كـتـاب ألموقع
بذرة وجذرة لا تزول// قرار المسعود
- المجموعة: قرار المسعود
- تم إنشاءه بتاريخ الأحد, 07 أيلول/سبتمبر 2025 11:31
- كتب بواسطة: قرار المسعود
- الزيارات: 621
قرار المسعود
بذرة وجذرة لا تزول
قرار المسعود
مهما تكلمت الأحداث التاريخية، فهي لا تستطيع معالجة الجروح ولا وصفها في صورتها الحقيقية ولا إعطاء المشهد حقه كما وقع فعلا. إن في الجزائر بذرة وجذرة لا تزول ولا تمحى من ذاكرة التاريخ فما حدث في هذا البلد من بداية 1840، هي صورة لا يستطيع العقل البشري تقبلها. فأن تقتلني وتأخذ كل ما أملك بالقوة مني، هذا مقبول نوعا ما ومشروع في مصطلح الهيمنة. ولكن ما لا يهضمه الواقع أن تحولني وتنزعني من أهلي وأرضي ومن مسقط رأسي إلى آلاف الكيلومترات في أرض وبيئة خالية لا أعرفها، لا من اللغة ولا من نمط المعيشة ولا من العقيدة وتجعلني محتوم علي أن أقبر فيها حين أموت، بعيدة عن أصلي ومسقط رأسي. لو يطلب مني الاختيار حينها فسأختار الموت في أرضي وتوفير مصاريف النقل المكلفة لجلادي.
من أصعب ما يكون على الإنسان في حياته أن تنزعه من جذوره تماما على ما قضاه من حياته في المكان الذي ولد فيه وترعرع فيه مدة طويلة. ما كان يحدث في تلك الحقبة في الجزائر من طرف المستدمر، من نقل الآلاف المؤلفة من البشر والعائلات المتشددة و الرافضة لوجوده من أرضها إلى ما يقارب أكثر من 27000 كيلومتر في جزيرة خالية آنذاك (كاليدونية الجديدة) على متن البواخر، لهؤلاء الذين تم نزعهم و نفيهم نهائيا بدون رجوع لحد الآن أضر كثيرا في النفوس وبقيت بصمة أمام ذويهم الذين ماتوا في صمت بعد ستة أشهر من السفر ودفنوا بعيدين عن وكرهم الأصلي. هذا ما يصعب على العقل البشري هضمه ومن مَنْ تعصب من بني شقران وصعد للجبال في ضواحي مدينة معسكر أُخِذَ رجالهم إلى سجن الكايان في جزيرة الغويانة في أمريكا اللاتينية ليموتوا جوعا أو يأكلهم الحوت بعد غرقهم إذا أرادوا الفرار. كم أنتِ غريبة يا جزائر وكم أنتِ عجيبة بأحداثكِ ماضيا وحاضرا.
إنّ الجزائر في أحوالها عجب ولا يدوم بها للناس مكروه
ما حلّ عُسر بها أو ضاق مُتسع إلا ويُسر من الرحمن يتلوه
يقول عبد الرحمن الثعالبي الرجل الصالح.
من خلال إصلاح الذاكرة، هناك رجال أرادوا أن يبلغوا رسالة الوقائع ويوضحوا كل لبس، منهم السعيد علمي هذا الإعلامي والمخرج السينمائي الجزائري والصحافي الحقيقي أو بمفهومنا هو صاحب أمن الرسالة الإخبارية يقول: "علينا أن نجلس أمام آلام الأخرين بأدب" واصفا الإعلامي الجدير وخاصة في البرامج الاجتماعية هو العين الثالثة التي ترا ما لا يراه الآخرون وتعطي للوقت وقته. فالبحث في أعماق الجروح الأليمة يحتم ذكر مَنْ سبقونا حديثا إبان الثورة التحرير، فمنهم مَنْ يستجيب له الدعاء ومنهم مَنْ توجه الى غرب الوطن إبان إندلاع شرارة ليلة أول نوفمبر 1954 كمسؤول المنطقة بمسدس ورصاصة واحدة وهو مِنْ بين الخمسة الذين كتب لهم القدر تحررنا من عبودية المستدمر بمقولته "أرموا الثورة للشعب يحتضنها "ومنهم مَنْ بدل إسمه مرارا من أجل الوطن حتى سمي الطيب الوطني. هذه الثمار التي نراها ونعيشها في البلاد اليوم من تلك الأصول، من الذين منذ وضع المستدمر قدمه يوم خميس جويلية 1830 لم يهدأ له بال من خلال المقاومة الباسلة حتى أعلن عن إستقلال الوطن. هناك جروح أليمة في المجتمعات والأمم أصبحتْ مرجع تذكر في كل مناسبة من أجل ايقاظ القلوب التي نامت في المجتمع.
إن ما يقوم به الإنسان القوي المستعمر المدمر الفاسد في الأرض التي منحها الخالق لكل عباده، من أجل المادة والتمتع على حساب نظيره الضعيف، لا يتخيله العقل الذي منحه الله له وفي الأخير سيجد نفسه لا يستطيع أن يمد في عمره ولو لحظة حتى يتمتع ويُضطَرُ أن يسلم ما يريد فعله ببشاعة لغيره الذي رباه على حب المادة مثله وإبادة الإنسانية ولا يدري أو يتناسى ولا يفهم أن محاربة الطبيعة والإنسان الذي خلق مثله أن عاقبتها وخيمة وإذا ثار أحدهما يوما لا يستطيع ردهما أو مقاومتهما مهما كانت القدرة التي وظفتها لحمايته والمعدة لمحاربة القدر إذا حل وينتهي كأن لم يكن، وينسى ويتناسى من جديد ويجد المبررات وأوجه النظر المتعددة التي تصب في خانة الشهوات وحب الإطلاع بالسيطرة على الضعيف ونهب خيراته بدون مبرر مقبول ومصطنع لإستلاء عليه.
فليعتبر مَنْ يريد الحقيقة وخاصة النشئ من أبناء الجلدة ومن مَنْ يريد صون الوديعة وأيضا من الذين يصرون على تقديم الرسالة الإعلامية كما هي من المؤرخين والدعاة وأهل الضمير الخالي من الشبهات والتدليس في داخل الوطن وخارجه وأن يبادروا قبل أن يفوت الآوان.
المتواجون الان
510 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع