اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

حين يكون المعنى كبيراً !// يوسف أبو الفوز

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

حين يكون المعنى كبيراً !

يوسف أبو الفوز

 

اود ان اقدم لك ـ عزيزي القاري ـ حكايتين من بلدين تبلغ المسافة بينهما على الخارطة 6487  كيلومترا، وفرق التوقيت بينهما 14 ساعة، فهما يقعان على طرفي الكرة الارضية. بلدان أعتدت مزاحا اقول انهما في الصيف يكونان مثل ثلاجة وفي الشتاء هما مجرد مجمدة عالية الجودة.  الحكايات التي اقصدها ليس لها علاقة بالبرد وبعد المسافات. الحكايات لها علاقة بشيء أسمه : المدنية والحضارة ! ربما يجدها البعض مجرد تفاصيل صغيرة ، ناعمة في هذا الكم الهائل من المفردات الحضارية التي يعيشها المواطنون في هذا البلدان . يوميا قد يواجه ويسمع المواطن هناك مثلها العشرات، لكن هذه النواعم، الكبيرة بمعناها، هي التي تجعله يشعر بان الانسان له قيمة خاصة،  وان الحياة جميلة تستحق ان نعيشها بسعادة ، وان الوطن شيء عظيم يستحق العمل لاجله، وان القانون والمؤسسات هي التي تدير حياة البلاد، وان ليس هناك شيء اسمه محاصصة طائفية او أثنية ، وإنما الحياة والمستقبل للجميع، فالجميع يفكر بحقوق الاخرين قبل ان يفكر بنفسه . من هذه النواعم نتعرف على طريقة احترام الشعوب لتقاليد مدنية وحضارية تحافظ من خلالها على اوطانها وثرواتها وتأريخها !

الحكاية الاولى من فنلندا :

كل عام، ومع اقتراب اعياد الميلاد" الكرسمس"، تقيم دائرة العلاقات العامة في وزارة الخارجية الفنلندية حفلا بالمناسبة، يحضره عادة وزير الخارجية وكبار المسؤولين في الوزارة، ويدعى اليه عموم العاملين في الوزارة، وايضا العديد من الضيوف، منهم صحفيين وكتاب وفنانين.  وعلى مدى سنوات، كان لي الشرف أن يكون اسمي ضمن قائمة المدعوين.  طقوس الحفل، تحاول ان تكون بعيدة عن اجواء العمل والالتزامات الرسمية، فيجدها زملاء العمل والاصدقاء فرصة للتواصل وتجديد علاقاتهم، فتولد صداقات جديدة، وايضا تكون  الفرصة مؤاتية للبعض لينجز موعدا مهما او يحصل على معلومة ما. ويلفت الانتباه عادة نوعية وكفاءة عمال الخدمة فتجمع كهذا لا يمكن ان تتركه الاجهزة الامنية دون متابعة دقيقة  . وبعيدا عن كل هذا ، كنت مهتما جدا ببطاقة الدعوة التي وصلتني، اذ كانت مذيلة بعبارة مكتوبة بلغة قاطعة، بعيدة عن الدبلوماسية، تنبه الى ضرورة عدم ارتداء السيدات لاحذية بكعوب عالية ! مكان الحفل، كل عام يتغير، فالجهة المسؤولة عن اقامة الحفل، تحرص على اختيار اماكن تراثية وذات قيمة ثقافية، تمنح الحفل بهاءا ورونقا اكثر. هذا العام، كان الحفل في "قصر النبلاء"، او كما يعرف بـ "غرفة النبلاء "، وهو مبنى تأريخي من الطراز القوطي، يقع في مركز العاصمة هلسنكي، تم بناءه للفترة 1857 حتى 1862، وكانت تعود ملكيته لمؤسسة النبلاء التي يعود انشاؤها الى عام 1818 حيث تم تسجيل العوائل التي حلفت بالولاء للامبراطور السويدي حينها، وحتى بعد ان صارت فنلندا تتمتع بالحكم الذاتي تحت حكم الامبراطورية الروسية ظل نشاط مؤسسة النبلاء قائما، وتحكي الوثائق التأريخية بأن هناك 357 اسرة سجلت كأسر نبيلة ، ومنها لايزال على قيد الحياة فقط 148، هذه الاسر أسماؤها مسجلة على دروعها ومعلقة على جدران  القاعة الاساسية لقصر النبلاء، الذي شهد اجتماعات تأريخية ومصيرية في حياة البلاد.

لم تكن المرة الاولى التي ازور فيها المكان، ولهذا لم اتعب كثيرا في التفكير  بالمغزى من الملاحظة على بطاقة الدعوة ، فحالما دخلت القاعة الفسيحة، ذات الارضية الفريدة والمغطاة باغلى انواع الخشب عرفت السبب . لم يشأ اصحاب الدعوة ان تخدش كعوب السيدات الباحثات عن الأناقة ارضية معلم تأريخي هو ملك للاجيال القادمة ويعتبر تأريخا وثروة للبلاد !

الحكاية الثانية من كندا :

اتابع باهتمام اعمال الفنان الامريكي إدوارد زويك (مواليد 1952)، الذي عرف باخراجه وانتاجه لافلام تدور حول القضايا الاجتماعية والعرقية، ومؤخرا تسنى لي في سهرة تلفزيونية متابعة فيلمه الدرامي "أساطير الخريف" Legends of the Fall من انتاج عام 1994 والذي رشح لاكثر من جائزة اوسكار ، ويستند سيناريو الفيلم لرواية الكاتب الامريكي جيمس هاريسون (مواليد 1937)، وتدور احداثه اوائل 1900 وخلال سنوات الحرب العالمية الاولى، في ولاية مونتانا الامريكية، تتناول مصائر ثلاثة اخوة وعلاقتهم بذات المراة وموضوع الحب والخيانة والتضحية. يشارك في تجسيد ادوار الفيلم ثلة من الممثلين من ضمنهم العبقري انتوني هوبكنز الذي قام بدور الاب ويليام لودلو، والفنان المتجدد براد بيت قام بدور الاخ الاصغر تريستن لودلو. ومثلما اعتدت بعد اعجابي بفيلم ما ، رحت اشبع هوايتي  بالبحث في صفحات مواقع الانترنيت عن معلومات حول كل ما يتعلق بالفيلم. عن اختيار القصة واعداد السيناريو وانتاج الفيلم وظروف اختيار الممثلين ومواقع التصوير وما جرى من احداث ومواقف طرائف والخ . اشياء كثيرة  عثرت عليها تحمل طابع الطرافة والمتعة . من بين كل المعلومات استوقفني موقف بلدية مدينة  وينيبيغ  التي تقع في مقاطعة مانيتوبا الكندية، والتي تتميز بمواقع طبيعية ساحرة وتعتبر براريها امتدادا لبراري الولايات المتحدة الامريكية . كان مقررا ان يتم تصوير الاحداث المهمة للفيلم في مواقع تم اختيارها من قبل فريق العمل في الفيلم في مناطق تعود لمدينة  وينيبيغ ، لكن مجلس البلدية في المدينة اعترض ورفض الاستمرار بالاتفاق، حين عرفوا ان احد المشاهد في نهاية الفيلم كانت تقضي بازالة مجموعة من الاشجار من موقع معين لخدمة مشهد في الفيلم وفكرته. مما اضطر شركة الانتاج الانتقال الى مقاطعة البرتا الكندية لتصوير الفيلم ، ورغم ان الفيلم وفر بهذا حوالي مليوني دولار، الا ان المدينة ، بطريقة تفكير المسؤولين عن القرار فيها ، ارتضت فقدان المبالغ المالية وفرصة ان تظهر معالمها في فيلم نال الكثير من الشهرة، وفقدان العديد من فرص العمل لابناء المدينة، لاجل الحفاظ على شيء بالنسبة لها أهم واغلى من كل الاموال ، هو أشجارها التي هي ملك للجميع وللاجيال القادمة !.

 

  *  المدى البغدادية  العدد رقم (3234) بتاريخ 07/12/2014

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.