اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الأبعاد القانونية لمرسوم سحب منصب بطريرك الكلدان// د. رياض السندي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. رياض السندي

 

عرض صفحة الكاتب 

الأبعاد القانونية لمرسوم سحب منصب بطريرك الكلدان

د. رياض السندي

دكتوراه في القانون الدولي

 

-    توطئة

بتاريخ 20 حزيران من عام 2023 الحالي، أصدر رئيس جمهورية العراق عبد اللطيف جمال رشيد، مرسوماً جمهورياً برقم (31) استناداً للبند سابعاً من المادة (73) من دستور العراق الدائم النافذ لعام 2005 الذي ينص على تولي رئيس الجمهورية "إصدار المراسيم الجمهورية". وقد تم نشر المرسوم الجمهوري المذكور  في جريدة الوقائع العراقية وهي الجريدة الرسمية لإصدار القوانين والتشريعات العراقية التي تصبح نافذة بمجرد نشرها في هذه الجريدة الرسمية. وقد جاء المرسوم المذكور ليقضي في الفقرة أولا منه على (سحب المرسوم الجمهوري رقم (147) لسنة 2013، وهو المرسوم الخاص بتعيين البطريرك مار لويس رفائيل الأول ساكو بطريرك بابل على الكلدان والعالم و متولياً على أوقافها بعد المصادقة عليه من فخامة رئيس الجمهورية.

 

-    نبذة تاريخية

تجدر الإشارة ابتداءً إلا أن المسيحية خالية من السلطة السياسية، فالمسيح وتلاميذه من بعده لم يقيموا أي سلطة سياسية، فيسوع المسيح ظلّ يردد طيلة حياته على الأرض، إن مملكته ليست من هذا العالم (يوحنا 36:18). وهكذا ظلت المسيحية الشرقية خالية من السلطة السياسية منذ رحيل المسيح وحتى يومنا هذا، على خلاف المسيحية الغربية التي كانت قد أقامت السلطة السياسية حتى قبل مجيء المسيح، وهذه السلطة ذاتها ممثلة بالإمبراطورية الرومانية هي التي قامت بصلب المسيح، وجاء اعتناقها للمسيحية بعد ثلاثة قرون زمن الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول. وفي ظل غياب السلطة السياسية للمسيحية الشرقية، فقد خضعت كنيسة المشرق وأتباعها إلى السلطات المختلفة التي تواجدوا في ظلها، مثل المملكة الفارسية، والإمبراطورية الرومانية، ثم الخلافة الإسلامية بصيغها المختلفة وآخرها الخلافة العثمانية التي سقطت رسمياً وبشكل نهائي في 3 مارس 1924. وخلال أكثر من 2000 سنة من تاريخ المسيحية في الشرق الأوسط، كان التواجد المسيحي مرهوناً بشروط التعامل الثلاث للإسلام مع الجماعات غير المسلمة، وهي: إما الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتال. وقد مورست جميع هذه الحالات الثلاث بدرجات متفاوتة، وفي أغلب الأحوال كان دفع الجزية هو العامل الأبرز في استمرار التواجد المسيحي حتى وقتنا الحاضر.

ونظراً لتمسك المسيحية بموقفها الراسخ في عدم الاعتراف بالإسلام وبنبؤة محمد ولضمان بقائها دون التعرض للعنف الإسلامي فقد لجأت إلى ابتداع عدة وسائل قانونية إلى جانب دفع الجزية. ومن هذه الوسائل:-

أولا. استحصال رسائل من نبي الإسلام وخلفائه من بعده تتضمن حرية العبادة وممارسة الطقوس وإدارة كنائسهم وضمان أمنهم وعدم التعرض إليهم. وقد إتضح فيما بعد إن معظم هذه الرسائل مختلقة و مزيفة وغير صحيحة، ابتدعها الرهبان لضمان عدم مساس المسلمين بهم، كما أشار إلى ذلك عددا من الباحثين الثقات، كما ذهب الباحث والمؤرخ الكنسي العراقي المعروف ألبير أبونا إلى رأي مماثل بشأن الوثائق الإسلامية الخاصة بكنيسة المشرق النسطورية، حيث كتب تحت عنوان فرعي "وماذا عن العهود؟" يقول: "هل كانت ثمّة علاقات مباشرة بين الجاثليق إيشوعياب الثاني وبين الرؤساء المسلمين؟ نحن نعلم أن المسلمين لم يخرجوا من الجزيرة العربية إلا بعد موت الرسول. ففي خلافة عمر بن الخطاب، إجتاحت القوات العربية بلاد فارس في سنة 637-638. وقد ذكرنا كيف إستقبل المسيحيون الفاتحين العرب. وتضَعُنا الوثائق السريانية أمام مجموعة من الكتابات والمراسلات المتبادلة بين الرؤساء المسيحيين وبين الرسول وخلفائه الأولين. إلا أن معظم هذه الوثائق لا تثبت أمام النقد العلمي والتاريخي، إنما هي روايات ينبغي النظر فيها بكثير من التحفظ.... لذا فأن هذه الكتابات تعكس حالة متأخرة، فيها يشعر المسيحيون بما يتهددهم من الأخطار، فيتذرعون بعهود خيالية يستنبطونها للذود عن كيانهم والحفاظ على دينهم وتقاليدهم". [الأب ألبير أبونا، تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية، الجزء الثاني، من مجيء الإسلام حتى نهاية العصر العباسي، ط2، دار المشرق-بيروت 2002، ص54-57.]

 

ثانيا. الحصول على اعتراف خطي (عهد) من الخليفة يتضمن حقهم في إدارة كنائسهم وأديرتهم، وحق ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية دون التعرض إليهم على أن يكون البطريرك ممثلاً لهم و مسؤولاً عنهم أمام الخليفة. وهذا الأسلوب كان مريحاً للخلفاء المسلمين الذين تخلصوا من مشاكل المسيحيين وطلباتهم وتم حصرها بشخص البطريرك. ومن الجانب المسيحي فقد كان هذا سلاح ذو حدين، فمن جهة يؤمن حماية المسيحيين وكنائسهم من المسلمين، ومن جهة أخرى يضمن خضوع المسيحيين لسلطة البطريرك وهيمنته باعتباره وكيلاً للخليفة، ومن أمثلة تلك العهود، عهد الخليفة العباسي المقتفي لإمر الله للبطريرك النسطوري عبد يشوع عهداً بذلك في عام 1138 م، لا سيما وأن هناك العديد من البطاركة الذين ارتبطوا بصداقات شخصية مع خلفاء معينين ولعبوا أدواراً تاريخية متميزة، مثل البطريرك طيمثاوس الأول الذي جمعته صداقة مع الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، ومن جانب آخر كان لبعض البطاركة دورا غير محموداً في تسهيل مهمة الفاتحين والغزاة، مثل البطريرك مكيخا الثاني الذي لعب دورا في تسهيل سقوط بغداد بيد هولاكو عام 1258م من خلال استغلال التقارب مع زوجة هولاكو المسيحية النسطورية دقوز خاتون.

وقد استمر اقرار خلفاء المسلمين لشرعية منصب البطريرك حتى عهد الخلافة العثمانية التي استمرت في حكم المنطقة أكثر من 700 عام، من خلال منحهم وثيقة رسمية بختم الخليفة تتضمن تثبيت البطريرك في منصبه وتقر له بجملة من الحقوق والامتيازات والمسؤوليات.

ففي ظل الدولة العثمانية، ونظراً لكونها دولة دينية قائمة اساساً على الشريعة الإسلامية، فقد كان لكلّ ملّة مسيحيّة رئيسها الديني وهو البطريرك الذي أعتبر كفيلا لضمان تنفيذ رعيته لشروط أهل الذمة، وفي مقدمتها دفع الجزية. وكانت الأحوال الشخصية للمسيحي تحدّد بصفته عضواً في الكنيسة التي ينتمي إليها، وليس بانتمائه للدولة. وبحلول القرن السادس عشر أتم العثمانيون سيطرتهم على المنطقة وبالرغم من عدم الاعتراف بكنيسة المشرق والكنيسة السريانية الأرثوذكسية كملل رسمية إلا أنهم غالبا ما مثّلوا في الباب العالي عن طريق الأرمن الذين حازوا على هذا الحق. [آشوريون/سريان/كلدان، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.]

وقد "تم تنظيم الرعايا غير المسلمين وفقاً للنظام الإداري العثماني في هياكل شبه مستقلة تُسمّى "ملل" Millets تحل محل السلطة المباشرة لحكومة السلطان وتُمثل بؤرة التمركز الاجتماعي.  واعترف العثمانيون بملّة الأرمن الأرثوذكس في عام 1461. كما  إعترف السلطان العثماني للملل المسيحية الدينيّة الاخرى في القرن التاسع عشر، فأعترف بملّة النساطرة (كنيسة المشرق القديمة) وبطريركها عام 1844. ثم أعترف بملّة الكنيسة الكلدانية عام 1861.

وإعتبر السلطان العثماني البطريرك المسكوني مسؤولا عن ملّتة المسيحية، فأصدر براءة ضمّن فيها إحترام البطريرك، وإمتداد سلطته لتشمل الرؤساء الدينيين الخاضعين له. كما خوّله سلطات زمنية على أبناء الملّة المسيحية.  وهذا أخطر ما في الموضوع، وسيكون لاحقاً وبالاً على البطريرك والكنيسة وأتباعهما معاً. كما إعتبره مسؤولاً عن تصرفات أتباعه، وحاسبه عليها بشدّة. والواقع إن هذه السلطات الزمنية كانت إدارية أكثر منها سياسية. وحتى بعد سقوط الخلافة والدولة العثمانية، لم يكف البطريرك الآشوري مار شمعون إيشاي من المطالبة بالسلطتين الدينية والدنيوية للبطريرك في عريضة مطالبهم المقدمة للمندوب السامي البريطاني السر هنري همفريز بعد اجتماع سرعمادية في 15و16 حزيران عام 1932، حيث نصت الفقرة الرابعة (على العراق الاعتراف بالسلطتين الزمنية والدينية للمار شمعون). [رياض ناجي الحيدري، الأثوريون في العراق 1918-1936، ط1، القاهرة، 1977، ص271.] وهذا ما قاد إلى مذبحة سميل بحق الأثوريين عام 1933، بعد رفض الحكومة العراقية تلك المطالب.

 

-    السند القانوني للطوائف المسيحية في العراق

في عام 1921 أقيم الحكم الملكي لدولة العراق الحديث، وزال -على الأقل من الناحية النظرية- حكم الدولة الدينية الإسلامية ليسود الحكم المدني المستند إلى القانون. ومن الناحية القانونية، فإن القانون العراقي قد أعترف بأربعة عشر طائفة مسيحية في العراق وفقاً لنظام ملحق نظام رعاية الطوائف الدينية، والطوائف الدينية المعترف بها رسميا في العراق رقم 32 لسنة 1981، هي: -

1 – طائفة الكلدان

2 – الطائفة الاتورية

3 – الطائفة الاثورية الجاثيليقية

4 – طائفة السريان الارثوذكس

5 – طائفة السريان الكاثوليك

6 – طائفة الارمن الارثوذكس

7 – طائفة الأرمن الكاثوليك

8 – طائفة الروم الأرثوذكس

9 – طائفة الروم الكاثوليك

10 – طائفة اللاتين

11 – الطائفة البروتستانتية والإنجيلية الوطنية

12 – الطائفة الإنجيلية البروتستانتية الأثورية

13 – طائفة الأدفنتست السبتيين

14   – الطائفة القبطية الأرثوذكسية

[نظام ملحق نظام رعاية الطوائف الدينية، الطوائف الدينية المعترف بها رسميا في العراق رقم 32 لسنة 1981. مما يشير إلى أن الإنقسام بين مسيحيي العراق كبير جداً. وقد أورد القانون ثلاث طوائف أخرى موحدة، وهي: 15 – طائفة الأمويين اليزيدية. 16 – طائفة الصابئة. 17 – الطائفة اليهودية.]

 

-    مضمون إعتراف السلطة السياسية بالبطريرك

سبق الذكر بأن حتى تلك العهود هو عهد الخليفة المقتفي لإمر الله للبطريرك النسطوري عبد يشوع في عام 1138م، والذي نقتطع منه هذا الجزء المهم الذي يبين مضمون العهد وأثاره في حياة البطريرك والمسيحيين، جاء فيه:

" ولما أنهيت حالك إلى أمير المؤمنين، وأنك أمثل أهل نِحلَتك طريقةً، وأقريهم إلى الصَلاح مذهباً وخليقة، وأحواهم للخِلال التي إجتمعوا على تَميُّزك بها عنهم، وإنفرادك: وإستحقاقك للإسعاف من بينهم بمأمولك ومرادك، وكونك حالياً بشروط الجثلقة المتعارفة عندهم بأدواتها، مشهوداً لك بنعوتها الكاملة وصفاتها، وحضر جماعة من النصارى الذين يُرجَع إليهم في استعلام سيرة أمثالك، وإستطلاع انباء مضارعيك وأشكالِك، وذكروا إنهم تصَفَحوا أحوالك ذوي الديانات فيهم، وإستثبتوا باديهم منها وخافيهم، بحكم مساس حاجتهم إلى جاثليق ينظر في أمورهم، ويراعي مصالح جمهورهم، فإتفقوا بأجتماعٍ من آرائهم، وإلتئام قلوبهم وأهوائهم، على إختيارك لرئاسةِ دينهم، ومراعاة شؤونهم، وتدبير وقُوفِهم، والتسوية في عدل الوساطة بين قويّهم وضعيفهم، وسألوا إمضاء نصّهم عليك بالإذن الذي به تُستَقرى قواعدُهُ، وتَصدُق مواعده، وتستحكم مبانيه وتقوّي أواخيه، فأوعز بإسعافهم في ما سألوه بالإيجاب، وإلحافِهم فيما طَلبوه جَناحَ الأطلاب، وبرّز الأذن الأمامي الأشرف، لا زالت أوامره بالتوفيق مَعضُودة، بترتيبك جاثليقاً لنسطور النصارى بمدينة السلام، ومَن تَضمّه منهم ديار الإسلام، وزعيماً لهم ولِمَن عَداهم من الروم واليعاقبة والملكية في جميع البلاد، وكل حاضِرٍ من هذه الطوائف وبَادٍ، وإنفرادك عن كافة أهل نحلتك، بتقمص أهْبة الجثلقة المتعارفة في أماكن صلواتكم، ومجامع عباداتِكُم، غير مشاركٍ في هذا اللباس، ولا مُسوَّغ في التحلي به لمطرانٍ أو أسقفٍ أو شماس، حَطّا لهم عن رتبتك، ووقوفاً بهم دون محلِّك الذي خُصِصتَ به  ومنزلتك، وإن وَلجَ أحد من المذكورين باب المجاذبة لك والخلاف، ورَاعَ سِربَ المتابعة لك وأخاف، وأبى النزول على حُكمِكَ، وعدَلَ إلى حَربك عن سِلمك، كانت المقابلة به لاحقة، والعقوبة به على شقاقه حائقة، حتى تعتدل قناته، وتلين بالقَرع صفاته، ويزدجر أمثاله عن مثل مَقامِه، وينحرِس قانونُك مما يقدَح في نظامه.

وأمر بحملك على مُقتَضى الأمثلة الأماميةِ في حق من تَقَدّمك من الجثالقة وسبقَك، وإجراء أمركَ عليه ومن تلاك منهم ولحِقَك، والحياطة لك ولأهل ملّتِك في الأنفس والأموال، والحراسة الكافلة لكم بصلاح الأحوال، وإتباع العادة المستّمرة في مواراة أمواتكم، وحماية بِيَعِكم ودياراتكم، والعمل في ذلك على الشاكلة التي عملَ بها الخلفاء الراشدون مع من قبلكم، وَرعى بها الأئمة السابقون رضوان الله عليهم عَهدَكم وإلَّكم. وأن يقتصر في إستيفاء الجزية على تناولها من العقلاء الواجدين من رجالكم دون النساء ومَن لم يبلغ الحُلُم من أطفالكم، ويكون إستيفاؤها واحدة في كل سنة، من غير عدولٍ في قبضها عن قضية الشرع المستحسنة. وفُسحِ في الجاثليق أن يتوسط طوائف النصارى في محاكماتهم، فيأخذ النّصفَ من القوي للمستضعف، ويقود إلى الحق مَن مَال إلى القسط والجنف، وينظر في وُقوفهم نظراً يقوم بحقوق الأمانة وأشراطها، ويمضي على واضح حدودها وسويّ سِراطها، فقابلْ هذا الإنعام الذي شمَلَك، وحقق مُنَاك، فيما ناجتك نفسك وأمَّلَكَ، بدعاءٍ يُنبي عن الإعتراف وَيُعْرِب، ويبدع في الإخلاص ويُغرب. وسبيل كافة المطارنة والقسيسين والأساقفة من الطوائف المذكورة أن يحتذوا المأمور به في هذا المثال، ويتلقَّوهُ بالإنقياد والإمتثال، إن شاء الله." [أبن حمدون، التذكرة الحمدونية، تحقيق إحسان عباس وبكر عباس، المجلد الثالث، ط 1، بيروت 1996، ص 364-368.]

 

-    مضمون قرار سحب منصب البطريرك

جاء قرار سحب منصب البطريرك عن بطريرك الكلدان لويس ساكو مختصراً، حيث تضمن ثلاث فقرات مقتضبة، كما خلا المرسوم الجمهوري من الأسباب الموجبة لصدوره، كما هو معتاد في كل القوانين، خاصة وأن المراسيم الجمهورية لها قوة القانون.

فقد نصت الفقرة الأولى من المرسوم المذكور على ما يلي: (أولا: سحب المرسوم الجمهوري رقم(147) لسنة 2013.

وبالرجوع إلى المرسوم الجمهوري المذكور أعلاه يتضح بأن المقصود به هو المرسوم الخاص بتعيين البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالم و متولياً على أوقافها بعد المصادقة عليه من قبل فخامة رئيس الجمهورية، الذي تم تبليغه إلى جميع الجهات ذات العلاقة بكتاب ديوان رئاسة الجمهورية المرقم ذ.و/ر/40/2202 في 15-7-2013م. وهذه أخطر فقرات هذا القرار والتي تلغي تعيين البطريرك لويس ساكو بطريركا على الكلدان و متولياً على أوقافها.

أما الفقرة الثانية من المرسوم فتنص على ما يلي: (على الجهات ذات العلاقة تنفيذ هذا المرسوم). والقصد من هذه الفقرة هو إلزام الجهات الرسمية بعدم التعامل فيما بعد مع لويس ساكو باعتباره بطريركاً على الكلدان في العراق فقط، باعتبار أن المراسيم الجمهورية العراقية لا تسري خارج حدود دولة العراق ولا تلزم الدول الأخرى.

في حين جاءت الفقرة الثالثة من المرسوم المذكور، وهي فقرة شكلية معتادة في ختام كل القوانين والتي تنص على أن بداية تنفيذ هذا المرسوم تكون من تاريخ صدوره ونشره في الجريدة الرسمية، وهي الوقائع العراقية.

 

-    الأبعاد القانونية لقرار سحب منصب البطريرك

وبعد عرض مضمون المرسوم المذكور، يحق لنا أن نتساءل عن الأبعاد والأثار القانونية لهذا المرسوم. ومن الناحية القانونية فإن قرار تعيين رئيس طائفة دينية هو من قبيل الاعتراف والإقرار لهذه الطائفة بالشخصية القانونية المعنوية التي تخولها القيام بكافة التصرفات القانونية للأشخاص المعنوية المماثلة والتي تتضمن ما يلي:-

1.   يكون لها ذمة مالية مستقلة عن ذمة الأفراد المؤسسين لها. وتعتبر أموال الشخص المعنوي العام من الأموال العامة التي تحظى بالحماية المقررة قانونا للمال العام.

2.   تتمتع بالأهلية القانونية التي تمكنها من اكتساب و الحقوق وتحمل الالتزامات للقيام بكافة التصرفات مثل البيع والشراء.

3.   تتمتع بحق التقاضي وإقامة الدعاوى لمقاضاة الغير باسم الطائفة وتمثيلها لدى المحاكم المختلفة.

4.   يكون للشخص المعنوي موطن ومقر مستقل عن موطن الأشخاص المكونين له أو القائمين على إدارته وهو عادة مركز إدارة هذه الطائفة.

5.   تتمتع الشخصية المعنوية امتيازات السلطة العامة التي يقررها القانون وتعتبر قراراتها قرارات إدارية يجوز تنفيذها جبراً دون اللجوء إلى القضاء.

6.   يتحمل الشخص المعنوي المسؤولية القانونية عن أفعاله الضارة التي قد يتسبب بها للغير.

7.   يعد موظفو الأشخاص المعنوية العامة موظفين عامين ويرتبطون بعلاقة مع الشخص المعنوي ويخضعون لنظام خاص لموظفيها ولوائح خاصة بتأديبهم، ويجوز مقاضاتهم إضافة إلى وظيفتهم.

8.   تخضع الشخصية المعنوية لنظام الوسائل الإدارية وليس تمارسها السلطة المركزية في الدولة لضمان احترامها للقوانين وعدم تجاوزها للغرض الذي أنشئت من أجله، و لتقيدها بالحدود المرسومة لها قانونا.

9.   تخضع الشخصية المعنوية للقضاء الإداري في المنازعات الناشئة عن ممارسة الشخص المعنوي العام لنشاطه المحدد قانونا.

 

هذه هي أهم الحقوق والمزايا والمسؤوليات والواجبات التي يمنحها القانون للشخصية المعنوية، وبمجرد سحب أو إلغاء الاعتراف أو الإقرار لهذه الجهة بالشخصية المعنوية من قبل السلطة التي منحتها تلك الشخصية، فإن كل هذه الحقوق والمزايا تزول منها ولا تعد تتمتع بها وبالتالي لا يمكن للأفراد المكونين لها القيام بأي تصرف قانوني باسم هذه الجهة ولا يحق لها القيام بأي عملية بيع أو شراء أو تلقي الأموال أو إصدار القرارات ضمن حدود السلطة الممنوحة لتلك الشخصية الملغاة. وفي الحالة مثار البحث، فقد أصبح من المتعذر على السيد لويس ساكو القيام بأي تصرف باسم الطائفة الكلدانية باعتبار أن القانون العراقي لا يعتبره بطريرك على طائفة بابل على الكلدان في العراق على الأقل. وفي حالة قيامه بأي تصرف قانوني باسم طائفة الكلدان في العراق فإنه يعد منتحلا لهذه الصفة التي سحبت منه، ويجوز مقاضاته أمام المحاكم العراقية. ولا يشفع والحالة هذه، البيان الذي اصدره رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد يوم الجمعة الماضي 7-7-2023م في توضيحه حول قرار صح بالمرسوم الجمهوري بقوله: إن "سحب المرسوم ليس من شأنه المساس بالوضع الديني أو القانوني للكاردينال لويس ساكو كونه معينا من قبل الكرسي البابوي بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم".

وفي التحليل القانوني لتصريح رئيس الجمهورية المذكور أعلاه، يتضح لنا إن رئيس الجمهورية يدرك تماما الآثار القانونية لقراره المذكور أعلاه، و يتلاعب بالألفاظ بطريقة مراوغة، حيث يرى أن لويس ساكو يبقى كاردينالاً ولم يقل بطريركاً، لأن الكاردينال منصب كنسي منحه بابا الفاتيكان إلى لويس ساكو، بينما منصب البطريرك هو منصب داخلي خاص بالطائفة الكلدانية في العراق. وربما كان هذا رداً من رئيس الجمهورية على البطريرك وأتباعه بأن منصبه قد منح له من الكرسي البابوي وبالتالي لا يجوز نزعه منه، وقد فات البطريرك ورئيس الجمهورية كذلك بأن أي منصب يمنحه في الخارج يجب أن يحظى بمصادقة من الداخل لكي يستطيع ممارسة العمل وفقا لهذا المنصب، على غرار عمل المنظمات الدولية الأجنبية التي تتأسس في الخارج ولكنها تحتاج إلى موافقة السلطات الوطنية في الدول التي تنوي العمل فيها، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها، وتكون هذه الموافقة على شكل مذكرة تفاهم بين وزارة خارجية الدولة المعنية والمنظمة المذكورة ويجري للمصادقة عليها ثم نشرها في الجريدة الرسمية. وعلى غرار ذلك في القانون الداخلي، فقد نظم القانون أسلوب تسجيل الشركات وفق قانون الشركات ولدى مسجل الشركات، كما نظم طريقة تسجيل الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وغيرها. والإدارة ملزمة بالتسجيل والإقرار لها بالشخصية القانونية متى ما أستوفت الشروط المطلوبة قانوناً.

 

-    التأثيرات السياسية لقرار سحب منصب البطريرك

والحقيقة الواضحة وضوح الشمس إن المرسوم الجمهوري الخاص بسحب منصب البطريرك من لويس ساكو بطريرك الكلدان في العراق إنما هو قرار سياسي بامتياز لا سيما وإن البطريرك ساكو قد مارس دورا سياسيا منذ الغزو الأمريكي للعراق في نيسان 2003، (وقد أشرنا إلى ذلك شخصيا في كتابنا الدور السياسي للبطريرك مصادر في كاليفورنيا عام 2020)، وكانت له مساجلات سياسية وصلت إلى حد الصراع السياسي بما خلق له خصوم سياسيين عديدين، وبالأخص مع الجناح السياسي المسيحي الموالي لإيران و المعروف بحركة بابليون وهي إحدى فصائل الحشد الشعبي والذي يتزعمه ريان الكلداني. ويتضح ذلك جلياً من أول ردة فعل صادرة عن بابليون يوم الإثنين الماضي 9-7-2023م والتي عدت إجراء رئيس الجمهورية الأخير بسحب المرسوم الجمهوري(147) بأنه "قانونياً".

وذكر بيان صادر عن بابليون، ورد لـ السومرية نيوز، "حجة التولية، أو المرسوم، هي إجراءات ادارية ومُخلفات لأنظمة سياسية واجتماعية كانت تتعامل مع البطاركة رؤساء لطوائفهم ليُمثلها في شؤونها لدى الولاة والحُكام، ومن أجل جمع الجزية من ابناء الطائفة لصالح بيت المال او لولي الأمر".

 

وأضاف، "ان النص المذكور لا يتوافق مع الدستور العراقي والذي ينصَّ في المادة (١٤) على ان "العراقيون متساوون امام القانون من دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي"، كما نصت المادة (٤١) على أن "العراقيون احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية حسب ديانتهم أو مذهبهم أو معتقداتهم او اختياراتهم وينظم ذلك بقانون"، وأكدت المادة (٤٣) اولا من الدستور على أن "اتباع كل دين أو مذهب احرار في: أ. ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية. ب. إدارة الاوقاف وشؤونها ومؤسساتها، وينظم ذلك بقانون".

 

وتابع البيان: "لذلك ان اجراء رئيس الجمهورية الاخير بسحب المرسوم الجمهوري 147 هو اجراء صحيح وقانوني. وعليه، سنعمل نحن نواب كتلة بابليون مع رؤساء الكنائس المسيحية على تشريع قانون الاحوال الشخصية الذي سيضمن حقوقنا المشروعة دستوريا بعد تضمينها في المنهاج الوزاري، كما وسنعمل على تشريع قانون ادارة الاوقاف والمؤسسات الدينية المسيحية بما يكفل كرامة رؤساء الطوائف المسيحية، كونهم المتولين شرعاً ادارة الاوقاف والسهر عليها وحمايتها، وانهاء كل الاجراءات الغير القانونية التي تُعارض حقوقنا الدستورية كعراقيين".

ودعا، رؤساء الطوائف المسيحية "للتعاون من أجل الاسراع في تشريع هذه القوانين".

 

وهذا يدعم الاستنتاج الوارد في تحليلنا القانوني في أعلاه، بأن هذا المرسوم هو ثمرة صراع سياسي بين البطريرك ساكو وجناح ريان الكلداني الموالي لإيران، وهو صراع سياسي على السلطة وعلى من يتولى إدارة شؤون المسيحيين في العراق. و وقد سبق إن حذرنا شخصياً من خطورة ذلك الصراع ونتائجه الكارثية لاحقاً، وقد نشرنا ذلك في عدة مقالات منها المقالات التالية:-

I.    مسيحيو العراق ... البيت المنقسم على ذاته، موقع الحوار المتمدن-العدد: 5453 - 2017/3/7.

II.   مَنْ يُمثّل مسيحيي العراق؟، موقع الحوار المتمدن-العدد: 5577 - 2017/7/10.

III.   مسيحيّو العراق والإنتخابات القادمة، موقع الحوار المتمدن-العدد: 5769 - 2018/1/27.

 

كما ذكر هذا الاتهام صراحة في التصريح الصحفي الصادر عن هيئة علماء المسلمين في العراق بشأن التدخل الحكومي السافر في شؤون الكنيسة الكلدانية وصادر في 12 سبعة 2023 والذي جاء فيه: (وقد جاء هذا القرار بعد الخلافات بين البطريرك (لويس ساكو) من جهة (وريان الكلداني) زعيم مليشيا بابليون المسيحي المتهم بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية في مناطق سهل نينوى، وهي إحدى الميليشيات المنضوية في الحشد الشعبي، والمتهمة من قبل البطريرك والطائفة المسيحية في العراق بسرقة أملاك المسيحيين وتشريدهم).

 

إن تهيئة ووتحضير كتلة معينة لتمثيل مسيحيي العراق في الإنتخابات القادمة، يتطلب بالتأكيد ضرب وإبعاد باقي الكتل والمجموعات المتنافسة الأخرى، ويبدو ذلك واضحاً في تصريح رئيس الجمهورية سالف الذكر، بقوله: أنّ "سحب المرسوم جاء لتصحيح وضع دستوري إذ صدر المرسوم رقم (147) لسنة 2013 دون سند دستوري أو قانوني، فضلاً عن مطالبة رؤساء كنائس وطوائف أخرى بإصدار مراسيم جمهورية مماثلة ودون سند دستوري". وفي هذا إبعاد لبقية رؤساء الكنائس والطوائف الأخرى من أي منافسة سياسية مستقبلاً. ويدعم هذا الرأي تصريح نواب بابليون في البرلمان العراقي سالف الذكر، والذي جاء فيه: "حجة التولية، أو المرسوم، هي إجراءات ادارية ومُخلفات لأنظمة سياسية واجتماعية كانت تتعامل مع البطاركة رؤساء لطوائفهم ليُمثلها في شؤونها لدى الولاة والحُكام، ومن أجل جمع الجزية من ابناء الطائفة لصالح بيت المال او لولي الأمر". وعليه، سنعمل نحن نواب كتلة بابليون مع رؤساء الكنائس المسيحية على تشريع قانون الاحوال الشخصية الذي سيضمن حقوقنا المشروعة دستوريا بعد تضمينها في المنهاج الوزاري، كما وسنعمل على تشريع قانون ادارة الاوقاف والمؤسسات الدينية المسيحية بما يكفل كرامة رؤساء الطوائف المسيحية، كونهم المتولين شرعاً ادارة الاوقاف والسهر عليها وحمايتها، وانهاء كل الاجراءات الغير القانونية التي تُعارض حقوقنا الدستورية كعراقيين".

و أخيرأ، دعا، رؤساء الطوائف المسيحية "للتعاون من أجل الاسراع في تشريع هذه القوانين". أي بما معناه، إن السلطة تريد أن يبقى رؤساء الطوائف المسيحية ضمن حدود كنائسهم وإدارة أوقاف مؤسساتهم الدينية دون الخروج عليها بما يعد انتهاكا لحقوق العراقيين المسيحيين الدستورية في اختيار ممثليهم السياسيين. ولكون البطريرك الكلداني لويش ساكو أكثر المتدخلين في السياسة وساعين إلى ممارسة السلطة من غيره من رؤساء الطوائف المسيحية الأخرى لذا فإن المرسوم الجمهوري بسحب منصب البطريرك قد صدر بحق بطريرك الكلدان الحالي ساكو دون غيره، لأن البطاركة الآخرين، مثل بطريرك الآشوريين، أو بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة لا تتدخلون بالسياسة مثله، ولهذا لم تصدر رئاسة الجمهورية العراقية مراسيم جمهورية بشأنهم، بل اكتفت بعدم إصدار مراسيم تعينهم قطعا للطريق في أي مشاركة سياسية مستقبلية لهم في العراق.

 

-    ردود الأفعال على هذا المرسوم

لقد تباينت ردود الأفعال الصادرة عن مختلف الجهات المعنية بهذا القرار، وخاصة البطريركية الكلدانية، وهي الجهة المعنية بهذا المرسوم، إلا إن ردود أفعالها كانت متشنجة وغير مدروسة ولا تنسجم مع أبعاد هذا القرار.

فقد أصدرت البطريركية الكلدانية بيانا حول سحب المرسوم الجمهوري عن بطريرك الكلدان بتاريخ 9-7-2023م جاء فيه: هذا القرار غير مسبوق في تاريخ العراق. فمنذ الخلافة العباسية كان البطريرك يمنح براءة رسمية، و واستمر الأمر في العهد العثماني إذا كان (البطريرك) يمنح فرمانا ولنا نسخة منه تسمى "الطغراء" وهكذا في الزمن الملكي والجمهوري. وهذه الحجة كان يقول بها البطريرك الآشوري مار شمعون إيشاي عام 1932 في جداله مع أقطاب السلطة الملكية في العراق، وفي الوقت الذي كان هو أول من خرج على سلطة العثمانية عام 1919. و

ومن جهة أخرى، فقد كتب المعاون البطريركي في رسالة وجهها إلى رئيس الجمهورية بتاريخ 10-7-2023م قائلا: البطريرك ساكو، جبل لا يهزه ريح. كما تضمنت الرسالة مبالغات عديدة لا قيمة لها مثل: (إنه كاردينال العراق يعني أحد مساعدي قداسة البابا فرنسيس الذي يتبعه أكثر من مليار ونصف كاثوليكي بالعالم)، ولكن هل كل هؤلاء الكاثوليك يتبعون بطريرك الكلدان في العراق؟ في رأيي انها مبالغة جوفاء تضر ولا تنفع. وختم المعاون البطريركي رسالته قائلا: لأنه سيبقى هو البطريرك والكاردينال والمرجع الديني لكنيستنا وكلنا معه. الشيء الذي لا يفهمه المعاون البطريركي هو إنه اعتراف السلطة السياسية للطائفة الدينية ممثلة في رئيسها الديني إنما هو بقصد تسهيل كل المعاملات والتصرفات القانونية باسم هذه الطائفة، أما إيمان أشخاص معينين بهذا المرجع الديني إنما هو إيمان لا قيمة له على صعيد الواقع.

وأخيرا خاطب البطريرك ساكو فخامة رئيس الجمهورية برسالة مفتوحة نشرها على موقع البطريركية الكلدانية بتاريخ عشرة تموز 2023 و جاء فيها: (هذه الرسالة الثالثة التي أوجهها إلى فخامتكم، ومن دون الرد عليها ... إنكم أدرى مني بوجود مناصب هي من باب العرف وليس الدستور مثل المناصب الرئاسية ... فخامة الرئيس إني بخلاف سحب المرسوم سأرفع الى القضاء طعناً قانونياً). وأعتقد أن الطعن القانوني لن يجدي نفعاً، وين الحل السياسي هو الأكثر نجاعة، لأن المرسوم المذكور هو سياسي بامتياز. وللكنيسة سابقة في هذا المجال، فقد أصدر الرئيس المصري الأسبق أنور السادات قرارا بإعفاء البطريرك شنودة الثالث بابا الكنيسة القبطية وبطريرك الكرازة المرقسية من صلاحياته بعد رفضه لإتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1977، وتظاهر الأقباط ضد السادات اثناء زيارته للولايات المتحدة، فحدد السادات إقامته، وأفرج عنه الرئي وس الاحق حسني مبارك عام 1985.

ومن جانب أخر، وفي ردود افعال مناهضة، فقد ذهب آخرون من خصوم البطريرك ساكو، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى بيان اخطاء البطريرك ساكو حتى في معالجته لهذه الازمة، ففي مقال (مجرد رأي حول سحب المرسوم الجمهوري عن بطريرك الكلدان)، جاء فيه:

وهنا نتأكد بأن المرسوم الجمهوري الصادر في (2013) لم يكن سوى مجاملة غبطته وعدم معرفة مسبّقة بقوانين الدولة أي (ليس له غطاء دستوري او قانوني) وهذا يعني ان غبطته (لم يعيّن من قبل الدولة ولم يكن المسيحيين تحت معاملة “اهل الذمّة” ولم يكونوا يدفعون الجزية لبيت مال المسلمين وبذلك لم يكن هناك سند قانوني بتعيين الأسقف لويس ساكو بطريركاً على الكلدان).

كان يفترض منذ البداية ان لا يوافق غبطته على هكذا مرسوم يقلل من هيبته وهيبة المؤسسة بعد ان تطوّر حال المسيحيين من (اهل ذمة دافعي الجزية ومهمات “مذلّة” لبطريركهم “جامع ضرائب”) فلماذا يصر غبطته لإرجاعنا لتبعيّة (مذلّة) بعد ان تحررنا إلاّ اذا كان يعتبر ان هكذا مرسوم هو (فخراً شخصياً له) (انه يتصوّر ان هناك مجداً سيحصل عليه ليزيد من القابه) وليسمح له هكذا مرسوم في الدخول في الحياة السياسية للدولة العراقية وهذا ما لاحظته الدولة العراقية بمسؤوليها من تدخل سافر في حياتها السياسية كأخذ دور (وزير خارجية .. باستقبال وتوديع سفراء دول العالم في العراق الزيارات الدائمة لمسؤولي الدولة من وزراء ومديري مخابرات وأمن ورؤساء أحزاب وتنظيمات سياسية ومناقشة الوضع السياسي وكأنه “مستشار لرئيس الوزراء” كذلك تشييعه لدرجة الكاردينالية لى أساس انها تعادل درجة وزير في العراق وبدأ يمارس مهام وزير دولة في تعيين المستشارين ومنهم على سبيل المثال رئيس الرابطة الكلدانية السابق تم تعيينه كمستشار للكاظمي … الخ ).

 

-    خاتمة

إن الأزمة الحالية التي تمر بها كنيسة الكلدان في العراق هي نتيجة صراع سياسي على من يتولى شؤون المسيحيين ويمثلهم أمام السلطة العامة ويرعى شؤونهم، وقد إتخذ هذا الصراع طابعا شخصيا بين البطريرك الحالي ساكو، وريان الكلداني مسؤول حركة بابليون الموالية لإيران والموضوع على قائمة الإرهاب الأمريكية، وإن الغرض من إصدار هذا المرسوم الجمهوري، هو لتحجيم البطريرك ومنعه من لعب أي دور سياسي أو تقديم مرشحين مسيحيين للانتخابات المقبلة، كما أن القصد منه هو أن يتولى ريان الكلداني تمثيل المسيحيين وتقديم مرشحين موالين لإيران، وإطلاق يده في التصرف بأموال المسيحيين وعقاراتهم خاصة وأن الكثير منهم قد غادر البلاد وأصبح من المتعذر عودتهم إليها.

إي إن أفضل معالجة لهذه الأزمة الحالية هو اعتماد عناصر كفوءة وعلى قدر من التعليم العالي ومن المشهود لهم بالنزاهة وحسن التصرف للتدخل لحل هذه الأزمة بوعي وكياسة، وانتهاج الدبلوماسية وعدم إطلاق التصريحات المتشنجة التي تعقد الموقف ولا تحله.

د. رياض السندي - كاليفورنيا

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.