اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

اَلْغُرَابُ الْجَمِيلْ- مجموعة قِصص قَصِيرَةْ// د. محسن عبد المعطي عبد ربه

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. محسن عبد المعطي عبد ربه

 

عرض صفحة الكاتب 

اَلْغُرَابُ الْجَمِيلْ- مجموعة قِصص قَصِيرَةْ

أ د. محسن عبد المعطي محمد عبد ربه

شاعر وناقد وروائي مصري

 

{1} أَقَلُّ وَاجِبْ قِصَّةٌ قَصِيرَةْ

كَانَ يَنْوِي عَمَلَ{رِيجِيمْ}وَبَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدْ ..أَحَسَّ بِاشْتِيَاقٍ شَدِيدٍ إِلَى الطَّعَامْ ..فَفَكَّرَ مَلِيًّا.. ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْمَخْبَزْ.. وَاشْتَرَى{قُروناً}سَاخِنَةً بِثَلَاثَةِ جُنَيْهَاتْ وَقَرَّرَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا{قَرْناً}وَاحِداً مَعَ الشَّايِ الثَّقِيلِ الْمُحَلَّى بِمِلْعَقَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ السُّكَّرْ .

وَهَلَّتْ زَوْجَتُهُ وَمَعَهَا نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الْخُبْزِ الْمُنَاسِبِ{لِلرِّيجِيمْ} فَأَخَذَ رَغِيفاً مِنْهُ وَعَمِلَ{سَنْدَوِتْشاً}مِنَ السَّمَكْ ..فَوَجَدَ طَعْمَهُ شَدِيدَ اللَّذَاذَةْ.. فَعَمِلَ{سَنْدَوِتْشاً}آخَرْ .

بَعْدَهَا تَنَاوَلَ كُوباً مِنَ الشَّايْ.. وَمَعَهُ{قَرْنٌ} مِنَ الْخُبْز .

وَعِنْدَمَا فَكَّرَ فِي أَمْرِهْ.. وَتَأَمَّلَ حَالَتَهُ بِنَظْرَةٍ مَوْضُوعِيَّةْ.. وَجَدَ نَفْسَهُ قَدْ تَنَاوَلَ كِمِيَّةً كَبِيرَةً مِنَ الطَّعَامْ ..وَهَذَا مَا يُخَالِفُ {الرِّيجِيمْ}..فَقَالَ:-فِي نَفْسِهْ-"هَذَا أَقَلُّ وَاجِبْ" .

 

{2} أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلَالْ قِصَّةٌ قَصَيرَةٌ جِدًّا

بَعْدَ لَيْلَةٍ طَوِيلَةْ

عَانَى فِيهَا مِنَ الْأَوْجَاعْ

أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِفَجْرٍ جَدِيدْ

فَانْطَلَقَ الْمَرِيضْ

مُتَحَامِلاً عَلَى نَفْسِهْ

إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرْ

مُتَذَكِّراً قَوْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهِيرَةْ:

{أَرِحْنَا}بِهَا يَا بِلَالْ}

قَائِلاً -فِي نَفْسِهْ-:

لَعَلَّ اللَّهَ يَكْشِفُ عَنِّي الضُّرْ

وَيُعَافِينِي مِنْ مَرَضِي

 

{3} اَلْعُصْفُورَتَانْ قِصَّةٌ قَصِيرةْ   

اِنْطَلَقَتْ هَنَاءُ إِلَى حَضَانَتِهَا فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ سَعِيدَةً وَنَشِيطَةْ.

كَانَتِ الْحَضَانَةُ بِجِوَارِ مَسْجِدِ عَنْتَرْ.

شَدَّ نَظَرَ  الْمُعَلِّمَةِ مَنْظَرُ عُصْفُورَتَيْنِ جَمِيلَتَيْنِ نَشِيطَتَيْنِ تَقِفَانِ عَلَى حَائِطِ  الْمَسْجِدْ.

قَالَتِ الْمُعَلِّمَةْ:تَأَمَّلْنَ يَا تِلْمِيذَاتِي فِي خَلْقِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ وَتَفَكَّرْنَ فِي هَاتَيْنِ الْعُصْفُورَتَيْنِ الطَّلِيقَتَيْنِ الْفَرِحَتَيْنِ بِنِعَمِ اللَّهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى.

قَالَتْ هِنْدْ:لَكِنَّ الْعَصَافِيرَ حَجْمُهَا صَغِيرٌ وَوَزْنُهَا خَفِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِحَجْمِ وَوَزْنِ الْإِنْسَانْ.

فَمَا النِّعَمُ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى الْعَصَافِيرْ؟!!!

قَالَتْ سَلْوَى: هَلْ تَسْمَحِينَ لِي بِالْإِجَابَةِ يَا مُعَلِّمَتِي؟!!!

قَالَتِ الْمُعَلِّمَةْ: تَفَضَّلِي يَا سَلْوَى.

قَالَتْ سَلْوَى:خِفَّةُ وَزْنِ الْعَصَافِير نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهْ.

جَنَاحَاها الصَّغِيرَتَانِ اللَّتَانِ تُسَاعِدَانِهَا عَلَى الطَّيَرَانِ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهْ.

حِفْظُ اللَّهِ لَهَا أَثْنَاءَ الطَّيَرَانِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهْ.

قَالَتِ الْمُعَلِّمَةْ:شُكْراً يَا سَلْوَى.

هَلْ مِنْ تَعْلِيقٍ يَا تِلْمِيذَاتِي؟!!!

قَالَتْ نُهَى: اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَهَبَ الْعَصَافِيرَ خِفَّةً وَرَشَاقَةً لَمْ يُعْطِهَا لِلْإِنْسَانِ فَهِيَ تَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ عَلَى أَعْلَى الْأَمَاكِنِ بِرِجْلَيْهَا الصَّغِيرَتَيْنِ وَكَذَلِكَ تَسْتَطِيعُ الطَّيَرَانَ وَالتَّنَقُّلَ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ يَحْلُو لَهَا.

قَالَتْ ضُحَى: وَهَلْ تَشْكُرُ الْعَصَافِيرُ رَبَّهَا؟!!!

قَالَتِ الْمُعَلِّمَةْ:هَذَا سُؤَالٌ جَمِيلٌ يَا ضُحَى.

 اَلْعَصَافِيرُ تُسَبِّحُ بِحَمْدِ رَبِّهَا وَتَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَاهَا مِنْ نِعَمْ.

 أَعْطَاهَا رِيشاً جَمِيلاً ذَا لَوْنٍ بُنِّيٍ جَمِيلٍ(أَحْمَرَ غَامِقْ) وَجِسْمُهَا مِنْ أَسْفَلَ (رُصَاصِي).

قَالَتْ لَمْيَاءْ:هَلْ تَلِدُ الْعُصْفُورَةْ؟!!!

قَالَتِ الْمُعَلِّمَةْ:اَلْعُصْفُورَةُ لَا تَلِدُ وَلَكِنَّهَا تَبِيضْ.

وَتَرْقُدُ عَلَى الْبَيْضِ حَتَّى يَفْقِسَ وَتَخْرُجَ مِنْهُ الْعَصَافِيرُ الصَّغِيرَةْ.

وَبِذَلِكَ تَزِيدُ أَعْدَادُ الْعَصَافِيرْ.

 قَالَتْ سَمْرَاءْ:هَلْ الْعَصَافِيرُ مِنَ الْحَيَوَانَاتْ؟!!!

قَالَتِ الْمُعَلِّمَةْ: لَا يَا سَمْرَاءْ.

 اَلْعَصَافِيرُ مِنَ الطُّيُورْ.

وَهِيَ تُصْدِرُ أَصْوَاتاً جَمِيلَةْ:صَوْ صَوْ صَوْ صَوْ صَوْ.

قَالَتْ أَحْلَامْ: اَلْعَصَافِيرُ وَزَقْزَقَتُهَا الْجَمِيلَةُ عَالَمٌ يَسْتَحِقُّ الدِّرَاسَةْ.

 قَالَتِ الْمُعَلِّمَةْ: "بَارَكَ اللَّهُ فِيكِ يَا أَحْلَامْ.

فَالْعَصَافِيرُ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ وَمُتَعَدَّدَةْ.

وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَزِيدَكُمْ عِلْماً عَنِ اَلْعَصَافِيرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهْ " .          

 

{4} اَلْغُرَابُ الْجَمِيلْ قِصَّةٌ قَصِيرةْ

أَجْلِسُ لِأَسْتَرِيحَ مِنَ الْمَشْي كَانَ التَّعَبُ قَدْ هَدَّنِي مِنَ السَّيْرِ لَمْ أَنْتَبِهْ إِلَى مَا حَوْلِي تَلَفَّتُّ عَلَى نَعِيقِ الْغُرَابِ مَالَكَ أَيُّهَا الْغُرَابُ !! أَجَابَنِي الْغُرَابُ بِالنَّحِيبِ وَبَعْدَ بُرْهَةٍ مَسَحَ دُمُوعَهُ وَتَنَهَّدَ ثُمَّ قَالَ:إِنَّنِي حَزِينٌ عَلَى كُلِّ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قَضَوْا نَحْبَهُمْ لَيْسَ لَهُمْ ذَنْبٌ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ قُلْتُ:- بِحَنَانٍ بَالِغٍ- لَا تَحْزَنْ يَا صَدِيقِي الْغُرَابَ وَتَأَسَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ (الْأَحْزَابِ 23-24) سَأَلَنِي الْغُرَابُ سُؤَالَ الصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ:مَنْ هُمُ الصَّادِقُونَ؟ وَمَا جَزَاؤُهُمْ؟ قُلْتُ: يَا صَدِيقِي الْغُرَابَ : الصَّادِقُونَ هُمُ الَّذِينَ قَاتَلُوا وَجَاهَدُوا وَصَبَرُوا لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَ كَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى، وَجَزَاؤُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَظِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ الْغُرَابُ: أَعْرِفُ أَنَّ جَزَاءَهُمُ الْجَنَّةُ فِي الْآخِرَةِ  وَ أَنَّ أَرْوَاحَهُمْ تَكُونُ فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضْرٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ يَتَزَوَّجُونَ الْحُورَ الْعِينَ  وَيَسْتَمْتِعُونَ بِمَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وَلَكِنِّي لَا أَعْرِفُ مَا جَزَاؤُهُمْ فِي الدُّنْيَا ؟!!! قُلْتُ:- جَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً أَيُّهَا الْغُرَابُ  وَاللَّهِ إِنَّنِي لَسَعِيدٌ بِكَ أَيَّمَا سَعَادَةٍ  وَاللَّهِ إِنَّكَ لَمُثَقَّفٌ أَكْثَرَ مِنْ شَبَابِ هَذِهِ الْأَيَّامِ  وَالَّذِي أَعْجَبَنِي فِيكَ أَنَّكَ تُحِبُّ التَّفَقُّهَ فِي الدِّينِ- جَزَاءُ الشُّهَدَاءِ فِي الدُّنْيَا - يَا صَدِيقِي- هُوَ الْخُلُودُ وَعُلُوُّ الْمَكَانَةِ وَالذِّكْرِ الطَّيِّبِ  وَهُمْ فَوْقَ هَذَا أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ  قَالَ الْغُرَابُ: "كَيْفَ يَا صَدِيقِي؟!!! لَقَدْ شَوَّقْتَنِي إِلَى الشُّهَدَاءِ" قُلْتُ: يَا صَدِيقِي الْعَزِيزَ اقْرَأْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ - فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ - يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)( آل عمران 169-171) قَالَ الْغُرَابُ: وَاللَّهِ إِنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أَطِيرَ وَأَلْحَقَ بِإِخْوَانِي الْمُجَاهِدِينَ فِي غَزَّةَ إِنَّنِي أَعْجَبُ وَأَفْخَرُ بِجُرْأَتِهِمْ وَشَجَاعَتِهِمْ فِي مُقَاوَمَةِ الْمُحْتَلِّينْ فَمِمَّنِ اسْتَمَدُّوا هَذِهِ الشَّجَاعَةَ؟!!! قُلْتُ: - يَا صَدِيقِي الْغُرَابَ- اِسْتَمَدُّوهَا مِنْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ. (التوبة 52) فَالْمُجَاهِدُ يَبْغِي إِمَّا النَّصْرَ وَإِمَّا الشَّهَادَةَ وَكِلَاهُمَا جَمِيلٌ لَهُ وَمِنْ هُنَا تَجِدُ رُوحَهُ الْمَعْنَوِيَّةَ عَالِيةً مُرْتَفِعَةً قال الْغُرَابُ: وَمَا سَبَبُ انْخِفَاضِ الرُّوحِ الْمَعْنَوِيَّةِ  لِلْيَهُودِ  قُلْتُ:" لِأَنَّهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ .(البقرة 96) فَهَؤُلَاءِ الْيَهُودُ الْأَخِسَّاءُ جَزَاؤُهُمْ الْخِزْيُ وَالْخُذْلَانُ وَالذُّلُّ وَالْعَارُ وَالْهَوَانُ فِي الدُّنْيَا مَهْمَا حَقَّقُوا مِنْ مَكَاسِبَ رَخِيصَةٍ" قال الْغُرَابُ: "لَا تَنْسَ- يَا أَخِي أَنْ تَدْعُوَ لِإِخْوَانِكَ الْمُجَاهِدِينَ فِي غَزَّةَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ" قُلْتُ:"  وَاللَّهِ إِنَّكَ لَغُرَابٌ جَمِيلٌ تَعْرِفُ كَثِيراً مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَأَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ قُلُوبُ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ رَقِيقَةَ الْمَشَاعِرِ كَقَلْبِكَ  فَتَنْتَفِضَ مِنْ رَقْدَتِهَا، وَتَهُبَّ مِنْ سُبَاتِهَا وَتُجَاهِدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى تَرْتَفِعَ رَايَةُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فِي أَرْجَاءِ الْمَعْمُورَةِ   ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)الْحَجِّ40           

 

{5} اَلْفَاجِرَةْ قِصَّةٌ قَصِيرةْ

كَثِيراً مَا تَحَدَّثَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ عَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الَّتِي لاَ يَعْرِفُونَ لَهَا أَباً وَلاَ أُمًّا وَالَّتِي وَجَدُوهَا بَـيْـنَـهُـمْ كَالنَّـبْـتِ الشَّيْطَانِي، كَانَ لِـتِـلْـكَ الْـمَـرْأَةِ كَلْبٌ، ، وكان لهذا الْكَلْبِ جِسْمٌ يُشْبِهُ جِسْمَ الإنسان وَوَجْهٌ كَوَجْـهِ الْكَـلْـبِ ، وَكَانَ الشَّـبَابُ يَتَهَامَسُونَ فِيمَا بَيْـنَهُمْ: "ضَاجَعَتِ الْفَاجِرَةُ كَـلْـباً ، وَأَنْجَبَتْ مَوْلُوداً لَهُ وَجْـهُ00 كَـلْـبٍ"  وَسَرْعَانَ مَا كَـبُرَ هَذَا الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ النَّاسُ يَرْثــُونَ لِحَالِهِ وَيَعْطِفُونَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ سَرْعَانَ مَا أَصَابَهُ السُّعَارُ ,فَعَضَّ أَفْرَاداً مِنْ ثَلاَثِ عَائِلاَتٍ، قَضَى بَعْضُهُمْ نَحْـبَهُ، وَتَرَكَتْ لَهُ هَذِهِ الْعَائِلاَتُ  مِسَاحَاتٍ وَاسِعَةً مِنَ الْأَرَاضِي، وَلَمْ تَشَـأْ أَنْ تَضْرِبَ هَذَا الْكَلْبَ مَعَ قُدْرَتِهَا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ كَثِيراً مَا تَشْكُو لِكُلِّ خَلْقِ اللَّهِ، أَنَّ كَلْـبَهَا وَحِيدٌ وَالْجَمِيعُ يُرِيدُونَ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْكَلْبَ ابْنَ الْفَاجِرَةِ تَجَاوَزَ حُدُودُهُ، فَخَطَّطَ أَبْـنَـاءُ الْعَائِلاَتِ تَخْطِيطاً جَيِّداً لِمُهَاجَمَةِ هَذَا الْكَلْبِ وَالْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَتَخْلِيصِ النَّاسِ مِنْ شُرُورِهِ، وَبَـيْـنَمَا كَانَ الْكَلْبُ يَمْرَحُ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي احْـتَـلَّهَا، فِي شِبْهِ احْتِفَالٍ بِذَلِكَ إِذْ تَرَصَّدَ لَهُ مَحْمُودٌ بِبُنْدُقِيَّةٍ وَصَوَّبَ طَلْقَةً أَصَابَتِ الْكَلْبَ فِي رِجْلِهِ وَلَكِنَّ الْجُنْدِيَّ صَابِرَ كَانَ مَاهِراً فِي التَّصْوِيبِ فَـأَصَابَ الْكَلْبَ بِطَلْقَةٍ فِي مُخِّهِ كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ، وَمِنْ يَوْمِهَا وَأُمُّهُ الْفَاجِرَةُ تَـبْـكِيهِ، وَلَكِنَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ كَانَتْ قَدْ سَيْطَرَتْ عَـلَى مِسَاحَةٍ وَاسِعَةٍ مِنَ بَيْتٍ عَرِيقٍ لِأَبـْـنَـاءِ عُمُومَةِ هَذِهِ الْعَائِلاَتِ ، وَمِنْ يَوْمِهَا وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ تَـنْـفُـثُ سُمَّهَا وَتـُرِيدُ السَّـيْـطَـرَةَ عَـلَـى تِلْكَ الْعَائِلاَتِ وَإِذْلاَلِهَا  بِالْمَكْرِ وَالْحِيلَةِ وَالدَّهَاءِ ، كَثِيراً مَا تُظْهِرُ مَفَاتِنَهَا وَزِينَـتَهَا لِلْإِيقَاعِ بِالشَّـبَابِ الْأَهْوَجِ مِنْ تِلْكَ الْعَائِلاَتِ وَلَمَّا لَمْ تَجِدْ فَائِدَةً مِنْ هَذَا  كُلِّهِ، أَخَذَتْ تُشْعِلُ النِّيرَانَ فِي أَجْزَاءٍ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا الْـبَـيْـتِ، كُلُّ خَلْقِ اللَّهِ عَرَفُوا أَمْرَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ طَالِـبِـيـنَ مِنْهَا إِطْفَاءَ النَّارِ وَالْعَوْدَةَ إِلَى صَوَابِهَا وَالْمَرْأَةُ لاَ تُرِيدُ الْإِبْقَاءَ عَـلَـى شَيْءٍ فِي الدَّارِ دُونَ حَرِيقٍ,تَمَادَتِ الْفَاجِرَةُ فِي غَـيِّـهَا دُونَ رَادِعٍ حَـتَّـى اتَّفَقَ أَهْلُ الْـبَـلَدِ عَـلَـى أَنْ يُخَصِّصُوا مَكَاناً لِتَدْرِيبِ شَبَابِهِمْ عَـلَـى السِّلاَحِ وَتَزْوِيدِ هَؤُلاَءِ الشَّـبَابِ بِالْمَالِ وَبِجَمِيعِ مَا يَحْـتَاجُونَهُ حَـتَّى يَسْـتَطِيعُوا أَنْ يُخْـرِجُوا تِلْكَ الْمَرْأَةَ الْفَاجِرَةَ مِنَ الْـبَـلَدِ,قَالَ (يَاسِينُ) أَحَدُ أَبْـنَـاءِ الْـبَـلْـدَةِ الطَّـيِّـبِـيـنَ ، إِنَّ الَّذِي بَعَثَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ إِلَى تِـلْـكَ الْمَـنْـطِقَةِ أَكْـبَرُ الْعِصَابَاتِ الدَّوْلِيَّةِ الَّـتِـي تُسَـخِّـرُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ لِـتُـسَـاعِـدَهَـا عَـلَـى إِشْعَالِ الْـفِـتْـنَـةِ بَيْنَ شُعُوبِ الْمَنَاطِقِ الْغَنِيَّةِ بِالثَّرْوَاتِ الطَبِيعِيَّةِ حَـتَّى يَـتَسَـنَّى لَهَا نَهْبُ الثَّرْوَاتِ وَالْحُصُولُ عَلَى كُلِّ الْمُمَيِّزَاتِ، سَوَاءً بِالتَّرْغِيبِ أَوْ التَّرْهِيبِ، طَوَاعِيةً أَوْ بِالْإِكْرَاهِ وَالاِحْتِلاَلِ

يَا امَرْأَةً أَشْعَلَتِ الْفِتْنَةْ=عُودِي لِلْحِنْكَةِ وَالْفِطْنَةْ 

كُونِي رَاحِمَةً أَوْلاَدِي=وَمُغَادِرَةً أَرْضَ بِلاَدِي

يَا فَاجِرَةُ وَأُمَّ كِلاَبْ=عَبَثُوا بِتُرَابِ الْأَجْدَادْ    

رَدَّ مُـنْـتَصِرٌ: وَلَكِنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ لَنْ تَـتْـرُكَ بِلاَدَنَا إِلاَّ بِالْقُوَّةِ الْجَبْرِيَّةِ ، وَالاِتِّحَادِ فِيمَا بَـيْـنَـنَـا، وَعِنْدَمَا نَـمْـتَـلِـكُ الْجُيُوشَ الْقَوِيَّةَ الَّتِي تَخُصُّـنَا وَحْدَنَا!!!

 

{6} اَلْهِجْرَةْ قِصَّةٌ قَصِيرةْ

كَانَتْ (رِحَابُ) حَزِينَةً جِدًّا لِأَنَّهُمْ سَوْفَ يَتْرُكُونَ بَلْدَتَهُمْ الَّتي نَشَئُوا فِيها وَتَرَعْرَعُوا عَلَى تُرَابِهَا ,وَتَعَوَّدُوا عَلَى حُبِّهَا , أَخَذَتْ (رِحَابُ) جَانِباً مِنَ الْحُجْرَةِ الْخَلْفِيَّةِ ,مُنْطَوِيَةً عَلَى نَفْسِهَا ,تَبْكِي بِحُرْقَةٍ ,لِأَنَّ أَعْمَامَهَا طَرَدُوهُمْ مِنَ الْبَيْتِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهَا بِالْمَكْرِ وَالخَدِيعَةِ ,سَمِعَتْهَا أُمُّهَا وَهِيَ تُنَهْنِهُ ,فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا وَمَسَحَتْ دُمُوعَهَا وَطَبْطَبَتْ عَلَيْهَا فِي رِقَّةٍ وَحَنَانٍ وَقَالَتْ: لاَ تَبْكِي يَا (رِحَابُ) وَ لاَ تَحْزَنِي وَ لاَ تُنَهْنِهِي ,فَلَقَدْ أُخْرِجَ مِنْ قَبْلِنَا أَعَزُّ خَلْقِ اللَّهِ عَلَى اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , اِنْدَهَشَتْ (رِحَابُ) وَنَسِيَتْ أَحْزَانَهَا وَكَفْكَفَتْ دُمُوعَهَا وَسَأَلَتْ أُمَّهَا :وَكَيْفَ يَا أُمِّي ؟! َقَالَتِ الْأُمُّ: تَعْلَمِينَ يَا (رِحَابُ) أَنَّ الرَّسُولَ وُلِدَ يَتِيماً مُفْرداً بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ وَهُوَ مَا زَالَ جَنِيناً فِي بَطْنِ أُمِّهِ, ثُمَّ أَصْبَحَ يَتِيماً مُزْدَوَجاً بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ (آمِنَةَ), قَالَتْ (رِحَابُ)- مُتَأَثِّرَةً-: نَعَمْ يَا أُمِّي , َقَالَتِ الْأُمُّ :وَقَدْ كَفَلَهُ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبْ , ثُمَّ تَوَفَّى جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبْ وَ كَفَلَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ بَعْدَ ذَلِكَ , وَعَمِلَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِالتَّجَارَةِ , وَأُعْجِبَتْ بِهِ السَّيِّدةُ (خَدِيجَةُ) ,وَكَانَتْ امْرَأَةً غَنِيَّةً تَكْبُرُهُ فِي السِّنِّ بِخَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً , ذَاتَ حَسَبٍ وَنَسَبٍ وَجَمَالٍ ,يَتَمَنَّاهَا لِنَفْسِهِ أَوْجَهُ وُجَهَاءِ الْعَرَبِ , وَلَكِنَّهَا فَضَّلَتْ مُحَمَّداً وَتَمَلَّكَهَا حُبُّهُ لِمَا رَأَتْ فَيهِ مِنْ صِفَاتٍ جَمِيلَةٍ قَلَّ أَنْ تُوجَدَ فِي شَبَابِ ذَلِكَ الزَّمَنِ , وَلِمَا سَمِعَتْ مِنْ غُلاَمِهَا (مَيْسَرَةَ) عَجَبَ الْعُجَابِ مِنْ أَنَّ غَمَامَةً كَانَتْ تُظِلُّهُ , وَعِنَايَةً مِنَ اللَّهِ كَانَتْ تَحْرُسُهُ أَثْنَاءَ خُرُوجِهِ فِي تِجَارَتِهَا , وَجَاءَتْهُ الرِّسَالَةُ , وَكَانَتْ (خَدِيجَةُ) أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ النِّسَاءِ , وَ(أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ) أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الرِّجَالِ وَ(عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ) أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الصِّبْيَانِ , وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الْمَوَالِي , وَكَانَتْ بَنَاتُ النَّبِيِّ– صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – (زَيْنَبُ) وَ (أُمُّ كُلْثُومٍ) وَ (رُقَيَّةُ) مِنْ أَوَائِلِ الْمُؤْمِنَاتِ بِهِ , وَكَانَتْ دَارُ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ مَرْكَزَ الدَّعْوَةِ الْإِسْلاَمِيَّةِ السَّرِّيَةِ , وَجَهَرَ النَّبِيُّ– صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِالدَّعْوَةِ عِنْدَمَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى(فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ,وَأََنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ , وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ,فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) الشُّعَرَاءِ213-216, وَمُنْذُ الْجَهْرِ بِالدَّعْوَةِ وَالْمُشْرِكُونَ يُؤْذُونَ الرَّسُولَ وَأَصْحَابَهُ ,وَ أَبُو طَالِبٍ يَحْمِيهِ,وزَوْجَتُهُ (خَدِيجَةُ) تُوَاسِيهِ ,وَقَدْ وَجَّهَ النَّبِيُّ– صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أصْحَابَهُ لِلْهِجْرَةِ إِلَى الْحَبَشَةِ فِرَاراً بِدِينِهِمْ ,وَنَشْراً لِلدَّعْوَةِ خَارجَ (مَكَّةَ) ,وَبَحْثاً عَنْ مَكَانٍ آمِنٍ لِلْمُسْلِمِينَ ,وَكَانَ مِنْ بَيْنِ الْمُهَاجِرِينَ (جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ) وَ(صِهْرُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ )وَ(ابْنَتُهُ رُقَيَّةُ)-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَمِيعاً- وَ تَوَفَّى أَبُو طَالِبٍ عَمُّ النَّبِيُّ– صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَنصِيرُهُ فِي آخِرِ السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنَ الْمَبْعَثِ ,وَتُوُفِّيَتِ السَّيِّدَةُ(خَدِيجَةُ) بَعْدَهُ فِي عَامِ الْحُزْنِ قَبْلَ الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلاَثِ سَنَوَاتٍ , وَكَانَتْ رِحْلَةُ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِلدَّعْوَةِ فِي الطَّائِفِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ وَ(خَدِيجَةَ) فِي نَفْسِ السَّنَةِ ,وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُسْلِمُوا وَأَغْرَوا بِهِ صِبْيَانَهُمْ فَرَشَقُوهُ بِالْحِجَارَةِ , ً وَبَعْدَ ذَلِكَ كَانَتْ رِحْلَةُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ ذِرْوَةَ التَّكْرِيمِ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ تَسْرِيَةً عَنْهُ وَتَخْفِيفاً مِنْ أَحْزَانِهِ ,ثُمَّ كَانَ الطَّوَافُ عَلَى الْقَبَائِلِ وَهِجْرَةُ الصَّحَابَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ بَيْعَتَيِ الْعَقَبَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ ,وَ كَانَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ أصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ )ثُمَّ قَدِمَ بَعْدَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ,مَعَهُ امْرَأَتُهُ(لَيْلَى بِنْتُ أَبِي خَيْثَمَةَ) ,وَتَبِعَهُمْ بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ , وَنَزَلُوا عَلَى الْأَنْصَارِ فَآوَوْهُمْ وَنَصَرُوهُمْ وَآسَوْهُمْ , وَأَخَذَ الْكُفَّارُ يَمْكُرُونَ لِحَبْسِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَوْ قَتْلِهِ أَوْ إِخْرَاجِهِ مَنْعاً لاِنْتِشَارِ الدَّعْوَةِ ,وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَضْرِبُوهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَتَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ ,فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ– صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَى ذَلِكَ , فَخَرَجَ مِنْ (مَكَّةَ) حَزِيناً ,مُهَاجِراً إِلَى (الْمَدِينَةِ) يَصْحَبُهُ (أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ) مَعَ أَنََ الرَّسُولَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَ يُحِبُّ وَطَنَهُ (مَكَّةَ) أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ بَلَدٍ آخَرَ ,وَقَدْ مَكَثَا فِي (غَارِ ثَوْرٍ) وَالْتَقَيَا (بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُرَيْقِطَ) هُنَاكَ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ لِيَدُلَّهُمَا عَلَى الطَّرِيقِ إِلَى (الْمَدِينَةِ) ,وَوَاصَلَ (الْمُخْتَارُ) هِجْرَتَهُ ,وَلاَحَقَهُ (سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ ) لِيَنَالَ الْجَائِزَةَ الَّتِي أَعَدَّتْهَا (قُرَيْشٌ) ,وَلَكِنَّ اللَّهَ - بِقُدْرَتِهِ الَّتِي لاَ يَغْلِبُهَا غَالِبٌ- جَعَلَهُ يَرْجِعُ مُدَافِعاً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – , قَالَتْ (رِحَابُ) : لَقَدْ عَانَى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَكْثَرَ مِنْ مُعَانَاةِ أَيِّ شَخْصٍ آخَرَ ,وَتَأَلَّمَ وَحَزِنَ لِفِرَاقِ وَطَنِهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْكُفَّارُ مِنْهُ , قَالَتِ الْأُمُّ: وَعَلَيْكِ يَا (رِحَابُ) أَنْ تَتَأَسَّيْ بِالرَّسُولِ الْكَرِيمِ وَتَصْبِرِي عَلَى فِرَاقِ وَطَنِكِ وَأَذَى أَعْمَامِكِ وَمَكْرِهِمْ بِنَا , قَالَتْ (رِحَابُ) : أَجَلْ يَا أُمِّي ,لَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وَقُدْوَةٌ جَمِيلَةٌ وَأَعْظَمُ الْمَثَلِ ,وَلَسَوْفَ أُحَاوِلُ الْعَوْدَةَ إِلَى وَطَنِي وَبَيْتِي كَمَا كَافَحَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَعَادَ مُنْتَصِراً بَعْدَ فَتْحِ (مَكَّةَ) ,وَلَكِنْ كَيْفَ اسْتَقْبَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَصَاحِبَهُ , قَالَتِ الْأُمُّ: اسْتَقْبَلُوهُمْ بِالزَّغَارِيدِ وَالْأَفْرَاحِ وَالْأَنَاشِيدِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي تُعَبِّرُ عَنْ عَظِيمِ بَهْجَتِهِمْ : طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا , مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعْ , وَجَب الشُّكْرُ عَلَيْنَا , مَا دَعَا لِلَّهِ دَاعْ ,أَيُّهَا الْمَبْعُوثُ فِينَا ,جِئْتَ بِالْأَمْرِ الْمُطَاعْ , جِئْتَ شَرَّفْتَ الْمَدِينَةْ ,مَرْحَباً يَا خَيْرَ دَاعْ , قَالَتْ (رِحَابُ) : لَقَدْ كَانَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الْبَدْرَ الْمُنِيرَ في سَمَاءِ الْمَدِينَةِ , قَالَتِ الْأُمُّ: أَجَلْ يَا ابْنَتِي , لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ , وَنَوَّرَ قُلُوبَهُمْ بِالْإِيمَانِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُظْلِمَةً بِالشِّرْكِ , وَنَشَرَ بَيْنَهُمُ السَّلاَمَ بَعْدَ أَنْ عَاشُوا وَيْلاَتِ الْحُرُوبِ الْمُدَمِّرَةِ ,وَآخَى بَيْنَهُمْ بِالْحُبِّ ,وَعَلَّمَهُمُ الْإِيثَارَ ,وَأَنْقَذَهُمْ مِنَ النَّارِ ,وَصَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ إِذْ يَقُولُ: " إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ,فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِي َ الْعُلْيَا وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " التَّوْبَةِ 40,وَقَالَ تَعَالَى : "و إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" الأنْفَالِ 30.

 

{7} تَذْكِرَةْ قِصَّةٌ قَصِيرَةْ

أَقِفُ عَلَى سَطْحِنَا الشَّمْسُ سَاطِعَةٌ فِي مَنْظَرٍ جَمِيلٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ فِي السَّطْحِ الْمُقَابِلِ يَقِفُ الْوَلَدَانِ مُحَمَّدٌ وَزِيَادُ وَأُخْتُهُمَا الْبِنْتُ سَلْمَى يَنْظُرُ لِي مُحَمَّدٌ خِلْسَةً وَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى أَلاَّ أَرَاهُ رُبَّمَا يَلْهُونَ وَيَلْعَبُونَ وَ يَمْرَحُونَ رُبَّمَا يُذَاكِرُونَ يَجِدُّونَ يَجْتَهِدُونَ اللَّهُ أَعْلَمُ وَلِلَّهِ فِي خَلْقِهِ شُئُونٌ الْبِنْتُ صَبَاحُ وَأَخُوهَا مُحَمَّدٌ وَابْنُ خَالِهِمَا عَبْدُ اللَّهِ : يَتَحَدَّثُونَ  فَجْأَةً قَالَتِ الْبِنْتُ صَبَاحُ لِابْنِ خَالِهَا عَبْدِ اللَّهِ:   أَنْتَ جِئْتَ لِتُعَطِّلَنَا عَنِ  الْمُذَاكَرَةِ وَمُحَمَّدٌ يُثَرْثِرُ بِالْكَلَامِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَ صَبَاحُ تَصِيحُ فِيهِ:اُسْكُتْ يَا مُحَمَّدُ يَرُدُّ مُحَمَّدٌ : أَنَا أَقُولُ لَهُ حَاجَةً تَوَقَّفَ مُحَمَّدٌ عَنِ الْكَلَامِ وَ عَبْدُ اللَّهِ يُرِيدُ أَنْ يُوَاصِلَ الْحَدِيثَ وَلَكِنَّ مُحَمَّداً بَادَرَ قَائِلاً : اُسْكُتْ يَا عَبْدَ اللَّهِ حَتَّى تَسْتَطِيعَ صَبَاحُ الْمُذَاكَرَةُ تَنْطَلِقُ صَبَاحُ  فِي الْمُذَاكَرَةِ بِصَوْتٍ عَالٍ جِدًّا كَانَتْ تَقْرَأُ  قِصَّةَ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ذَلِكَ الرَّجُل- مَعَ أَنَّهُ قَدْ حُرِمَ نِعْمَةَ الْبَصَرِ- إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَرَى - بِبَصِيرَتِهِ وَعِشْقِهِ وَحُبِّهِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ - مَالَا يَرَاهُ النَّاظِرُونَ وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

    قُلُوبُ الْعَاشِقِينَ لَهَا عُيُونٌ= تَرَى مَالَا يَرَاهُ النَّاظِرُونَا

كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ صَحَابِيًّا عَبْقَرِيًّا مِنْ صَحَابَةِ الصَّادِقِ الْأَمِينِ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ كَانَ رَجُلاً مُخْلِصاً فِي عَقِيدَتِهِ  وَكَانَ قَلْبُهُ شَفَّافاً مُحِبًّا لِلنَّاسِ كُلِّ النَّاسِ  يَفِيضُ بِالشَّوْقِ لِلدَّعْوَةِ الْجَدِيدَةِ – لِلدِّينِ الْجَدِيدِ لِلْعَقِيدَةِ السَّمْحَاءِ الَّتِي سَتُنَوِّرُ الطَّرِيقً لِلْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَالْجَمَالِ وَالْمُسَاوَاةِ وَالسَّعَادَةِ وَالْبِشْرِ وَالسُّرُورِ وَالْفَرَحِ ظَلَّ عَبْدُ اللَّهِ يَحْلُمُ وَيَتَطَلَّعُ أَنْ يَعْرِفَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَتَفَقَّهَ  فِي الدِّينِ ذَاتَ يَوْمٍ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ أَنْ يَذْهَبِ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَمَّا يَدُورُ فِي نَفْسِهِ مِنْ أَسْئِلَةٍ عسى اللَّهُ أن يشرح صدره وييسِّر عُسره و يهدي قلبه انطلق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حب جارف و شوق عاصف ولكن حدَثت المفاجأة التي لم تخطر على بال عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعِدُ الْعُدَّةَ لِدَعْوَةِ زُعَمَاءِ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِلْإِسْلَامِ عَسَى اللَّهُ أَنْ يُقَوِّيَ بِهِمْ شَوْكَةَ الْإِسْلَامِ وَيَرْفَعَ رَايَتَهُ عَالِيَةً خَفَّاقَةً فِي كُلِّ أَنْحَاءِ الدُّنْيَا وَلَكِنْ وَلِلْأَسَفِ كَانَ مُعْظَمُ هَؤُلَاءِ الزُّعَمَاءِ مُسْتَغْنِينَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَ دَعْوَتِهِ مُنْغَمِسِينَ فِي شَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَمَلَذَّاتِهَا دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى سَيِّدِ الْخَلْقِ وَهُوَ فِي أَوْجِ انْشِغَالِهِ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مَا يَعِنُّ لَهُ وَبِطَبِيعَةِ الْحَالِ تَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يَشْغَلَهُ أَحَدٌ عَنِ أُمُورِ الدَّعْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآناً يُعَاتِبُهُ لِانْشِغَالِهِ بِهَؤُلَاءِ الْمُنْصَرِفِينَ عَنِ الْإِسْلَامِ غَيْرِ الْمُهْتَمِّينَ بِهِ وَانْصِرَافِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْمَشْغُولِ بالُهُ وَالْمُتَعَلِّقِ قَلْبُهُ وَكُلُّ جَوَارِحِهِ بِالْإِسْلَامِ تَخْلِيداً لِإِخْلَاصِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ وَالدَّعْوَةِ   الْإِسْلَامِيَّةْ 

  بِسْــــــــمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

((عَبَسَ وَتَوَلى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى ( 9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ  (11))) سُورَةِ عَبَسَ

 

{8} تَنَفُّسْ قِصَّةٌ قَصِيرةْ

أَجْلِسُ فِي حَدِيقَةِ الْمُسْتَشْفَى كُنْتُ أَنْوِي أَنْ أَقْرَأَ بَعْضَ الْقَصَصِ وَالْأَشْعَارِ, وَلَكِنِ اسْتَوْقَفَنِي مَنْظَرُ خُرْطُومِ الْمَاءِ وَهُوَ يَنْسَابُ فِي الْحَدِيقَةِ يُرَوِّي الْأَرْضَ اللَّهْفَى الْمُتَعَطِّشَةَ إِلَى الرِّيِّ, يَدْخُلُ الْمَاءُ بَيْنَ شُقُوقِ وَحُبَيْبَاتِ التُّرْبَةِ فَيُطْفِئُ نِيرَانَهَا وَيَسْقِي أَشْجَارَ النَّخِيلِ الْمُحَمَّلَةِ بِثَمَرَاتِ الْبَلَحِ الْأَخْضَرِ كَمْ هِيَ عَظِيمَةٌ مَنَاظِرُ سُبَاطَاتِ الْبَلَحِ وَكُلُّ سُبَاطَةٍ تَحْتَوِي عَلَى الْمِئَاتِ مِنْ ثِمَارِ الْبَلَحِ , سُبْحَانَكَ يَا اللَّهُ , يَا بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ , كَمْ أَنْتَ عَظِيمٌ , خَلَقْتَ الْوُرُودَ تُسْقَى بِالْمَاءِ فَتَزْدَادُ نَضَارَةً وَإِشْرَاقاً ,تِلْكَ الْوُرُودُ الَّتِي نُشَبِّهُ بِهَا كُلَّ شَيْءٍ جَمِيلٍ فِي حَيَاتِنَا.

أَحْيَاناً نُشَبِّهُ الْمَرْأَةَ الْجَمِيلَةَ أَوِ الْبِنْتَ الرَّقِيقَةَ بِالْوَرْدَةِ , وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ لَغَافِلُونَ وَمُقَصِّرُونَ عَنْ شُكْرِ ذَلِكَ الْإِلَهِ الْمُبْدِعِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الْفَرْدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَا وَالِدَ لَهُ وَلَا وَلَدَ , وَلَئِنْ شَكَرُوهُ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُبَدِّلَ يَأْسَهُمْ أَمَلاً وَحُزْنَهُمْ فَرَحاً وَضِيقَهُمْ فَرَجاً وَغَمَّهُمْ بَهْجَةً وَسُرُوراً  , ذَلِكَ الْإِلَهِ الَّذِي جَعَلَ مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ بِمَا فِي ذَلِكَ الْإِنْسَانُ وَالْحَيَوَانُ وَالنَّبَاتُ وَالطُّيُورُ وَالْأَسْمَاكْ .

لَمَحْتُ الْعَصَافِيرَ وَهِيَ تَتَأَمَّلُ الْحَدِيقَةَ مِثْلِي فَتَفَكَّرْتُ فِي خَلْقِهَا وَصِغَرِ حَجْمِهَا وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَفْعَلُ أَشْيَاءً يَعْجَزُ الْإِنْسَانُ عَنْ فِعْلِهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ غُرُورٍ وَتَكَبُّرٍ وَغَطْرَسَةٍ وَزَهْوٍ وَكِبْرٍ وَاخْتِيَالٍ , فَهِيَ تَسْتَطِيعُ الطَّيَرَانَ بِخِفَّةٍ وَرَشَاقَةٍ وَمَهَارَةٍ وَتُغَرِّدُ وَتُزَقْزِقُ وَتَفْرَحُ بِطُلُوعِ النَّهَارِ وَتُسَبِّحُ رَبَّهَا صَبَاحَ مَسَاءْ.

تَذَكَّرْتُ الْمَاءَ, تِلْكَ النِّعْمَةَ الَّتِي نَغْفَلُ عَنْ قِيمَتِهَا وَأَهَمِّيَّتِهَا فِي حَيَاتِنَا , تَذَكَّرْتُ أَيَّامَ كُنْتُ فِي أُوغَنْدَا الشَّقِيقَةِ, وَكُنْتُ أَشْتَرِي زُجَاجَةَ الْمَاءِ بِثَلَاثَةِ جُنَيْهَاتٍ , تَذَكَّرْتُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ نِعَمٍ كَثِيرَةٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى , يَسْتَغِلُّهَا بَعْضُ الطُّغَاةِ اسْتِغْلَا لاً خَاطِئاً , فَيَحْتَكِرُونَهَا لِأَنْفُسِهِمْ ,كَرَغِيفِ الْعَيْشِ وَََََََََأَطْنَانِ الْحَدِيدِ , فَتَذَكَّرْتُ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأعْرَافِ: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( 96 ) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ( 97 ) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ( 98 ) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99 ) }

سَأَلَتْنِي الطَّبِيبَةُ-بِرِقَّةٍ-:"مَا خَطْبُكَ؟!!!"قُلْتُ لَهَا :"إِنَّ ابْنِي مُحَمَّداً يُرِيدُ عَمَلَ تَنَفُّسٍ صِنَاعِيٍّ"قَالَتْ:"هَلْ تُوَاظِبُ لَهُ عَلَى الْعِلَاجِ؟!!!" قُلْتُ :"يَا دُكْتُورَةُ كَمْ أَخَذَ مُحَمَّدٌ مِنَ الْعِلَاجِ؟!!!إِنَّنِي أُوقِفُ الْعِلَاجَ كُلَّ الْعِلَاجِ عِنْدَمَا يَكُونُ مُحَمَّدٌ فِي حَالَةٍ صِحِيَّةٍ طَيِّبَةٍ , حَتَّى لَا يَقْضِيَ عُمْرَهُ كُلَّهُ فِي الْعِلَاجِ" سَأَلَتْنِي الطَّبِيبَةُ :"هَلْ يَشْرَبُ مُحَمَّدٌ الْمَاءَ الْمُثَلَّجَ ؟!!!" قُلْتُ: "نَعَمْ "قَالَتْ: "هَذَا خَطَأٌ, اَلْمَفْرُوضُ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ الْبَارِدَ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْبَيْضَ وَالسَّمَكَ وَغَيْرَ ذَلِكَ" قُلْتُ لَهَا:" إِنَّ مُحَمَّداً فِي حَالَةٍ صِحِيَّةٍ جَيِّدَةٍ وَلَكِنَّهُ يُجْهِدُ نَفْسَهُ كَثِيراً فِي اللَّعِبِ وَلَوْلَا ذَلِكَ  لَمَا اشْتَكَى مِنْ شَيْءٍ" قَالَتْ :"نَعَمْ إِنَّ الْأَطْفَالَ يُجْهِدُونَ أَنْفُسَهُمْ كَثِيراً هَذِهِ الْأَيَّامَ .

بَعْدَ ذَلِكَ تَرَكَتِ الطَّبِيبَةُ مُحَمَّداً مَعَ التَّنَفُّسِ الصِّنَاعِيِّ حَتَّى جَاءَتِ الْمُمَرِّضَةُ وَأَغْلَقَتْ جِهَازَ التَّنَفُّسِ الصِّنَاعِيِّ, قُلْتُ لِلْمُمَرِّضَةِ :"دَعِي الدُّكْتُورَةَ تَكْشِفُ عَلَى مُحَمَّدٍ بِالسَّمَّاعَةِ لِتَرَى تَحَسُّنَهُ مِنْ عَدَمِهِ" أَخَذَتِ الْمُمَرِّضَةُ السَّمَّاعَةَ مَعَهَا إِلَى مَكَانِ الطَّبِيبَةِ  وَقَالَتْ لِمُحَمَّدٍ :"تَعَالَ مَعِي" وَلَحِقْتُ بِهِمَا سَائِلاً الطَّبِيبَةَ عَنْ حَالَةِ مُحَمَّدٍ , قَالَتْ :"إِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى  جَلْسَةِ تَنَفُّسٍ صِنَاعِيٍّ أُخْرَى فِي التَّاسِعَةِ مَسَاءً.

قُلْتُ- فِي نَفْسِي- :"لَعَلَّنَا جَمِيعاً نَحْتَاجُ إِلَى  جَلَسَاتِ تَنَفُّسٍ صِنَاعِيٍّ مِثْلَ مُحَمَّدٍ , لِمَا نَرَاهُ مِنْ وَاقِعِنَا الْأَلِيمِ , لَعَلَّنَا نَسْتَرِدُّ أَنْفَاسَنَا.

 

{9} حَـدِيـثُ الشَّـجَـرَةْ قِصَّةٌ قَصِيرَةْ

ذَاتَ يَوْمٍ اسْـتَـيْـقَـظَتِ الشَّجَـرَةُ سَعْدِيَّةُ وَهِيَ تَـبْكِي بِصَوْتٍ عَالٍ وَتَـصْـرُخُ ، فَزِعَتِ الْأَشْجَارُ عَلَى شَاطِئِ التُّــرْعَةِ وَأَشْجَارُ الْجَزْوَرِينِ وَالتُّـوتِ وَالصَّفْصَافِ عَـلَى (مَرْبَطِ) (وَطِوَالَةِ) الْـبَهَائِمِ ، وَهَـرَعْـنَ إِلَى الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ ، كَــمَا فـزِعَ الْحِمَارُ وَفَـكَّ نَفْسَهُ مِنَ الْوَتَدِ الَّذِي رَبَطَهُ بِهِ الْعَمُّ شَنْدَوِيلِي ، مُسْرِعاً إِلَى الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ ، يُنهِّقُ فِي حُزْنٍ،وَيَسْـأَلُهَا عَمَّا بِهَا ،كَمَا خَرَجَتِ الْعَصَافِيرُ مِنْ أَعْشَــاشِهَا بِــزَقْزَقَةٍ حَزِينَةٍ ، وَأَخَذَ الْـيَمَامُ يُحَـلِّقُ فِي السَّمَاءِ فَوْقَ الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ وَهُوَ يُدَنْدِنُ فِي حُزْنٍ: وَحِّدُوا رَبَّكُمْ ، وَحِّدُوا رَبَّكُمْ وَرَفْـرَفَتِ الْحَمَائِمُ وَهَـدَلتْ هـَدِيلاً مُـحُزِناً ،وَهَـاجَ  وَمَـاجَ الضُّـفْدَعُ بِـنَقِيقِهِ مُتَـجَمِّعاً فِي التُّـرْعَةِ ،حَزِيناً مِنْ أَجْلِ الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ ، وَنَبَحَتِ الْكِلاَبُ فِي أَسَىً هَوْ هَوْهَوْ هَوْهَوْ ، وَهِيَ تُـرْخِي ذُيُولَهَا ،وَأَسْرَعَتِ الْجَوَامِيسُ وَالْأَبْقَارُ إِلَى الشَّجَـرَةِ سَعْدِيَّةَ ،الْكُلُّ يَسْـأَلُهَا عَمَّا أَلَمَّ ،بِهَا,وَهِيَ تَـبْكي وَتَـقُولُ : تَعَدَّدَتِ الْأَسْـبَابُ وَالْمَوْتُ وَاحِدُ ، لَقَدْ جَاءَ فِي مُـنْـتَـصَـفِ اللَّـيْلِ رَجُلٌ قَوِيٌ ، وَمَعَهُ عُصْـبَـةٌ أَقْوِيَاءٌ مِنَ الرِّجَالِ ، مَعَهُمْ مِنْشَارٌ آلِيٌّ قَطَعُوا بِهِ أُمِّي (الشَّجَـرَةَ ابْتِسَامَ) ، وَعِنْدَمَا سَـأَلْـتُهُمْ لِمَاذَا تَقْطَعُونَ أُمِّي ؟! قَالُوا :لِنَطْبُخَ بِهَا الْعِجْلَ الَّذِي ذبَحَهُ الْعُمْدُةُ فِي فَرَحِ ابْنِهِ ، قَالَ الْقِرْدُ الَّذِي كَانَ قَدْ جَاءَ مُـتَـأَخِّراً : مَصَــائِبُ قَــوْمٍ عِنْدَ قَــوْمٍ فَوَائِدُ ، وَقَالَتِ الْجَامُوسَةُ : إِنَّ هَذَا الْعِجْلَ الَّذِي ذَبَحُوهُ لِفَرَحِ ابْنِ الْعُمْدَةِ هُوَ ابْنِي يَا حَبِيبَتِي الشَّجَـرَةُ سَعْدِيَّةُ ،فَمُصِيبَـتـُـُنَا وَاحِدَةٌ ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِـرُ: ( إِنَّ الْمَصَــائِبَ يَجْمَعْنَ الْمُصَابِينَا ) وَأَخَذَتْ جُمُوعُ الطُّـيُورِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالنَّـبَـاتَــاتِ تُعَزِّى الشَّجَـرَةَ سَعْدِيَّةَ وَ(الْجَامُوسَةَ رَحَا) ، وَأَخَذَتِ الشَّجَـرَةُ سَعْدِيَّةُ تَمْسَحُ دُمُوعَهَا وَقَدْ بَلَّـلَتِ فُروعَـهَا قَطَرَاتُ النَّدَى الْجَمِيلَةُ ، وَهِيَ تَقُولُ : (( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)) ( 156 سُورَةُ الْـبَقَرَةِ ) ( اللَّهُمَّ أَجِرْنَا فِي مُصِيبَتِنَا وَأَبْدِلْـنَا مِنْهَا خَـيْراً) ( اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْـنَا أَجْرَهَا وَلاَ تَفْتِــنَّا بَعْدَهَا وَاغْــفِرْ لَنَا وَ لَهَا ) قَالَ الدِّيكُ بِصَوْتٍ حَـزِينٍ :- وَهُوَ يَـبْكِي - لَقَدْ كَانَتِ الشَّجَـرَةُ ابْتِسَامُ تُسَـبِّحُ بِحَمْدِ رَبِّهَا لَيْلَ نَهَارٍ وَتُطِيلُ الاِسْتِغْفَارَ ، وَكَثِيراً مَا كُـنْتُ أَلْعَب فِي ظِلِّهَا ، فَـتَـسْـتَـقْـبِـلُـنِي فِي حَـنَانٍ ، كَـأَنَّهَا تَسْـتَـقْـبِـلُ ابْـنَـهَا الْعَائِدَ ، وَتَـهُـزُّ فُـرُوعَهَا بِالنَّـسَمَاتِ الْحَانِيَةِ ، وَأَحْيَاناً  بِالْــهَوَاءالشَّدِيدِ الَّذِي يَدْفَعُ الْحَبَّ مِنْ أَمَاكِنَ أُخْـرَى فَـأَلْـتَـقِطُـهُ ، رِزْقاً لِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الَّذِي تَكَفَّلَ بِرِزْقِ كُــلِّ دَابَّةٍ عَـلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، كُـنْـتُ أُحِسُّ مَعَ الشَّجَـرَةِ ابْتِسَامَ بِحَـنَانِ الْأُمِّ  الَّذِي افْـتَـقَدْـتُـُهُ مُـنْذُ صِغَرىِ ، وَارْتَـفَعَ صَوْتُـهُ بِالْـبُكَاء وَهُوَ يَصِيحُ  : كُـوكُو كُكُو كُـوكُو كُكُو وَحِّدُوا رَبَّكُمْ ,عَقَّـبَتِ الشَّجَـرَةُ سَعْدِيَّةُ عَلَى عَزَاءِ الدِّيكِ قَائِلَةً : شُكْراً لَكَ أَيُّهَا الدِّيكُ الْمُؤْمِنُ عَلَى مَشَاعِرِكَ الْفَـيَّاضَةِ الْمَلِيئَةِ بِالتَّـرَاحُمِ وَالتَّعَاطُفِ وَالْإِحْسَاسِ الْجَمِيلِ بِالْآخَرِينَ وَهَذَا حَالُ الْمُؤْمِـنِـينَ0

 

{10} شَجَرَةِ الْمُرِِّ قِصَّةٌ قَصِيرةْ

كَانَتْ أُمُّنَا اَلْغُولَةُ تَزْرَعُ شَجَرَةً أَمَامَ بَابِ دارِهَا ,تَأْمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الشَّجَرَةُ مُثْمِرَةً فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ ,وَكَانَتْ تَسْقِيهَا كُلَّ يَوْمٍ ,وَأَخَذَتْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ تَكْبُرُ وَفُرُوعُهَا تَنْمُو  كَانَتْ أُمُّنَا00اَلْغُولَةُ وَهِيَ تَسْقِي الشَّجَرَةَ ,تُغْرِقُ مَنَازِلَ جِيرَانِهَا بِالْمَاءِ عَمْداً وَمَعَ سَبْقِ الْإِصْرَارِ وَالتَّرَصُّدِ فَيَحْزَن أَطْفَالُ الْجِيرَانِ وَيَبْكُونَ بُكَاءً مُرًّا  يَغْمُرُ صَفَحَاتِ خُدُودِهِمُ الْبَرِيئَةَ وَيَفِيضُ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَى جِذْرِ الشَّجَرَةِ الْحَزِينَةِ مِثْلَ الْأَطْفَالِ وَالشَّجَرَةُ تَبْكِي بِمَرَارَةٍ وَتَقُولُ : لِمَ تَسْقِينَنِي الْمُرَّ يَا أُمَّنَا اَلْغُولَةَ؟!!! هَلْ تَدْرِينَ كَيْفَ يَكُونُ عِقَابُ رَبِّكِ ؟!!! وَكَيْفَ يَكُونُ أَخْذُهُ؟!!! وَلَكِنَّ اَلْغُولَةَ كَانَتْ كَالْمَسْطُولَةِ غَافِلَةً عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ,فَلَمْ تُنْصِتْ لِقَوْلِ الشَّجَرَةِ  وَلَمْ تَتَفَكَّرْ فِيهِ وَكَانَتْ كَالْمُغَيَّبَةِ عَنِ الدُّنْيَا حَدَثَ يَوْمَاً أَنْ تَذَكَّرَتْ أُمُّنَا اَلْغُولَةُ زَوْجَهَا الْغُولَ الْأَعْوَرَ الَّذِي مَاتَ عَاصِياً لِلَّهِ وَكَانَ أَنِ انْفَجَرَتْ مَوَاسِيرُ الْمِيَاهِ حَتَّى أَغْرَقَتِ الْجَمِيعَ وَأَخَذَ النَّاسُ يَجْمَعُونَ الْمَالَ لِإِصْلاَحِ الْمَوَاسِيرِ ,حَتَّى تَعُودَ الْمِيَاهُ إِلَى مَجَارِيهَا وَكَانَ مِنَ الْمُفْتَرَضِ أَنْ تَدْفَعَ  أُمُّنَا اَلْغُولَةُ مِائَتَيْ جُنَيْهٍ  وَلَكِنَّهَا عَارَضَتْ وَجَادَلَتْ وَلَجَّتْ فِي خِصَامٍ , وَبَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الْجِدَالِ أَخْرَجَتْ  أُمُّنَا اَلْغُولَةُ مِنْ جَيْبِهَا جُنَيْهَيْنِ فَقَطْ وَقَالَتْ: رَحْمَةٌ وَنُورٌ عَلَى رُوحِ  زَوْجِي الْغُولِ الْأَعْوَرِ حَزِنَ النَّاسُ مِنْ جَامِعِي الْأَمْوَالِ لِلْإِصْلاَحِ وَتَأَلَّمُوا مِنْ كَلاَمِ أُمِّنَا اَلْغُولَةِ وَبَكَوْا بِحُرْقَةٍ وَمَرَارَةٍ ,حَتَّى فَاضَتْ دُمُوعُهُمْ كَالنَّهْرِ  وَفِي إِحْدَى الصَّبَاحَاتِ كَانَتْ مُفَاجَأَةٌ سَعِيدَةٌ لِأُمِّنَا اَلْغُولَةِ إِذْ وَجَدَتْ شَّجَرَتَهَا قَدْ أَثْمَرَتْ ثِمَاراً جَمِيلَةً فَاسْتَبْشَرَتْ أُمُّنَا اَلْغُولَةُ وَأَخَذَتْ تَقْطِفُ الثِّمَارَ مِنَ الشَّجَرَةِ وَتُعْطِي الْأَطْفَالَ مِنْهَا وَهِيَ فَرِحَةٌ وَتَقُولٌ: خُذُوا يَا أَحْبَابِي الْأَطْفَالَ رَحْمَةٌ وَنُورٌ عَلَى رُوحِ زَوْجِي الْغُولِ الْأَعْوَرِ وَلَكِنْ كَانَتِ الْمُفَاجَأَةُ الْأَخْطَرُ مِنْ نَوْعِهَا إِذْ أَخَذَتْ جُمُوعُ الْأَطْفَالِ تَرُدُّ إِلَيْهَا ثِمَارَهَا هَاتِفِينَ :خُذِي ثِمَارَكِ الْمُرَّةَ وَخَزِّنِيهَا فِي الْجَرَّةِ , فَلَنْ تَنْطَلِيَ عَلَيْنَا أَفْعَالُكِ الْخَبِيثَةُ هَذِهِ الْمَرَّةَ وَأَخَذَتْ أُمُّنَا اَلْغُولَةُ تَبْكِي بِحُرْقَةٍ وَمَرَارَةٍ أَنْ كَانَتْ شَّجَرَتُهَا شَجَرَةَ الْمُرِّ وَتَصَادَفَ مُرُورُ بَعْضِ النِّسْوَةِ فَوَجَدْنَ أُمَّنَا اَلْغُولَةَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ الْمُرَّةِ مِنَ الْبُكَاءِ وَالنُّوَاحِ وَالْعَوِيلِ فَقُلْنَ لَهَا : يَا أُمَّنَا اَلْغُولَةَ: مَنْ يَزْرَعِ الْمُرَّ لاَ يجْنِ سِوَى الْحَنْظَلِ.

 

 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.       عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.