اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الموروث العمراني: دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن- الجزء 16 من 16// د. هاشم عبود الموسوي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

الموروث العمراني:

دراسات تحليلية في الإنقاذ والإحياء في تشكيل المدن

الجزء 16 من 16

 

إعداد

د. هاشم عبود الموسوي

معماري ومخطط مدن

و

د. محمد صباح الشابندر

معماري ومخطط مدن

 

الحفاظ في حضارة وادي الرافدين:

قد يكون معبد (ابو) في أريدو من أوضح الأمثلة وأقدمها على أعمال الحفاظ في وادي الرافدين إذ إن هذا المعبد ومعناه الأوقيانوس أو المياه العميقة، أو (أي-ايو) ومعناه بيت المحيط، وهو مقر (إنكي) أو (ايا) الإله الرئيس للمدينة، ذو المركز الرفيع عند السرمريين والبابليين، كما هو رب الإبداع وحامي أهل الفن والصنعة والعلم وهو والد الإله (مردوخ) وقد أسس الملك أورنمو مؤسس سلالة أور الثالثة في نحو 2000 ق.م معبداً لأله إنكي ثم عني إبنه شولكي عناية فائقة بمدينة أريدو، لكن الفضل في بناء زقورة الإله إنكي يعود للملك بورسن بن شولكي وزقورة أريدو هذه القائمة الآن هي آخر معبد، بني قبله وتحته طبقات عدة من المعابد، فقد بني فوق المعبد الأول الواقع في الأسفل 18 معبداً في مختلف العصور، وهكذا تدرجت المعابد بعضها فوق بعض، حتى أصبح آخرها الزقورة المذكورة. (شكل 2-1) (شريف يوسف، 1982، ص46-47)

إن هذا إنما يدل على احتفاظ مكان أول معبد بقدسيته التي أصبحت جزءاً من هوية المكان، وقد دأب ملوك وادي الرافدين المتعاقبين في الحكم على الحفاظ على تلك القدسية من خلال الإبقاء على معبد المدينة بعد إعادة بنائه في المكان نفسه الذي بني عليه أول معبد .

وتشير المصادر المعنية بتاريخ العراق القديم إلى أن العراق قد شهد نهضة عمرانية فريدة من نوعها إبان العصر البابلي الحديث (سلالة بابل الحادية عشر) (539-626)  ق.م ومن بين ملوك تلك السلالة اشتهر ملكان هما نبوبلاصر (مؤسس السلالة الحاكمة)، وولده نبوخذنصر الثاني، إذ أقدم هذان الملكان على إصلاح مدينتهم بابل في فترة قياسية، بعد الدمار الهائل الذي لحق بها على يد سنحاريب وأحاطاها بحلقة مزدوجة من الأسوار ومن أعمال نبوخذنصر بناء وتجديد معبد الإله شمس (معبد إيبارا) في شبار حيث المركز السومري لعبادة هذا الإله، كذلك إكماله بناء زقورة بابل للاله مردوخ وإعادة بناء سن-ننار، وإعادة بناء الجدار المحيط بالمنطقة المقدسة (التمنوس) ومعبد إيماخ للاله ننماخ وإعادة بناء شارع بابل الرئيس (إي-بور-شابو) (أي شارع الموكب)، وتكرار ذلك في السنين التي سبقت وفاته ويضاف إلى نبوبلاصر ونبوخذنصر، الملك نبونائيد (نبونيدوس( آخر ملوك تلك السلالة، الذي أكمل إعادة بناء زقورة أور (العاصمة السومرية القديمة التي كرست منذ القدم لعبادة الإله القمر) وأضاف عليها فزاد من عدد طبقاتها ورغم إن نبونانيد كما يبدو كان يتفاخر بكونه آثارياً وتقليدياً، وإنه يسعى لصيانة المبنى القديم طبقاً لمخططه الأصلي، فإنه لم يستطع البقاء عند موقفه، فتد توصلت بعثة التنقيبات من خلال دلائل وبقايا عمل نبونائيد على الطبقة الأولى (طبقة أورنمو) ومطابقتها مع رسم مخطط الزقورة بحسب وصف هيرودتس برج بابل إلى أن من المرجح إن نبونائيد بعد صيانته لجدران زقورة أورنمو، وإصلاح السلالم الثلاثة الكبيرة وحائطها الساند وإعادة بناء المدخل المقبب الذي تنتهي عنده، لم يجد شيئاً سوى بقايا لم تدله على شكل المبنى الأصلي، برغم إنه وجد عندئذ الأساس لأورنمو وابنه شولكي، فتخلى عن موقفه المحافظ وبنى البرج بالطريقة المعروفة بزمنه، جاعلاً إياه من سبع مراحل (باحتساب طبقة أورنمو) وقد قامت مديرية الآثار العراقية بصيانة البرج (1963-1959)م، وتثبيت الجدران المتصدعة المتداعية، وإعادة الأجزاء الساقطة منها. (شكل 2-2) (مهدي، 1997، ص13-17).

إن ما فعله كل من نبوبلاصر ونبوخذنصر الثاني ونبونائيد إنما يعد حفاظاً لأغراض التواصل مع أمجاد الماضي وإحيائها، كما إن أعمال إصلاح وإعمار مدينة بابل بعد ما لحقها من دمار على يد سنحاريب كانت لإضفاء قيم التحدي وإرساء دعائم الحكم وبث الرهبة في نفوس الأعداء من خلال العمارة خاصة إذا ما أخذنا بالحسبان السرعة والإتقان التي تم بها ذلك.

ويمكن ملاحظة إن فكرة الحفاظ في وادي الرافدين كانت تتمتع بالمرونة، فالحفاظ علي ما مضى من بناء السلف كان يعقبه أحياناً توسيع أو إعلاء، وعمليات تطوير، كما في زقورة أريدو وأورنمو وغيرها من الأمثلة. فعملية التواصل المطلوبة مع سلف كان له من الإنجازات القيمة ما ترسخ في أذهان المجتمع، هنا، من خلال فكرة الحفاظ إنما جاءت تجسيداً لمعان وقيم تدعم مفهوم مواصلة مسيرة السلف في الإنجازات العظيمة فضلاً عن النهضة والارتقاء بالحكم والقوة؟ كما إن للقيم الدينية والروحية حصتها في الأغراض المتوخاة من عمليات الحفاظ في وادي الرافدين، والتي تتمثل هنا غالباً بالحفاظ على قدسية المكان الذي ارتبط في أذهان الناس بالحدث الديني (سواء أكان حدثاً أم معبداً) .

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.