اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• نقد النقد : من أجل قراءة نقدية رصينة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عبدالرزاق اسطيطو

 

 مساهمات اخرى للكاتب

·        نقد النقد : من أجل قراءة نقدية رصينة

 

كما قلت سابقا عبر مقالة "النقد صناعة"بأن تطور المناهج وثراء الثقافة العربية النقدية والبلاغية راجع بالأساس إلى الخروج بالشعر عن الحدود الفنية التقليدية"الشعر كلام موزون مقفى" بتعريف قدامة ابن جعفر .

فبثورة أبي نواس وبشار ابن برد على المقدمة الطللية ومحاولتهما خلق أشكال شعرية جديدة توازي الشعر التقليدي,هذا التحديث{التجريب}دفع بالنقاد والبلاغيين إلى البحث عن آليات نقدية قادرة على تفسير وتأويل المستحدث ,سواء أتعلق الأمر ببنية القصيدة في كليتها أو تعلق الأمر بأحد مكوناتها أو

ببعض منها, كالخروج باللغة مثلا بتعبير الآمدي في "الموازنة"في حديثه عن شعر أبي تمام إلى المحال لما تحتاج  من استنباط واستخراج وشرح,يقول الآمدي"فإن شئت دعوناك حكيما,أو سميناك فيلسوفا,ولكن لا نسميك شاعراولا ندعوك بليغا",أو تعلق الأمر بدراسة العلاقة التي تجمع بين اللفظ والمعنى أي بين الشكل والمضمون,يقول الدكتور الباحث المغربي محمد مشبال في كتابه القيم "البلاغة والأدب""التحديث في الشعر سيؤدي إلى اكتشاف سمات بلاغية جديدة مستمدة من حقل الإبداع الشعري لا يملك النفاذ إليها سوى الناقد البصير".

أوعلى مستوى العلاقة التي تجمع بين هذين المكونين ومكون أساسي في الشعر الذي هو الوزن {القصيدة التقليدية} والإيقاع {القصيدة الحديثة},هذا المكون يتم إغفاله أحيانا كثيرة خاصة عند الحديث عن بلاغة الشعرأو العلاقة التي تجمع اللفظ بالمعنى,أثناء الحديث عن ماهية الشعروحدوده الفنية,وكيفية التمييز بين ماهو شعري وبين ما هو غير شعري,أي هل الشعريةتتجلى في اللفظ بقولة الجاحظ المشهورة"المعاني مطروحة في الطريق ,وإنما يتفاضل البلغاء في اختيار اللفظ",أم في القدرة على النظم كما نجد عند عبد القاهر الجرجاني في كتابه "دلائل الإعجاز و"أسرار البلاغة" وبعده البقلاني وابن رشيق وابن السنان الخفاجي والزمخشري وفخر الدين الرازي والسكاكي وحازم القرطاجني وكتابه القيم"منهاج البلغاءوسراج الأدباء"وغيرها من الأسماءوالمراجع التي يصعب حصرها,هذه النظرية نظرية "النظم" التي وقف عندها الشاعر الكبير أدونيس بالشرح والتدليل في الجزء الثالث من كتابه القيم "الثابث والمتحول"صدمة الحداثة"يقول هذا الشاعر"يرى الجرجاني أن شعرية النص لا تجيءمن الوزن والقافية,وإنما تجيءمما سماه طريقة النظم ويعني النسق الذي تأخذه الكلمات", والقارئ للجرجاني وللدراسات التي تناولت هذه النظريةيعلم أن النسق"النظم" يكون وفق علم المعاني "النحو" فتعالق الكلمات يتم على هذا الأساس وبشكل يصعب معه استبدال كلمة أو جملة"ملفوظ" دون أن يفقد النسق توازنه الدلالي والنحوي والجمالي وهو سر الإعجاز القرآني.

فمكونات النظم لغويا ودلاليا وجماليا في القرآن غيرمكونات النظم في الشعر.

فالقدرة على التأليف في الشعرينبغي أن تراعي مكون أساسي فيه الذي هو الوزن والإيقاع باعتبار الأذن العربية أذن مموسقة يقول الدكتور محمد الأمين المؤدب في آخر إصداراته القيمة "بلاغة النص الشعري القديم"هناك علاقة داخلية بين الإيقاع والمعنى{}وهناك نماذج شعريةيؤدي فيها الإيقاع دورا حاسما".

فاختيارالكلمات التي تدخل في تركيبة وبناء الجمل والصور البلاغية الشعرية من مجاز واستعارة وتشبيه وكناية وحذف وتقديم وغيرها من الأوجه البلاغية يتم على أساس حمولتها الوزنية والإيقاعية وعلى مدى قدرتها على خدمة الصور المجازية التي تعتمل في ذهن ومتخيل الشاعر و الشاعرة, والمعنى الذي يروم الشاعر والشاعرة  التعبيرا عنه .

فعبر التحديث جاء الثراء النقدي والبلاغي وتعدد المناهج والتي انقسمت عبر مراحلها التاريخية إلى مناهج سياقية كالمنهج التاريخي والواقعي الإيديولوجي ,والنفسي..ومناهج نسقية كالمنهج الجمالي والمنهج البنيوي ومابعد المنهج البنيوي أي كل ما تفرع عن لسانيات دوسوسير من سميائية وسميوطيقا وسيميولوجية.انطلاقا من قولة صاحب "درجة الصفر في الكتابة "رولان بارث"لاشيء خارج النص".

وبالتجربة تبث قصور هذه المناهج في دراسة وتحليل وتقويم النصوص الشعرية بما فيها المنهج المتكامل,ولا يمكن كذلك تجاهل مذا استفادة الأدب عامة والشعر والنقد خاصة من هذه المناهج في استبطان واستخراج والتعليل والتفسير والتأويل عند استثمارها بشكل رصين .

فالإبداع خلق وثورة وتجديدوالشعر إبداع  يذهب بفيضه إلى الخروج عن المألوف ويعمل علىالهدم والتجاوز ورسم معالم وحدود وسمات أسلوبية"بلاغية" وإيقاعية "القصيدة الحديثة" جديدةتحتاج إلى تدخل عوامل أخرىتساعد المنهج من أجل اكتشافها,من هذه العوامل المساعدة الحدس بالتعبير الصوفي وقراءة الشعر بالشعرهذين العاملين يمتحان من الثراء المعرفي الشعري ومن الموهبة.كيف ذلك؟

هذا السؤال يقودنا إلى طرح أسئلة أخرى منهاعلى أي أساس تتم استعارة المناهج؟ وكيف يتم تطبيقها على القصائد؟وعلى أي أساس يتم انتقاء القصائد للدرس النقدي الآن؟

فبغياب المواكبةالنقديةالجادة لظاهرتي استسهال الكتابة الشعرية والنقدية،بحيث جعلت الكتابةالشعرية من

قصيدة النثر المطية الدلول الموصلة إلى جنان الشعر،فقصيدة النثر التي نظرت لها سوزان برنار وتبنتها" جماعة شعر"تنظيرا وممارسة مع كل من أدونيس وأنسي الحاج ويوسف الخال وشوقي أبو شقرا وفؤاد رفقة والماغوط وآخرون لها حدودها الفنية المرسومة لهاوهي الكثافة والمجانية والتوهج،  فالكتابة عن جهل ببنيتها وبتركيبتهاو شكل إيقاعاتهاأدى إلى الفوضى والضعف في الكتابة الشعرية الراهنة.

ركام من القصائدالتي تنشر يوميا،تشبه غثاء السيل وينطبق عليها قول أبو هلال العسكري في الصناعتين"  والذي قصر بالشعر كثرته وتعاطي كل أحدله {}فلحقه من النقص ما لحق الشطرنج حين تعاطاه كل أحد"

ونفس الشيء ينطبق على الكتابات النقدية الراهنة مما دفع مرة بجورج طرابشي إلى القول "أن أطنانا وأطنانامن الورق المسمى بالنقد يجب أن يلقى في سلة مايفسر ضآلة"

فالكم لكي يدل على الحيوية والثراء لا بد وأن يصاحبه الكيف أي أن يكون ذا جودة وقيمة فنية.

فالإبداع في جنس قصيدة النثرحتى وإن كانت هذه الأخيرة حدودها وقوانينها غير مغلقة ونهائية بفعل تطور قصيدة النثر نفسها وانفتاحها الدائم على التجريب فهي لا تعني الفوضى والكتابة من فراغ  وترصيص الكلمات العادية في شكل القصائد الحديثة واللعب بها تحت يافطة التجريب من دون رابط لغوي ودلالي وجمالي وإيقاعي،أي بلا مرجعية رؤيوية وشعرية استيتيقية،فالشعر رؤيا كما يعرفه أدونيس والشعر كشف ونبوءة،والشعرخيال وكلام منغم بتعريف نازك الملائكة،والشعر لغة وثراء معرفي وشعري وفني،والشعر موهبة وذوق وإحساس وصناعة،ومن لا موهبة له ولا لغة له ولا ثراء له لا شعر له,يقول الشاعر المغربي نجيب خداري في إحدى مقالاته المنشورة بجريدة العلم المغربية "اللغة الضعيفة لا تلد إلا شعرا ضعيفا".

فبغياب النقد الرصين والهادف طفى على السطح النقد الساذج والنقد الحالم والنقد البارغماتي والقصدية في انتقاء القصائد والدواوين الشعرية،والنقد ذا القالب الجاهز الذي لا يراعي تفرد وخصوصية النصوص.

فالمنطلقات في اختيار القصائد صارت الآن فاسدة،فبعض النقاد ما عادوا ينطلقون من إعجابهم بالقصيدة أو العكس،مثلما كان يفعل في السابق مثلا الناقد "صياد اللؤلؤ" رجاء النقاش،الذي كان يدرس القصائد التي يحبها ويعمل على إشراك القارئ في لذة الإستمتاع بها،فالإختيار الآن تتحكم فيه عوامل أخرى كالمجاملة والصداقة والإنتماءات الحزبية والمؤسساتيةوالمنافع المتبادلة والبحث عن الشهرة والحضوة والجميلات من الشاعرات أو التكسب بالبحث عن المجلات المتخصصة التي تدفع أكثرمقابل المقالة النقدية،ومن هنا يأتي التهميش الذي يطال القصائد الجميلة لعدم توفرها على الشروط الفنية الحديثة،ومن هنا يأتي إقحام الغث ومساواته وربما تفوقه أحيانا على الجيد،ومن هنا تأتي المقالات التي تدعي النقد والتي تفتقر استنثاجاتها وخلاصاتها وأحكامها للتعليل والإستقراء  العلمي الدقيق وللخبرة وللثراء المعرفي وللقدرة على الموازنةفيما بين النصوص...فاستعراض المعرفة بالمناهج وإغراق القصائد بما لاتحتمل من المفاهيم والمصطلحات الغامضة والأساليب المستعصية على الفهم ،وإسقاط منهج معين على جميع النصوص دون مراعاة لخصوصية نص عن نص آخرصار ظاهرة تحتاج نفسها للنقد.

يقول الدكتور عباس الجراري"المنهج أولا وقبل كل شيء وعيا {}تنتج عنه رؤية ويتولد تصور وتمثل للهدف من المعرفة"النص هو الذي يقترح منهجه وليس العكس،فالإرتهان الغير المشروط للمنهج على حساب القصيدة يؤدي إما إلى غموضها أوإعدامها نهائيا،فلا بد إذن من تكييف وتطويع المنهج ،والمعرفة بالمنهج والقدرة على تطبيقه تبقى أحيانا عاجزة عن فهم وتحديد وتفسير وتأويل النصوص واستخراج الدرروالسمات البلاغية الجديدة منها وهنا تتدخل العوامل المساعدة كالموهبة والثراء المعرفي والخبرة ،وهي عوامل في نفس الوقت تعمل على إغناء وتخصيب أفق النقد والبلاغةمعا،فالقصيدة تبحث عن ناقد ومبدع في الآن نفسه.

 

المغرب 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.