عبد الرضا المادح
موت الذائقة الجمالية لدى الانسان العراقي
2011 . 10 . 09
أن الذائقة الجمالية لدى الانسان ليست صفة وراثية ، تنتقل بالولادة من الابوين ، بل هي ميزة تنشأ وتنمو مع الطفل حسب الظرف المحيط بالانسان ، فالتجربة والدراسات والحقيقة تؤكد أن الانسان ابن بيئته ، فمن ينشأ في وسط يسوده العنف والاجرام ينحرف باتجاهه ، أما الانسان الذي يتربى في وسط يسوده الخير والحب والوئام يجنح اليه ، كذلك بالنسبة الى الجوانب الجمالية في الحياة .
في الدول المتحضرة ، تحرص الحكومات على تنشأة الاطفال على حب الطبيعة وتذوق جمالها والحفاظ على البيئة وكذلك حب الادب والفن والرياضة ، فيعمدون الى تنظيم السفرات لهم الى الحدائق الغنـّاء ، وزيارة المتاحف والمكتبات والمعارض الفنية وحضور الحفلات الموسيقية والعروض المسرحية والسينما ، وزجهم في دورات لتعليم الموسيقى والرسم وتقديم العروض المسرحية وتنظيم الحفلات المدرسية وكذلك الدورات الرياضية وغيرها ، وهذا ما يعمق لديهم الصداقة و روح الجماعة وحب المدرسة ، فينشأ الطفل بحس جمالي وذوق رفيع ، حيث تترك هذه النشاطات الانسانية الهادفة اثرها في نفس الطفل وتتطور بمرور الزمن مع الصقل المتواصل لها ، فتتوفر للطفل ارضية خصبة تجعل منه في المستقبل مواطنا ًصالحا ًمنتجا ً بالاضافة الى امكانية أن يصبح اديباً او فناناً يرفع من شأن شعبه ووطنه .
ولنقارن ماورد اعلاه بما يتوفر للانسان والطفل العراقي في الظرف الراهن ، فبعد فترة دمار عصيبة عاشها الشعب العراقي في ضل نظام دكتاتوري لم يوفر سوى الحروب والحصار و ثقافة حب القائد المنصور ؟ نجد أن العملية السياسية بعد التغيير تعاني من تعقيدات وازمة حكم مستفحلة ، تترك اثرها السلبي بوضوح على عملية الاعمار ، بل أن اغلب الساسة والاحزاب الطائفية مشغولة بالصراع على المناصب ، وغالبية المسؤولين منشغلون بتحقيق المنافع الشخصية ، والدلائل تشير الى فقدانهم الى المعرفة والتخصص العلمي في ادارة وبناء بلد حضاري ، ولا اخطيء اذا اشرت الى فقدانهم الى الذوق الجمالي ، وتحريم البعض منهم الفن والادب بشكل مباشر او عبر كاتم الصوت دليل على ذلك !
فالعراق لايزال يعاني من تخلف ودمار مريع في البنية التحتية الثقافية وخاصة في المدن الجنوبية ، حيث لامسارح ولاسينمات ولاحدائق ولانوادي ثقافية ولاقاعات عرض للفنون ولا متاحف ولامكتبات ولاساحات للرياضة ومايتوفر منها قليل ودون المستوى المطلوب !
وعلى مستوى المدارس فهي تعاني من التخلف والدوام المزدوج وقاعاتها مكتظة بالتلاميذ ، ودرس الرسم والرياضة الغي عمليا ً، ولايخطر على بال المدراء والكادر التدريسي أن ينظموا حفلة او سفرة او زيارة معرض ... ؟! وعندما يخرج الطفل من المدرسة ، تتلقفه الاتربة والازبال والمجاري والانهر العفنة ومناظرها البشعة ، وفي البيت يسمع كل يوم ويشاهد اخبار القتل والدمار وافلام الرعب ، فيسارع الى شراء ( لعبة ) بندقية ويشكل مع اقرانه عصابات تقتل بعضها ويعلوا صراخها في الازقة الكالحة !
كانت الحدائق على تخلفها وقلتها ملاذا ً للناس والعوائل واليوم حولت الى ( الاستثمار ) فأحيطت بالاسيجة الحديدية ودخولها يقتصر على من يمتلك المال ؟
مدننا تخلو من المسحة الجمالية ، فابنيتها عشوائية ويغلب عليها صفة المكعبات الكونكريتية الخالية من الفن المعماري ، شوارعها متربة وان بلـّطت تلاحظ انها تفتقر الى الجودة والاداء العلمي والذوقي المطلوب !
الساحات خالية من النصب والنافورات والازهار ضرب من الترف والاحلام !
اغلب الاطفال لم يشاهدوا وردة او فراشة ، او سمكة تسبح في النهر ، لم يسمعوا نقيق الضفادع او دوح الحمام حيث هجرت الكثير من الطيور مدننا او العراق برمته !
كل ذلك يترك اثره السلبي في نفوس الاطفال وعامة الناس ، ولذا تجدهم خشنو الطباع عصبيون يميلون الى حسم خلافاتهم بالصراخ والعراك !
أن العمل على تغيير هذه الصورة القاتمة ، يتطلب جهودا ًجبارة وسنين طويلة واموالا ً طائلة ، من قبل حكومة وطنية صادقة تمتلك برنامجا ًعلميا ًهادفا ًوكادرا ًفي مؤسسات الدولة لتنفيذه ، يمتلك الخبرة والوعي بجسامة المهمة ، لخلق اجيالا ًجديدة تمتلك حسا ًجماليا ًرفيعا ً.
* نقلا عن جريدة طريق الشعب العدد 55 السنة 77 / الملحق الثقافي .