البعث وصدام : احدى النساء تشكي لصدام حسين مشكلتها ، ثم يأمر بحلها ، ثم تنتهي التمثيلية بالرقص والهلاهل والهتاف " الله يخللي الريس " .... " الله يطول عمره " ، وهكذا صدق الريس وزبانيته ، وأرتفع رصيدهم ، وأرتفعت معه سقوف ارهابهم وجرائمهم .

ان قيام ( بعض ) وسائل الأعلام العراقية ، بالبحث ، والترويج لمثل هذه الحالات المؤلمة ، والتي تدمع لها العيون ، وتصيب المشاهد بحالة الحزن المطبق لما آل اليه حال العديد من العوائل العراقية ، فيما اجتماعات الأحزاب والوزراء والمسؤولين لا تجري الا وبحضور الورود ، والمياه المعلبة والفواكه والكراسي والأرائك المذهبة والمستوردة من كل اصقاع العالم ، انما تساهم حقا بالتغطية على الأهمال المستشري في مؤسسات الدولة والحكومة ، وأزدراءها بحقوق المواطن ، الذي كان اساس من اتى بهؤلاء المسؤولين الى هذه الكراسي الوفيرة والمذهبة ، وهو اســـلوب رخيص في اعادة انتاج ظاهرة " الأب القائد " و " القائد الضرورة" ، متناسين عن عمد ، او جهل ، بأن مهمة المؤسسات هي خدمة المواطن والأخذ بيده نحو الجهة الرسمية المسؤولة عن ذلك ، حالنا كحال باقي الدول المتحضرة ، التي لا نسمع ابنائها او حتى اللاجئين العراقيين الذين يعيشون فيها ، وهم يوجهون نداءاتهم للرئيس الفلاني او لرئيس الوزراء العلاني .

وأمام كثرة هذه المناشدات ، والمشاهد المؤلمة والحزينة ، ينبري الكثير من ابناء شعبنا مدفوعين بغيرتهم الوطنية ، لتبني هذه الحالات والصرف عليها ، وتذيّل تلك الوقفات الأنسانية عادة بعبارة " فاعل خير " ، ترى لماذا لا يقوم المسؤول المعني بذات الشئ ويكتفي ب " فاعل خير " ان كانت من مصروفه الشخصي ؟ او ان يوعز لمستشاريه ( وما اكثرهم) بملاحقة ومتابعة هذه القضايا وأيصالها للجهات المسؤولة ، والذين يفترض بهم ان يتابعـوا وسائل الأعلام المختلفة للوقوف على مثل هذه الحالات او المناشدات .

ان اســوأ ما يمكن ان تقدمه بعض الفضائيات ، ووسائل الأعلام اليوم ، هي اعادة انتاج الدكتاتورية من حيث ندري او لاندري ، بأضفاء صفات أوجدها المركز الأداري ، والميزانيات التريليونية ، والحاجة الماسة للدعاية الأنتخابية . واتمنى على هذا الأعلام ، لكي يبقى حـرا ومستقلا ومهنيا ، ان ينأى بنفســه عن القبول بـدور المســـّوق " للمسؤول" ، وأن يتم توجيه هذه المطالبات الى الجهات الرسمية المسؤولة ، وأن يجري متابعتها ، بكل صدق وأخلاص وحيادية ، وأن يمتنع الأعلامي عن اتباع الأساليب الرخيصة في عرض مشاكل هذه الشريحة المعدمة ، وأن يكون جادا في فضح حجم الفساد والسرقات ، التي يذهب ضحيتها هؤلاء المساكين . اذ لولا هؤلاء المفسدين ـ لكان العراق وأبناء العراق بأفضل حال ، ولما احتاجت بعض العوائل المثقلة بالمشاكل والأمراض ان تظهر بكل بؤسها وفقرها على شاشات التلفزيون وأمام الملايين ، لتستعرض شكواها بأنتظار رحمة احدهم ، بأنتظار شـــفقة " الأب القائد " ، وعطف "الريس" .

أمثلة للذاكرة : السيد أياد علاوي

* تبرع بما مجموعه (191) مليون دينار ، من رواتبه ومخصصاته الى ذوي ضحايا جسر الأئمة عام 2005 .

* رئيس الوزراء السيد ابراهيم الجعفري يوصي بتعويض أسـر ضحايا جسر الأئمة عام 2005 .

* الرئيس جلال طلباني يوعز بتعويض أسر ضحايا تفجيرات القرى اليزيدية في سنجار عام 2007.

* المالكي يتكفل بعلاج اللاعب كاظم عبود ، والفنان فؤاد سالم ، 2011 .

* السيد نجيرفان بارزاني يتكفل بعلاج طفل يعاني من امراض نفسية 2012 .

* النجيفي يوصـي بمساعدة المشجع الكروي " قدوري " لغرض العلاج ، العام 2012 ...والقائمة تطول وتطول .

آيار 2012