اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

حكاية عقود التراخيص– 6 الحسابات الخاطئة والهجوم على جولات التراخيص// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب

حكاية عقود التراخيص– 6

الحسابات الخاطئة والهجوم على جولات التراخيص

صائب خليل

 

جاء في "دراسة" ألقيت في تركيا(1)، ما يلي: "وكحساب بسيط فإن العراق من المتوقع أن ينتج مليار برميل خلال عام 2015، بما يعادل 3,3 مليون برميل/اليوم، ستكلفه حوالي 20 مليار دولار –كلفة الشركات 18 ملياراً والجهد الوطني ملياران، أي ما معدله 20 دولاراً لكل برميل –فهل هذه كلف نفط العراق أم كلف نفوط بحر الشمال والصخر الزيتي الأميركي؟!".

 

رد الأستاذ فؤاد الأمير في كتاب " النفط الصخري و أسعار النفط  و الموازنة العراقية العامة " متسائلاً: إن كانت كلفة انتاج برميل النفط 20 دولاراً وسعر بيعه اقل من 40 دولاراً، كما كان الحال عام 2015، فيجب ان تمثل تخصيصات وزارة النفط اكثر من 50% من ميزانية الدولة، فهل هي كذلك؟ لا!.

كم هي كلفة البرميل الواحد إذن؟ يقول فؤاد الأمير: "هناك حسابات كلفة للاستخراج في وزارة النفط، تصل بمعدلها حوالي إلى (6–8) دولارات للبرميل (بضمنها "الحافز") ... وقد تصل إلى (9) دولارات للبرميل في الحقول الصغيرة، والتي لا تمثل أكثر من (5%) من الإنتاج، وتنخفض إلى (5) دولارات للبرميل في بعض الحقول الكبيرة."

وبما ان انتاج الحقول الكبيرة هو الأكثر، فأن معدل كلفة الاستخراج سيكون قريبا من الـ 5 دولار للبرميل الواحد، وقد تكون 6 دولار او أكثر قليلا،(2) وليس 20 أو 22 دولارا، بالتأكيد!

وشرح الأمير: "إن الغالبية العظمى من الدفوعات... هي استثمارات لمعدات وإنشاءات وحفر آبار وأعمال مدنية ونصب معدات ومد أنابيب وفتح طرق حقلية وشراء ونصب خزانات ومضخات ضخمة وغيرها". وتبقى هذه المعدات تستخدم لسنوات عديدة قبل ان تستهلك. ولحساب (مبسط لـ) تأثير هذه المدفوعات على كلفة البرميل الواحد، يجب تقسيم مبالغها على عدد البراميل المستخرجة خلال سنوات استهلاكها. وطبيعي ان لكل نوع منها "عمراً" مختلفاً، يتراوح بين (5–20) سنة وكمعدل يجب تقسيم مبلغها على ذلك العمر. ويذهب الأستاذ حمزة الجواهري ابعد من ذلك فيقدر عمرها الافتراضي ب “30 أو 40 سنة وربما 50 سنة من بدء التشغيل، ...(و) حتى آخر قطرة نفط في الحقل."

 

كيف إذن وصل البعض إلى حساب كلفة أكثر من عشرين دولاراً للبرميل؟ ما فعله هؤلاء هو انهم قسموا التكاليف الثابتة الاستثمارية، على عدد البراميل التي “تم استخراجها بالفعل” خلال “السنوات الماضية”، وليس على طول حياة المشروع أو المعدات! لقد حسبوها هكذا: دفعنا كذا مليار دولار، واستخرجنا كذا مليار برميل خلال الفترة الماضية. إذن نحسب كلفة البرميل بقسمة الكلفة الكلية على عدد البراميل الكلية التي استخرجناها. وقد يبدو هذا منطقياً جداً، لكنه خاطئٌ تماماً. لأننا لم ندفع ما دفعناه من أموال من اجل براميل النفط التي استخرجناها بالفعل فقط، بل أيضا دفعنا كلفة بنية تحتية مازالت صالحة للاستخدام لسنوات طويلة. والحساب الصحيح يفترض تقسيم تلك الكلفة على ما سيتم استخراجه من براميل في المستقبل ايضاً، فبذلك نحصل على الكلفة الحقيقية للبرميل، وهي اقل بالتأكيد مما يحسب في الحالة الأولى الخطأ.

ان موضوع الاندثار موضوع معروف اقتصادياً ولا يمكن لشخص يريد ان يحسب كلفة انتاج شيء ان يكون جاهلا به. كما ان هناك جداول اندثارات لكل المواد المختلفة في الصناعة، فكيف يمكن تجاهل كل ذلك دون اثارة علامات استفهام على من يفعل؟

 

لم يكن هذا هو التلاعب الوحيد بالأرقام، فمن الأرقام الخاطئة الأخرى التي اشاعها بعض "متابعي النفط" المحسوبين على خندق الشركات، هي الادعاء بأن العراق "خسر" بسبب سوء التدبير، من ثروة النفط للفترة من 2011 إلى 2014، ما قيمته 14 مليار دولار (وذهب البعض الى اكثر من ذلك بكثير). وكان من المروجين لهذه الدعاية الكاذبة رئيس لجنة الطاقة البرلمانية السابق عدنان الجنابي وكذلك عادل عبد المهدي (قبل ان يتراجع متحججاً بسوء فهم كلامه) – وهما من عرابي مشروع شركة النفط الوطنية الحالي المشبوه. وهذه المراوغة تم حسابها بالشكل التالي: كانت الخطة الأصلية للاستخراج تهدف إلى الوصول إلى 9 مليون برميل في اليوم الواحد، ثم 12 مليون. لكن هذا السقف لم يتحقق. ما تحقق هو بحدود الـ 3 ملايين فقط. فيقوم من يحسب "الخسارة" بحساب الفرق بين عدد البراميل المخططة وتلك المتحققة لتلك الفترة، ويضرب هذا الفرق بقيمة برميل النفط حينها، ليحصل على ارقام "خسائر العراق"!

 

ما المشكلة في هذا الحساب الذي يبدو منطقياً ايضاً؟ هناك ثلاث مغالطات وليس واحدة في الحقيقة.

المغالطة الأولى هي أن العراق، حتى لو استخرج 9 ملايين او 12 مليون برميل في اليوم الواحد لما كان بإمكانه ان يسوقها دون ان يحطم الأوبك وحصصها، وكان سيكون لهذا أثر مدمر على مردودات النفط للدول المصدرة كلها مستقبلا حتى إن زادت مردودات الحاضر.

 

والمغالطة الثانية في هذا الحساب هي انه إن تم تسويق هذه الزيادات، فسوف تتسبب في انخفاض فوري كبير في سعر البرميل، بسبب امتلاء السوق النفطية وفيضانها عن الحاجة أصلا.

 

فلحساب الفارق أو ما يسمى "خسارة العراق" لعدم استخراجه وتصديره تلك الكمية من النفط، يتوجب علينا استعمال السعر المنخفض المتوقع لبرميل النفط في حالة اغراق السوق بهذه الزيادة، وليس السعر القديم للنفط قبل الإغراق. وهكذا فالزيادة في المردود لا يصح ان تحسب بهذا الشكل ولن تكون ابداً بهذا الحجم. بل قد لا تكون هناك اية زيادة في المردود إن انخفضت الأسعار كثيراً، بل ليس مستحيلا ان الانخفاض في السعر قد يكون تأثيره أكبر من تأثير زيادة الاستخراج، فيكون المردود أقل مما قبل الزيادة! وقد حدثت هذه الحالة الغريبة للسعودية في الماضي بالفعل، حيث كانت تسخر نفطها لتحطيم الدول لحساب الولايات المتحدة حتى لو كانت على حساب مواردها!

ففي دراسة للدكتور اياد القحطاني (3) من جامعة كولورادو لكمية تصدير النفط السعودي لعام 2004، تبين أن زيادة استخراج النفط بنسبة 2.5% تسببت في انخفاض في اسعاره بنسبة 3.8%، اي أن الكمية الاكبر من النفط، كان لها عائد أقل!

 

يمكننا ان نأخذ مثالا من الحاضر. فبفضل خنوع السعودية لأوامر ترامب وزيادة "انتاجها" من النفط قليلا إلى 12 مليون برميل في اليوم، انخفض السعر العالمي لنفط برنت من 84 دولار للبرميل إلى 61..! وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة ما رفعت به السعودية "انتاجها"، أي انها هي ذاتها خسرت، وصارت تبيع الكمية الأكبر بسعر أقل! فكيف إذا ارتفع "انتاج" نفط العراق من 3 ملايين إلى 12 مليون؟

 

هذه الحقائق التي يحفظها كل من يعرف شيئا عن سوق النفط عن ظهر قلب، ليست ضمن اهتمامات من كان مكلفاً بتشويه سمعة عقود التراخيص مثل عدنان الجنابي وعادل عبد المهدي.

 

واخيراً المغالطة الثالثة في حسابات هذه "الخسائر"، هي أننا في الحقيقة لم "نخسر" تلك المبالغ! فكل ما حدث اننا لم نستخرج نفطنا ونبيعه بشكل جنوني كما تفعل المملكة العربية السعودية مثلا. وما زال النفط موجودا داخل الأرض، فلماذا يحتسب ثمنه كخسارة وكأن بقاءه في باطن الأرض للأجيال المقبلة، ليس له اية قيمة؟

الحلقة القادمة: مشكلة عقود التراخيص: التبذير في طموحات الاستخراج

 (1) - "دور الشركات النفطية العالمية في تنمية القطاع النفطي الإستراتيجي–تقييم وتحليل" د. فالح حسن الخياط، محاضرة في "الندوة الصناعية للمندى العراقي للنخب والكفاءات"، 21–22/5/2015 في إستنبول/تركبا.

(2) وضع ديوان الرقابة المالية التقدير بين 9 إلى 10 دولارات

(3) دراسة الدكتور اياد القحطاني حول تأثير زيادة ضخ النفط في السوق على اسعاره

http://www.iaee.org/en/students/best_papers/Al-Qahtani.pdf

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.