اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

من نستهدف بأدب الأطفال الذي ننتجه؟ وأي جيل نريد أن نخلق؟// سماح خليفة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

سماح خليفة

 

عرض صفحة الكاتبة 

من نستهدف بأدب الأطفال الذي ننتجه؟ وأي جيل نريد أن نخلق؟

سماح خليفة

 

أنهيتُ اليوم إدخال مجموعة الكتب التي تبرعت بها مكتبة بلدية نابلس – مشكورة- إلى مكتبتنا المدرسية التي تأسست حديثا.

 

أثناء تفقدي للكتب، شدتني قصة محمود شقير للأطفال بعنوان (لقلق)، نظرت في الغلاف برهة ثم قلت في نفسي: لا بد أن خلف هذه الكلمات القليلة والبسيطة هدف كبير، وقيم عظيمة أراد الكاتب أن يوصلها للأطفال. قلبت صفحاتها فوجدتها قليلة لن تستغرق مني سوى دقائق، لن تعيقني عن إنهاء عملي.

 

القصة تدور حول طفل صغير يرتاد المدرسة، نظر في إحدى المرات عبر النافذة فشاهد لقلقا يقف على ساق واحدة، ودون حذاء، فقرر الطفل أن يقلد اللقلق ويذهب إلى المدرسة كل يوم دون حذاء، وعلى ساق واحدة، استمر على هذا الحال دون كلل أو ملل، وتبعه أخوته ثم أبواه فالعائلة بأكملها والجيران وزملاؤه في المدرسة فالبلدة بأكملها، مما أدّى إلى توقف استيراد الأحذية المصنعة خارجيا، وهذا تسبب في انهيار اقتصاد العالم، وخسارة الصين وغيرها من الدول المصنعة، مما دفع الدول إلى إجراء اتصالاتها مع البلد، ثم مدير المدرسة الذي بدوره تمكن من إقناع الجميع بخطورة الأمر، بانهيار اقتصاد العالم والخسارة التي سنتسبب بها للصين وغيرها من الدول إن لم نشتر الأحذية لنلبسها! وضرورة شراء الأحذية المستوردة وارتدائها، حفاظا على اقتصاد العالم، وأما الطفل فلم يعد لارتداء الحذاء والوقوف على ساقيه إلا بعد أن رأى اللقلق مرة ثانية وهو يقف على ساقيه!

 

أثناء قراءتي للقصة، توقعت تطور الأحداث على نحو يدرك الطفل من خلاله أنه مختلف عن اللقلق، وبطبيعته البشرية لن يستطيع الوقوف والسير على قدم واحدة ذهابا وإيابا إلى المدرسة، أو أن قدمه ستتأذى من السير حافيا كل تلك المدة ولتلك المسافة، أو ربما يفكر في نهاية القصة باختراع حذاء عجيب مختلف تماما، أو ربما يلجأ إلى دكان في الحي يصنع أحذية، المهم أن يكون بطريقة ما منتجا، مفكرا، لا مقلدا أعمى، أو مستهلكا يسعى إلى إنقاذ اقتصاد الصين!!

 

ما الذي يهم طفل صغير من اقتصاد الصين وخسارتها أو انهيار اقتصاد العالم؟! ألن يخرج طفل ليتساءل: لماذا ندفع مصروفنا للصين على سبيل المثال، ولا نصنع أحذيتنا بأنفسنا؟! هل السبب الذي سيدفع طفل لارتداء حذاء هي مصلحة الصين! ألن تدمى قدماه وتجرح في الطريق ويكتشف أن عليه عدم تقليد الآخرين بما يضر صحته مثلا؟!

 

دخلت الانترنت أبحث عن هذه القصة لأنظر في قراءات حولها أو ردود أفعال، فوجدت حلقات تم فيها قراءة القصة في المدارس والمكتبات، ثم جعل الأطفال في حلقات يقلدون الطفل واللقلق، وهم يتقافزون على ساق واحدة!!

 

وفي نقاش مع البعض، تغنّى أحدهم "برمزية القصة الزمكانية، وما فيها من عمق المعنى، وأنه حتى لو كانت الفكرة في قصة ما سلبية فإنها تفتح مجالا للتربية والتوجيه في حلقة النقاش التربوي بعدها!"

 

تعطي الطفل هذا الطبق الجاهز وتقول له رمزية زمكانية! هذا الكلام يقال لناقد باحث وليس لطفل، وهل نتوقع مع كل طفل يقرأ القصة، أن يصاحبه ناقد ليفسر له الرمزية ويصوب مجرى الأحداث والنهاية، نحن لسنا أوصياء على عقول أطفالنا، الكلام معقول لو كانت رواية موجهة للكبار الراشدين.

 

ثمّ إنّ نهاية القصة قدمت للطفل بوضوح، العودة إلى شراء الأحذية المستوردة حفاظا على اقتصاد العالم من الانهيار، وحتى لا نتسبب بخسارة الصين والدول المصنعة.

لنسأل أنفسنا كمربين: هل وجدنا يوما طالبا يفكر في حلمه، بإنشاء مصنع؛ لتصنيع الأحذية.

لا نرى سوى مشاريع فتح محلات لاستيراد الأحذية والملابس وبيعها، نحن شعب نشأ على الاستهلاك وليس الانتاج، هذا ما تعلمناه.

 

ولأن في القصة رمزية وعمق فكري وسياسي ووطني الأجدر تصويب مسار الأحداث داخل القصة لخلق طفل مفكر مبدع منتج، لا مستهلكًا مقلدًا أعمى، وننتظر من يقرأ له ويصوب مساره. وإذا كانت مصلحة الرأسمالية في الحفاظ على اقتصاد العالم وعدم خسارة الصين، أين تكمن مصلحة شعوبنا المستهلِكة؟

الطفل مقلّد! لكن يقلّد ماذا؟! وما الهدف؟ وأي نوع من التفكير نريد لطفلنا أن يعمل عقله به؟!

 

ولا يفوتني ما ذهب إليه البعض في قوله :" قراءتك فيها تسطيح، لم تستطع الكاتبه سماح ان تستوعب وتقرأ ما بين السطور وما رمى اليه الاديب محمود شقير من التسميه والمقاربه في ذلك مع طائر اللقلق او انه ليس لها اطلاع على تسميات ازقة وحواري القدس، حيث تم استعارة العنوان من هناك ًوالاحداث هي تجسيد لما حصل في المكان سردت باسلوب يتقبله عقل الطفل ويفهمه الكهل الذي عاصر الاحداث في المكان والزمان"

ها هو قالها: لم تستطع الكاتبة سماح أن تستوعب! فما بالك بعقل طفل في المرحلة الابتدائية الدنيا؟!

 

يا سيدي هذا الكلام يقال لرواية توجه للقارئ الراشد، لا لطفل في المرحلة الابتدائية الدنيا، أسألك بصدق: هل الطفل في المرحلة الابتدائية الدنيا يعرف أزقة القدس وحواريها؟ ويعرف إن قرأ "علينا ارتداء الأحذية حتى لا ينهار اقتصاد العالم ولا تتسبب في خسارة الصين وغيرها من الدول" أن يفهم ويحلل ويستنتج عكس هذا الكلام، يا سيدى انظر إلى واقع شعوبنا المستهلِكة وكيف اصبحنا لعبة في يد الرأسمالية عندها ستدرك أين يجرنا أدب الطفل هذا؟

 

أنا أتقبل، كقارئ راشد أو كاتب أو ناقد أو باحث أو مثقف، أن تحدثني، على سبيل المثال، في رواية "برج اللقلق" لديمة السمان، أو غيرها، عن رمزية القصة الزمكانية، وما فيها من عمق فكري وسياسي ووطني، أو أن أناقشك في الرأسمالية، ومن يهمه الحفاظ على اقتصاد العالم والتسبب في خسارة الصين وغيرها من الدول المنتجة، وأقبل كذلك أن نناقش مصير شعبنا وكيف تحول إلى مستهلِك يخدم الرأسمالية واقتصاد الدول القوية الغنية. وربما أقبل أن تتهمني بقراءتي السطحية، وعدم قدرتي على استيعاب ما بين السطور، أو جهلي بحواري القدس وأزقتها.

 

ولكنّي لا أتقبل، ولن أفهم ولن أستوعب ولن أصبر، أن تحدّث سماح الطفلة، في المرحلة الأساسية الدنيا، بعمر 8 او 9 أو 10 سنوات، في قصة "لقلق" لمحمود شقير، عن الرمزية وعمق الفكر السياسي والوطني، ولن أنتظرك أثناء قراءتي أن تصوب مسار الأحداث، وتقنعني بغير ما قرأته في القصة، وحفظته "أن أشتري الحذاء وأرتديه حتى لا ينهار اقتصاد العالم وأتسبب في خسارة الصين وغيرها من الدول المنتجة"، لن أستوعب مفهوم الرأسمالية، والدول الغنية القوية المسيطرة، وإن تمتعت بقليل من الذكاء، سأتساءل: لماذا أدفع اموالي للصين من أجل حذاء، لماذا لا يصنعه ابن قريتي؟ وما شأني أنا في مثل هذا السن باقتصاد العالم، بالكاد أهتم بالحصول على مصروفي!

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.