اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

زهرة الرازقي!؟ -//- محمد علي الشبيبي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

زهرة الرازقي!؟

محمد علي الشبيبي

تذكرني زهرة الرازقي بأيام مراهقتي، أيام أول الشباب حيث لا هموم وقليل من الالتزام والمسؤوليات ... كان الخروج إلى المدارس صباحا لها لذة خاصة ... حيث الجميع طلبة وطالبات، من مختلف المستويات يتوجهون إلى مدارسهم ... وسط شوارع نظيفة جداً مقارنة بهذا الزمن الأغبر، والأرصفة تسهل لنا السير بعيدا عن حركة السيارات الطائشة، ومع هذا كنا نفضل السير على جانب الطريق ونترك الأرصفة ...

كان الذهاب إلى المدرسة صباحا والعودة منها إلى البيت فرصة جميلة يتحينها المراهقون شبابا وشابات من طلبة المدارس المتوسطة والإعدادية، حيث تتلاقى النظرات، وتتبادل الابتسامات، وربما يتبادل البعض التحايا بالنظر أو الانحناءة المؤدبة الخجولة بالرأس، أو بالابتسامة الصباحية المشرقة، وقد يتبادل البعض تحية الصباح بصوت منخفض يصاحبه الخجل والرقة والاحترام، والرد من قبل الطرف الآخر وخاصة الفتيات بأكثر رقة وخجلا ودفئا أو بصمت وخوف تبرره العادات والتقاليد ... الفتيات كالزهور المتنقلة المتفتحة تواً يزهي بهنَّ الشارع صباحاً وهن يتجهن إلى مدارسهن أو أنهن عائدات إلى بيوتهن، يرتدين ملابسهن الزاهية الألوان ، بتنورات قد تعلو الركبة في قصرها، وقمصان بيضاء تبرز منها نهودهن البكر النابضة بالحياة وهي تتراقص متحدية متناغمة مع ضحكاتهن وأصواتهن وهن يتبادلن الحديث أثناء السير ... لم يحدث يوما أن تجاوز أحدنا بالتعدي على الفتيات المراهقات وحتى وإن كُنَّ لعوبات أو مبالغات بخفة مشيهن أو حركاتهن أو قهقهاتهن حتى وإن كانت ملابسهن غير محتشمة بعرف مفاهيم الشباب في أيام الجهل التي يعيشها الشباب اليوم ... التعدي لم يكن أكثر من نظرات ارتياح وتجاوب بنفس الخفة، أو استغراب وفي أحيانٍ نادرة استهجان من قبل المراهقين المعقدين والمتناقضين! كنا نعتبر أي تصرف سيء أو جيد يعود ويخص صاحبه ولسنا إلا طلبة ولسنا بمصلحين ... لم نستهجن ضحكة مراهقة لفتاة، أو حركة خفيفة مفتعلة برشاقة أنثوية جذابة تقصد منها صاحبتها لفت انتباه الشباب إليها، ولم نتناقل أخبارها للإساءة إليها أو لعائلتها أو تكون محور أحاديثنا، كما يحدث اليوم بين كثير من الشباب المتخلف الذي غُسِلت أدمغتهم ولا أحاديث لديهم غير تناول سيرة فتيات المحلة وغيرهن من فتيات عابرات ...! في أسوء الحالات قد يتبادل البعض أخبار علاقاتهم الغرامية بحذر شديد دون الإساءة أو حتى دون ذكر الأسماء وليس لغرض التشهير أو الانتقام، كما يحدث في عراق اليوم بين كثير من الشباب المتبرقع بالدين ويعميه الجهل والتخلف!؟. هكذا كانت حياتنا بهذه البساطة، قلوب بيضاء نظيفة ونوايا بريئة حسنة، لا يعكر صفوها وطبيعتها أحاديث منافق دجال أمتطى الدين وتستر بعباءته لينشر الظلام والجهل مشوها ديننا بأحاديث كاذبة ومزورة مدعيا أنها هي السيرة المحمدية، بينما هو يقترف أخس الموبقات ويحلل لنفسه الدنيئة نهب المال العام وأموال اليتامى والمساكين، وينشر الرذيلة والانحطاط الأخلاقي بإشاعة زواج المتعة، أو الدفع بالعوائل بتزويج بناتهن الصغار دون الرابعة عشر وحتى التاسعة من العمر بحجة السنة النبوية، أو يستغل الأرامل والمطلقات للإيقاع بهن بحجة سترهن وتوفير حياة كريمة لهن وهو لا يهدف سوى إشباع غريزته الحيوانية ... وغيرها من ممارسات خسيسة وفي أحسن الأحوال يصمت عن هذه الممارسات ...

كنتُ –أيام الشباب- أحيانا أغادر البيت صباحا للمدرسة وقد اقتطفتُ، وبدون علم والدي، زهرة الرازقي من شتلة صغيرة كان والدي يحب اقتنائها بالبيت ... هذه الزهرة هي من نوع الياسمين وذات رائحة عبقة رائحتها تدغدغ الأنفاس برقة تترك أثرها الطيب في النفوس، وها أنا ذا الآن أشم رائحتها بالرغم من أن مزابل الشوارع وفضلات البيوت والجيف تنتشر حول البيوت وفي كل نواحي المدينة بفضل المسؤولين المتحكمين في مقدرات الشعب من معممين ولابسي عباءة الدين من الأفندية متجاهلين القيمة الإيمانية والسماوية للحديث الشريف (النظافة من الإيمان) بدجلهم ونفاقهم ... أمسك زهرة الرازقي بيد وكتبي باليد الأخرى وأنا أخترق شارع العباس في محلة العباسية الشرقية متوجها صوب مدرستي (ثانوية كربلاء للبنين) في صباحات الربيع بنسماته الصباحية الباردة والصيف بنسماته المنعشة، كانت هذه الزهرة تعني لي الكثير، تعني المحبة للجميع، تعني الأمن والاستقرار النفسي، تعني صفاء الروح، تعني الرغبة والطموح في التفوق الدراسي ودوافعه العاطفية والإنسانية والعائلية والذاتية ... تعني أن تتقابل مع فتاة جميلة (مع العلم كل الفتيات جميلات) فلا تحتاج لتهمس بإذنها أجمل كلمات الغزل بل يكفي أن ترفع يدك، كمن يرفع يديه للدعاء إلى السماء يطلب النجدة، لتشم زهرة الرازقي لتفهم منك أو هكذا كنت أقصد أنها هي الزهرة التي أود شمها واحتضانها ...!

اليوم تذكرت زهرة الرازقي وأنا أسير في شوارع محفّرة، قذرة، متربة تتحول إلى أطيان وبحيرات آسنة فيما لو أمطرت، شوارع تتسابق فيها السيارات –والستوتات- والدراجات البخارية دون رقابة وتنظيم معرضة أرواح الناس للخطر ... أسير وفي مخيلتي شوارع أيام زمان أيام مراهقتي وشبابي (قبل خمسة عقود وأكثر) فأحس بحسرة وألم يعصر قلبي لما وصل إليه وطننا وشعبنا الذي يغط في ظلام وجهل لأبسط حقوقه واكتفى بما يقدَم له من فتات ومفاهيم مخدرة تستند على تحريض طائفي ومذهبي .... أحس بالألم والإحباط وأنا أستمع لبعض الشباب المراهق من الجنسين وهم يحفظون آيات من القرآن الكريم، وأحاديث نبوية ونصائح حول قيم الدين، لكن ما يحفظونه لم يرفع نفوسهم لتسموا ويكونوا أكثر أدبا وخلقا وحتى طموحا (في حالات كثيرة) مما كنا عليه، شباب ينخر الشك فيه ويفتقد الثقة بالنفس وفي الآخرين وحتى في الأقربين، نعم شباب مسكين مستكين للظلم منتهك الحرية والإنسانية وقد سلم مصيره وعقله بيد تجار الدين وبعض خطباء المنابر الجهلة الذين يقتلون الطموح الجاد، وينشرون الشك القاتل في نفوسهم، ويزعزعون ثقتهم بأنفسهم ويعززون فيهم حالة اليأس والاستسلام بذريعة القدر والنصيب والقسمة الإلهية ... نعم شباب محطم مهزوم بلا طموح لا يفهم من الحياة سوى الأكل والنوم وانتظار موعد الزواج حتى وإن كان عاجزا عن العمل والاستقلال عن عائلته والقيام بواجبه كرب بيت كما تتطلبه الحياة الكريمة ...!!؟ شباب يختلف جذريا عما كنا عليه!

عشقي وذكرياتي لزهرة الرازقي دفعتني لاصطحاب شتلتها إلى موطن غربتي في السويد عند زيارتي الأولى للوطن بعد السقوط ... هذه الشتلة وما تحمله من أزهار بيضاء تفوح عطرا هي رمز جميل يذكرني باهتمام والدي وحبه للزهور وقد حُرم من متعتها واحتوائها في حديقة صغيرة متواضعة كما كان يحب، تذكرني بأيام الشباب أيام صفاء القلوب البيضاء والنوايا الحسنة والثقة العالية بالنفس وبالآخرين بعيدا عن الشك والظنون والطموح في حياة ومستقبل أفضل، وتحملنا من أجل هذه المبادئ والأخلاق الكثير ... يحز في نفسي أننا (الأجيال السابقة) فشلنا في أن نورث هذه الأجيال هذه الخصال الطيبة، وتركناها تحت رحمة الفاشست ومن ثم المتخلفين المرضى بعقد وهوس العورات والجنس!

زهرة الرازقي! هي رمز للشباب الذي يفوح منه عطر المستقبل الزاهر الحيوي الذي يحمل كل القيم الإنسانية الجميلة ... زهرة بحاجة إلى العناية بها لتكون شعار يقتدي به شبابنا لمحاربة الجهل والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية والانعتاق نحو العالم بثقة عالية بالنفس والمستقبل ...!

محمد علي الشبيبي

السويد/ النجف الجمعة 22/2/2013

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.