اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

يوميات حسين الاعظمي (1145)- مقالة ناديا اسكندر

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (1145)

مقالة ناديا اسكندر

 

هذه مقالة اخرى عن كتابي الموسوم بـ(المقام العراقي باصوات النساء) بقلم الكاتبة المرموقة نادية اسكندر، ورغم ان المقالة طويلة نسبيا، الا انني رأيت وضعها في هذه الحلقة كاملة وعدم تجزأتها، اضعها اعزائي امامكم عسى ان تروق لكم ودمتم بكل خير ان شاء الله.

*******

من موقع المستقبل

الإثنين 9 أيار 2005 - العدد 1912 - صفحة 13    

المقام العراقي بأصوات النساء

 

الكتاب:"المقام العراقي بأصوات النساء" كانون ثاني 2005

المؤلف: حسين اسماعيل الأعظمي / العراق

الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر / بيروت

كتبت ناديا اسكندر

     لطالما نالت المغنية العراقية نصيبها من الإجحاف، والإهمال والتجاهل، وعدم الاعتراف بها من قبل المجتمع الذي لم يكتفِ بنظرته الدونية إلى المرأة التي تمتهن الموسيقى والغناء، بل أكثر من ذلك تجاهلها الباحثون والمؤلفون في دراساتهم التحليلية الجادة، والتي تؤرخ للفن الغنائي في العراق.

        ألغيت المرأة كإنسان مبدع، له مكانته في المجتمع، وله أثره في تراكم الفنون بشكل عام، وفي فن الغناء بشكل خاص وجنباً إلى جنب المغني. لا نعثر إلا على بضعة مؤلفات مرّت على المغنيات مرور الكرام، وبشكل عرضي، خجول لا يفيها حقها من الإضاءة على فنها وتحليل موهبتها أو نمط غنائها أو الاعتراف لها بفضل أو كيان أو وجود.

       نقرأ عن المغنيات ضمن كتاب "القيان" لمؤلفه الراحل عبد الكريم العلاف الذي رافق بعضهن لفترة طويلة كشاعر وكاتب أغنيات، وفيه نبذة مختصرة عن كل منهن منذ أواخر العصر العباسي وحتى ما بعد الخمسينات من القرن الماضي، إلا أن الكتاب ليس دراسة تحليلية أو أكاديمية ولا يحمل تواريخ محددة لأعمال المغنيات أو محطات ومراحل في حياتهن، سوى بدء عملهن في الملهى الفلاني، ونهاية حياتهن المهنية. ولا أسماء من ساهم في بروزهن من شعراء وملحنين، أو الميزة التي تميز الواحدة منهن عن الأخرى إلا فيما ندر.

       هذا عن المغنيات بشكل عام في العراق، أما عن النساء اللواتي قدمن "المقام العراقي"، فالأمر أكثر إجحافاً. إذ ندر أن تجرأ باحث أو مؤلف على ذكر من غنت هذا النوع من الغناء العراقي التقليدي المتقن، وهناك كتاب قيّم يؤرخ لمغني المقام في العراق لمؤلفه ثامر العامري ذكر فيه نبذة مختصرة لكن في اعتراف صريح، لكل من صديقة الملاية، سلطانة يوسف وزهور حسين فحسب. إضافة إلى مؤلفات أخرى بسيطة، ومختصرة. إذ بقي هذا الفن طوال قرون مضت حكراً على الرجال، ومن تتجرأ على غناء أحد المقامات ـالتي تعد بالعشراتـ أو جملة لحنية منها، قبل أداء الأغنية الإيقاعية، تنال نصيبها من الانتقاد والتجريح وتُدفع بعد ذلك إلى الابتعاد عن "فن الرجال".

 

حسين الاعظمي وتجربته الاثيرة

     اليوم وللمرة الأولى يتم إنصاف مغنيات "المقام العراقي" على وجه الخصوص، بشكل واضح، صريح، وجدّي عبر كتاب يحمل عنوان: "المقام العراقي بأصوات النساء"، دراسة تحليلية، فنية، نقدية، لتجربة المرأة العراقية في الغناء المقامي، لحسين اسماعيل الأعظمي، الباحث وصاحب كتب سابقة عن الغناء والمقام في العراقي، ويعدّ من ضمن كبار قراء المقام العراقي منذ عقود وحتى اليوم. كتاب الاعظمي انصف المرأة بصورة لم يسبق لها مثيل..! فالكتاب دراسة مستفيضة للأعظمي تستحق وقفة مطولة، إذ أنه يخلص فيها إلى حقيقة قد تكون مغيّبة نظرياً لكنها واقع ملموس، وهي دور النساء المطربات في انبعاث النهضة الموسيقية في العراق، بحيث كانت النهضة الموسيقية في النتاجات الأولى في الغناء والموسيقى في العراق الحديث قد تم أداء كثير منها من قبل نساء، أمثال صديقة الملاية وبدرية أنور ومنيرة الهوزوز وسلطانة يوسف وبهية العراقية وماري الجميلة وأمينة العراقية وعلية فوزي وجليلة العراقية وطيرة حكيم وزنوبا وعزيزة العراقية وروتي وغيرهن الكثير.

 

البذرة

       ويعيد الأعظمي الى الملحنين الأوائل الفضل في زرع البذرة الأولى التي أثمرت عنها هذه المرحلة الثقافية التي تمخضت عنها حركة جديدة بالاستقاء من التراث، والاستفادة منه مباشرة سواء في المقامات العراقية أو في الألوان الغناسيقية الأخرى مثل الغناء الريفي والغناء البدوي وغيرهما، وهذا جلي من خلال الاستماع إلى تلك الإبداعات التي ظهرت في هذه الحقبة، وهذه الحقائق تبرهن لنا أن نجاح هذه الطليعة من النساء المطربات قد خلف نساء مطربات أخريات كجيل ثان وثالث، فكانت سليمة مراد وعفيفة اسكندر وصبيحة ابراهيم ولميعة توفيق وزهور حسين ومائدة نزهت وهيفاء حسين وأحلام وهبي وغيرهن.

       ويذكر الأعظمي إن هذا الخط المستمر من ظهور النساء المطربات كان يبهت تارة ويظهر تارة أخرى بسبب القيود الاجتماعية ونظرة المجتمع إلى الفنانين مما جعل المرأة تحتاج إلى كثير من الجرأة لتندرج ضمن عنوان الفن، إذ كانت أقل تشجيعاً من المجتمع وأكثر تعرضاً للخيبة واليأس والنقد والتجريح وعدم الاحترام.

      لذا فإن هاتيك النساء كن كبش الفداء..! لكنهم كانوا المحرّك الفعلي والقدوة الأولى المنشطة والمقاومة للركود الثقافي. وبخاصة اللاتي ظهرن في العقود الأولى للحركة التحديثية للموسيقى والاستمرار بها ومجىء الأجيال الأخرى التي نهجت الخط التطوري نفسه وأصبح للجيل الأول خليفات، ومع تطور الزمن، فإن الأجيال التالية لجيل الفنانات الرائدات أصبح أخف عبئاً وأكثر ثقة من السلف وأصبحت معالجة بعض القيود الاجتماعية الصارمة قبلاً أمراً أكثر مرونة.

        يعيد مؤلف الكتاب حسين الأعظمي في دراسته، وقبل الدخول في تفاصيل أصوات النساء، الغناء المقامي إلى بيئة جغرافية واسعة الأطراف تمتد من العراق وتمر بمعظم دول غرب وأواسط آسيا: تركيا، إيران، نصف دول الاتحاد السوفييتي السابق تقريباً، الهند، الباكستان، أفغانستان، الصين وغيرها من الدول المجاورة لبعضها فكلها متفقة أو متشابهة من حيث الأساس الأدائي الغنائي للمقامات. وتسمية (المقام العراقي) اصطلاحاً، جاءت بسبب ضرورة تمييزه عن مقامات أخرى في تلك البلدان السالفة الذكر، المجاورة أو البعيدة نسبياً، لكن الممارسات الغنائية المقامية في العراق توحي لنا بأن بيئتها الحقيقية"جبلية" وربما هذا نتيجة التأثيرات عن طريق الأقوام التي حكمت العراق لفترة طويلة(من 1258 حتى 1958م)، وحسب الأعظمي، فإن المقام العراقي يمتلك مقومات الشخصية المستقلة المؤثرة، وذي الأسلوب الخاص جداً في التعبير والغناء، حيث هو انعكاس لبيئة عراقية محلية بحتة، لم تخل من الخشونة، وهذا يتضح من الانتقالات الغنائية، وعليه فإن هذه الانفعالية في غناء المقامات العراقية يمكن أن تكون سبباً من أسباب إطلاق مصطلح "الفن الرجالي"، وبسبب ذلك كان رفض الرجل البغدادي للمارسات الغنائية المقامية النسوية كتجربة جديدة رائدة في غناء المقامات العراقية التي هي في حقيقتها التعبيرية، رجالية لا تتناسب ورقة الصوت النسوي وليونته.

       ويذكر المؤلف حسين الأعظمي، أن الرجل كان يختبئ وراء الأنا، فيدّعي الرأفة بالمرأة برفضه الاعتراف بها "لذلك نجد أن الصوت النسوي الرقيق عندما ولج عالم الفن الرجالي أخذ يعاني من وسيلة التعبير المضنية المتعبة، ذلك التعبير الانفعالي الذي لا يتميز به الصوت النسائي ولا تتميز به تعابيره". ويقصد القوة في التعبير والتصويت الذي يتميز به صوت الرجل عن المرأة، ويتابع"وعليه فالمرأة حاولت الإجادة، غير أنها وقعت في البداية في مشكلة التصنع في التعبير ذلك أن الرقة تحاول إبعاد ذاتها عن الخشونة ما استطاعت وهذا نداء الطبيعة". لكن نذكّر هنا بأن بعض مطربات المقام العراقي كان لديهنَّ القوة في التصويت وفي التجول على سلالم المقامات العراقية بجواباتها وقراراتها من ضمن هذه الرقة النسوية مثل سليمة مراد وزهور حسين على سبيل المثال.

       يعتبر حسين الأعظمي مؤلف الكتاب، إن حقبة التحول بدأت أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. حيث كان ظهور أول تجارب الغناء المقامي النسوي، فيركز دراسته على سبع مغنيات بداية مع الراحلة صديقة المُلاّية، ثم يتناول بالتتابع سليمة مراد، سلطانة يوسف، زهور حسين، مائدة نزهت، فريدة وسحر طه.

       كانت الرائدة صديقة المُلاّية التي تتفق معظم الآراء على أنها أول من غنت المقامات العراقية في بغداد في حقبة التحول، أو بالأحرى أول من سجلت المقامات بصوتها من النساء، مقام المحمودي ومقام البهيرزاوي والحكيمي والأبوذية المقامية. كانت بداية لغناء جديد في الأداء المقامي.إذ أن التعابير الأدائية تنوعت للمرة الأولى وأصبحت أكثر حرية وأوسع خيالاً كما كان مع معاصراتها من المغنيات اللواتي أدين أغنيات هي من صلب التعابير المقامية مثل: بدرية أنور، سلطانة يوسف وجليلة أم سامي وزكية جورج وغيرهن ممن غنين أغنيات مستقاة من روح المقامات البغدادية العراقية.

       ثم ظهرت مؤديات أخريات سرن على المنحى نفسه من الجيل الثاني الذي وصلت فيه التعابير النسوية أوج عظمتها في أغاني سليمة مراد منذ ثلاثينات القرن العشرين حتى ستيناته: يا نبعة الريحان، الهجر مو عادة غريبة، وغيرها. وهي أقرب إلى المقامات العراقية منها إلى الأغاني.

 

الذروة

      بلغت المطربة زهور حسين في مقام"الدشت" و "الهمايون" الذروة في حقبتها من النساء في أداء المقام العراقي. وهي من الجيل الثالث لمطربات المقام العراقي النسوي في بغداد. إنها لم تؤدّ الشكل فحسب، بل قُدِّرَ لمطربة متمكنة أن تقترب كثيراً من تأدية شكل هذين المقامين العراقيين ومضمونهما التعبيري، بصورة لم تسبقها أي مطربة مقامية اخرى..! من حيث مستوى التعابير البيئية والعاطفية التي عبّرت عن شجون المرأة العراقية بصورة تثير الإعجاب..! ففي أسلوبها تعميم لأذواق المجتمع بمشاعرها اليافعة المنتزعة من كيانها الشخصي، فلم تعط زهور حسين الفرصة للأداء المقامي الفرار من تجربتها، وبذلك بدأت الإبداعات النسوية جلية واضحة، بدأت بدموع العين، وصمدت أمام الرفض والسخرية ووصلت إلى شيء من ثبات موقعها الفني ومناصرة الجماهير، فالمؤلف الاعظمي يقول (المقام العراقي لا ينمو لكنه يُنمّى).

       أما المطربة الكبيرة مائدة نزهت فقد ولجت عالم الأداء المقامي في مرحلة شبه متأخرة من مسيرتها الفنية، إلا أن ذلك يعني من زاوية أخرى أنها جاءت إليه وهي تمتلك تجربة كبيرة في غناء التراث والحداثة معاً.غنّت مائدة نزهت عدة مقامات بأصولها التقليدية المتقنة، بفضل التواجد اليومي للمؤلف الاعظمي والمطربة مائدة نزهت وظيفيا في فرقة التراث الموسيقي العراقي وتعلمها المقامات العراقية على يده. وهي المرة الأولى التي تؤدي فيها المرأة المقامات العراقية بإتقان أصولي تقليدي بأداء فني نادر المثال..!

        فيما بدأت فريدة محمد علي سيرتها الفنية منذ أواخر السبعينات على يد استاذها الاعظمي مؤلف الكتاب، وبدأت شهرتها تتسع في منتصف الثمانينات، وهي من الجيل المقامي النسوي المتأخر، وقد اختصت بغناء المقامات العراقية منذ بدايتها وبلغت ذروتها الأدائية بمقام الأورفة الذي نالت بواسطته الشهرة الكبيرة وذلك منتصف العقد الثمانيني، وقدر لها أن تدرس الموسيقى وبخاصة المقام العراقي على أيدي أساتذة عدة في المعهد الموسيقي. ويشير حسين الأعظمي إلى أن فريدة كانت أقرب من سابقاتها إلى التعابير المقامية البغدادية التي تمتاز بزخارف وتحليات دقيقة امتاز في تأديتها الرجال من المؤدين. وبذلك استطاعت أن تشق طريقها وتثبت لها وجوداً بين مؤدي المقام العراقي.

      وأخيراً يتناول الكاتب المطربة سحر طه، ويخلص من خلال استماعه إلى عدة مقامات بصوتها مثل مقام شرقي راست وشرقي دوكاه ومقام حكيمي واللامي وشعر مع أبوذية من مقام البيات وكذلك مقام الجهاركاه والأوشار، إن سحر طه كونت لنفسها أسلوباً أدائياً خاصاً في غنائها لبعض المقامات العراقية، وقد اقتربت من تقديم لغة فنية معاصرة. وكان إثباتاً منها لقدرتها على الاقتباس من سابقيها ومن التراث نفسه كمادة أدائية فإننا نستطيع أن نعتبره إنجازاً فنياً لها.

      هذا ويذكر المؤلف عدد كبير من المغنيات ممن غنين الأغنيات التي تتمتع بروحية المقام العراقي وحسب التسلسل الزمني لظهورهن وبذلك يعتبر الكتاب من أهم الكتب الصادرة في مجال التوثيق والتحليل والتأريخ للفن الغنائي العراقي، وبخاصة المقامي والنسوي منه على وجه الخصوص.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.