كـتـاب ألموقع
مقاطع من كتاب الجنة// وهيب نديم وهبة
- المجموعة: وهيب نديم وهبة
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 03 تشرين1/أكتوير 2023 20:23
- كتب بواسطة: وهيب نديم وهبة
- الزيارات: 1446
وهيب نديم وهبة
مقاطع من كتاب الجنة
وهيب نديم وهبة
-44-
الْفكرُ... هذا الْهرمُ الْعملاقُ الّذي بنى مدنًا وهندسَ بناياتٍ وأقامَ حضاراتٍ. يقفُ الْآنَ عاجزًا أمامَ حصًى في أرضِ الْجنّةِ، تكوّنَتْ منْ بدعِ الْخالقِ، حصًى تبني مدنَ الْأضواءِ، وتنيرُ ظلماتِ الطّرقاتِ.
كلُّ حصًى ولها لونُها شكلُها ورائحةُ عبيرِها. كلُّ حصًى ولها بناؤُها وقدْ شكّلَتْ منْهُ الْبناءَ... الْآنَ يرنو إليْكَ، يرمي بينَ يديْكَ، شظايا النّورِ، كيْ تبصرَ الْعبورَ ما بينَ حضارةٍ وحضارةٍ.
الْآنَ تعرفُ أنَّ الزّخرفةَ الّتي أبهرَتِ الْبصرَ، بالرّسمِ والْكتابةِ، وأشرقَتْ منْ تحتِ الرّكامِ باللّونِ والْفرشاةِ بوهجِ الْحضارةِ، تصمتُ أمامَ نقشٍ منَ السّحرِ الرّبانيِّ، يبني مدنَ الْأضواءِ، أوْ يرسمُ زخارفَ الرّيحِ على ضفافِ النّهرِ أوِ الْبناءِ.
عادوا هذا اللّيلَ كحفيفِ الشّجرِ، عادوا كهمسِ الْموسيقى، خفيفِ الْعزفِ على جسدِ الْوترِ.
عادوا إلى بيوتِهمُ، يحملُهمْ صوتٌ منْ بدعِ الْكونِ، وجعلَ لهمْ هنا بيتًا.
-45-
يتذكّرُ الْمساءُ عنفوانَ الْغضبِ في صوتِ الرّيحِ، ينزلُ منْ عرشِ الضّوءِ ويسكنُ الْكآبةَ، مرهقًا غارقًا بالتّعبِ.
السّماءُ تلوّنَتْ بلونِ الذّهبِ وتركَتْ شعاعًا ينسجُ منْ دموعِ الذّنوبِ مناديلَ شحوبِ الْمغفرةِ.
الْمساءُ يذهبُ وحيدًا، يصلُ إلى حافّةِ النّهرِ، يجلسُ تحتَ فيافي الشّحوبِ...
يتذكّرُ: الكفرُ أحرقَ مدينةً، اشتعلَتِ الْمدينةُ حتّى آخرِ حيٍّ فيها، إلّا الْعابدُ المْتعبّدُ، صنعَ سفينةً تشقُّ الْماءَ، وغادرَ عنْ طريقِ الْبحرِ. منْ يومِها والْمساءُ يأتي شاحبًا، راسمًا على قسماتِ وجهِهِ، كثيرًا منَ الْحزنِ وقليلًا منَ الْفرحِ.
-46-
أرخَتْ خيمةُ الْعتمةِ أوتادَ السّوادِ فوقَ الْمكانِ،
فوقَ الْبيوتِ الطّينيّةِ وأخفَتِ السّاكنَ... أحكمَتِ الْكتمانَ. كنْتُ أعرفُ أنَّ الدّخولَ إلى مدينةِ النّخيلِ، سيتمُّ بعدَ سقوطِ الظّلامِ. وعليَّ أنْ أطيعَ ضوءَ النّارِ الْمشعَّ الْمسيطرَ على طريقِ الْخيولِ الْعائدةِ...
يعودُ الْفارسُ وجهُهُ يشرقُ بالضّوءِ، يهزُّ أوتادَ الْخيمةِ فيهرعُ الظّلامُ إلى الْقلوبِ الْجافّةِ، ويشعُّ في مدينةِ النّخيلِ الضّوءُ وتبصرُ طريقَ الدّخولِ.
-47-
على وميضِ الْخيلِ الدّاخلةِ كالْبرقِ كانَ دخولي، أحملُ إلى مدينتي كتابَ الْخيرِ لهذا العامِ. همْ لا يذهبونَ إلى بنايةِ الْأخيارِ بقدرِ ما تأتي الْبنايةُ إليهمُ. كانَتْ أشجارُ النّخيلِ تُعانقُ خصرَ الْمدينةِ كالسّورِ.
كانَتِ الْعصافيرُ تغادرُ الْبيوتَ وتقرأُ كتابَ الْخيرِ الْمثمرِ في الشّجرِ الْواقفِ وقفةَ الرّيحِ أمامَ الطّوفانِ. بيوتُ الْمدينةِ بسيطةٌ جدًّا...
تنامُ لوحدِها، وأهلُها يتجمّعونَ بينَ النّخيلِ وبيْنَ السّماءِ. يصمتُ النّهرُ ليسمعَ ويسكتُ الْعصفورُ ليفهمَ.
هوَ بينَ السَّماءِ والْأرضِ يعيشُ، والْإنسانُ... جسدٌ فوقَ الْأرضِ وروحٌ في السَّماءِ.
تخشعُ الْأرضُ أمامَ أصواتِهم يبصرونَ خيرَ الْعامِ الْقادمِ بشفافيّةِ الرّوحِ وعشقِ الْمكانِ.
-48-
على مشارفِ الْمكانِ، كانَ رسولُ الزّمانِ... الْكتمانُ يحملُ جوهرةَ الرّوحِ ويسكبُ أغنياتِ الْأمنياتِ في كؤوسِ الرّيحِ لسكّانِ الْمكانِ، كنْتُ أقفُ كغصنِ شجرةٍ انكسرَ الْآنَ، فانْقسمَ قسمينِ، ما بينَ الْبدايةِ والْوسطِ وما بينَ الْوسطِ
والنّهايةِ.
لهذا يجمعُ الْمقيمُ الْخيرَ والشّرَّ في كفّتينِ، ما يفيدُ الْجسدَ يفيدُ الرّوحَ وما يفسدُ لا يقيمُ هنا...
المتواجون الان
376 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع