كـتـاب ألموقع

الحنين الى الاصدقاء// لطيف نعمان سياوش

• 

تقييم المستخدم:  / 0

سيئجيد 

المجموعة: لطيف نعمان سياوش

تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 21 كانون1/ديسمبر 2016 17:16

كتب بواسطة: لطيف نعمان سياوش

الزيارات: 2500

الموقع الفرعي للكاتب

الحنين الى الاصدقاء

(من دفاتر مذكراتي)

لطيف نعمان سياوش

الى صديقى العزيز الفنان فارس الماشطة

بعد ان مزقنى الشوق لبغداد، وأصدقاء، وصديقات المسرح، وشارع المتنبي، والرشيد، والسعدون، ومسارح بغداد، ونصب الحرية، والسعدون، والسلام.. ومدينة الكاظم، ومزارها المقدس، وقبته المطرزة بالذهب، والمفعمة بالحركة والدعاء لاسيما ايام العاشوراء .. لم أعد اتحمل اكثر.. لابد لي ان أشد الرحال اليها .. أعانق فيها ذكرياتي، وأصدقائي، وصديقاتي ..أعزز موبايلي بأرقامهم، لاني عندما فارقتهم لم يكن وقتها في قواميسنا شىء أسمه الموبايل..

زرت بغداد بلهفة المجانين، أحمل على رأسي عشرات، لا بل مئات العيون، والآذان.. اتلفت ذات اليمين والشمال، وكأني لم اراها من قبل .. كان ذلك في عاشوراء المحرم قبل أيام من كتابة هذه الاسطر ..على مايبدو كل الامور أختلفت، فعاشوراء اليوم ليس عاشوراء صدام حسين ..قطعا لا أعتراض على ذلك ..لا بل لابد للناس ان تحتفي بما تراه يناسب عقيدتها وفكرها ..آلاف الرايات الحمراء، والخضراء، والسوداء مثبته في الجزرات الوسطية، وعلى الارصفة والمباني، والبيوت، لابل هناك من التفنن في كتابة ياحسين، وياعباس، وياعلي بالخطوط الذهبية .. جميع هذه الامور وغيرها الكثير لم تكن مألوفة من قبل، ولا أعتراض عليها مطلقا. ...لكن مايدعو للاستغراب والاعتراض هو وجود هذه الاعلام، والصور واللافتات على الثكنات العسكرية، وبعض الدوائر، والسيارات الحكومية، لاسيما تلك التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية!! .. مهما يكن حجم ونسبة الطائفة التي تحتفي بالعاشوراء المحرم كبيرا لايحق لها قطعا ان تعمم هذه الرايات على الوحدات العسكرية، والدوائر، والسيارات الحكومية ..أما لو أصرت الحكومة على نهجها بالشكل الذى رأيناه فأن اقل مايمكن ان يقال عنها انها حكومة طائفية بأمتياز برغم أنكارها المطلق لذلك ..

× × ×

حزينة بغداد، وحزينة شوارعها، وحزينة أشجارها، وأهلها، لابل حتى طيورها، أو على الاقل هكذا خلتها أنا، ليس لأنها تعيش العاشوراء، انما لأنها بائسة بنظافتها، ممتلئة بالحفر والاتربة وغارقة بالضوضاء ومنبهات المركبات .. أما لوتحدثنا عن أرصفتها وشوارعا فأن ذلك يطول كثيرا ويدعو الى الالم ..

× × ×

شاهدت الكثير من اللافتات تحمل عبارة (القانون فوق الجميع) ..كلام غاية في الحلاوة لوطبق ..أما لوكان لأغراض الدعاية والاعلام فلا ..مالفت أنتباهي أن سيارات المرور، ودراجاتها تسير في كثير من الاحايين عكس الاتجاه!.. وهذا يعني أن رجال المرور هم فوق القانون.. وشاهدت ولمرات عديدة خلال زيارتي القصيره لبغداد سيارات رباعية الدفع مظللة تسير في الاتجاه المعاكس. وهي بلا شك لرجال السلطة .. هذا يعني بما لايقبل الجدل والالتباس بأن رجال السلطة هم فوق القانون.. لماذا تكذبين ياحكومه على الناس بهذه الشعارات البراقة مادمت أنت أول من تخترقينها في ضحى النهار، وأمام أعين الناس ؟!!..

× × ×

جننت أشتياقا لزيارة شارع المتنبي،لاسيما اني لم أزوره قبل تفجيرات الارهابيين .. لكني دهشت مذ دخلت بداية شارع الرشيد (الشريان الابهر لبغداد) بأن سير المركبات فيه ممنوع!! وبعد الاستفسار والسؤال عن السبب علمت لوجود البنوك المهمة فيه ..حسنا من الذي سرق ويسرق البنوك؟ ومن الذي أحرقها ويحرقها؟ اليسو رجال مهمين في الحكومة؟!!..

واصلت مسيري بلهفة برغم العقبات على الارصفة، والمتاريس المختلفة، والكتل الكونكريتية المرتفعة، والزحام، وأنا أصطدم بالمارة، والباعة وسط مناداة باعة الخردة والملابس من الكادحين لتوفير قوت يومهم ..

وصلت ساحة الغريري لمحت تمثال الراحل عبد الكريم قاسم (أبو الفقراء) شامخا على نصب، ووصف بالشهيد ..دمعت عيناي، وشعرت بالارتياح ..فهذا الرجل يجب أن يكون له نصب ليس في بغداد فحسب انما في جميع مدن العراق ..لقد أختير مكان النصب في نفس المكان الذي نجا فيه الراحل من محاولة الاغتيال الآثمة، واصيب خلالها بطلق ناري في كتفه من قبل الاوغاد..

تمثال لرجل أفنى حياته من أجل الفقراء، تحيطه الزهور من كل حدب وصوب .. كنت أتدافع بين الماره للوصول الى غايتي شارع المتنبي، وأنا أشعر بالغضب على ماشاهدته من أهمال للخدمات بشكل رهيب برغم المليارات الكثيرة المخصصة والمصروفة من أجل أنهاء أو تحجيم أزمة الخدمات ..ولكن عندما شاهدت تمثال الشهيد عبد الكريم قاسم أنطفأ جزء من عتبي مع الحكومة ..فأنا ارى ان تذكر هذا الرجل هو الحد الادنى من الوفاء بحقه، ولكن أقولها بصوت عال: لماذا لايتعلم حكامنا ولو الجزء اليسير من بحر الأخلاص والحب الذي كان يفيض به الشهيد عبد الكريم قاسم لشعبه وللعراق؟ تعلمو منه ياناس ‘ ياحكومه، يامسؤوليين..

× × ×

عندما لمست ذلك الاهمال الكبير، والملفت للنظر تساءلت: أين هي مليارات الدولارات لعائدات النفط؟! ان الحكومة أشعرتنا بوضوح بأنها لاتكن الاخلاص للشعب والوطن.. أقول هذا الكلام لما شاهدته من مناظر، ومشاهد بائسة جدا في العاصمة بغداد.. ترى أهذه هي عاصمة العراق الجديد؟! أهكذا تبنون العراق؟..

هل خرج السيد نوري المالكي يوما وتجول في شوارع بغداد؟ أو زار عائلة؟ أو تفقد دائرة؟ أو.. أو ..أم أنه مصر أن يبق حبيس المنطقة الخضراء، يعتمد على المعلومة من أفواه مستشاريه؟..

× × ×

أخيرا وصلت الى شارع المتنبي، رحت أبحث في رفوف مكتباتها الثرية والمنوعة، وجدت ضالتي في أقتناء بعض الكتب التي كنت أبحث عنها.. أما الفرحة الكبرى كانت عندما شاهدت العديد من الاصدقاء والصديقات الذين فقدتهم منذ عشرات السنين.. تعانقنا وتشابكنا بحرارة، وتبادلنا أرقام الهواتف الخلويه، والعناوين الالكترونيه، والفيس بوك .. وعلمت من خلالهم أن أعداد لايستهان بها من أصدقائنا هاجروا الوطن، وأفلحت في الحصول على عناوينهم الالكترونية ..وبعيدا عن عيون الفضوليين أفلحنا في الفوز بركن ما، جلسنا نحتسي الخمر نخب العراق العظيم‘ ونعيد الذكريات، والاصدقاء البعيدين الى مجلسنا.. مرت الدقائق والساعات بسرعة البرق كأنها كانت حلما ورديا ..التقطنا صورا عديدة للاستعانة بها في ثورة المعلومات لأغراض الارشفة ‘ والقفشات الصحفيه‘ والفيس بوك..

أما في اليوم الثاني فكان موعدنا في منتدى (المدى) حيث البناية التي تحتوي على كل مايسر المثقف العراقي، فهي تحتضن قاعة للندوات، ونماذج من لوحات تشكيلية لكبار التشكيليين العراقيين، وصور للمشاهير من المفكرين‘ والفنانين، والادباء، والسياسين، وهناك ممكن أن تعثر على أصدقاء العمر الذين أبعدتكم السنين عن بعضكم البعض ،ثم قضينا أحلى ساعات العمر مع الاحبة في البيت الثقافي البغدادي المطل على نهر دجله ..

شارع المتنبي قد يكون هو المكان الوحيد الذي بقي محافظا على بريقه رغم كيد الاعداء، يزينه المثقفون، والفنانون، والكتب الغزيرة، وتطرزه الندوات، والفعاليات الثقافيه ‘ والفنية المتنوعة..

بعد الذي لمسته قررت أن لا أزور بغداد بعد اليوم طالما مزقت جسدها الطاهر الطائفية المقيتة، وأهمال الخدمات، وتفشي اللصوص، والفساد في السلطة ..الا اللهم اذا مزقني الشوق مرة أخرى لمشاهدة الاصدقاء والصديقات، وشارع المتنبي ..

• < السابق
• التالي >