اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الغربان والحساب// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الغربان والحساب

صائب خليل

18 آذار 2016

 

شجرة التوت الكثيفة تحمي الغربان من عيون الصيادين، لذلك ينتظر هؤلاء إلى أن تطير ليطلقوا بنادقهم. بعد تجارب مرة تعلم الغربان أن يراقبوا وأن يصبروا مهما اشتد بهم العطش والجوع، ولا يطيروا إلا حين لا يكون هناك صياد مختف تحت الشجرة. لكن الصيادين عرفوا ان للغربان نقطة ضعف: أنها كسولة بالحساب! كانت تعرف فقط: "واحد" و "كثير". فكانت تسمي كل ما هو أكثر من واحد بأنه "كثير".

في اليوم الأول رأت الغربان صياداً يأتي ويختبئ تحت الشجرة فلم تطر حتى غادر مكانه. في اليوم التالي جاء صيادان واختبأا تحت الشجرة. ثم غادر أحدهما. فلم تطر الغربان فقد حسبت: لقد جاء "كثير" وغادر "واحد". فانتظرت حتى غادر الثاني لتطير.

في اليوم الثالث جاء ثلاثة صيادين، ثم غادر اثنان. حسبت الغربان: جاء "كثير" وغادر "كثير"، إذن لم يبق شيء. طارت الغربان فسقطت بطلقات الصياد الباقي. وهكذا دفعت الغربان ثمن كسلها.

في الحياة، لكي يعيش المفترس، فعليه أن يضع أمام الفريسة تحديا فوق طاقتها، ولا مفر للفريسة إن ارادت الحياة، إلا ان ترتفع إلى مستوى التحدي، أو تصير طعاماً.

 

الأمر لا يختلف في علاقة التحديات بين الشعوب ومن يراها فريسة لا يعتاش إلا على دمارها وتحطيمها.

 

التحديات امام الشعوب ليست فقط في قدرتها على الحساب. هناك تحد لذاكرتها. وهناك تحد لإرادتها وصمودها. وهناك تحد لقدرتها على تمييز الأصدقاء من الأعداء. وهناك تحد لمنطقها. وهناك تحد لأمانتها في مواجهة خداع الأماني. هناك تحد لمعرفتها بالتاريخ..

باختصار: لكل شيء، فعدوها يدرسها بعناية بحثا عن نقطة ضعف. لذلك عندما لا يرى الشعب العلاقة بين الخصخصة وزيادة الأسعار، وبين حرية السوق وتحطيم الطبقة الوسطى، وبين قروض البنك الدولي وفقدانه السلطة على بلاده وثرواتها، بين سرية التصويت في البرلمان وفقدانه سلطة الرقابة عليه، .... فإنه سيفاجأ مفاجآت غير سارة أبداً.

وعندما لا يتذكر ما فعل هذا السياسي أمس، كيف سينتخب في المرة القادمة؟ أو عندما يمتنع عن طرح الأسئلة خوفا من إحراج اجوبتها، أو عندما يفقد إرادته واعصابه ويقول ليأت من يأت... فستكون النتيجة المريرة ذاتها. فلا يكفي الشعوب ان تكون شجاعة، ولا ان تكون صابرة فقط أو مقدامة. عليها أيضا، إن ارادت البقاء على قيد الحياة، أن تواجه كل الحقائق وألا تهرب من الأسئلة التي تطرحها على ساستها، وعلى نفسها أيضاً. خصوصا تلك الصعبة المحرجة منها، ولنأخذ بعض الأمثلة:

 

على من يضع أمله في العبادي أن يسأل نفسه إن كان يستطيع أن يضع أمله فيمن جاء به الأمريكان بمعونة سفلة كردستان غصباً وكان له 4000 صوت فقط، وهدد الأمريكان الشعب بتركهم فريسة لداعش إن لم يوافقوا على عميلهم.. فبدأ حكمه بدفع الثمن لهم ولكردستان. أن يثق فيمن جاء محملا بقانون الحرس الوطني. فيمن يضع أفسد الخلق على وزارتي النفط والمالية. فيمن يحمي داعش من ابطال الحشد ومن صواريخ الروس ليتركهم بحماية أصدقائهم وأصدقائه الأمريكان الذين كانوا يقصفون جيشه. فيمن يمنع الحشد ثم يرفرف بالعلم بلا خجل على المناطق التي يحررها، فيمن لا يجد من يضعه على رأس هيئة الحشد سوى أحد عملاء الأمريكان فالح الفياض. فيمن ينكر بشدة أن الأمريكان يقدمون لداعش المساعدة، حتى حينما يصدر تقرير لجنة تحقيق برلمانية تؤكد الأمر.. فيمن له من الاحتيال وقلة الكرامة أن يقف يلوح للسيارات كشرطي مرور في شارع الخضراء على أساس انه فتحها للناس! فيمن وصلت فضيحته أن يضطر للصراخ أنه ليس ذيلا لأميركا! عليهم أن يسألوا أنفسهم إن كان بالإمكان الاعتماد على مثل هذا ليأتيهم بـ "الإصلاحات"، أم هو خداع مقزز للنفس؟

 

والذين يضعون أملهم على المالكي ان يسألوه لماذا حمى الضباط الخونة الذين سلموا الموصل لداعش، من العقاب؟ لماذا لم يحقق بمجزرة بهرز التي ارتكبتها القوات الخاصة التابعة له، رغم وجود عشرات ومئات الشهود المستعدين للشهادة ولتحديد المجرمين بالأسماء. لماذا ترك القاعدة تهرب في كل مرة بعد هجماتها، ولماذا ترك كردستان تنهب 42 مليار دولار على مدى سنين حكمه؟ إن لم يستطع منعهم لماذا لم يكاشف الشعب ليفهم؟ لماذا كان يخفي ملفات الإرهاب ليستخدمها لمنفعته الشخصية؟ لماذا مرر فضيحة أجهزة كشف المتفجرات وأسهم بذلك بقتل الآلاف من العراقيين، بل عشرات ومئات الآلاف؟ لماذا دافع عن الوزراء الفاسدين من وزير الشباب وما قبله، والقضاة الأكثر فسادا، من أجل أن يبقى على الكرسي؟ ولماذا وقع عقود المساعدة النفطية لحكومة قبيحة كريهة إسرائيلية وعدائية للشعب العراقي وشديدة الطائفية والتمييز ضد طائفته بالذات، الأردن؟ وليسألوه عن قصة أحمد كراندايزر إن كانت حقيقة أم أكاذيب أطفال لفقها على عجل فجاءت مهزلة مخجلة، ليسألوه هذه الأسئلة وغيرها كثير.. وأخيراً عليهم أن يسألوا أنفسهم إن كان بالإمكان الاعتماد على مثل هذا أم هو خداع للنفس؟

 

ولمن يضع بيضه في سلة متحدون السنية، ان يسألوهم قبل ذلك: ما هو موقفهم من اثيل النجيفي الذي اعترف بأنه على اتصال بداعش من وراء الكواليس؟ ماذا كان موقفهم منه عندما ذهب يتفاوض خفية مع شركات النفط وكردستان دون تفويض من المجلس؟ وما موقفهم منه اليوم وهو يوقع سرا عقدا نفطيا كما كشف اللويزي؟ ما موقفهم من دعمه العلني للقوات التركية في العراق؟ ما رأيهم بسرقة صالح المطلك للأموال المخصصة للنازحين؟ لماذا لا نرى أي من ساستهم يخوض المعارك لتحرير مدينته؟ ما هو موقفهم من تأييد ساستهم لمشروع الحرس الوطني الذي يهدد بتقسيم العراق إلى محافظات لكل منها جيشها؟ لماذا ترفع كتل "متحدون" شعارات قومية ووطنية أثناء الانتخابات، ويعلنون مشاريع طائفية لـ "السنة" حينما يصبحون في البرلمان؟ ما هو موقفهم من دخول القوات التركية إلى العراق وتمركزها في معسكر ترفض الخروج منه؟ لماذا لم يتخذوا موقفا من كردستان حين هجرت السنة من الأراضي التي احتلها؟ ما رأيهم بقرار مجلس نينوى برفض تقرير المنظمات الدولية التي أدانت تلك الجريمة ووقوفهم إلى جانب كردستان في عدوانها على أهلهم؟  وأخيرا ليسألوا أنفسهم إن لم يكن أسوأ خلق الله يستحق الثقة أكثر من هؤلاء؟

 

ولمن يأمل في مقتدى، عليه ان يسأله: إن كان يقود حملة إصلاح ضد الفساد بهذا الحماس، فلماذا لا يحدد ذلك الفساد؟ لماذا لا يقول لنا من هم الوزراء الفاسدون وما هي أدلته عليهم؟ إن لم يكن لديه أدلة فكيف يغامر بإدخال بلاده وشعبه في متاهة خطرة جداً وفيها عشرات الآلاف من الجنود الأمريكان الذين يتفق الصدر معنا على خطرهم؟ هل ان وزراءه ضمن الفاسدين؟ لماذا لم يحاسبهم إذن وفي وقتها؟ ولماذا يجب ان نثق به هذه المرة؟ وإن لم يكونوا فاسدين فلماذا لا يعلن براءتهم مع بقية الوزراء الشرفاء لتفهم الناس بدلا من هذا الضياع والتهويش؟ وهل الصدر "تكنوقراط" لكي يختار التكنوقراط او اللجنة التي ستختار التكنوقراط، ام انه صدق شهادة الدكتوراه المضحكة التي قبلها؟ كيف يعرف مثلا أن د. سنان الشبيبي هو التكنوقراط المناسب لإدارة السياسة المالية للبلد، إن لم يكن الصدر يعرف شيئا في الاقتصاد؟ وحين يطالب بالتكنوقراط، كيف سيعرف ان التكنوقراط القادم لن يكون فاسدا أيضا أو انه مخترق من الأمريكان؟ التكنوقراط سنان الشبيبي الذي قدمه الصدر، لا ينتمي إلى أية كتلة مثلا، لكن ألم يكن في الحكومات الأولى مديرا للبنك؟ فهل كان الحال خاليا من الفساد؟ أو لم يكن الشبيبي اختيار بريمر لذلك المنصب، فهل تتفقان أنت وبريمر على التكنوقراط المناسب للسياسة المالية للعراق؟ هل يكفي ألا يكون الوزير تابعا لكتلة سياسية ليكون شريفا؟

لماذا لم يتحرك أية حركة حقيقية ضد الأمريكان خلال السنوات الثمانية الأخيرة؟ لماذا يصادق كل الحثالات التابعة لأميركا في الداخل والخارج؟ لماذا يرشح عادل عبد المهدي، رجل أميركا الثاني، حين انتخبت جماهيره إبراهيم الجعفري عندما سألها؟ وهل يرشح شريف عادل عبد المهدي لرئاسة حكومة بلاده دون ان يكون مسيرا من الأمريكان؟ لماذا لم يعترض على إعادة الأمريكان بتظاهرة مليونية واحدة؟ لماذا لم يسير تظاهرة واحدة ضد السفارة الأمريكية وتدخلها المدمر في الشأن العراقي؟ كيف يدعم حكومة العبادي التي جاء بها الأمريكان وهم يهددون الشعب العراقي إن لم يقبلها؟ ما هو موقفه من نهب كردستان وابتزازها لأموال العرب؟ ما هو موقفه من تهجيرها للعرب؟ لماذا لم يتخذ موقفاً من تصديرها ثلاثة ارباع نفط إسرائيل؟ لماذا تأخر في إشراك سرايا السلام في الحشد الشعبي وقصرها في البداية على مسك الأرض؟ كيف يقبل ان يتفق اليوم مع كتلة يقودها عميل إسرائيل العلني مثال الآلوسي؟ 

 

أسئلة مماثلة يجب أن تطرح على المرجعية التي دعمت حكومة العملاء هذه بكل قوة، ثم تركت الشعب لمصيره وهربت من الساحة.

 

أما جماعة مثال الآلوسي الذين لا يرون طريقا للدولة المدنية وحرية المرأة إلا تحت مظلة إسرائيل فليس لدي لهم سوى سؤال واحد فقط: ألم يحن الوقت لتحمر وجوهكم قليلا؟

 

تلك أسئلة الكتل، وأسئلتي الأخيرة أتركها للمتظاهرين ليسألوا أنفسهم، إن كانوا بالأمانة الكافية لذلك:

هل تعلمون ما هي الإصلاحات التي تهتفون لها وتخرجون في تظاهرات وتعطون الإنذارات والتواريخ النهائية لتنفيذها؟ لنفرض أن العبادي جاءكم غدا بوزراء تكنوقراط ليس فيهم شخص واحد من الساسة الذين تعرفونهم ولا ينتمي أي منهم إلى أية كتلة، هل ستعتبرون العبادي قد نفذ الوعد وتعودون لبيوتكم وتشكروه على ذلك؟ ما ادراكم من أي ثغر جاء هؤلاء؟ ما أدراكم أن هؤلاء ليسوا فاسدين وعملاء؟ إن كان لكم ان تحاسبوا اليوم كتلا سياسية تعرفون مسؤوليتها عن وزرائها، فمن ستحاسبون حين يتبين لكم فساد ساستكم "التكنوقراط" الجدد "المستقلين" بعد أربعة سنوات من الحكم وتدمير البلاد نهائياً؟

هل تعرفون من هم الساسة الأكثر فساداً في رأيكم في حكومة اليوم وضد من ترفع اشد الشعارات؟ أنا رأيت الشعارات والهتافات تهاجم اقل الساسة فساداً في الحكومة وتترك الأكثر وضوحا في فساده، فما رأيكم؟ هل تعرفون ملف فساد واحد واضح على وزير ما تهتفون بإسقاطه؟ هل تثقون بالإعلام من اجل ذلك؟ هل تعلمون مثلا أن إحدى مطالب طلاب جامعة المثنى، أبطال "القمصان البيض"، هو إلغاء الزي الموحد؟ وان بقية المطالب لا علاقة للوزير بها؟ وأن الكثير من الرفض للنائبات بسبب شكلهن أو أسلوب حديثهن؟ هل تعلمون بالمقابل ان أحدا لم يأت على ذكر وزير الدفاع، الأفسد بالأدلة بلا منازع بين هؤلاء؟

تريدون إسقاط النظام، وماذا بعد ذلك؟ هل ستنتخبون برلمانا جديداً يعين حكومة جديدة؟ إذا كان الأمر كذلك لماذا لا تكون مطالبكم واضحة بإعادة الانتخابات؟ وهل تعرفون من ستنتخبون، ام ستنتظرون من يقدمه لكم الإعلام الأكثر عهرا في التاريخ؟ أم تريدون إسقاط البرلمان كنظام وتحويله إلى دكتاتورية ما تختار لكم وزرائكم "غير الفاسدين"؟ هل لديكم "دكتاتور" تثقون به أم يمكن أن يكون "ياهو الجان"؟ من قادة التظاهرات مثلا؟ كيف تضمنون أن هذا سينتخب لكم شرفاء ليحكموكم؟ ولماذا مثلا لم يرشح وزراء شرفاء قبل الآن؟ يعني كل التغيير الذي تريدون هو أن يأتي من يمنعكم من ابداء الرأي فيمن يحكم البلد!! هل أنتم إذن سبب الخلل وبإلغاء حقكم في الانتخاب تحل المشكلة؟؟ هل هناك ذرة منطق في هذا الضياع، وهل لمن يسير ورائه أن يأمل أن تتحسن الأمور؟

 

كما ترون يا اعزائي، التحديات التي يضعها صيادوكم وصيادو الوطن أكبر بكثير من جهودكم في الارتفاع اليها في معركة البقاء على قيد الحياة، وأن هناك مليون ثغرة وثغرة تركتموها لصيادين في منتهى الانتباه والعبقرية والقسوة، فما هي فرصتكم وفرصة الوطن في النجاح؟

ما هو الحل؟ ستصرخون جميعا بوجهي! ليس لمن لم يقم بواجبه أن يطالب بحل فوري. الحل برفض كل هذا التثوير المخادع والفارغ وبأبطاله الكذابين وبالعودة إلى الجهد الذكي الصبور والصادق للارتفاع إلى مستوى التحدي. الحل بالإرادة لخلق "المواطن الحاكم" المسؤول، فليس للمواطن المحكوم الكسول من حل في نهاية الأمر سوى العبودية، مهما غضب وصرخ ووضع المواعيد النهائية. الحل أن يبدأ الإنسان بأن يكون صادقا مع نفسه وألا يهرب من أي سؤال! المواطن الحاكم عليه ان يراقب ويجتهد كأي حاكم، ويسقط إن لم يفعل، مثل أي حاكم. لا أحد يحكم شعبه بلطف وإنسانية إلا ما ندر ولفترة وجيزة فقط. فحتى هنا في الغرب، يفتح المواطن عيونه ويتابع ويراقب ويقرأ ويفهم ويغضب ويعاقب، ويجعل حاكمه يخشاه، فليست صورة الحاكم على الدراجة كافية لخداعه. إنه يعرف أن لا حل سوى أن يحكم بنفسه، ليس في الانتخاب فقط وإنما بممارسة الحكم: بالمراقبة والجهد وتوجيه الأسئلة!

 

كلام مزعج وأسئلة أكثر إزعاجاً اليس كذلك؟ لا شك ان التظاهرات والهتافات التي لا تعرف وجهتها، أسهل وأجمل، وتعطي شعورا منعشاً بأن هناك "شيء يحدث".. هناك "حركة".. لكن إلى أين؟ وكيف؟

أسئلة متروكة كثيرة، وكل سؤال متروك ستجد الطيور جوابه عند الصياد الذي سيختبئ خلفه، فهلموا إلى الشجرة وانسوا الحساب والكتاب وأسئلة هذا المزعج صائب خليل...

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.