كـتـاب ألموقع

جيولوجيا السياسة العربية والعالمية// محمد عارف

• 

تقييم المستخدم:  / 0

سيئجيد 

المجموعة: محمد عارف

تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 08 حزيران/يونيو 2017 20:27

كتب بواسطة: محمد عارف

الزيارات: 2197

الموقع الفرعي للكاتب

جيولوجيا السياسة العربية والعالمية

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

هكذا تَفَككت كتلة الكرة الأرضية العملاقة، وتدافعت أجزاؤها، فنشأت القارات التي احتفظت بعد ملايين السنين بتعرجات انفكاكها، وأنشأت القشرة الأرضية المتحركة صفائحَ عملاقة، يبلغ عمق كل منها نحو مئة كيلومتر، تُزاحمُ إحداها الأخرى. وعندما يبلغ التوتر أقصاه تنفجر الزلازل والبراكين في فوالق على تخوم الصفائح. حركة القشرة الأرضية، التي تُسمى «تكتونية» يحدث ما يماثلها في المواقع «الجيوبولتيكية» للبلدان والقارات، وهي ليست كما يُعتقد ثابتة، بل متحركة. والزلازل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي تحدث في العالم، وضمنه العربي، ليست من صنع السياسيين وزعماء الدول، بل هم بالأحرى صنائعها، وضحاياها أحياناً.

وحَدَثٌ في حجم انفصال بريطانيا عن الوحدة الأوروبية اختلف المنظرون والسياسيون في أسبابه وعواقبه؛ قارَبَهُ علماء الجيولوجيا عندما اكتشفوا انفصام بريطانيا عن أوروبا قبل 125 ألف عام. فالجزيرة البريطانية كانت قبل نحو نصف مليون سنة مندمجة بالقارة الأوروبية. وفي بحث في مجلة العلوم «نيتشر»، يرجح العلماء حدوث فيضانات جبارة عند ذوبان العصر الجليدي قَصَمت سلسلة الجبال، التي كانت تربط بريطانيا وفرنسا، وحفرت «قناة المانش» بين مضيق «دوفر» و«كاليه».

والجيولوجيا التي تُسمى «علم الأرض» ليست علماً قائماً بذاته، بل مجموعة علوم مختلفة من الفيزياء، والكيمياء، والبيولوجيا، والرياضيات، والهندسة، وهي علوم أعظم الأحلام. اكتشفتُ ذلك عندما التقيتُ بالعالم المصري الأميركي فاروق الباز، رئيس قسمي «الجيولوجيا»، و«الاستشعار عن بعد» في جامعة بوسطن بالولايات المتحدة. و«الباز» يُنّقب ما تحت الأرض وأجواز الفضاء، وارتبط اسمه ببعثات «أبولو»، حيث شارك في اختيار مواقع هبوط أول البشر على سطح القمر، وتدريب رواد الفضاء. و«الباز» حاصل على الدكتوراه في الجيولوجيا من جامعة «ميسوري»، وصحراؤه ليست قاحلة أبدية، وهو لا يعترف بكارثة التصّحر، بل يعتبرها ظاهرة طبيعية، تمتد وتتقلص، وقد تكمن في باطنها أنهار وبحيرات.

وأثار «الباز» ردود أفعال عامة عندما أعلن اكتشافه بوساطة تكنولوجيات الفضاء والجيولوجيا نهراً تحت أرض صحراء شبه الجزيرة العربية، ودعا للاستفادة من هذا النهر، الذي يمتد 600 كلم من «وادي الرمّة» بالسعودية إلى الكويت، ومنها يصعد إلى العراق، حيث يلتقي بنهري دجلة والفرات. وعرض «الباز» على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقائع اكتشافه أنهاراً وبحيرات في باطن الأرض، حيث الأراضي القابلة للزراعة لا تتجاوز 7% من مساحة البلد، وفيها يقيم معظم السكان. وتوفر مياه مصر الباطنية ما يكفي لزراعة مليون كيلومتر مربع لمئتي سنة. هذه المياه تسربت من أمطار غزيرة كوّنت بحيرات وأنهار جوفية في فترات جيولوجية سابقة عندما صعد مناخ أفريقيا الاستوائية شمالاً.

وأُطلق اسم «الباز» على مركبة فضائية في المسلسل التلفزيوني المشهور «ستار ترِك». وإذا كنتَ عالم جيولوجيا وفضاء مصرياً في ظرافة «الباز» فجاذبيتك لا تُقاوَم. رأيتُ ذلك في تجمع جمهور النساء حوله في المؤتمرات العلمية، وكان يعتذر مُحرَجاً «اعمل إيه السِتّات يحبوني»، ويستدرك أنه أب أربع بنات. ولم أكن أقبل اعتذاره، فأنا أعرف سحر «أولاد الجيولوجيا» منذ أيام جامعة «بطرسبرغ» في روسيا، حيث كنا نشاركهم قسماً داخلياً واحداً، تقيم فيه أيضاً طالبات اللغات والآداب الأجنبية. كما أتذكر زميلتي «ناتاشا» التي تدرس الفرنسية تزوجت جيولوجياً أخذها معه إلى الجزائر للتنقيب عن النفط. ولم يذهب الزمن والمسافات بأساي عندما كانت «ناتاشا» تغني أغنية «الجيولوجي» الروسية الشهيرة: «أنا رحلتُ إلى هضاب سافعة، وأنتَ غادرت للتنقيب في الأحراش، عليك تشرق الشمسُ اللاهبة، وعليّ السِدر الجليدي. الطريق بعيد وطويل، ولا يمكن العودة، تَمَاسك أيها الجيولوجي، شُدّ عزمك أيها الجيولوجي، أنت شقيق الرياح والشمس».

• < السابق
• التالي >