اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

سفرتي الى ايران 3- هل ترك إعلام الثورة الساحة لأعدائها؟// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

سفرتي الى ايران 3- هل ترك إعلام الثورة الساحة لأعدائها؟

صائب خليل

 

في الحلقة الماضية عن سفرتي الأخيرة الى ايران في منتصف ت2، 2023 واستغرقت شهرا، كتبت أن حال الثورة الإيرانية في ايران ليس مستقرا بالدرجة التي نأمل أن يكون بها، وإلى ان الحكومة كما يبدو، مقصرة في واجبها في دراسة الخلل والعمل على الحفاظ على مبادئ الثورة ولو بالحد الأدنى واشرت الى خطورة الموضوع حيث ينقسم الشعب الإيراني الى قسمين منفصلين متعاديين، ولا يبدو ان عدد المناصرين للثورة هو الأكبر ولا الأكثر تأثيرا او الأكثر ثقافة.

لكن قبل الذهاب بعيدا، أود ان أذكر المظاهر التي اعطتني هذا الانطباع، وما مدى صحته.

 

اول ما يخطر ببالك حين تفكر بحل لأزمة مجتمع، هو ان تلجأ الى وسائل الاعلام، واهمها التلفزيون والذي يكون للسيد المرشد الكلمة الفصل فيه في ايران.

هناك عدد من القنوات الجيدة، وكانت المفضلة لدي هي قناة "مستند" التي تنتج أفلاما وثائقية تاريخية وأيضا سياحية عن المناطق النائية من إيران وغيرها. وهناك أيضا بضعة قنوات اخبار ومناقشة وأخرى دينية.

لكن غالبية القنوات هي من نوع آخر. فقد وجدت التلفزيون الإيراني، وبدلا من ان يكون أداة ذكية مدروسة ومؤثرة بيد الثورة، في حالة اغراق بقنوات تبث برامج تقلد البرامج الأمريكية، اغلبها مسابقات تهريج تافهة، لو شاهدتها العمر كله فلن تقدم لك معلومة أو فكرة تربوية مفيدة، بل العكس، تربي وتشجع السخف والابتعاد عن القضايا العامة والجدية. إنها قد تنفع للاسترخاء ربع ساعة في اليوم أو نصف ساعة في الأسبوع، وليس البث المتواصل للسخف 24 ساعة في اليوم!

 

كذلك تجد الكثير من الوقت مخصص للإعلانات التجارية المتكررة، مما يعطي انطباعا عن حجم سيطرة القطاع الخاص على الوضع الاقتصادي، وهو أمر خطير في بلد تريد حكومته أن تقوده الى ما تراه صالح الشعب بمبادئه. حيث ستتعرض مبادئك لصراع مع مبادئ السوق وتحقيق اعلى ربح بأي ثمن. وإن تركت هذا الصراع واستسلمت لمبادئ السوق، أكلت البلد ورؤوس الناس وأفكارهم.

 

هنا تشعر كأن الحكومة تركت مسؤولية الاعلام إلى حد كبير، وان الشعب الإيراني ينقسم الى قسمين لا علاقة لهما ببعض، وكل قسم يشاهد قنواته الشديدة البعد كل عن الأخرى. هذا ليس حال ثقافي صحي في أي بلد، وهو خطير جدا في بلد يتربص به أعداء في غاية القوة والخطورة والخبرة في دفع الجماهير الى مواقف خاطئة من خلال الخداع والمبالغة والكذب الصريح. وهذا الوضع يشجع الناس على قبول تلك الأكاذيب بسهولة والتعاطف معها وعدم مناقشتها في رؤوسهم بشكل موضوعي وتصبح مسألة عاطفية، تماما مثل تعاطف الطائفيين مع ما يقدم لهم من سموم دون تمحيص معقوليتها ومنطقها. وبالفعل شعرت أن اية محاولة لتبيان وجهة نظر أخرى وكشف ولو بعض الخلل في المنطق الرأسمالي، تستقبل بنوع من السخرية والاستهجان (المهذب عادة) والابتعاد عن النقاش! نعم أن الوضع الإعلامي في ايران هزيمة حقيقية للثورة الإسلامية وهذا ما يجب ان تعترف الثورة به وان يعرفه اصدقاءها في الخارج.

 

قبل عام، قمت بجمع المقالات والمنشورات التي كنت قد كتبتها في السنين الماضية حول كشف الأكاذيب التي تبث في المجتمع العراقي ضد ايران من قبل وسائل الاعلام التي تسيطر عليها إسرائيل وأميركا في العراق، وهي الغالبية الساحقة وتتوسع باستمرار وتسيطر على قنوات كانت محسوبة للمقاومة. واضفت الى تلك الدراسة مجموعة إحصاءات أمريكية حول موقف العرب والعراقيين من ايران وتحولاته خلال العقود الماضية. لقد كان الهدف من تلك المقالات حينها، توعية الشعب العراقي لما يراد له من خديعة خطرة وتشويش الصورة بشكل متعمد ليرى الصديق عدوا والعدو صديق، وهو ما يضر الشعب العراقي مئة مرة أكثر مما يضر إيران. وكنت الاحظ أن مؤسسات الإعلام الإيراني لم تكن تساعدنا في جهودنا لكشف تلك الأكاذيب، ولم تكن تؤد واجبها في الدفاع الإعلامي المتوقع عن بلدها. فرغم ذلك السيل الهائل من الاخبار الملفقة عن إيران، لا توجد (حتى الآن حسب علمي) حتى صفحة يخصصها الإعلام الإيراني للقارئ العربي لمتابعة تلك الأخبار الملفقة وتقديم حقيقة الخبر. وكان إنشاء مثل تلك الصفحة احد اقتراحاتي في الدراسة.

 

ونتيجة لتقصير الاعلام الإيراني في الدفاع عن نفسه، كان علينا نحن الذين نريد الحقيقة لشعبنا، ان نركض وراء كل خبر نشك فيه ونبحث عن مصادره في وكالات الانباء الإيرانية. وليس ذلك امر سهل لأشخاص غير متفرغين ولا يجيدون الفارسية، خاصة انك لن تجد كل النصوص باللغة العربية في صفحات وكالات الانباء، كما ان الكثير من الاخبار لا تغطيها وكالات الانباء أصلا. وعند الحصول على نص الخبر، يكون علينا ان نترجمه إلى العربية وهكذا. إنها مهمة اسهل بكثير لفريق اعلامي صغير يجيد اللغتين وله اتصالاته بالمؤسسات الإعلامية والحكومية. وكنت دائما أتساءل: لماذا هذا التقصير؟ لكني للأسف وجدت تقصيرا إعلاميا حتى داخل البلد، وحتى في الدفاع عن ما يصل الى الشعب الإيراني نفسه من صور مزيفة.

 

يجب ان اعترف انني لا افهم واتكلم الإيرانية الا بصعوبة، مما أتذكره مما تعلمت قبل ثلاثين عاما حين زرت ايران للمرة الأولى، ثم حاولت تجديد ذاكرتي وتطوير معرفتي بالإيرانية خلال سفرتي الأخيرة هذه بما يسمح الوقت فوجدت واشتريت كتاب القراءة للصف الأول من امرأة تبيع الكتب على الرصيف، وكتاب كليلة ودمنة بالفارسية وكتب أخرى، إضافة لمتابعة بعض الدروس على النت. وهذا بالطبع نقص شديد لا يتيح لي اطلاقا ان أعطي رأيا مدروسا في الاعلام الإيراني، لكنها ملاحظات عن الخطوط العامة العريضة التي الاحظها دون حاجة كبيرة الى الدخول في تفاصيلها. فمشاهدة برامج السخف التلفزيونية لا يشترط معرفة كل كلمة يقولونها، ومشاهدة كتب الشاه على الأرصفة تكفي لإثارة علامة استفهام حتى دون ان تقرأها، وكثرة الإعلانات تعطي فكرة عن التوجه الاقتصادي وهكذا.

 

أما بالنسبة للدراسة المذكورة فكانت تستند إلى مقالاتي حول الاعلام العراقي (او يسمى هكذا زورا) وما يبث من سموم في رؤوس العراقيين عن إيران، وليس الاعلام الإيراني. ولم انشر تلك الدراسة حتى الآن. وهذا تقصير من جانبي شجعه عدم وجود تواصل بيني وبين جهات تنشر مثل هذه الدراسات الطويلة، واقتصار جهودي في السنوات الأخيرة على ما أتوقع ان يقرأه القارئ بالفعل من منشورات قصيرة في تويتر وتلغرام، وما يسمح الفيسبوك بنشره في توجهه الإسرائيلي الشديد التضييق. وهكذا تأجل نشر الدراسة حتى صار عمرها اكثر من سنة، وسأحاول نشرها في الفترة القادمة.

 

ختاما أقول إنني لم اشعر بوجود صراع كاف من قبل الثورة الإسلامية، على رأس المواطن الإيراني. ولا شك ان هناك صراع لم استطع رؤيته من زاويتي الصغيرة، لكنه لو كان قويا بما يكفي، لكنت لمحته. الانطباع الذي تركته السفرة عندي ان تلك الثورة قد تركت هذا الصراع، واكتفت ربما بإدامة توجيه المنتمين اليها دون ان تبذل جهدا كافيا لكسب الشارع العام. فعدا بعض التضييق على وسائل التواصل والانترنت، تبدو المعركة الإعلامية غير موجودة، وان الثورة تركت لأعدائها الساحة العامة لوحدهم تقريبا.

 

أخيرا، لم تكن كل الاخبار المسيئة لإيران عند الشعب العراقي زائفة. فبين الحين والآخر يظهر مسؤول إيراني كبير ليقول كلاما جارحا للعراقيين أو يطرح رأيا مؤسفا او غير محسوب النتائج. وفي مرة واحدة على الأقل كان هناك اختراق معادي دفع بمسؤول اعلامي كبير في ايران الى تصريحات من الواضح انه كان ينفذ مهمة مقصودة لتخريب العلاقات بين الشعبين، وكانت علامة مقلقة على حجم اختراق الامريكان للمؤسسات الإيرانية وتجنيدهم مسؤوليها، وقد كتبت عن ذلك اكثر من مقالة في وقتها. فعلى سبيل المثال فأن مستشار السيد روحاني للشؤون السياسية والأمنية، "على يونسي" تكلم عن تبعية بغداد للإمبراطورية الإيرانية وغيرها من الأقوال الغريبة، إلى درجة ان نواب إيرانيون اعلنوا شكوكهم بأن الأمر ليس بريئاً وطالبوا الحكومة والقضاء بمعاقبته وطرده. واشار أحد النواب أن يونسي عمل سابقا كوزير للمخابرات، لذلك فهو على دراية كاملة بتداعيات تصريحاته الأخيرة وأنه قالها متعمدا! وقامت "المحكمة الخاصة بعلماء الدين في إيران" باستدعاء علي يونسي للتحقيق معه بشأن تصريحاته الخاصة بالعراق.

وفي 2015 نشر رئيس تحرير وكالة "مهر" حسن هاني زاده" مقالاً بعنوان "الوحدة بين ايران والعراق لابد منها"، وجاءت فيه عبارات قبيحة غير لائقة، مثلا: "لقد آن الأوان ان يقول الشعب العراقي كلمته الاخيرة وان يختار بين العروبة المزيفة الجاهلية وبين الاسلام الحقيقي وينفض ثوبه من تراب الذل العربي"...، وزاده أيضاً ليس أحمقاً لا يعرف تأثير ما يقول. هذه امثلة على لمحات تؤشر اختراقا خطيرا للمؤسسات الإعلامية الإيرانية من قبل أعداء الثورة بشكل اكيد.

 

هذه السطور الأخيرة عن حقائق محددة مثبتة، لكن معظم ما جاء في هذه المقالة حول الاعلام الإيراني داخل ايران، ملاحظات عامة تتلمس الخطوط العامة، وتعبير عن قلق قد يكون مبالغ به احيانا، لخطورة أهمية هذا البلد في مجرى الصراع في المنطقة ونتيجته على كل شعوبها، يدعمه الشعور بقوة العدو الإعلامية الهائلة وتأثيرها على هذه الشعوب. لذلك لن استغرب إن تبين لاحقا ان الصراع اكبر مما استطعت ان اراه، لكنها "انطباعاتي" الحالية، والانطباعات مهمة لأن مهمة الاعلام الأساسية هي "خلق الانطباعات".

 

في الحلقة القادمة سنتحدث اكثر عن توجهات الاقتصاد الإيراني، وهو أيضا لا يتجه برأيي الى حيث يفترض ان تقوده الثورة الإسلامية في ايران

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.