اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الموروث العمراني: دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن- الجزء 5 من 16// د.هاشم عبود الموسوي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

الموروث العمراني:

(دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن)

الجزء 5 من 16

إعداد

د.هاشم عبود الموسوي

معماري ومخطط مدن

 

إعداد

د.محمد صباح الشابندر

معماري ومخطط مدن

 

التراث المعماري كيف نفهمه ونتفاعل معه  

  ثمة سؤال ملح ومغاير يواجهنا الآن: هل التراث المعماري هو الحل ؟ في الواقع لا العمارة التراثية ولا العمارة الحديثة تستطيعان توفير الحل الملائم، الذي يلبي المتطلبات اليومية النفسية والجسدية للإنسان الشرقي اليوم. والحلول الوسطية مستحيلة، فهذا الأمر لا يتحمل تنازلات متبادلة. فإسقاط مخطط بيت شرقي على مواد بنائية حديثة كالأسمنت والحديد والزجاج سيفقد المعني للمخطط الأصلي. كما أن محاولة تقديم مخططات معاصرة بمواد محلية تقليدية أمر غير ممكن أيضا .

      من صفات العمارة الحديثة مرونتها وإمكانية تقديم مختلف المخططات والتفاصيل. يعود ذلك إلة مواد بنائها المختلفة، الخفيفة والمقاومة، وإلى هياكل إنشائها المتعددة والمرنة. ولكن هل تعاني العمارة التراثية من الجمود ؟

      التراث المعماري ليس جامدا، كما يزعم البعض. فقد احتفظ بمبادئه التصميمية رغم تباعد مناطق وجوده واختلافها تضاريسيا، فقد تكيف بشكل ناجح، كما لاحظنا مع تلك الفوارق وانتشر على رقعة واسعة جدا واستمر لمئات، بل لآلاف السنين، فهذا دليل على مرونته، لاحظ الفناء المفتوح، مرة أخرى، والموجود دائما في أي مخطط ورغم ذلك ليس له مقاييس محددة مع أنه فضاء اعتباطي التصميم فتحديد نسبه وشكله وموقعه واتجاهه يتم عبر الخبرة المتراكمة مع ضمان أن يكون ارتفاعه أكبر من أي ضلع من أضلاع قاعدته، إضافة إلى المرونة في نسب الفضاء ارتباطا بالظروف المناخية أو شروط الموقع أو حجم العائلة. الفناء له تكيف متعدد معماريا، بدءا من إمكانية اختلاف المناسيب للفناء الواحد أو احتمال وجود عدة (طارمات) ممرات مسقوفة وأروقة أو أعمدة، بل يمكن أحيانا غلق الفناء تماماً، كما في المناطق الصحراوية، حين تشتد العواصف الرملية أو الحرارة صيفاً، ثم أن الدار الشرقية في المناطق الحارة عادة ما تكون بطابق أرضي ذي هيكل خفيف وطابق أو أكثر انغلاقا (عدا الدور المتصلة مباشرة بالزقاق) وذلك بهدف مرور الهواء وتغلغله من الفناء خلال الطابق الأرضي إلى الخارج لضمان التهوية الطبيعية صيفا. هذا الأمر يكون معكوسا تماما في أحياء أوربا ذات الطابع الشرقي التي بناها العثمانيون، مثل اسطنبول وسراييفو وغيرهما، حيث يبني الطابق الأرضي من جدران حجرية سميكة، في حين يكون الطابق الأول من هيكل خشبي خفيف. السبب هنا هو ضرورة مقاومة الطابق الأرضي للعواصف الثلجية شتاء فتحتمي فيه العائلة أما الطابق الأول فيكون فضاء للمعيشة صيفا والمناخ فيه لطيفا عموما.

      يختلف تناول التراث المعماري، في العمارة الحديثة، باختلاف قيمة التراث والخلفية التكنولوجية لكل بلد ومدى ارتباطها بالتكنولوجيا العالمية، سنحاول أن نصنف التوجهات إلى ثلاثة مع إهمال التوجه الذي يدافع عن التراث المعماري بدون دراية كافية. هذا التوجه، مع الأسف، هو المنتشر في الغالب اليوم، أنه عمارة التزويق وتناول التفاصيل المعمارية التراثية بشكل اعتباطي في الواجهات، أنه (العمارة المؤذية) كما يطلق عليها بحق رفعت الجادرجي (*). لذا سنركز فقط على التوجهات الواعية.

      التوجه الأول يعتمد التحليل العملي لأصول ومبادئ البناء التقليدي التراثي فيتم ترميمه وصيانته فاستغلاله في وظيفة معاصرة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك ترميم وصيانة المدرسة المستنصرية والقصر العباسي في بغداد وتحويلهما إلى متحفين، وترميم خان مرجان وتحويله إلى مطعم تراثي يتميز بوجود فرق موسيقية تقدم الغناء التراثي الأصيل أثناء تناول الزبائن لوجبات الطعام. إن من شروط هذا التوجه الحرص على شكل وجوهر العمارة الأصلية، في بعض الحيان تتم إضافة أجنحة وحتى أبنية أخرى مستقلة ولكن منسجمة معماريا مع البناء الأصلي، كأن يتم تشييد مجمع مركزه بناء قديم أثري أو تراثي، وقد تكون الإضافات أوسع بكثير وأكبر مساحة من حجم البناء الأصلي .

      التوجه الثاني يعتمد العمارة الريفية أو الصحراوية، يحللها ويقيمها ويقدمها كنماذج ملائمة، مناخيا واجتماعيا واقتصاديا، كحلول لمشكلة نقص السكن أو تخلفه في هذه المناطق، ويعتمد هذا التوجه طرق البناء التقليدية ويستعمل المواد المتوفرة موقعيا، وفي العادة يرفض أي تكنولوجيا أو مواد بناء مصنعه أو مستوردة. والفضاءات هي كلاسيكية عادة، مع مسحة تغيير بسيط لتحديثها. يميز هذا التوجه بكثرة الأقبية والقباب بسبب طبيعة وإمكانيات مواد البناء المحلية المحدودة، خاصة في التسقيف، وأيضا لكي تنسجم مع العمارة الأصل يتم تدخل المعمار أحيانا لتطوير أو إضافة بعض التفاصيل يحظي هذا التوجه بدعم العديد من المنظمات الدولية   والثقافية، وتلك المختصة بإسكان الفقراء والمتشردين، مثل المنظمة الدولية للمستوطنات البشرية التابعة للأمم المتحدة والعديد من مراكز البحوث المختصة بعمارة الطوب، يعتبر المعمار المصري حسن فتحي (1900 – 1989) من أشهر ممثلي هذا التوجه.

      التوجه الثالث، ربما الأكثر شعبية وشهرة، يعتمد استلهام التراث على ضوء دراسة تحليلية للعمارة التراثية من حيث الفضاءات وتوزيع الوظائف وتكويناتها وارتباط كل ذلك بالمتطلبات البيئية والاجتماعية على مستوي الدار والحي والمدينة. هذا التوجه يرفض استنساخ التراث المعماري، وقد صح القول أنه يعتمد (صهر) التراث المعماري وتقديم نتاج جديد له نكهة وهوية محلية تراثية ويفي بالعديد من العناصر الأساسية المفيدة للتراث المعماري والمتطلبات المعاصرة. يؤكد هذا التوجه على الاستفادة من كل التطور العملي والتكنولوجي في مواد البناء المحلية أو المصنعة وكل تطور في مجال النظمة الإنشائية أو الهياكل البنائية المعاصرة. العديد من المعماريين، خاصة الأجانب من حاذقي التفكير حيثُ قدموا أمثلة متميزة في مدن الخليج، لا سيما مصرف جدة وصالة الحجاج في مطارها، وجامعة الإمارات، ومشاريع سكنية ومساجد عديدة في الكويت ومسقط وغيرها. من العراق تبرز أعمال د. محمد مكية ورفعت الجادرجي، وفي مصر أعمال الأخوة المنياوي وأعمال بويون في شمال أفريقيا .

هل يحق للمدافعين عن التراث المعماري أن يعتبروه مستقبل العمارة ؟ كثيرا ما نقرأ ونسمع مثل هذه الآراء المتحيزة. علينا عدم الانغلاق على التراث رغم أهميته وملاءمته. لكن الحاجة تدعو اليوم إلى استخدام أبواب وشبابيك مصنعة، وطوابق تحت أرضية مقاومة للرطوبة، وأرضيات جاهزة، بل ومتحركة، وسقوف ثانوية، وتسطيح مع عازل، وقواطع متحركة، وفضاءات خاصة، للبحث أو للحاسبات المتقدمة، أو للعمليات الدقيقة والطبية، نقية تماما من الغبار والرطوبة والحشرات والفيروسات. مع هذا يبقي التراث مبدئيا، غير عاجز عن الوفاء بهذه الحاجات، ضمن هياكل إنشائية وتكنولوجية وعمارة معاصرة، أو ما بعد المعاصرة، تضاهي أرقي ما يقدم اليوم من عمارة، لكن بهوية، وليس عمارة دولية لا طعم لها، ليس عمارة يقال عنها جاهزة لأي مكان وهي في الواقع غير ملائمة لمناطقنا. علينا أن ندافع عن التراث لا من خلال تقديسه، بل من خلال الإفادة من مضمونه ومعرفة الأسباب وراء استمراريته وتشخيص ما هو ملائم فيه لمتطلباتنا اليوم. ندافع عن التراث من خلال فضح الاستيراد لعمارة البضاعة الرخيصة الكاسدة في أوربا. علينا أن نفضح عمارة الإزالة الشاملة للأحياء التراثية بحجة العصرنة أو الحداثة، وان نفضح عمارة (البلدوزر) التي تزيل كل التراث لتزرع بدله (مكعبات وعلب كبريت) لا قيمة لها. رغم كل هذا، تستمر اليوم، مع الأسف، عمليات التدمير والتحطيم لكل المؤشرات التراثية حتى أصبحت الحياء (الجديدة) في بغداد والقاهرة وصنعاء وتونس وفاس وغرداية متشابهة، عمارة باهتة لا فرق بينها.

هل المدن الغربية وحدها لها رموزها مثل برج أيفل في باريس، ونافورة جنيف، واكروبولس أثينا وجامعة موسكو وتمثال الحرية في نيويورك وساعة بيج بن في لندن ... الخ ألا نملك رموزا معمارية تراثية ليس الهدف (خلق) رموز، بل دعوة إلى معرفة المدينة الشرقية والتعمق في دراسة التراث والخزين الحضاري لكل مدينة لأجل إحيائه.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.