اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الأوهام التلمودية تستبد بعقول الساسة الدولين!// د. ادم عربي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ادم عربي

 

عرض صفحة الكاتب 

الأوهام التلمودية تستبد بعقول الساسة الدولين!

د. ادم عربي

 

" فلسطين ليست أرضا للسماء.. ليست لليهودية، ولو وجدت فيها أماكن يهودية، وﻻ للمسيحية، وإن ضمت أماكن مسيحية، وليست للإسلام، وإن ضمت أماكن إسلامية.. إنها للعرب؛ إنها للفلسطينيين الكنعانيين منذ الالف السنين."

 

فِي إِحْدَى الْمنَاسِبَاتِ، تَحَدَّثَ نِتَنْيَاهُو أَمَامَ الْكُونْغِرِسِ أَوِ بالأحرى امْتَطَى الْكُونْغِرِسَ، مُخَاطِبًا مُمَثِّلِينَ عَنْ شَعْبٍ مَرْمُوقٍ وَعَظِيمٍ، وَمَعَ ذَلِكَ، بَدَا أَنَّ هَؤُلَاءِ بِتَصْفِيقِهِمُ الْمُبَالَغَ فِيهِ وَتَأْيِيدِهِمُ الْأَعْمَى، يَنْقُصُهُمُ الْإِلْمَامُ بِالْقِيَمِ وَالْمَبَادِئِ الْفِكْرِيَّةِ الَّتِي يَتَطَلَّبُهَا عَصْرُنَا الْحَدِيثُ، وَكَأَنَّ الْخُرَافَاتِ الْقَدِيمَةِ قَدْ وَجَدَتْ مَوْطِئَ قَدَمٍ بَيْنَهُمْ وَفِي مَقْرِهِمْ، أَتَذَكَّرُ أَنَّنِي وَجَّهْتُ الْحَدِيثَ إِلَيْهِ قَائِلًا: سيِّد نِتَنْيَاهُو، أُبَارِكُ لَكَ؛ فَقَدْ أَظْهَرْتَ مَهَارَةً فِي الْخِطَابَةِ، وَلَكِنَّ، أَمَامَ مَنْ؟ أَمَامَ أَشْخَاصٍ يَمِيلُونَ فِي تَفْكِيرِهِمْ أَكْثَرَ نَحْوَ الطُّقُوسِ الدِّينِيَّةِ مِنَ النَّهْجِ السِّيَاسِيِّ، ذَوِي قُلُوبٍ رَحْبَةٍ لَكِنْ بِآفَاقٍ مَحْدُودَةٍ، وَلَا يَمْتَلِكُونَ الْعِلْمَ الْكَافِيَ لِتَجَنُّبِ الِانْسِيَاقِ وَرَاءَ الْخُرَافَاتِ الدِّينِيَّةِ كَحَقَائِقَ مُطْلَقَةٍ، أَتَيْتَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّلًا بِكُتُبِكَ وَأَسْفَارِكَ؛ وَمِنْ بَيْنِهَا اِخْتَرْتَ "سِفْرَ التَّكْوِينِ" لِتَقْرَأَهُ لَهُمْ؛ إِذْ تُعْتَبَرُ قِصَّةَ الْخَلْقِ الْإِلَهِيِّ لِإِسْرَائِيلَ الْفَصْلَ الْأَخِيرَ مِنَ الْقِصَّةِ الْكُبْرَى، قِصَّةَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَسَبَ التَّوْرَاةِ.

 

عَلَى الْمِيَاهِ كَانَ مَجْلِسُهُ......، وَمِن ثُمَّ، وَبَعْدَ ذَلِكَ، أَتَى الظُّهُورُ؛ فَقَدْ تَجَلَّى الْإِلَهُ لِقَائِدِ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مُخَاطِبًا إِيَّاهُ: "إِلَى ذُرِّيَّتِكَ أَمْنَحُ هَذِهِ الْأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْعَظِيمِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ"، سيِّد نِتَنْيَاهُو، لَا أَطْلُبُ مِنْكَ (فَأَنَا لَا أَنْتَمِي لِأَبْنَاءِ الْخَيَالِ) أَنْ تُؤْمِنَ بِأَنَّ مَجْمُوعَ وَاحِدٍ وَوَاحِدٍ يُسَاوِي اثْنَيْنِ، لَا قِرْدًا، فَأَنْتَ (وَمَعَكَ دَوْلَتُكَ، الدَّوْلَةُ الْمُبَارَكَةُ إِلَهِيًّا) لَدَيْكَ مِنَ الْمَصَالِحِ (الْوَاقِعِيَّةِ لَا الْخَيَالِيَّةِ) مَا قَدْ يَدْفَعُكَ لِمُعَادَاةِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ الْبَسِيطَةِ إِذَا مَا تَعَارَضَتْ مَعَهَك ومع مصالحك؛ لَكِنِّي أَدْعُوكَ فَقَطْ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى هَذَا الْأَسَاسِ لِـرَوَايَتِكَ التَّارِيخِيَّةِ الَّتِي أُشْهِدْتُ لِـلتَّارِيخِ بِأَنَّهَا رَوَايَةٌ صَحِيحَةٌ وَمَوْثُوقَةٌ بِلَا شَائِبَةٍ.

 

لَوْ طُرِحَ عَلَيْكَ السُّؤَالُ، يَا سَيِّدَ نِتَنْيَاهُو، حَوْلَ مَشْرُوعِيَّةِ دَوْلَةِ إِسْرَائِيلَ، لَكُنْتَ قَدْ أَجَبْتَ بِبَسَاطَةٍ بِأَنَّ السَّمَاءَ كَانَتِ الْمَصْدَرَ الْأَوَّلَ لِهَذِهِ الْمَشْرُوعِيَّةِ؛ فَالْوَعْدُ الْإِلَهِيُّ كَانَ الْبِدَايَةَ؛ يَلِيهِ وَعْدُ بَلْفُورَ، ثُمَّ تَلَاهُ قَرَارُ الْأُمَمِ الْمُتَّحِدَةِ.

 

خِطَابُ الرَّبِّ يُعْتَبَرُ اللَّبِنَةَ الْأُولَى فِي أَسَاسِ رَوَايَتِكَ التَّارِيخِيَّةِ الَّتِي تَجِدُ صَدًى لَدَى السُّذَّجِ فِي الْقَرْنِ الْوَاحِدِ وَالْعِشْرِينَ؛ وَأَنَا بِدَوْرِي أَدْعُوكَ إِلَى الِاسْتِمَاعِ لِـرَوَايَتِي الْبَدِيلَةِ بِقَلْبٍ رَحْبٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُسْتَحِيلَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ هُوَ أَنْ تَتَّسِعَ آفَاقُكَ لِتَقْبَلَهَا.

 

عِنْدَمَا تحَكِّي لَنَا، يَا سَيِّدَ نِتَنْيَاهُو، بِأَسْلُوبٍ يُوحِي كَأَنَّنَا لَا نَفْقَهُ، عَنِ السَّمَاءِ وَأَرْضِ الْمَوْعُودَةِ، يَبْدُو أَنَّكَ تَفْتَقِرُ إِلَى مَبْدَأِ الشَّكِّ الدِّيكَارْتِيِّ؛ فَلْنَفْتَرِضْ لِلَحْظَةٍ (وَأَقُولُ لِنَفْتَرِضْ عَلَّ التَّزَامَكَ بِهَذَا الْمَبْدَأِ يَقُودُكَ إِلَى بَعْضِ الْيَقِينِ) أَنَّ الْإِلَهَ الَّذِي تَجَلَّى لِقَائِدِ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَعْطَاهُ وَعْدًا، كَانَ مِثْلَ الْعَنْقَاءِ أَوِ الْغُولِ أَوِ الصَّدِيقِ الْوَفِيِّ، مِنْ حَيْثُ الْوُجُودِ، وَأَنَّ زَعِيمَكُمُ الْقَبَلِيَّ الْمُحْتَرَمَ كَانَ مُحْتَالًا، صَاغَ لَكُمْ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُسْتَعِيرًا بَعْضَ جَوَانِبِهَا مِنْ أَسَاطِيرِ شُعُوبٍ أُخْرَى؛ فَهَلْ سَتَبْقَى، حِينَهَا، مُتَمَسِّكًا بِإِيمَانِكَ الْعَمِيقِ وَغَيْرِ الْمُتَزَعْزِعِ بِالْوَعْدِ الْإِلَهِيِّ وَبِمَشْرُوعِيَّةِ إِسْرَائِيلَ الْمَزْعُومَةِ مِنَ السَّمَاءِ؟

 

يَا سَيِّدَ نِتَنْيَاهُو، حَتَّى إِنْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْمُتَفَكِّرِينَ وَالْحُكَمَاءِ، فَإِنَّ فِي تَجْرِبَةِ ابْنِ السَّمَاءِ جُورْجِ بُوشَ مَا يَجِبُ أَنْ يُسَاعِدَكَ عَلَى فَكِّ الْأَحْجِيَّةِ؛ فَالشَّخْصِيَّةُ الَّتِي تَجَلَّتْ لِأَسْلَافِكُمُ الْقَبَلِيِّينَ لَمْ تَظْهَرْ حَقًّا، وَلَمْ تَتَحَدَّثْ أَوْ تَعِدْ بِشَيْءٍ؛ لِذَا، ابْحَثْ عَنِ الْحَقِيقَةِ فِي آثَارِهِمْ، إِنِ اسْتَطَعْتَ؛ وَسَتَجِدُ أَنَّ الْوَعْدَ مِثْلُ عِهْنٍ مَنْفُوشٍ، إِذَا اكْتَشَفْتَ أَنَّ زَعِيمَكُمُ الْمَوْعُودَ هُوَ نَفْسُهُ الْوَاعِدُ، يَا سَيِّدَ نِتَنْيَاهُو، لَقَدْ أَمْتَعْتَ مُسْتَمِعِيكَ بِحَدِيثِكَ عَنْ أَرْضِ الْمِيعَادِ وَوَطَنِ الْأَجْدَادِ وَالْوَطَنِ الْقَوْمِيِّ التَّارِيخِيِّ لِلشَّعْبِ الْيَهُودِيِّ، وَعَنِ التَّنَازُلِ الْمُؤْلِمِ عَنْ جُزْءٍ مِنْ هَذَا الْوَطَنِ لِلشَّعْبِ الْفِلِسْطِينِيِّ، وَعَنِ التَّارِيخِ الْمَغْلُوطِ وَغَيْرِ الْمَغْلُوطِ، وَعَنِ الشَّعْبِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مُحْتَلًّا أَجْنَبِيًّا كَالْبَرِيطَانِيِّينَ فِي الْهِنْدِ أَوِ الْبَلْجِيكِيِّينَ فِي الْكُونْغُو؛ وَلَكِنَّ، عُدْ إِلَى أَسْطُورَةِ الْوَعْدِ وَأَرْضِ الْمِيعَادِ، وَفَكِّرْ فِيهَا جَيِّدًا.

 

أَيْنَ كَانَ أَسْلاَفُكُمُ الْقُدَمَاءُ، قَادَةُ قَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَيْنَ كَانُوا هُمْ أَيْضًا، عِنْدَمَا تَجَلَّى الْإِلَهُ لَهُمْ، كَمَا وَرَدَ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ، مُعْلِنًا لَهُمْ: إِلَى نَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ الْأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْعَظِيمِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ؟ لَمْ يَكُونُوا فِي فَلَسْطِينَ، حَيْثُ كَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ يَقْطُنُونَ هُنَاكَ، وَالَّتِي كَانَتْ، حَتَّى فِي كُتُبِكُمْ، تُعْرَفُ بِأَرْضِ كَنْعَانَ.

 

الْمَكَانُ الَّذِي يُعْتَقَدُ أَنَّ الْإِلَهَ قَدْ تَجَلَّى فِيهِ لِأَوَّلِ زُعَمَاءِكُمْ، وَوَعَدَهُ بِمَنْحِ أَرْضِ كَنْعَانَ، هُوَ الْمَوْطِنُ الْأَصْلِيُّ لِأَجْدَادِكُمْ حَسَبَ الرِّوَايَاتِ، هَذَا الزَّعِيمُ وَقَوْمُهُ لَمْ يَكُونُوا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ حِينَمَا تَلَقَّوْا الْوَعْدَ الْإِلَهِيَّ بِأَنْ تَصْبِحَ ملكًا لَهُمْ وَلِأَحْفَادِهِمْ، كَانُوا هُنَاكَ فِي مَوْطِنِهِمْ الْأَصْلِيِّ؛ بَيْنَمَا هُنَا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، كَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ هُمُ الْمَالِكُونَ الشَّرْعِيُّونَ، وَبِالتَّالِي، تُشْبِهُ الْعَلَاقَةُ بَيْنَ أَجْدَادِكُمْ وَأَرْضِ كَنْعَانَ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْبَرِيطَانِيِّينَ وَالْهِنْدِ، وَالْبَلْجِيكِيِّينَ وَالْكُونْغُو، مِنْ حَيْثُ الِاحْتِلَالُ، إِذَا تَمَّ التَّخَلِّي عَنِ الْأَفْكَارِ الدِّينِيَّةِ الْخُرَافِيَّةِ وَالسَّمَاحُ لِلْفِكْرِ الْوَاقِعِيِّ بِأَنْ يَسُودَ، فَسَتَعْتَرِفُ بِأَنَّ فَلَسْطِينَ كَانَتْ ملكًا لِلْكَنْعَانِيِّينَ وَلَيْسَتْ لِأَجْدَادِكُمْ؛ وَأَنَّ أَجْدَادَكُمْ قَدْ غَادَرُوا مَوْطِنَهُمْ الْأَصْلِيَّ وَأَتَوْا إِلَى فَلَسْطِينَ كَغُزَاةٍ، مُتَسَلَّحِينَ بِالْوَعْدِ الْإِلَهِيِّ.

 

يبدو أن نِتَنْيَاهُو قَدْ فَقَدَ الأَمَلَ فِي الجُهُودِ الشَّاقَّةِ الَّتِي قَامَ بِهَا عُلَمَاءُ الآثَارِ الإِسْرَائِيلِيُّونَ مُنْذُ سَيْطَرَةِ إِسْرَائِيلَ عَلَى الضَّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ وَالقُدْسِ الشَّرْقِيَّةِ لِإِثْبَاتِ وُجُودِ حَقٍّ دِينِيٍّ وَتَارِيخِيٍّ لِلشَّعْبِ اليَهُودِيِّ فِي أَرْضِ فَلَسْطِينَ، وَخَاصَّةً فِي العَاصِمَةِ الأَبَدِيَّةِ الْمُوَحَّدَةِ، وَأَنَّ النَّتَائِجَ قَدْ دَحَضَتِ الأَوْهَامَ التَّلْمُودِيَّةَ، حَيْثُ أَفَادَ عُلَمَاءُ آثَارٍ يَهُودٌ بَعْدَ التَّنْقِيبِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ بِحَيِّ سِلْوَانَ فِي القُدْسِ الشَّرْقِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَا يُشِيرُ إِلَى وُجُودِ قَصْرٍ لِدَاوُدَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي تَمَّ البَحْثُ فِيهِ، وَلَا يُوجَدُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دَاوُدَ عَرَفَ ذَلِكَ الْمَكَانَ أَوْ أَنَّ الْمَكَانَ عَرَفَهُ، وَمِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ العُلَمَاءِ، رَافَائِيلُ جْرِينْبِرْجُ مِنْ جَامِعَةِ تَلْ أَبِيبَ الَّذِي أَعْلَنَ "لَمْ نَعْثُرْ عَلَى شَيْءٍ"، وَالْبُرُوفِيسُورُ إِسْرَائِيلُ فِنْكِلْشْتَايْنُ مِنْ نَفْسِ الْجَامِعَةِ الَّذِي أَشَارَ إِلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُنَظَّمَاتِ اليَهُودِيَّةِ اليَمِينِيَّةِ الْمُتَطَرِّفَةِ مِثْلَ جَمْعِيَّةِ إِيلْعَادْ لَمْ تَجِدْ أَيَّ قِطْعَةٍ أَثَرِيَّةٍ تَعُودُ لِقَصْرِ النَّبِيِّ دَاوُدَ، وَالْبُرُوفِيسُورُ الْمُسْتَقِلُ يُونِي مِزْرَاحِي الَّذِي قَالَ: لَمْ نَجِدْ لَافِتَةً تَقُولُ ‘مَرْحَبًا بِكُمْ فِي قَصْرِ دَاوُدَ‘.

 

فِي كِتَابِهِ "التَّوْرَاةُ جَاءَتْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ"، يُقَدِّمُ الدُّكْتُورُ كَمَالُ الصَّلِيبِيِّ مَجْمُوعَةً مِنَ الْبُرَاهِينِ الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي تُشَكِّكُ فِي النَّظَرِيَّةِ الْقَائِلَةِ بِأَنَّ فِلَسْطِينَ هِيَ الْمَكَانُ الَّذِي شَهِدَ أَحْدَاثَ التَّوْرَاةِ ، وَيَرَى الصَّلِيبِيُّ أَنَّ السَّرْدَ التَّوْرَاتِيَّ لَا يُفْهَمُ حَقًّا إِلَّا إِذَا نُظِرَ إِلَيْهِ مِنْ خِلَالِ مَنْظُورٍ جغْرَافِيٍّ مُخْتَلِفٍ، وَهُوَ منْطِقَةُ الْحِجَازِ، الَّتِي يَعْتَبِرُهَا الْمَوْطِنَ الْأَصِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَصْدَرَ كِتَابِهِمُ الْمُقَدَّسِ، التَّوْرَاةِ.

 

أَحَدُ الْمُتَحَدِّثِينَ الْمُتَأَثِّرِينَ بِالْفِكْرِ التَّلْمُودِيِّ أَعْلَنَ أَنَّهُ لَا يَحِقُّ لِأَيِّ شَخْصٍ فِي الْعَالَمِ أَنْ يَتَسَاءَلَ عَنْ حَقِّ إِسْرَائِيلَ فِي بِنَاءِ الْمَنَازِلِ فِي الْقُدْسِ الشَّرْقِيَّةِ، مُعْتَبِرًا إِيَّاهَا عَاصِمَةَ إِسْرَائِيلَ مُنْذُ ثَلَاثَةِ آلَافِ عَامٍ، وَمُشِيرًا إِلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَدِينَةً يَهُودِيَّةً بُحْتَةً فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَسْلَافُ الْعَرَبِ يُمَارِسُونَ شُرْبَ الْخَمْرِ وَدَفْنَ الْبَنَاتِ وَعِبَادَةَ الْآلِهَةِ الْوَثَنِيَّةِ.

 

يُذْكَرُ أَنَّ شَخْصِيَّةً إِسْرَائِيلِيَّةً بَارِزَةً، يعْتَبِرُهَا الْبَعْضُ وَاسِعَةَ الآفَاقِ، وَهُوَ شِمْعُونَ بِيرِيزَ، قَدْ سَمَحَتْ لَهُ مُعْتَقَدَاتُهُ الدِّينِيَّةُ التَّوْرَاتِيَّةُ بِالسُّخْرِيَةِ مِنْ هَرَمِ خُوفُو وَمِنَ الْحَضَارَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْقَدِيمَةِ بِأَكْمَلِهَا لِكَوْنِهَا وَثَنِيَّةً، مُفَضِّلًا تَعْظِيمَ "التَّنَاخِ" الَّذِي عَرَّفَهُ بِأَنَّهُ أَوَّلُ كِتَابٍ يَحْمِلُ التَّوْحِيدَ فِي الْعَالَمِ، وَصَوَّرَهُ كَأَعْظَمِ إِنْجَازٍ حَضَارِيٍّ لِقَبَائِلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَنِعْمَةِ التَّوْحِيدِ الَّتِي مَنَحُوهَا لِلْعَالَمِ أَجْمَعَ، وَأَتَذَكَّرُ هَذِهِ الْمُقَارَنَةَ غَيْرَ الْعَادِلَةَ الَّتِي قَامَ بِهَا بَيْنَ حَضَارَةِ وَادِي النِّيلِ، الَّتِي لَا يَسْتَهْزِئُ بِهَا إِلَّا مَنْ يُعَانِي مِنْ ضِيقِ الْأَفْقِ وَشُعُورٍ بِالنَّقْصِ الْحَضَارِيِّ، وَبَيْنَ حَضَارَةِ تِلْكَ الْقَبَائِلِ الْبَدَوِيَّةِ، وَهِيَ تشْبِهُ الشَّخْصَ الَّذِي يَرْغَبُ فِي قَطْفِ وَتَنَاوُلِ عنْقُودِ عِنَبٍ حُلْوٍ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ، فَيُخْبِرُ نَفْسَهُ مُوَاسِيًا أَنَّ الْعَنْقُودَ حَامِضُ الطَّعْمِ.

 

أَتَذَكَّرُ هَذَا لِأَنَّ الْقَبَائِلَ الْبَدَوِيَّةَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ، لِأَسْبَابٍ مَوْضُوعِيَّةٍ، غَيْرَ قَادِرَةٍ عَلَى بِنَاءِ حَضَارَةٍ وَثَنِيَّةٍ مِثْلَ عَظَمَةِ حَضَارَةِ وَادِي النِّيلِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا سِوَى الْخِيَامِ وَالْمَاشِيَةِ، وَالَّذِينَ يَتَنَقَّلُونَ مِنْ مَكَانٍ لِآخَرَ بَحْثًا عَنِ الْمَرَاعِي وَالْمَاءِ، أَنْ يشيدُوا مَعْبَدًا مِثْلَ الْكَرْنَكِ، أَوْ أَنْ يَنْحتُوا تَمَاثِيلَ ضَخْمَةً وَمهِيبَةً مِثْلَ تِلْكَ الَّتِي صَنَعَهَا الْإِغْرِيقُ وَالْمِصْرِيُّونَ الْقُدَمَاءُ.

 

كَانَتْ ظُرُوفُ الْحَيَاةِ الْبَدَوِيَّةِ قَدْ حَتَمَتْ عَلَى تِلْكَ الْقَبَائِلِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ تَتَّخِذَ نَهْجًا "غَيْرَ وَثَنِيٍّ"؛ وَلَيْسَ فِي الِاضْطِرَارِ فَضِيلَةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ، وَأَنَّ عَدَمَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى تَأْسِيسِ حَضَارَةٍ وَثَنِيَّةٍ أَدَّى بِهِمْ إِلَى تَبَنِّي فِكْرٍ يَرْتَكِزُ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْمعْجِزَاتِ، فَابْتَكَرُوا إِلَهًا بَدَوِيًّا يُمَاثِلُهُمْ فِي خصَائِصِهِ وَيَتَنَقَّلُ مَعَهُمْ فِي تَرْحَالِهِمْ بَحْثًا عَنِ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ؛ وَقَدِ اسْتَخْدَمُوهُ لِخِدْمَةِ مَصَالِحِهِمِ الْخَاصَّةِ الضَّيِّقَةِ وَلِلتَّغْلُبِ عَلَى شُعُورِهِمْ بِالنَّقْصِ الْحَضَارِيِّ وَالتَّارِيخِيِّ النَّاجِمِ عَنِ الْعَيْشِ عَلَى هَامِشِ الْحَضَارَاتِ الْأُخْرَى.

 

هَذَا الْإِلَهُ الَّذِي عَلَى شَاكِلَتِهِمْ أَنْطَقُوهُ بِمَا يَقَعُ مَوْقِعًا حَسَنًا مِنْ نُفُوسِهِمُ الضَّعِيفَةِ، إِذْ خَاطَبَهُمْ، أَوْ جَعَلُوهُ يُخَاطِبُهُمْ، قَائِلًا: أَنْتُمْ، وَأَنْتُمْ فَحَسْبُ، شَعْبِي الْمُخْتَارُ، الْمُفَضَّلُ عَلَى الْعَالَمِينَ. ثُمَّ خَاطَبَ زَعِيمَ قَبَائِلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ الْأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ أَوِ النِّيلِ إِلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ الْكَبِيرِ.

 

صَاغُوا فِي مُخَيِّلَتِهِمْ إِلَهًا يُشَبِّهُهُمْ، وَيُشَبِّهُ طَرِيقَةَ عَيْشِهِمْ، ويفَصلُ بَيْنَ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ إِلَى فِئَتَيْنِ: الْيَهُودِ وَغَيْرِ الْيَهُودِ، لَقَدْ كَانُوا جَمَاعَةً قَلِيلَةَ الْعَدَدِ، بِلَا ثقْلٍ تَارِيخِيٍّ أَوْ حَضَارِيٍّ، يَخَافُونَ مِنَ الذَّوْبَانِ وَالِاخْتِفَاءِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، لِذَا اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُمْ إِلَى أَرْضٍ يقِيمُونَ فِيهَا، أَرْضٍ لَمْ يَعْرِفُوا لَهَا مَعْنَى "وَطَنٍ" مِنْ قَبْلُ، فَابْتَدَعُوا الْوَعْدَ الْإِلَهِيَّ لِأَبْرَامَ الْعِبْرَانِيِّ، وَرُبَّمَا كَانَ أَبْرَامُ، إِنْ كَانَ مَوْجُودًا، يَرْغَبُ فِي زرَاعَةِ أَبْنَائِهِ الْغَارِقِينَ فِي الْبَدَاوَةِ فِي أَرْضٍ دَائِمَةٍ، لِيَحْمِيَهُمْ مِنْ خَطَرِ الانْدِثَارِ فِي الأُمَمِ الْمُتَحَضِّرَةِ، وَلِيمْنحَهُمْ شُعُورًا بِالِانْتِمَاءِ إِلَى وَطَنٍ، فَقَدَّمَ رَغْبَتَهُ هَذِهِ عَلَى أَنَّهَا "وَعْدٌ" ثُمَّ "أَمْرٌ" مِنَ الْإِلَهِ.

 

أَصْبَحَ مِنَ الضَّرُورِيِّ لِلْعِلْمِ أَنْ يُعِيدَ الْيَهُودَ، كَمَجْمُوعَةٍ بَشَرِيَّةٍ وَعَقِيدَةٍ، إِلَى جُذُورِهِمُ التَّارِيخِيَّةِ الْوَاقِعِيَّةِ، وَأَنْ يُحَرِّرَهُمْ وَيُحَرِّرَ الْعَقْلَ الْبَشَرِيَّ مَعَهُمْ مِنَ الْأَوْهَامِ التَّلْمُودِيَّةِ وَيَجِبُ أَنْ يُوضَعَ "التَّنَاخُ" إِلَى جَانِبِ الْكُتُبِ الْخُرَافِيَّةِ أَوْ فِي رَفِّ الْكُتُبِ الْخُرَافِيَّةِ، وَأَنْ يُوضَعَ فِي الرَّفِّ السُّفْلِيِّ، وَلَيْسَ فِي الرَّفِّ الْعُلْوِيِّ حَيْثُ تَتَأَلَّقُ إِلْيَاذَةُ هُومِيرُوسَ، فَالْعَالَمُ لَنْ يَتَقَدَّمَ فِي الْوَعْيِ وَالرُّوحِ وَالْإِحْسَاسِ إِلَّا عِنْدَمَا يَتَخَلَّصَ مِنْ كُلِّ وَهْمٍ يَهُودِيٍّ.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.