اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مبدعون وابطال الحرية

الذكرى أل(38) لرحيل الشهيد جمال يلدكو// باسل شامايا

 عرض صفحة الكاتب

الذكرى أل(38) لرحيل الشهيد جمال يلدكو

باسل شامايا

العراق/ القوش

 

كثيرون هم أولئك الذين واجهوا الموت وعلى محياهم ابتسامة الأمل لولادة الغد المشرق لهذا البلد الذي عانى وكابد من القتل والبطش والتشريد ومصادرة الحقوق عقود من الزمن ,فمنهم من ارتقى أعواد المشانق فرحا ومنهم من استقبل وابل من رصاصات الجبن غيلة وغدرا ومنهم من ووري الثرى وهو على قيد الحياة صابرا وغيرها العديد من الأساليب الوحشية التي يندى لها الجبين ..فما أعظمها تلك الكوكبة التي أنجبها عراق الخير والسلام فترعرعت ونمت في كنف حبه اللامتناهي وتلألأت في سمائه لتشع نورا تنير للأجيال طريقها ..وكم هي زاهية تلك الزهور التي فاح عطرها وهي تؤطر جنينة الوطن فأثمرت وأعطت خير الثمار ..وكم هي قاسية تلك الحقبة التاريخية التي جاءت بشراذم عطشى الى سفك الدماء الغالية ..هؤلاء الذين اقسموا على تدمير هذا البلد العزيز موطن الذكريات ويطفئوا في كافة أرجائه نور الحياة ,نعم اقسموا على قتل البسمة على شفاه الأباة وأصروا على وأد العراق من أقصاه الى أقصاه وجعله مرتعا للرذيلة والبغاة ولكن هيهات من الظلم هيهات فلا بد لليل ان ينجلي فيرحل الى دون رجعة أولئك الجناة تاركين للأيام ممارساتهم القذرة تلك رصيدا من الذكريات وها هي أصبحت وصمة عار وخسة تتزين بها صفحات الزناة أما انتم أيها الخالدون الأبرار يا من أحببتم بصدق السريرة ونقاء الذات ,ستبقى ذكراكم طريقا معبدا بالعز والسؤدد والثبات ..   في هذه الأيام العصيبة تمر علينا الذكرى السنوية أل (27)على استشهاد البطل جمال صادق يلدكو الذي أودعه المجرمون زنزاناتهم المظلمة,اعتقلوه في ذلك اليوم المشئوم وهو يؤدي واجبه الوظيفي بكل إخلاص ونكران الذات ليواجه مصيره المجهول الذي خطط له وفرضوه عليه وعلى رفاق دربه من قبله وبعده ودون اي ذنب اقترفوه إلا أنهم كانوا مفرطين في حبهم لقضيتهم وبلدهم العراق ...كان ذلك في عام 1981 حين سقطت ورقة من شجرة التضحية والفداء فقرعت أجراس الرحيل الى عالم اللاعودة لشاب فائض بالحيوة توه يلج الى حياة الدنيا ..غمرته الفرحة حينما اقبل لمشاركة إخوته في عملية بناء بلده لكي يوفي ما بذمته من الدين تجاهه ويجسد حب من ولد وترعرع ودرس هوتخرج من مدارسه ، لكنه اختفى دون ان يحقق من طموحاته الكثيرة شيئا يذكر ..ويعذ مرور عام على اختفائه ظل والده المرهق يبحث عنه في كل بقعة من بقاع الوطن ولم يدع مكانا إلا وفصده ,فطرق كل الأبواب لعله يقتفي أثره لكنه كان كذاك الذي يبحث عن إبرة في أكوام من القش وأخيرا ابلغه القتلة أنهم نفذوا به حكم الإعدام  فأحس بصعقة قوية كاد يسقط أرضا لكنه تمالك نفسه قائلا ؛أعطوني إذن شهادة وفاته فقالوا ؛لا يجوز ذلك لانه شاب غير متزوج حينها لم يتمالك أعصابه فزعق بهم دون ان يدري ماذا يفعل لكنه أحس على نفسه حينما دفعه احدهم بقوة سقط على الأرض فقال له ؛هيا انهض وغادر قبل ان تلتحق بولدك فخرج مهموما والخبر يدمي جراحه فسكب الدموع مدرارا وسيلة لإطفاء لوعته وراح يلعن الأيام التي سرقت منه فلذ كبده ...وهكذا قتله الأوباش وهو غصنا أينع للتو حاملا بين جوانحه عطر الشباب ,ومع ذلك لم يصدق والده بذلك بل بقي متشبثا بالأمل لعله يعود في يوم ما واعتبر ذلك كذبا وافتراء وتلاعبا بمشاعر الناس فراح ينتظر لقاء ولده المرتقب وكلما كان يعصره الحنين إليه كان يختلي لوحده متسللا دون ان يشاهده أحد من أفراد عائلته وهناك يزيح ما في صدره من الغم والهم في دموع الحسرة والألم ومكث معه ذلك الهم حتى أغمض جفنيه اغماضته الأخيرة رحل الى مثواه الأخير بحسرة ورغبة متاججة للقاء ولده وعناقه وضمه الى صدره الذي طالما حلم باليوم الذي يروي به غليل شوقه وحنانه ..مات بعد عناء وعوزا مزمنا متحملا كل الصعاب وترك الهم لزوجته التي ارتدت هي الأخرى جلباب الحزن منذ اللحظة التي فارقها ولدها الحبيب الى حيث لا تدري متى وأين تلتقيه ..كان حلمها الذي تهفو الى تحقيقه هو عودته إليها والى أحضانها الضمأى بعد طول الانتظار حينها ستحتفل مع إخوته وأصدقائه ومحبيه بعودته وبزفافه المبارك الذي كانت تتمناه بعد تخرجه من المعهد وتوظيفه حينها فقط كانت سترمي عنها ثياب الحزن لترتدي ثياب الفرح المنتظر ثم تطلق العنان لحنجرتها لتجسد من خلال  الهلاهل فرحتها الحقيقية ولكن الحلم أبى ان يتحقق خصوصا بعد ان علمت ان صروح الدكتاتورية التي شيدها الطاغوت على أشلاء شعبنا المظلوم قد تهاوت فتحول حلمها الى أمنية راحت تهرع وراء تحقيقها حينما يأخذونها في زيارة تقوم بها الى حيث يرقد ولدها ,تحمل في يدها شمعة وفي الأخرى باقة ورد ,تشعل الشمعة وتنثر الورد على التراب الذي يرقد فيه الشهيد ولكن الأمنية  لم تتحقق لأنها لم تعثر على تراب يضم جسد ولدها فراحت تندب حظها على ما حل به لكنها لم تتوقف عن البحث وحينما استسلمت للحقيقة المرة تمنت ان يكون قبره قريبا منها لكي تزوره دائما فلم تجد مكانا قريبا إليها أكثر من ضلوعها ...وهكذا لم يبق  لهذه الأم الثكلى شيء يشدها الى الحياة سوى الذكرى التي تستلهم منها صبرا وسلوه على مصابها الجلل وها هي الآن يرافقها المرض وينهكها ويأكل أحشاءها هموم فاجعتها الملتهبة . رحلت يا أخي الودود ورحلت معك تلك الابتسامة الخجلة والروحية المرحة التي كنت تغدق بها على محبيك ,رحلت بعيدا دون ان تودعنا أو تمنحنا فرصة الوداع ..غادرتنا ولم يعد هناك امل في لقياك ولكن ستبقى حيا في ضمائرنا وحيا في ذاكرتنا على مر السنين حيا كعبير الزهور الطرية ..ستبقى أيها الصديق الصدوق كما كنت محبا وفيا فائضا بالوفاء والتضحية ..وداعا يا نسمة فواحة مؤطرة بالق الحب المتسامي ,وداعا أيها الشهيد الذي أحب وعشق الصعاب والمحن ..هنيئا لك ولمن سبقك وجاء بعدك للانضمام الى موكب الشهادة فقد منحكم الوطن شرفا عاليا في اقتلاع جذور الشر التي توغلت الى أعماق عراقنا الجريح سنين طويلة فوهبتم دماءكم الطاهرة لقاء ذلك ..في هذه اللحظات وبمناسبة رحيلك الأبدي أقول وسأبقى أقول ارقد بسلام أيها الغالي عهدا منا ستظل معنا في عمق الوجدان و قرارة الضمير ووسط القلب ..نستذكرك في كل صغيرة وكبيرة فلك الوفاء ولنا الحزن.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.