اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

تأبى الطفولةُ إلا أن تلاحقني// لطيف پولا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

تأبى الطفولةُ إلا أن تلاحقني

لطيف پولا

القوش

 

كثيرا ما يلح عليَّ ,من بقيَ على قيد الحياة من اصدقاء الطفولة ,ان اكتب شيئا عن تلك الايام الجميلة البريئة والبسيطة . ونسي اصدقائي ان الكثير من  قصائدي وقصصي واوپريتاتي استلهمتها من تلك الايام التي اصبحت حلما جميلا  يراودني كثيرا . ولأنني كنت مرهف الحس قوي الذاكرة كثير الحفظ ,كثير الاصدقاء وكثير الحركة, قليل النوم لانني استغرق الليل كله بالتامل والتفكير واجترار القصص والحكايات والتراتيل التي اسمعها من ابي وامي وعمي وخالي  وجدي وجدتي وفي النهار بعد المدرسة كان ملعبي البيادر والحقول والجبال والعيون والابار والانهار . جسدي وعقلي يعملان دون توقف ليل نهار وكنت قد حفظت مئات القصص والحكايات والتراتيل ,وتعلمت العزف على المزمار القصبي الذي كنتُ اصنعه بيدي في طفولتي المبكرة و احفظ واغني  اغاني سريانية وعربية وكوردية وانا في الابتدائية . وعليه اقول اذا اُلبي جميع مطاليب اصدقاء الطفولة كما يتمنون ان أكتب كل شيء عن تلك الايام المليئة بالحركة والحفظ والاحلام احتاج للقيام بذلك وقتا طويلا ومجلدات لإتمام ما يتمنوه ..ولكن اقتصر عملي اليوم للكتابة حول ما يتمناه الدكتور جميل جمعة وهو مغترب في السويد, وهو من اصدقاء الطفولة. لبيتُ طلبه بعد الحاحه رغم مشاغلي وتعبي ,علني اكون قد بللت غليله بنسمة من نسمات تلك الايام الجميلة , ايام الطفولة التي غدت ذكرى وحلما جميلا  لمن ينتظر نسمة من تلك  النسمات وهو يعاني من هجير الشيخوخة  أوالغربة أو كليهما .

 

رُبَّ صدفةٍ خيرُ من الفِ ميعادِ . ما أن انتهيت لتوي من كتابة قصيدة متواضعة, فحصت النقال لأجد الرسائل او المكالمات التي لم أرد عليها . وإذا برقم بدون إسمٍ يبدأ ب (004) عرفته من الخارج . اتصلت بالرقم المذكور جاءني الجواب مباشرة  قائلاً لي: هل انت شمعون؟. قلتُ: كلا.  قال: بلى انت شمعون !. قلت : يا اخي لست شمعون . رفع صوته قليلا مُصرّاً على أني شمعون !. فقال مؤكدا:  إسمك مكتوب عندي!....من حسن حظي ان اُذني مرهفة لها خبرة بالأصوات , أحيانا أنسى الوجوه بسبب تغير ملامحها  ولكن بمجرد أن أسمع الصوت أتذكر صاحبَهُ .فقلت له : الستَ أنتَ دكتور جميل ؟ . قال بلى الم أقل لك  انك شمعون ؟!. ضحكتُ وقلت له : انا لطيف ! قال : ماذا ؟ يا لطيف؟!. قلت : لطيف پولا !, ألم تتصل بي قبل قليل ؟ قال : بلى اتصلت برقم مكتوب عليه شمعون . قلت له : يا شمعون ؟ يا فرعون ؟ دعنا نتحدث ..وبدأ بيننا  حديثٌ طويل رغم تعبي الشديد استمر اكثر من ساعة . قال لي: هل نسيت ايام الطفولة ؟. قلت له : وكيف لي أن  انساها يا صديقي العزيز  ؟!..قال :لماذا تكتب في كل المواضيع ولم اقرأ شيئا كتبته عن ايام طفولتنا ؟ قلت: كتبت الكثير الكثير .قال : الان أريدك ان تكتب مقالة عن ايام طفولتنا . قلت: حسنا اقفل النقال وبعد قليل سأفاجئك بمقالة رغم انني اكتب منذ الصباح الباكر والان الساعة الثانية ظهرا ولازلت  بلا غداء !!!.

عن أيام الطفولة كان بيتنا في الزقاق الذي يشكل حدودا بين محلة سينا والمحلة التحتانية فكان بيتنا على الجانب الغربي التابع لمحلة سينا وبيت صديقي جميل واخيه مانو ( عمانوئيل ) في المحلة التحتانية على جانبي بيتهم محلات القصابين . رغم كثرة اصدقائي في زقاقنا وفي محلات اخرى الا اننا نحن الثلاثة كنا لا نفترق في المدرسة معا وبعد المدرسة في البيادر التي كانت ملاعبنا وفي الليل نتسامر اما في بيتنا او في بيتهم . وفي احد الايام ,كنت في الصف الخامس الابتدائي , بعد ان كتبت واجباتي خرجت من البيت والشمس قد غابت والجو بارد شتائي ممطر , دون ان  اخبر والدتي التي كانت حريصة علينا وعلى سلوكنا وتربيتنا . ذهبت الى بيت صديقَيَّ مانو الكبير واخيه الاصغر جميل. كان والدهم عمي حنا مستلقيا على سريره الخشبي ( تخت ) ويدخن السكاير الملفوفة يدويا وكان مانو يجلب لنا  قليلا من تبغه الحاد جدا ونلف بالورق الشام وندخن ثلاثتنا بطريقة سرية وكنت احس ان صدري يحترق بسبب ذلك التبغ القوي . وكانت والدتهما خلتو صارا الطيبة جدا المحبوبة جالسة وامامها موقد الفحم ( منقل ) وبجانبها جدتهما خلتو راحيل كانت مع الاسف مكفوفة . فتحت الباب والقيت التحية سمعت صوتي  خلتو راحيل فعرفتني فقالت مُرحبةً : أأ ككي لطيف ثيلوخ ؟  عزيزي لطيف أتيت ؟ أجبتها : نعم خلتو راحى !. .نادت خلتو صارا على مانو وجميل قائلة : تعالا كفى العراك جاء لطيف. فوجدت مانو البسيط وهو يصرخ ويصيح على اخيه الاصغر جميل . وكان جميل يضحك بصوت عالٍ . قلت ماذا جرى ؟ قالت خلتو صارا كانا كلاهما تحت اللحاف وجميل يصك اسنانه  ويخرج صوتا : حم! (وهو صوتٌ لتخويف الأطفال ). ومانوا يخاف ,يخرج من تحت اللحاف ويضرب جميلا لانه يخاف . جاءني جميل ولا زال غارقا في الضحك وحكى لي كيف يخيف اخاه الأكبر ومانو لا زال مغتاضا يهدد ويوعد : بآلها  بقطلنوخ !( والله ساقتلك ) !. قلت له يا مانو جئت لأسمع حكاية من خلتو راحى . فجلسنا على شكل دائرة كانت من يميني خلتو راحى ومن يساري خلتو صارا وفي قبالتي مانو وجميل ويتوسطنا الموقد الفحمي ( منقل ) وجمراته تتوهج وعلى الحائط مصباح نفطي ( لمپا) وكانت قطرات المطر تنقر بالباب الخشبي وصوت المرازيب وخرير المياه يأتينا ممزوجا مع نباح الكلاب ومواء القطط ونهيق الحمير وثغاء الأنعام ومع صوت حراس السوق :هوووووووووو!)ونحن جالسين ننصت الى حكاية خلتو راحى تلك الحكاية التي كانت حول التاجر الذي خدعه مجيء السنونو المبكر وصفاء الجو وسطوع البدر في شهر اذار فاخرج قطيعه للمرعى ونصب خيمته وجاءت السنونو وراحت تبني عشها فوق الخيمة . ولما جاء الصباح كانت الخيمة محاصرة بالثلج ولما خرج الراعي من خيمته وجد قطيعه جامدا من البرد ومغطى بالوفر . نظر الى السنونو وإذا بها قد جمدت في عشها ميتة .فقال لها مخاطبا ومعاتبا : ايها الطير القادم من الهند خربت بيتك وخربت بيتي معك ! وانتشر هذا المثل  بين الناس . وختمت خلتوا راحى قصتها بنصيحة لنا ان لا تخدعنا المظاهر( لا مهيمنت بگو مرگا )!! نرى احيانا اشياءا جميلة ولكن وراءها اشياء اخرى قبيحة . عدت الى البيت ولم يكن عندنا ساعة لنعرف الوقت وكانت امي قد بحثت عني وطال انتظارها فقفلت حتى الباب الرئيسي . ولما طرقت  الباب فتحت  المرحومة والدتي الباب . دخلت مسرعا لان المطر كان لا يزال يهطل وكان بودي ان اخبرها عن الحكاية الجميلة التي سمعتها من خلتو راحيل ولكن ما ان دخلت حتى احسست بصفعة قوية وهي تصرخ: اين كنت ؟ وضعت راسي بين راحتي يدي وقلت , وانا احاول التملص من يدها : في بيت خلتو راحيل !!.

 

مضت الايام وفقدنا  خلتو راحى وخلتو صارا وعما حنا واصدقائي مانو وجميل وبقيت الذكريات الجميلة ومنها حكاية خلتو راحى( لا مهيمنت بگو مَرگا) . وفي الصباح ذهبنا الى المدرسة في بناية مار ميخا ( مدرسة القوش الاولى ) كان مديرنا الاستاذ الفاضل المرحوم الياس بابا مدالو ومعاونه المرحوم الاستاذ الفاضل يعقوب اسحق شكوانا. كان لنا دوام صباحي ودوام بعد الظهر . عدنا من المدرسة ظهرا ثم بعد الغداء بساعة كنا في البيادر ثم توجهنا الى مدرسة مار ميخا . وفي نهاية الدرس الثاني والاخير كانت الشمس على وشك ان تغرب . صفر الفراش الصافرة معلنا نهاية الدرس . كان لنا درس التربية ومعلمنا استاذ يوسف ( زرقا ) كان عصبيا جدا ويضرب بقسوة . كان يجلس خلفي في الصف مانو وجميل . جميل كان اذكى ويهتم بدروسه اكثر من مانو الذي كان دائما ضحية بساطته وطيبته المفرطة . لما سمعت صوت الصافرة واللعب في البيادر ينتظرنا رايت الاستاذ على وشك ان يخرج من باب الصف رحت اغني بصوت عالي .عاد الاستاذ وهو يرجف من الغضب ويعض على شفتيه وبيده عصا طويلة . وتوجه مباشرة الى مانو وراح يضربه بقسوة .رغم ان الاستاذ عابد حنا جمعة كان معلما وشقيقا لمانو وجميل والاستاذ حبيب حنا جمعة المحامي المعروف ايضا شقيقهم الاكبر .الا ان استاذ يوسف ( زرقا ) ضرب كل ذلك عرض الحائط ودون ان يتأكد راحت العصي تنهال على مانو .ولأن مانو تالم كثيرا صرخ بعلو صوته والله لست انا الذي كان يغني!!  لطيف كان يغني !!. قلتُ مع نفسي : عملها مانو ..اعترف علي . نظر الي الاستاذ وكانه لم يصدق لأنني كنت هادئا جدا في الصف . بصراحة غيَّر اسلوبه معي ,خفف من عصبيته (ربما لأن الاستاذ يعقوب شكوانا  معاون المدير كان ابن خالتي والمدير نفسه كان من اقاربي .والسبب الثالث والمهم هو ان عمي توسط لإستاذ يوسف لنقله من قرية بعيدة الى القوش . توجه نحوي وقال افتح يدك ! . فكنت امد يدي واسحبها بسرعة قبل ان تمسها العصا .وكررت العملية عدة مرات, فاخطأ الضرب جاءت ضربة قريبة من عيني فوجدتها فرصة فصرخت بعلو صوتي آخ !! ووضعت يدي على عيني .وعبثا حاول ان يفحص عيني ترك الصف وقررت ان لا ارفع يدي من عيني حتى اخرج من المدرسة . خرجنا من الصف وكان علينا ان نسير بانتظام ,كان ابن خالتي معاون المدير واقفا في الساحة. مررت من امامه ويدي على عيني . يبدو ان استاذ يوسف اخبره .فسالني ابن  خالتيَ ماذا جرى لعينك فلم اجبه فتظاهرت بانني مصاب . ذهبت الى البيت ولم يكن ثمة اثر للضربة لقد نجحت خطتي ونجوت من الضرب. وبعد ان وصلت الى البيت جاء عمي قائلا : لقد جاء  زرقا واعتذر وقال:اثناء معاقبتي له  جاءت الضربة  خطأً ً من عين لطيف ولم يدعني ان اراها . قلت لعمي : غطيتها بيدي الى ان خرجت من المدرسة . كل ذلك اصبح ذكرى من ذكريات الطفولة وذكرى الاصدقاء الذين رحل قسم منهم من هذه الدنيا وقسم اخر هاجر ولم يبق إلا واحد او اثنان  لم نلتق لنتجتر تلك الذكريات الا لماما ,لأبقى وحدي اتذكرها  وازور بقايا ملاعب الطفولة التي كنا نلعب فيها :چَهايي , كِسخورِ , گـَلِ , قـَـتّا وپـيت , سقاطا لكيـپـا , دارا , توزِ , پـِرسَنگى , عادلو , سَما سميا , حراثا كورِ, شطافا دكيـپـى , كعبى , تبلياثا , نقورِ دبيئى , كيَلاثا , مصراعات ؟؟؟؟ وغيرها تلك اللعب التي ورثناها من اجدادنا اصبحت كلها في خبر كان ,لأن اطفال  اليوم لم يعد يلعبونها لقد محى الزمان حتى مكان لعبها فقد اصبحت تلك البيادر بيوتا  واسواقاً ومرائبَ  واحلاما جميلة وذكريات ستبقى معي الى الابد .

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.