كـتـاب ألموقع
• قصة قصيرة : أدلـِـر ْ والقمر
عبد الرضا المادح
2010 03 18
البصرة
أدلـِـر ْ والقمر
في ساحة الرقص المكشوفة على الاشجار والازهار العبقة ، تمايلت الاجساد على انغام الموسيقى الصاخبة .
التقت عيناهما الودودتان مع ابتسامة جريئة ، اقتربا من بعضهما .. تعارفا .. واندفعا بين الاجساد المتلاطمة ، أرخت الموسيقى اوتارها لتشيع فى المكان لحنا ً هادِئا ً عذبا ً، التصق جسداهما وتشابكت ايديهما ، ليذوبا مع اللحن الممزوج بالعطر والانوار المتكسرة على الاكسسوارات العارية.
إنسحبا بعيدا ً عن حلقة الرقص ، تبادلا الحديث في ممرات الحديقة واقدامهما ترسم ببطء اثرها على البلاط الملون بندى العشب الاخضر على الجنبين ، تواعدا ان لايتفارقا سوى ساعة واحدة .
توجه كل منهما الى مبنى الفندق الذي ينزل فيه ، ستّ بنايات كبيرة تطل على البحر الاسود ، متشابهة متوازية تفصل بينها جنائن تجري من تحتها السواقي العذبة . انه موسم الفرح ، آلاف السواح من كل الاجناس ، طلبة ، موظفون ، روس ، افارقة ، لاتينيون ، اسيويون .... تختلط اللغات مع مشاعر المودة والصداقة والعلاقات الانسانية الشفافة ، دلفَ الى مطعم الفندق ،عشرات الطاولات الناصعة البياض وكأنها ألبستْ فستان عروس ، تنتشر في قاعة تزينها الزخارف الخشبية والديكورات الفسيفسائية الأخـّاذة ، جلس الى احدى الطاولات المنتشية بأريج الازهار ، امامه تتسابق حوريات المطعم يحملن مالذ ّمن الاطباق في عربات نيكل مزججة انيقة ، مع ابتسامات وكلمات رقيقة ينشرن طيبتهن على الموائد المكتظة بألوان القارّات المرسومة على القمصان.
ارتقى المصعد الكهربائي للفندق الذي تسكنه ، اشارت لوحة الارقام الضوئية الى الطابق الخامس ، توقف المصعد وقال مع نفسه ( افتح ياسمسم ) فأنفلق الباب بهدوء ، السجاد الاحمر يكتم انفاس الاحذية ، ممر طويل ، ثريات زهرية جانبية ترسل اشعتها الصفراء الباهته بتناسق على الجدران ، ابواب صنوبرية اسطفّـت كجند حرس الشرف في قصور الامراء .
قرأ الرقم النحاسي ، طرق الباب بسبابته ، تردد الصدى كصوت نقار الخشب بين سكون الابواب .
فتحت الباب بوجهٍ باسم ، حلقات شعرها الذهبي تطوق بحنان عينيها الزرقاوين ، طبع قبلة على خدها المتورّد الناعم ، مسكت بيده وسحبته برفق الى الصالة .
ـ " بريفيت " مرحبا ً...
قالها بالروسية و بلكنة تعبر عن شرقيته السومرية ، فردّوا عليه بالترحاب والتعارف المتبادل.
رفعوا كؤوسهم الاربع ، رنين الاقداح امتزج مع الموسيقى الهادئة لجايكوفسكي المنبعثة من جهاز صغير ثبت على الحائط ، طعم الفودكا اللاذع المستحب نشر دفئه ورعشته في خلايا الاجساد الشبقة .
نداء الطبيعة الساحرة دفعهم الى الحدائق الغنـّاء من جديد، تترنح اضواء مصابيح زهرة اللوتس في مقلتيهم ، نقيق الضفادع يلهب المكان ، اريج الورود يُسكر الفراشات المتكأة على وريقاتها ، اتخذوا من مسطبة خشبية مكانا ً لسمرهم ، ضيق المكان دفعهما لينسحبا بأتجاه الشاطيء الممتد كجناحي طائر عملاق يحتضن البحر ، شهوة الروح الطرية امتزجت مع النسمات العليلة ، بياض القمر يشع بين فخذيها متحديا ً انكسارات ظله على الاحجار البازلتية السوداء المتراصة كجدار على طول الشاطيء ، الرمال الناعمة تدغدغ جسديهما العاريين ، نسيم البحر يحمل صدى تأوهات الشاطيء ،على الامواج الفضية انزلقا بجسديهما الدبقين الى عمق البحر الدافيء ليغوصا في ذكرياتهم الخالدة .
فَـَـز ّ من نومه غارقا ً بعرق جسده على إثر انقطاع الكهرباء في عز ّ الصيف الحارق ، اختنق برطوبة الجو الساخن ، خرجت زفرة من اعماق روحه على شكل صرخة مكتومة :
ـ اعيدوني الى الجنة .
............................
* أدلِرْ : مدينة روسية ومصيف تقع على البحر الاسود .
المتواجون الان
900 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع