اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• بعيدا عن المعلومة... قريبا منها

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

جاسم الحلفي

بعيدا عن المعلومة... قريبا منها

لا يحتاج المرء الى كثير من العناء كي يكتشف ان بلدنا لا زال مغلقا، تحيط به السرية من كل مكان، رغم سعة الاعلام وحجمه وتعدد وسائله. فحين تتاح لك فرصة مقارنة العراق مع اي بلد آخر، يحترم المعلومة ويقدر قيمتها، ستجد ان العراق هو في موقع السلب. بطبيعة الحال، لا اقصد هنا المقارنة مع البلدان الديمقراطية المتقدمة التي يشكل مبدأ اتاحة المعلومة للجميع واحدا من اركان انظمتها السياسية. انما اقصد مقارنة بلدنا ببلدان العالم الثالث، ومنها المجاورة للعراق. فقد توفرت لي فرصة المساهة، مع باحثيين ميدانين يعملون لصالح مركز الابحاث الاستراتيجية للجامعة الاردنية، في زيارة لاحدى قرى العاصمة عمان، واللقاء مع المواطنين في بيوتهم لملء استمارة استطلاع عن المواطنة والاندماج في المجتمع. ولفتت انتباهي استجابة المواطنين، حتى وان خلا البيت من الرجال. فالمرأة ترحب بفريق الباحثين، حال سماعها انهم يقومون باجراء استطلاع. وبدا ان المواطنين قد تعودوا على زيارة الباحثين الميدانيين، وانهم يثقون بهم وباستطلاعاتهم التي يعتبرون انها تجرى لصالحهم. لذا فهم لا يقتصدون في تقديم المعلومات التي تطلب منهم لملء استمارة الاستطلاع .. ومعها واجب الضيافة الممكنة.

اما عندنا في العراق فالمواطنون ليسوا بعد في تماس مع ثقافة استطلاع الرأي. وقد حدث ان مجموعة من المواطنين في احدى المحافظات الجنوبية اقدمت على محاصرة فريق بحث ميداني، جاء يستطلع آراءهم بشأن موضوعة الفدرالية. والعراقيون معذورون في ذلك، فهم لا يستطيعون الا ان يتذكروا ممارسات النظام السابق في ملاحقة المواطنين واحصاء انفاسهم بمختلف الوسائل، بما فيها ملء استمارات المعلومات، والتي كان ازلامه يحرصون خلالها على تسجيل الاتجاه السياسي لاقرباء المواطن حتى الدرجة الرابعة، فيما لعب كتبة التقارير المشؤومة دورهم في تسميم حياته وتعريضه للاذى.

ويبدو ان فترة السنوات التي اعقبت التغيير لم تفلح في محو بصمات هذا الارث المؤلم وذكرياته، وفي تنمية ثقافة الشفافية واتاحة المعلومة بدلا عنها. خاصة وان المتنفذين لم يعملوا على تصفية شائنات النظام المقبور، بل ان البعض منهم ما زال ينهل من ذلك الارث المدان ذاته وهو يوعز بتوزيع استمارات لجمع المعلومات عن المواطنين. حتى ان الاستمارة لم تعد تعني بالنسبة اليه غير المراقبة والمتابعة ورصد التوجهات السياسية.

لذا فان الطريق ما زال طويلا حتى تتغير الصورة، وتصبح الاستمارة اداة لقياس حجم الخدمات التي يحتاج اليها المواطن، ومدى قناعته بها، وللتعرف على اولوياته، وتبين حاجاته، ولمعرفة المشاكل التي تواجه المجتمع، والمخاطر التي تحيط بالعملية السياسية، ولرصد اداء الحكومة، ومراقبة اداء البرلمان، وغير ذلك من القضايا التي يصب استجلاؤها آخر المطاف في خدمة المواطن.

ان للمواطن الحق في ارتيابه باي عملية استطلاع، فثقافة اتاحة المعلومة ما زالت ضمن الممنوعات في العقل الباطن للحاكم المتنفذ، الذي لا يحتاج الى مواطن واعٍ، يساهم بنشاط في الشأن العام، ويشترك في تقرير مصير البلد. وانما يحتاج الى صوته في الانتخابات وحسب، الى اقتراعه بتأييد الطائفة او القومية او المذهب وما شابه، وليس تأييد البرنامج والخدمات والاصلاح، وبما يؤمّن تطور البلد وتقدمه.

وبهذا المعنى فان المتنفذ يحتاج الى مواطن تحركه المشاعر البدائية والاشاعة والخرافة، وهذا نقيض الحاجة الى المعلومة الصادقة والموضوعية، والتي يوفرها العلم والجهد العملي والثقافة والفنون.

لذلك لم استغرب وانا اسمع واقرأ عن مشروع قانون جرائم المعلوماتية، الذي سجل الناشطون المدنيون نقاط خلل كبيرة وخطيرة فيه، تهدد حرية التعبير، وتمنع انتشار المعلومة او في الاقل تحد من تداولها.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.