اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

عندما يتعب الشيعي.. عندما يتعب السني.. من الذي لن يتعب؟// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

عندما يتعب الشيعي.. عندما يتعب السني.. من الذي لن يتعب؟

صائب خليل

25 كانون الثاني 2016

 

الألم يسبب التعب، والتعب ينهك الإرادة. هذا ما يعرفه الجلادون أفضل من غيرهم.. والجلادون الجدد يعملون على سجون شاسعة هي البلدان والمساجين هم الشعوب. العراقيون أحد هذه الشعوب التي أنهك ارادتها الألم.

 

ما دفعني لكتابة هذا، قراءتي لمقال لكاتب طالما دافع عن وحدة الوطن، وطالما كان واعيا للدور الأمريكي الإسرائيلي التخريبي واجندته وأهدافه. كتب "أياد السماوي" أنه هذه المرة لا يريد "أن يكون ملكيا اكثر من الملك". وقال:"ماذا جنى الشيعة من خطابهم الوطني غير القتل وسرقة ثرواتهم؟؟".(1)

وقرر السماوي أنه لن يقبل أن تراق “قطرة دم شيعية” واحدة من أجل كركوك, "فليس من المنطق ولا من المعقول أن تزهق أرواح شباب الشيعة وتسيل دمائهم حتى نسترجع من مسعود مناطق سلّمها أهلها بالتعاون مع داعش والبعث المجرم له, وفي وقت يصرّح كل قادة سنّة السلطة أنّ لا مشكلة لهم مع مسعود وأنّ مشكلتهم مع الشيعة الصفويين عملاء إيران فكركوك" مؤكداً أن "هذه المناطق لم تكن يوما جزء من جغرافيا التشيّع".

قال "حين يكون التقسيم خطاب الجميع، فليس من الحكمة ولا من المنطق أن يبقى الخطاب الشيعي متمّسكا بالخطاب الوطني والحفاظ على الوحدة الوطنية". وتساءل: "لماذا لا يكون شعارنا نحن الشيعة لا دخل لنا بهذا الصراع وليتقاتلوا على كركوك بئس بينهم؟"

ويشرح السماوي عن لسان صديق له: "فلماذا نتحمّل نحن الشيعة لوحدنا مسؤولية الحفاظ على وحدة هذا الوطن والشركاء الآخرين قد اتفقوا فيما بينهم ضدّنا؟ ولماذا لا نلتفت لمصالحنا كما يفعل الآخرون؟ وهل من الواجب أن يبقى الشيعة يلعبون دور أم الولد بشكل دائم والآخرون يضحكون على سفاهة عقولنا؟.... "وها هم كل قادة سنة السلطة يعلنون أنّ لا مشكلة لهم مع مسعود وإذا تطلّب الأمر فإنهم على استعداد للانفصال معه في وطن واحد بدون الشيعة"..... "فليذهبوا وليحرروها منه لوحدهم, فهم من ساعده على احتلالها وهم من سمحوا لداعش أن تسيطر على مدنهم , وهم من يتحالف معه الآن ضد الشيعة, فماذا جنى الشيعة من خطابهم الوطني غير القتل والتدمير وسرقة ثرواتهم من الكرد والسنّة ؟؟؟"

 

ما هو الخطأ في هذا الخطاب؟ إن ناقشناه بعيداً عن العاطفة والشعارات الوطنية، والتي يبدو أن السماوي وصديقه قد زهقا منها؟

 

الخطأ الأساسي في رأيي هو في تقسيم السماوي لعالمه إلى سنة وشيعة ومحاولته فهم هذا العالم على أساس هذا التقسيم. فنحن عندما نقسم الأشياء إلى أجزاء منسجمة، فإننا نسعى لتسهيل فهمنا لها، لكننا وكما سنرى، فإن هذا التقسيم يخلط الأوراق بدلا من توضيحها ويعمي البصيرة اللازمة لتمييز العدو من الصديق.. كيف؟

 

الصورة العامة التي يستند إليها السماوي في تحليله أن هناك شيعة وسنة، وأن السنة متفقين من البارزاني رغم استيلائه على أرضهم وأن الشيعة يضحون بشبابهم من اجل إعادة تلك الأراضي الى السنة، الذين يقتلونهم وينهبون ثرواتهم بمشاركة الكرد. وإزاء هذه الصورة فلا عجب أن يجد السماوي تلك التضحيات غير معقولة ولا مقبولة. لكن هذه الصورة شديدة الخلل:

 

أولا: ليس هناك انسجام بالحد الأدنى للسنة أو الشيعة يسمح بمثل هذا التعميم والتقسيم الشديد التبسيط. لكنه يشعر بالحاجة إلى ذلك الانسجام والتعميم فيقول بأن "كل قادة السنة" يصرّحون أن لا مشكلة لهم مع مسعود! وهي مغالطة للواقع. فمن صرح بهذا هو أسامة النجيفي، وهو معروف بين السنة هو واخوه بأنهما من اشد ذيول كردستان. ولا شك أن هناك قادة سنة يقفون معه في هذا، لكن هناك أيضا من يرفضه تماماً، ويمكنني أن أذكر عبد الرحمن اللويزي والشيخ الهايس على سبيل المثال. كما أن الشارع السني هو ضد من يغتصب ارضه ويقوم بجرف مساكنه بالتأكيد. ونلاحظ أنه حتى النجيفي المعروف بولائه لمسعود، اضطر للتظاهر بأن لديه "خلافات" مع مسعود حول الأراضي كما قال في ذات الخطاب، خشية غضب الشارع السني منه! إضافة إلى ذلك، فكلنا نعرف الجهود الكبيرة والأموال الضخمة التي صرفتها السعودية لـ "توحيد كلمة السنة" (خلف المشروع الإسرائيلي طبعا)، وتلك الجهود تدل على مقاومة الشارع لها.

 كذلك فليس هناك انسجام بالحد الأدنى للشيعة، لا تجاه البرزاني ولا تجاه العديد من الأمور. بل يمكننا القول بثقة، إن اخذنا القادة كمعيار كما فعل السماوي، أن الثقل النيابي للشيعة الذين يقفون بالضد من برزاني هم اقلية، فكتلة الصدريين تسايره وكتلة المجلس معه ونصف دولة القانون أو ربما أكثر، يسايرونه والحكومة تسير في أذياله وهذا مؤشر على ثقل الطرف الشيعي المؤيد له.

 

ثانياً: ليس صحيحا أن السنة والكرد ينهبون الشيعة. فقبل كل شيء الثروة العراقية هي لكل العراق، ولم تحتسب الثروة التي تحت اقدام المحافظات، كملك لها لكي تنهب إحداها الأخرى. ولو حسبنا الأمر هكذا لوجدنا ان بعض المحافظات الشيعية غير النفطية مشاركة في النهب على هذا الأساس. أما الوصف الصحيح لما يجري الآن فهو أن كردستان، وبضغط اميركا وعملاؤها من الطرفين، تنهب السنة والشيعة بنهبها العراق كله. ولو رأينا خارطة الفقر والرفاه في العراق، لعلمنا من يسرق من. فمناطق السنة لا تقل فقرا عن مناطق الشيعة، دع عنك أنهم مشردون، فكيف ينهب المشردون الآخرين؟

لو راجعنا الحقائق نجد أن من قام بأكبر تسهيل لنهب كردستان للعراق هو المالكي، حيث سلمتها حكومتيه ما صار مجموعه 42 مليار دولار، بشكل رسمي، عدا النهب غير الرسمي المعروف وتهريب النفط ونسبة الـ 17% التي منحها لها اللص "الشيعي" أيضاً، عادل عبد المهدي في وقت حكم عميل المخابرات الأجنبية "الشيعي" أيضا أياد علاوي. وتغاضت كل تلك الحكومات، وكلها برئاسة وزراء شيعة وكتل حكم شيعية بشكل رئيسي، عن كل اعتداءات كردستان على الكمارك وعلى الأراضي، وأوصلت العراق إلى ما وصلت إليه. وليس صحيحا أن "الشركاء" وحدهم من ضغط على تلك الحكومات لترتكب ما ترتكب، كما يسعى المدافعون عن المالكي لتأكيده، فقد هرول المالكي لإلغاء دعوة أقامها وزير الدفاع (وهو من كتلة سنية) ضد البيشمركه لاستعادة السلاح العراقي، فمن ضغط عليه؟ ومن ضغط عليه ليفلت خونة الموصل من العقاب؟

اما الحكومة "الشيعية" الأخيرة فلعب فيها التعاون "الشيعي" الكردي الدور الأساسي لنهب العراق من خلال مثلث العبادي “الشيعي” مع عبد المهدي “الشيعي” مع هوشيار زيباري الكردي.

فمن الذي ضحى حقاً بمصالح الشيعة، وماهي مصالح "ألآخرين" الذين يلتفتون إليها ويضحكون من الشيعة،حسب السماوي؟ وما هي المحافظة السنية التي يمكننا ان نرى فيها أثر ذلك الدفاع عن المصالح من انتعاش مثلاً؟ ومن هو الرئيس الذي وقع الإتفاقات مع الأردن المعادية للعراق في كل شيء، والمعادية للشيعة بشكل خاص؟ أليسوا هم الشيعة - المالكي ثم العبادي؟ فلماذا يعتقد السماوي أنه لو حكم الشيعة منطقتهم لوحدهم فأن هؤلاء سيكونون أكثر شرفا في الدفاع عن مصالح الشيعة مما هم الآن؟

 

ثالثاً: ليس صحيح أن الكرد والسنة قتلة والشيعة ضحايا، ولو كانت هذه هي الصورة، فمن الذي قتل السنة، وضحاياهم أكثر نسبة من الشيعة كما تؤكد التقارير الحكومية ذاتها؟ ومن الذي شردهم؟ إن كان الذي فعل ذلك هم سنة أيضاً، فهذا بحد ذاته يسقط التقسيم الطائفي الذي تبناه السماوي في خطابه. إنما ما يحدث أن هناك إرهابا تم تنسيقه من قبل الأمريكان، خلق داعش واخترق الميليشيات الشيعية والجيش والأمن بشيعته وسنته، وقام هذا الإرهاب بقتل السنة والشيعة بلا تمييز (ولدينا ادلة عملية قاطعة على ذلك حتى في ديالى مؤخراً). والخطاب الشيعي الذي يحاول أن يجعل من الإرهاب سنيا فقط، والسني الذي يريد جعل الإرهاب شيعيا فقط، وأن الضحايا ضحاياه فقط، هو بالضبط ما يريده من أسس ذلك الإرهاب.

 

رابعاً: من الممكن بسهولة، إن اتبعنا هذا المنطق المغالط، أن يقول السنة أن "الشيعة" هم من تسبب لهم بالتشريد والقتل، لأن ذلك التشريد والقتل قد تم تحت حكم حكومات "شيعية" كانت تتغاضى عن واجبها بحمايتهم، كما ان الكثير من قادة الجيش الذين خانوا الموصل كانوا من الشيعة، وكان القائد العام للقوات المسلحة الذي ترك هؤلاء يفلتون بلا عقاب، شيعي أيضاً (المالكي)، وهو بالمناسبة من يعتبره السماوي، بطلاً طالما مجده وتغاضى عن كل افعاله. كما ان العديد من المدن السنية التي قاتلت داعش لم تتلق الدعم من الحكومة “الشيعية” فقاومت مرة ثم سقطت مرة أخرى كما حدث في عنه. وكان جيش "الحكومة الشيعية" يرابط على أطرافها دون تدخل بينما كان السنة في عنه يقاتلون القاعدة حتى الصباح! وحين انسحبت داعش (أو القاعدة) من المعركة لم يتابعها ذلك الجيش، ولا حاسب رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة أحداً من مرؤوسيه على تلك الخيانة ولا سألهم لماذا تركوا داعش تهرب، حتى إن لم يكن يشعر بمسؤولية حماية عنه!

ولا ننسى أيضاً أن الحكومة التي استوردت أجهزة كشف المتفجرات الكاذبة هي حكومة ذلك "الشيعي" الذي يمجده السماوي، وكان القائمين على الصفقة من الشيعة، وبقيت الحكومات "الشيعية" تستعملها حتى بعد افتضاحها، وحتى اليوم. فهل تساءل أحد عن حجم مسؤولية المسؤول "الشيعي" في الإرهاب إذن، حتى لو كان كل المنفذين من السنة؟ ولا ننسى أيضاً تماهي الحكومات الشيعية المتتالية مع فضائح الإرهاب وتركه يهرب مثلما حدث للمجندين البريطانيين في البصرة عام 2005 وللإرهابي فادي اللحدي بعدها وغيرهم كثير. فهل تصرف هؤلاء كـ "شيعة" يهمهم أمر ألشيعة، ام كلصوص وتافهين يعملون من أجل مصالحهم دون غيرها؟

 

أما رئيس الحكومة "الشيعي" الجديد، فهو اشد إمعاناً في دعم الإرهاب والتدمير الأمريكيين. فهو لم يكتف بأن جاء بمشروع "الحرس الوطني" الذي كان يهدف لتمزيق العراق، بل لتمزيق حتى "الإقليم" الشيعي ذاته، إلى محافظات صغيرة يسهل بلعها! وهو ذاته الذي وقف بوجه الحشد بكل قوة ومنعه من التدخل مراراً حتى حينما دعاه السنة للنجدة، وأعطى هذا "الشيعي" الفرصة لداعش أن تهرب من تكريت ومن الرمادي، كما انه تجاهل الأدلة القاطعة وتقرير لجنة الأمن البرلمانية الذي أكد أن الأمريكان كانوا يدعمون داعش بالمساعدات ويقصفون الجيش والحشد في اللحظات الحرجة وأكثر من مرة! وأخيرا فأن هذا "الشيعي" هو الذي وقف بين العراق وبين النجدة الروسية التي دمرت داعش في سورياً، ومن أجل كرسيه فقط! فما الفرق بين دعم السعودية لداعش ودعم العبادي لهم؟

 

إذا كان السماوي يريد التخلص من كل الداعمين للإرهاب وحواضنه وداعمي الفساد ونهب أموال الشيعة فيجب ان يخرج كل هؤلاء الشيعة من اقليمه الشيعي، لينعم الشيعة بالأمن والرخاء، فهل هو قادر على ذلك أم أن نفس هؤلاء اللصوص الذين ينهبون البلد والعملاء الذين يسلمون أمواله ومقدراته، سوف يستلمون القيادة في الإقليم الشيعي الأضعف، وسوف تستمر المأساة إن لم تتزايد؟

 

لقد تحدثت حتى الآن بمنطق أياد السماوي ذاته لأبين كيف أن تقسيم الأرض والشعب على أساس الصفة المذهبية سوف يتطلب مغالطة الكثير من الحقائق، ولم اقصد ابدا القاء اللوم على الشيعة كما يفعل السماوي في مقالته على السنة. ولا اعتقد ابداً أن "شيعية" المالكي هي السبب في تماهيه مع خيانات الجيش في الموصل وعنه وغيرها، وتسليمه 42 مليار دولار لكردستان، فهو لم يفعل ذلك بالتأكيد من أجل الشيعة، بل من أجل كرسيه فقط، لذلك فأنا أعامله كمحتال ولص عراقي، مثلما هو الحال مع لصوص السنة والكرد والشيعة. وأنا وضعت علامات اقتباس على كل كلمة "شيعي" في المقالة، لتأكيد تلك النقطة، وبأني استعملها تهكماً وليس بمعنى الكلمة.

وبالتأكيد فإني لم ابغ تبرئة السنة مما يجري، ولا ادعي رضاي عما يفعلون، بل ان اغلبية ساستهم الساحقة من السفلة، رغم بطولة البعض التي لا شك فيها والكثير من السنة استسلموا بسهولة لحملة التجهيل الإعلامي ضد إيران وضد الحشد. ما اردت تبيانه في هذا كله هو ما قلته في بداية المقالة، من ان تقسيم العالم إلى سنة وشيعة وإعطاء صفة لهؤلاء أو دور لأولئك حسب هذا التقسيم، لا يساعد على رؤية الصورة بل يوقعنا في مطبات مضحكة ويوصلنا إلى استنتاجات متناقضة، ويزيد في الغشاوة على عيوننا.

 

دعوني اعطيكم مثالا على التشويش الذي يسببه التقسيم الطائفي للناس، وأسأل: "أيهما أكثر "شيعية"، حكومة "الشيعي" المالكي بكل أعضائها، والتي وقعت اتفاقات دعم النفط للأردن "السنية"، رغم فقر أهله، أم صائب خليل، "السني" الذي اعترض عليها بشدة وفضحها كثيرا في مقالات عديدة(2)

 

، رغم أنها في صالح "السنة"، كما يفترض؟ أيهما يمثل "مصالح الشيعة" وأيهما ينهب "أموال الشيعة" حقاً ليعطيها لغيرهم؟ إن التصنيف الطائفي لصائب خليل ونوري المالكي سوف يوحي لنا بالجواب المقلوب للحقيقة، فمما لا شك فيه أن صائب خليل بحرصه على مصالح العراق، أكثر حرصاً على مصالح الشيعة من المالكي الذي وضع كرسيه كهدف وحيد لنشاطه وجهوده.

وبالمقابل، أيهما أكثر "سنية" وتمثيلا لمصالح السنة، إبن الجنوب "الشيعي" الذي يضحي بدمه حين يرى الأنبار مدينة عراقية يجب تحريرها، أم "مجلس نينوى" الذي لا يمتنع عن الدفاع عن مصالح السنة بوجه التوسع الوحشي لكردستان على أراضيهم، بل بلغ فيه الانحطاط أن يعترض حتى على تقرير منظمة العفو الدولية الذي يكشف هذه الحقائق؟؟(3)

 

هذا هو الخلل الكبير والمرعب الذي نقع فيه، وتقع فيه تقييماتنا وتحديدنا للعدو والصديق، إذا ما فكرنا باستعمال التقسيم الطائفي لمن هم حولنا لتحديد اصدقاءنا واعداءنا، وتبنينا الافتراض السخيف بأن كل شيعي سيحرص على مصالح الشيعة وكل سني سيحرص على مصالح السنة، وأن تلك المصالح مختلفة!

 

لماذا كتب السماوي هذا إذن؟ هل هو داعية طائفي؟ لا.. لقد رأيته قاسياً على الشيعة في الكثير من المرات، ولم تنج من نقده حتى المرجعية. هل هو من دعاة تقسيم العراق؟ أبداً، فمقالاته تدل على عكس ذلك حتى الآن. هل لا يملك القدرة الذهنية على رؤية هذه التناقضات في منطقه؟ غير صحيح على الإطلاق. أين المشكلة إذن؟

 

إنه التعب! الألم المتواصل يجعل العقل يصرخ مثلما يجعل الجسم يصرخ، ويطلب الخلاص، مثل السمكة التي تخرج من الماء فتقذف بنفسها يمينا ويساراً متخيلة ان الحل ربما يأتي من هذه الحركات، مثلما يتخيل المتعب أن الحل ربما بالعودة للتقسيم الطائفي، مسرعاً بذلك نهايته.

 

في الماضي رأيت السنة أيضا يتعبون من الألم فيفقدون المنطق ويصدقون مثلا أن قاسم سليماني هو من قام بحرق الوقف السني في الأعظمية وصدقوا كل خرافة ممكنة عن إيران. الكل عندما يتعب يتصرف خارج المنطق، وتبدأ الضحايا بضرب بعضها البعض، وجلادونا يعرفون ذلك خير منا وهم مستمرون بضخ الألم في اجسادنا ونفوسنا.

إن العقل يقول لنا ان "مصالحنا" هي في البقاء معاً، لأن المشكلة ليست في شحة الموارد بل في ضعفنا. فزيادة الموارد وإضعاف البلد لن يخدم إلا اللصوص. مصلحتنا في بناء الوطن، وليس تناهب ثروة العراق وتقسيمها.

 

فماذا نفعل؟ كيف نستمر بمقاومة الألم ونتجنب انهيار الإرادة وانهيار العقل بعدها لنضرب أنفسنا بأنفسنا؟

 

هذا يذكرني بحادثة مروعة وأبطالها الذين خاضوا معركة شرسة لحماية رؤوسهم من ان يحطمها الألم. إنهم عائلة صديقي لطيف، التي أحرق افرادها احياءاً في جريمة أمريكية بشعة قصفت سيارتهم وقضت على كل من فيها، فلم يبق منهم إلا لطيف وولديه الكبيرين وقد كتبت عن تلك المأساة! (4)

 

 

 

الثلاثة الذين نجوا من الكارثة وكتب عليهم تحمل الحياة بعدها، ردوا على المأساة بأن عقدوا بينهم اتفاقا غريبا!

قال لي لطيف: "تراهنّا: من منا سينهار اولاً؟" لعلها أغرب مراهنة سمعت بها في حياتي، واكثرها إثارة للدهشة أن يكون هناك بشر بهذه القوة ليبتكروا رداً على مثل تلك الضربة الساحقة. لقد كان كل منهم، شديد القلق على الاثنين الباقين أكثر من ألمه وقلقه على نفسه، ويخشى انهيارهما، لذلك كان كل منهم على استعداد ان يتحمل ذلك الألم المهول ولا ينهار، لكيلا يدفع بالآخرين إلى الانهيار! لقد اكسبهم حبهم الشديد لبعضهم تلك المقاومة الرائعة، فتحملوا الألم ونجوا من نتائجه. (5)

 

وحينها كتبت لغيلان، الابن الأصغر، وبطل الشطرنج، والذي صار من فناني العود الكبار، كتبت له: " أي غيلان.... نحن مثلك لا نريد ان نصير حمقى ووحوش، لكننا متعبون.. متعبون ...متعبون..

آه غيلان معذرة.... فليس لإنسان ان يذكر تعبه امام إرهاقك، ولا مصيبته امام جلال مصابك...

غيلان إنك لم تترك لنا خياراً...سوى ان نقسم أن نبقى بشراً حتى الموت.. فلنحمل اسمك "غيلان" في اعناقنا وذاكرتنا، تعويذة ترد عنها السقوط، كلما انقض علينا الخوف وكلما فاض التعب."

 

وأنا عندما أرى العراقيين "المتعبون المتعبون المتعبون"، مازالوا قادرين رغم كل شيء، وفي ذات المدينة التي شهدت مجزرة قبل أيام على إقامة صلاة موحدة(6) فإني أدرك أنه مازال في العراق كمثل غيلان وأهله، من يتحمل الألم ويعض شفتيه.. ويبقى قادرا على أن يفتح عينه فيرى من هو عدوه ومن هو صديقه. أن يبقى الشيعي والسني مدركا أن مصيرهما مشترك كالتوأم الملتصق، وأنهما ضحايا ذات الجهات العالمية الشريرة وذات اللصوص المحليين سواء كانوا شيعة أو سنة أو كرد، فهذه كلها لا تعني للصوص شيئا سوى كونها وسيلة لخداع الضحايا. العراقي مازال رغم التعب، كما يبدوا قادر على التمييز ويقاوم السقوط في الطائفية، ويقسم مع نفسه، كما فعل لطيف وولديه: أنه لن يكون أول من ينهار! فإذا بلغ الإرهاق حافة الإنهيار، فإن الإنسان العراقي سيتذكر غيلان وهزبر ولطيف، ويقارن تعبه بتعبهم، فيخجل من نفسه أنه فكر بالاستسلام. غدا إذا تعب السني، وتعب الشيعي، فسيبقى "العراقي" الإنسان، يحمل وحده شعلة الوطن والإنسانية، لا يتعب منها، فليس التعب بالنسبة له خيار متاح.

 

(1)  - ماذا جنى الشيعة من خطابهم الوطني غير القتل وسرقة ثرواتهم ؟! بقلم اياد السماوي - http://iraq.neinawa2.com/?p=3835

(2) - صائب خليل - رئيس وزراء الأردن لا يشكر العراق لدفعه الجزية!

https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/195428470581744

(3) - مجلس نينوى يرد على تقرير "انتهاكات البيشمركة": على العفو الدولية الاعتذار لكوردستان http://www.ara.shafaaq.com/52215

(4) الجيش الصغير والحلم القديم بالسلام

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=20255

(5) صائب خليل - غيلان: تعويذتنا الواقية من الانهيار

 - http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=77953

(6) صلاة موحدة للسنة والشيعة بمسجد «لا إله إلا الله» في العراق لوأد الفتنة الطائفية- http://albedaiah.com/news/2016/01/22/105283

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.