اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

نحو رموز مشرّفة لكل المسلمين – أي غدير نختار؟// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

نحو رموز مشرّفة لكل المسلمين – أي غدير نختار؟

صائب خليل

27 أيلول 2016

 

تحتفل المحافظات ذات الأغلبية الشيعية بعيد الغدير وتعطى الدوائر الحكومية فيها عطلة رسمية فلماذا المطالبة بفرض هذه العطلة على بقية المحافظات، خاصة وأن مناسبة الغدير تحمل معان سلبية بإهانتها لمقدسي السنة وتجعل منهم لصوص سلطة؟ تخيل لو أنك تجبر على الاحتفال بمناسبة تهين من تقدسهم! إن من يسعى لذلك لا يريد حرية الشيعة بمناسباتهم بل يريد فرضها قسرا على الآخرين ولا يريد الخير لهذا البلد.

ولكن بغض النظر عن الأثر السياسي السلبي لفرض هذه المناسبة على السنة، والذي ناقشناه في المقالة السابقة(1)، دعونا نلقي نظرة جديدة على معناها بالنسبة للمسلمين وللشيعة على وجه الخصوص، فكثيرا ما يكون المقدس متناقضاً تحميه قدسيته من المراجعة وإعادة النظر.

ولكن قبل ذلك، اليس من الأفضل ان تترك هذه الأمور لحالها بدلا من إثارتها؟ ما اراه هو ان هناك جهات لا تتركها على حالها، وتريد توسيعها كما ذكرت اعلاه، مثلما تريد توسيع اي شق بين اية مجموعتين في الشعب العراقي تمهيدا لتمزيقه. لذلك أرى أن لا مفر من محاولة مضادة لتحجيم تلك الخلافات والتنبيه عليها. إنها محاولة مبسطة لن اتدخل فيها بما لا اعرفه من فقه وتواريخ مروية، بل أسلط عليها المنطق البسيط والخطوط العامة عن الإسلام واخلاقياته كما افهمها، وعن الإنسان واخلاقياته كما افهمها.

 

لطالما تساءلت بأسف، لماذا قبل فيدال كاسترو ان يضع أخيه راؤول في المنصب الثاني بعده، فأعطى رمزا سيئا بالتوريث، وكأن لا يوجد في كوبا غير عائلته تستطيع قيادة البلد. فحتى لو كان أخوه بالفعل أفضل الموجودين لهذا المنصب، لكان عليه حفاظا على الرمز ان يبعده، أو ألا يجعله يأتي بعده مباشرة على الأقل، ثم ليصعد من خلال انتخابه إن كان جديرا بالمنصب. وكذلك الأمر بالنسبة لحافظ الأسد وابنه وغيرهم. نحن جميعا ننتقد هذا المبدأ ونرى مساوئه ونرفضه بغض النظر عن صلاحية الوريث. فلماذا نتصور أن النبي محمدا لم يستطع ان يرى ما نستطيع نحن ان نراه؟

 

دعونا نلقي نظرة على قصة "الغدير" لنرى أولاً إن كانت معقولة من الناحية التاريخية وهل تتفق مع ما نعرفه عن شخوص تلك الفترة، فلكي تصدق القصة يجب ان تصدق الافتراضات التالية:

1- ان الرسول لم ينجح بكسب إلا عدد قليل جداً من القادة المؤمنين الحقيقيين، لأن المؤمنين لا يخالفون تعليمات نبيهم ويخدعوه. (لو كان هذا الفرض صحيحاً لما أمكن انقاذ الإسلام، دع عنك ان ينتشر ويتوسع).

2- ان المسلمين كانوا في زمانه يتكونون من المحتالين والكذابين بشكل كبير، وإلا لو كان الأكثرية صادقين، لما تجرأ أحد على مخالفة النبي وسرقة الخلافة. وهذا أيضا كلام فارغ لنفس السبب أعلاه.

3- وهذا يعني ان الرسول، الذي لا بد ان يكون قد شعر بهذا الخلل طيلة حياته، لم يكن راضياً عن المسلمين ولم يستطع ان يفعل شيئا تجاه ذلك. لكننا نجده يعرب عن رضاه عما وصل اليه من حال المسلمين في نهاية حياته، في خطبة الوداع. (ولم يستغل تلك الخطبة لضمان تولية من يريد توليته أمام كل الناس، وكان يشعر انه قد اقترب من الموت، فتحدث عن كل شيء حتى الصغائر والعموميات فكيف يغفل أهم امر يهدد امته بعد وفاته؟)

4- إذا كان أبو بكر وجماعته من المخادعين، فإن الإمام علي ملام أنه لم يتخذ أي إجراء للدفاع عن الإسلام وحمايته من هؤلاء المخادعين، ولا حتى بلسانه! وليس صحيحا أن تجنب المواجهة يهدد بتمزيق الإسلام في حينها بل يكون الفرصة الوحيدة لإنقاذه. لكننا نرى ان علياً قام على عكس ذلك بمصاحبتهم والتزاوج معهم ومشورتهم، فإن كانوا سيئين فقد ساهم الإمام بالتغطية عليهم وكأنهم رجال صالحون، وهذا يناقض تماما ما نعرفه عن شخصية الإمام.

5- الذي يستولي على السلطة عنوة يقوم كأول خطوة بالقضاء على من كان يستحقها ليضمن بقاءه ويتجنب انتقامه. ويقوم بتغيير كل الحاشية المحيطة به، وأخيرا يقوم بالتأكيد بتوريثها لعائلته تماما كما فعل معاوية. لم يقم أي من هؤلاء الذين يفترض انهم استولوا على السلطة طمعاً، بتوريث تلك السلطة لابنه بل اوصلوا الخلافة كل للآخر بشكل حضاري وتشاوري بدرجة أو بأخرى (رغم عدم خلوها من الضغوط والتدخلات). وهذا يدل على ان الجو السياسي بينهم كان مستقرا وايجابيا بشكل رائع، وهو بحد ذاته انجاز كبير للإسلام.

 

وربما يتصور البعض أن هذا الكلام يغمط حق علي بشرف ناله من الرسول بتوليته. لكن هل كان أشرف لعلي لو انه تولى الخلافة بوصية الرسول أم بانتخابه؟

قبل كل شيء يجب ان نؤكد ان تشريف النبي لعلي مؤكد قبل هذه الحادثة وبشكل متكرر لا سبيل الى الشك فيه، لذلك فعلي ليس بحاجة إلى توريث الرسول له ليثبت قيمته عنده، فثقته به ثابتة والتولية هنا لا تضيف شيئا له.

 

ولكن من الجهة الأخرى، لو تولى علي بوصية من الرسول، لقال البعض أن الرسول اختاره لأنه قريبه او لأنه يحبه، وليس بالضرورة كل أقارب الرسول او من يحبهم، يصلح لقيادة المسلمين ولدينا عدة امثلة ناصعة يعرفها الجميع وبعضها اقرب للنبي من علي نفسه! لكن ترك علي ليصل إلى الخلافة عن طريق الشورى وبعد وفاة الرسول وتولي ثلاثة خلفاء بعده، يعني أن علياً وصل إليها عن طريق مزاياه الشخصية وليس لتلك القربى (يعني بذراعه بالعراقي) ولم يعد أحد يستطيع ان يشكك باستحقاقه الخلافة. فلماذا يريد دعاة الغدير ان يحرموا عليا شرف الحصول على الخلافة بجدارته التي أثبتها للأنصار والمهاجرين فبايعوه، واستبدالها بوصية توريثية يمكن ان يحصل عليها أي وريث لملك؟

 

ومن المنطقي ان النبي قد أدرك هذه الحقيقة وعمد إليها وانه امتنع عن توريث علي، ليعطيه الفرصة ليصلها بجدارة أولا، وليعطي مثلا أسمى بترك أمر المسلمين لمشاوراتهم. إن جزءاً كبيراً من انتقادنا لمعاوية هو انه جعل الخلافة وراثية كالملوك، ولو كان الرسول قد فعل ذلك لما استطاع أحد ان يلوم معاوية على هذه النقطة. لذلك فحتى لو رأى النبي أن الإمام علي هو الأحق بالخلافة، فمن المنطقي تماما انه لم يرد ان يسن سنة سيئة في المسلمين هي سنة التوريث العائلي للملوك، الذين يعتبرون رعيتهم جزءاً من ملكيتهم الشخصية يورثونها لعوائلهم كقطعان الماشية، بل اراد لهم ان يرتفعوا إلى كرامة الخيار: "امركم شورى بينكم".

 

من كل هذا نستنتج ان عدم التوريث هي القصة الأسمى للجميع، وهي الأرجح للحصول، لكني أدرك ان هذا لن يكون سهل الهضم على كل من تربى على تاريخ مختلف. لذلك دعونا لا نجزم، ولنقل إننا امام قصتين لتفسير التاريخ متساويتي الاحتمال: قصة تفترض ان محمدا لم يستطع ان يقنع بدين الله ويجمع حوله إلا المنافقين والكذابين ونهابي السلطة، وان علياً فشل في الدفاع عن الإسلام بعد وفاة الرسول، ولم يقم حتى بالاحتجاج السلمي وتنبيه الناس إلى خطر هؤلاء، بل تعاون معهم بدلا من ذلك.. وأن النبي لم ينتبه إلى خطر سنة التوريث... الخ من تناقضات هذه القصة اعلاه.

وقصة أخرى تقول بأن النبي أراد أن يكون امر المسلمين "شورى بينهم"، وانه كان قد جمع تحت راية الإسلام من قريش وغيرها أفضل رجالها ليأتمنهم على رعاية الإسلام والمسلمين من بعده، وكان من نبلهم أن قاوموا مطامع النفس وتفضيل العائلة وتبادلوا السلطة دون توريث لمرات متعددة حتى إن لم تخل من بعض الصراع، وأنهم تمكنوا من انقاذ الإسلام من اشد المؤامرات خطراً عليه ليبنوا بعد ذلك حضارة من حضارات الإنسانية الرائعة التي غطت فترات طويلة من التاريخ ومساحات شاسعة من الأرض، وتركت بصماتها الرائعة على العلوم والفلسفة البشرية وتاريخها كله ومستقبلها إلى الابد.

 

أية قصة نختار؟ في العادة، نرى الشعوب تتحيز إلى القصة الأفضل لها والأنسب رمزا لمستقبلها وتتغاضى من اجل ذلك عن الكثير من الحقائق بل وتقلبها إن تطلب الأمر دفاعا عن إشراق صورتها. ويمكنني ان آتيكم بأمثلة عديدة. ونحن لا نطلب ذلك، ولكن ما بال البعض منا يفعل العكس، فيلوي عنق الحقائق من اجل تبني القصة المفرقة لأمته والمسيئة لتاريخها ويترك القصة الأكثر مصداقية والأكثر انسجاما والتي تعطي الرمز الأسمى لجميع الأطراف؟ والأكثر والأهم من هذا أن يتبنى القصة التي تحمل بذور شقاق خطير لمستقبل امته!

 

طرح بعض القراء سؤالاً: ماذا عن الرموز المهينة للشيعة في اسماء بعض المناطق المهمة مثل "شارع الرشيد"؟ ألا نغيرها؟ نغيرها بكل سرور، إن تم التفاهم بين الشيعة والسنة على تغيير كل الرموز التي يشعر الآخر بالإهانة منها، فليس الإسم إلا رمزاً يجب ان يكون مريحا ورافعاً للشعب، وسيكون هذا مكسباً عظيماً للجميع وعيدا حقيقيا للجميع. ولكن إلى ان نصل إلى هذه المرحلة المتقدمة من التفاهم، أن نتفق حالياً على ان لا نزيد من شقة الخلاف على الأقل، فلا نسمي شوارعا وساحات واحياء جديدة بأسماء مهينة لأحد ولا ان نضيف مناسبات أخرى مهينة كما يريد البعض إضافة يوم السقيفة، وإلى أن نحقق ان يصوم المسلمون معا ويعيدون معاً (وما ابسطه من مطلب) دعونا لا نخترع اعياداً جديدة يعيد فيها احد الأطراف دون الآخر الذي يشعر بالمهانة، ولا ان نرفع مناسبة مهينة لطرف ونزيد التركيز عليها، دع عنك ان تفرض عليه كعطلة رسمية، لأن ذلك يشبه تسمية أكبر شارع في كربلاء بشارع الرشيد، بل وأكثر إهانة منه كثيراً.

 

ملخص القول والسؤال: ان الرموز والتاريخ في خدمة الإنسان أو هكذا يجب ان تكون، فدعونا نراجع رموزنا لتكون في خدمة مستقبلنا وليس العكس. وفيما يتعلق بالغدير، أمامنا قصتان تاريخيتان محتملتان، تتفوق أحدهما بكل الميزات لتفسير الاحداث وبشكل أكثر كرامة لكل مقدسينا، وهي التي تعطي التداعيات الأكثر اماناً للحاضر والمستقبل بالنسبة للشعب والبلاد.. أيعقل ان نرفضها بلا مناقشة لمجرد اننا تربينا على تصديق الأخرى دون ان نراجع حقيقة معانيها؟

 

(1) صائب خليل‏ الغدير ليس عيداً وطنيا ... ولا السقيفة

https://www.facebook.com/saiebkhalil/photos/a.350693164987759.

83177.320945874629155/1193549910702076/

 

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.