اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

بسالة الهرب!// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

 الموقع الفرعي للكاتب

بسالة الهرب!

صائب خليل

2 تموز 2017

 

هل للهرب بسالة؟ أم ان البسالة من اختصاص الهجوم والصمود فقط؟

هذا الفيديو الذي شاهدناه جميعا بابتسامة اعجاب بهذا الأرنب الهارب يؤكد أن في الهرب في الموقف المناسب، بسالة قد لا تكون في الصمود أحياناً. (من لم يشاهد الفيديو سابقا، ارجو التوقف ومشاهدته ثم العودة لإكمال القراءة)

https://www.facebook.com/saiebkhalil/videos/1503028249754239/

 

إلى أية بسالة يحتاج الهرب؟ أية شجاعة يحتاج الهارب؟ تعالوا نحاول ان نتخيل المهمة التي انجزها هذا الأرنب في الإفلات بحياته، وما الذي تطلبته منه.

طبيعي ان سرعة الجري هي العامل الأول في النجاة، وربما لا يكون هناك ضرورة لبسالة في الجري، ولكن....

لكن الكلاب أسرع منه. ويمكننا ان نلاحظ انه كلما سارت المطاردة بخط مستقيم، فان الكلاب تقترب من الأرنب حتى تكاد تمسك به، ثم.. يستدير بأقصى زاوية يستطيعها، وينطلق بتعجيل بأسرع مما تستطيعه الكلاب.. فيستعيد المسافة بينه وبينها، لتتكرر الحلقة.

بسيطة إذن؟ لا ليس بهذه البساطة. فالمناورة هذه لا تعمل بنجاح إلا إذا كانت الكلاب تركض بأقصى سرعتها وكانت قريبة جداً منه، وإلا تمكنت من اختصار الطريق وخسر سرعته بدون مقابل. لذلك فعلى الأرنب أن ينطلق بأقصى سرعة، ثم ينتظر حتى تقترب الكلاب منه إلى أدنى مسافة ممكنة قبل ان يستدير! وتخيلوا أية قوة اعصاب يحتاج هذا الأمر!

لننظر مشهداً من الحرب العالمية الثانية... كمين روسي لجنود المان.. عريف الفصيل يأمر جنوده ألا يطلق أحد النار قبله، وإن فعل أحد، "فأقسم أن أول رصاصة سأطلقها على رأسه!!".. إنه يدرك أن ترك العدو يقترب كثيراً هو ما يحدد النجاح والفشل. كل خطوة يتقدم فيها الجنود الأعداء تضغط على أعصاب الجنود اشد من الخطوة التي قبلها.. وفي كل شبر تقترب فيه اسنان الكلاب، يزداد الضغط على الأرنب للاستدارة قبل فوات الأوان. لكنه وفي كل مرة، يجب ان ينتظر وألا يدفعه الرعب للاستدارة قبل المسافة الصحيحة، فعلى هذا تعتمد فرصة بقاءه على قيد الحياة!

 

ولكن المسافة عن أي من الكلبين يجب ان يحسب الأرنب؟ إنهما ليسا على مسافة واحدة منه، فإن حسب لحظة استدارته على أساس الكلب المتقدم، سيكون الكلب المتأخر في وضع يسمح له باستدارة أقصر وقد يمسك به. وإن انتظر تقدم الكلب المتأخر، صار الكلب المتقدم قريبا بشكل خطير! فأي توازن دقيق يجب ان يحسب هذا الأرنب واية شجاعة يحتاج لدقة التقدير؟

 

فكرت يوما بتعريف للشجاعة. إنها بالتأكيد ليست: "عدم الخوف". فهذا يخلطها بطريقة يستحيل تمييزها عن "التهور" أو "الجهل بالخطر"، فهناك أيضا لا يوجد خوف. ما وصلت اليه هو ان "الشجاعة هي القدرة على توزيع الخوف على الأخطار بشكل متناسب".

الشجاعة هي أن نعرف مم يجب أن نخاف وكم، ومم لا نخاف.. فتقدير الحجم الواقعي للخطر، يتطلب الهدوء والقدرة على التفكير باتزان، وأنت على بعد شبر من انياب الموت. وما أجمل هذا الأرنب وهو يناور هذين الخطرين ويحتفظ بالمسافة المثلى بينه وبين كل منهما!

وهناك مشكلة أخرى يجب ان يحسبها هذا الأرنب.. هل يستدير الى اليسار أم إلى اليمين؟ لا شك أن الكلبين لا يركضان خلفه بخط مستقيم دائما، وإنما أحدهما إلى اليمين قليلا والآخر إلى اليسار. وعند الاستدارة سوف يمنح أحدهما فرصة كبيرة للامساك به. وكلما كانت المسافة الأفقية بين الكلبين أكبر، زادت حراجة الاستدارة، وزادت صعوبة حساب “توزيع الخوف”..

وما الحل إذا افترق الكلبان يمينا ويساراً بمسافة لا تنفع فيها استدارة إلى اليمين أو اليسار؟ إنه يقف فجأة في مكانه في اللحظة المحسوبة بدقة وينطلق إلى الخلف في عكس الاتجاه تماما، ليمر من بين الكلبين في مخاطرة هائلة تتطلب شجاعة مطلقة ودقة مذهلة في الحساب، بل وبعض الحظ أيضاً، لينجو بنفسه!

هل كان هذا الأرنب يقرأ في دفاتري خلسة؟ أم انه قرأ وهضم جيداً وصف نيتشه للشجاعة حين قال: "وللشجاعة فضيلة ردع الدوار عن الرؤوس، وهي تحدق في الهاوية!"

 

لا مجال للدوار هنا. ففوق كل هذه الحسابات "التكتيكية" السريعة واللحظية، والانتباه في كل خطوة ألا يضع قدمه في مكان هش يؤخر اندفاعه، ومراقبة كل من الكلبين وملاحظة تصرف كل منهما وحدس نيته وتقدير خطره ونقطة ضعف موقفه، على هذا الأرنب أن يحسب "استراتيجية" هربه أيضاً، فلا ينتهي به الأمر إلى مكان محاصر أو مغلق أو حتى ممر لا يكفي عرضه لمناورات استدارته. وفي كل هذا عليه أيضا أن يبقي في باله أن يجد الطريق أثناء هذه المناورات، إلى غاره. ولا شك أنه قد عمل "واجبه المنزلي" وحفظ تضاريس منطقته، وربما حفر عدة حفر موزعه هنا وهناك، احتياطا لمثل هذه الساعة.

 

إذن، لأجل البقاء على قيد الحياة، يحتاج هذا المطارد ليس إلى السرعة في الركض وتغيير الاتجاه فقط، وإنما ايضاً إلى رأس يقظ ورؤية دقيقة، وشجاعة وثقة بالنفس. فتخيلوا لو ان مجموعة ذباب كانت تطير إلى جانبه وأمام عينيه.

واحدة تطن في أذنه "أن الكلاب لا تريد اكله، إنما اللعب معه فقط"!

وأخرى تقول له أنها تريد ان “تطوره” إلى غزال ياباني أو ألماني! وأن ليس عليه ان يهرب منها، بل ان "يصادقها".

وذبابة ثالثة تؤكد ان الكلاب لا تؤتمن، وأنها "تبحث عن مصلحتها"، لكنها تسخر من حماقته في الهرب غير المجدي، وتشير عليه بضرورة "مفاوضتها بذكاء"!

ورابعة تؤكد أنه لن ينجو لأنه متعب وسيتعب أكثر بالتأكيد

وخامسة مختصة بالتاريخ، تحدثه بلا مناسبة، عن تاريخ آبائه وأجداده المليء بالأخطاء والهزائم، وتذكره أن معظمهم انتهى فرائساً للكلاب.

وتخيلوا أيضا، ذبابة سادسة تبذلك جهدها لتقنع ساقيه الخلفيتين أنهما تتحملان معظم جهد المطاردة وأن هذا ليس عدلا

وسابعة تتوجه إلى القلب بذات الخطاب!

 

 

لحسن حظ هذا الأرنب أن مثل هذه الذبابات لا تحيط به، أو انه وجد طريقة للتخلص منها واحتفظ ببسالته، وإلا لوجد نفسه قطعة لحم في فم أول كلب يصادفه!

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.