اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ثورة أم انقلاب؟ الجواب ابسط مما تتصورون// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

ثورة أم انقلاب؟ الجواب ابسط مما تتصورون

صائب خليل

14 تموز 2017

 

من يقول إنها ثورة، يستند إلى حقيقة التغيير الثوري العظيم الذي احدثته في المجتمع العراقي، غيرت في بضع سنوات من حال طبقاته وقوانينه الاجتماعية والاقتصادية وحتى قيمه! ومن يقول انها انقلاب يستند إلى حقيقة انها حدثت بانقلاب عسكري أطاح بنظام الحكم، ولا يوجد أي شك في الحقيقتين.

لذلك لا يجد أي من الطرفين مشكلة في إثبات صحة ما يقول، ويستمر الخلاف والجدل، فما الحل؟ لنلاحظ أولا ان الخلاف في طبيعته "لغوي" لا أكثر. فلا القائلين بـ "الثورة" ينكرون انها حدثت بانقلاب عسكري، ولا القائلين بالانقلاب ينكرون انها أحدثت تغييرات جذرية في المجتمع (إلا من يسعى جاهدا لتجاوز الحقائق بهدف تسقيطها، ولأهداف معروفة يسعى لها اعلام ما بعد 2003).

المشكلة لغوية تعود إلى طبيعة اللغة باعتبارها "اختصاراً" اقتصادياً مفيدا لأشياء معقدة، بكلمة واحدة. والأمر ذاته في الادعاء من جهة، بأن 14 تموز كانت عنيفة، بالإشارة إلى قتل العائلة المالكية، وادعاء انها لم تكن عنيفة بالإشارة إلى قلة العنف النسبي وروح "عفا الله عما سلف" التي اتبعتها الثورة حتى مع اشد اعدائها، وسقوطها بسبب ذلك. وهنا يدور جدل لا نهاية له أيضا.

 

إذا نظرنا إلى المشكلة على ضوء هذا التحليل، نرى الحل فوراً. فـ 14 تموز "ثورة بدأت بانقلاب"! لقد حدثت الثورة حين أتاح لها انقلاب عسكري أن تنفجر. وعلى عكس المتوقع مما نعرفه عن الانقلابات العسكرية التي تستبدل السلطة في القمة دون تغيير في المجتمع، فإن "انقلاب" 14 تموز، قد أتاح للجماهير ان تثور على واقعها القاسي وأن تغير المجتمع تغييراً كبيرا جدا بقياس عمر الثورة القصير.

هل هي "ثورة" أم "انقلاب" إذن؟ إن اضطررنا الى استعمال كلمة واحدة لوصفها، فالكلمة المناسبة هي "الثورة" بالتأكيد. فلـ 14 تموز كل مواصفات الثورة، وحقيقة انطلاقها من انقلاب عسكري استخدمته كأداة للوصول إلى السلطة، ليست حقيقة بذات الأهمية التي لبقية الحقائق التي تصف ذلك الحدث. وبالتالي فمن يصفها بانها "انقلاب"، ورغم انه لم يكذب من الناحية اللغوية، فإنه يكذب من الناحية التاريخية بتجاوز الحقائق الأهم لطبيعة ذلك الحدث ونتائجه الواضحة، والتركيز على جزئية لا تساعدنا على فهم ذلك التاريخ، وغالبا لمجرد محاولة الإساءة إليه.

 

هل كانت هذه الثورة عنيفة أم لا؟ المشكلة في هذا السؤال هو اقتصار الوانه على الأبيض والأسود، ويحتار عندما يجد حدثا فيه "رمادية" ولو قليلة جدا. الجواب على هذا ان ننظر لما حدث، وحين نجد ان من قتل اثناء الثورة لا يتجاوز عدد أصابع اليدين والرجلين إلا بقليل، نقول: ".. هذا هو كم العنف الذي صاحبها"! ولم يكن الوصي أو نوري السعيد "أبرياء" كما يصور البعض، بل عملاء للأجنبي ملطخي الأيدي بالدماء. وحتى الملك لم يكن بريئا تماما حين قبل ان يكون واجهة لذلك النظام الضار بشعبه. وليس غريبا أن يرى البعض من رجال الثورة أن إفلاته قد يسبب الكثير من المشاكل والعنف للثورة لاحقا، كما حدث في أماكن كثيرة من العالم والعراق نفسه ايضاً. لقد كان هذا القتل عنفاً بلا شك، لكنه لم يكن بلا مبرر تماما، ولم يكن واسع النطاق ابداً.

وحتى حين نضيف الأحداث الأخرى في الموصل وغيرها وطريقة تعامل الثورة معها، فإننا نجد ثورة قليلة العنف بل تكاد تكون بيضاء! وأن من يقول بعنفها يتجاوز الحقائق الأكبر ليركز على تفاصيل صغيرة أقل أهمية، وهو نوع من الكذب المعروف، في عمليات كتابة التاريخ وتزويره. وليس كل من يردد هذا مزوراً متعمداً للتاريخ، لكن ليس كل من يفعل ذلك بريئاً أيضا.

 

ألم تكن عملية قتل العائلة المالكة "جريمة"؟ نعم بلا شك.. ومن فعل ذلك قد أجرم حين قتل دون محاكمة، حتى لو كان القتيل يستحق القتل في رأينا، ورغم الظرف المخفف الذي يصاحب الثورات. لكننا نغالط بشكل كبير إن عممنا تلك الجريمة على الثورة ككل ووصفنا قيادتها بالأجرام. إن من يتخذ موقفا أخلاقيا مطلقاً، يضع جريمة قتل انسان واحد مساوية لقتل ألف انسان، الأولى به أيضا بأن يتخذ موقفا أخلاقيا يقول بأن المجرم وحده من يتحمل وزر جريمته، ولا ينشرها على غيره. فمن يصف الثورة بالعنف نتيجة فعل شخص واحد أو بضعة اشخاص، كالعشائري الذي يأخذ عشيرة كاملة بجريرة شخص واحد، خاصة إن تبرأت العشيرة من عملية القتل، وأن العنف لم يكن ديدنها.

فكما يعلم الجميع فإن قاسم لم يكن عنيفاً رغم بعض المآخذ عليه. بل أن احدى أكبر مآخذه هو انه كان أكثر سلمية ولطفا مما يجب ان يكون عليه قائد في مثل ظرفه، وقد دفع ثمن ذلك بدمه، ودم الكثيرين من الأبرياء. فالامتناع عن العنف، في غير موقعه، يسبب عنفا أشد بكثير، ويمكننا ان نعتبر ما قام به عبد الكريم من الامتناع عن معاقبة الانقلابيين في المرة الأولى، إن شئنا ان نحاسبه، هي جريمته الأساسية، وليس العنف بالتأكيد!

 

إذن، وبأخذ كل المعطيات بأمانة وبإعطاء كل حقيقة قيمتها، نجد أن 14 تموز هي: "ثورة عظيمة"، أطلقها انقلاب، وكانت من أكثر الثورات سلمية في التاريخ!  ولنا أن نفخر بها كرمز وطني ندافع عنه بوجه الحملة المعادية، ويجب أن نفعل!

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.