اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الْكَابْتِنُ عوني يوأو- قصة قصيرة// مارتن كورش تمرس

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

مارتن كورش تمرس

 

عرض صفحة الكاتب 

الْكَابْتِنُ عوني يوأو- قصة قصيرة

مارتن كورش تمرس

 

حينما كنا في صغرنا على مقاعدِ الـ(رحلة) في مدرسة دبس الإبتدائية المختلطة، كانت المعلمة تحكي لنا قصصًا عن المحبة، الصداقة والقيادة. أذكر قصة "الراعي والخراف" وهي تسردها لنا:" لكل قطيعٍ من الخراف، الأغنام، الجداء والماعز، راعٍ يرعاها، يقودها إلى العشب والماء ويحميها من شرِّ الذئاب..." عندما عبرتُ إلى مرحلة الدراسة المتوسطة تذكرتُ تلك القصص مع نصائح المعلمةِ وأنا أمارس لعبة كُرَة الْقَدَمِ مع أقراني في الزقاقِ الـ(دربونة) عرفتُ أن لكل فريق رئيسُ فريقٍ يقود أعضاءه إلى تحقيق الفوز، لذلك ترى لاعبي الفريق يطمئونَ عندما يظهرُ واحدٌ من بينهم تجتمع فيه صفات الـ(كابتن).

 

ظلت الكرة بين أقدامنا تتنقل معنا من مرحلة عمرية إلى أخرى، من أيام الطفولة إلى أيام الصبا ثم الشباب إلى أن أنهى معظمنا دراسته الجامعية. كنا أيام الصبا والشباب نلعب كُرَة القَدَم في أزقة الـ(درابين) دور مؤسسة كهرباء دبس، كان بيننا من هو أكبر منا سنًا حيث منحته تلكم السنين خبرة في قيادة فريق كُرَة القَدَم، الذي لم يتأخر عن تدريبنا والغدق علينا من خبرته.

 

في أحد أيام العطلة الصيفية بينما كنا نتبارى فيما بيننا على ساحةٍ مفروشةٍ بالثيل قبالة دور الـ(جييم) في المنطقة السكنية العائدةِ لمؤسسة كهرباء دبس (دور المصلحة) لم يتجاوز يومها عدد أعضاء كل فريق الثمانية لاعبين. حضرَ مشاهدة اللعبةِ الشاب (عوني يوأو) الذي كان يواصلُ دراسته في كلية التربية الرياضيةِ في جامعة بغداد. قَدِمَ لقضاء فترة العطلة الصيفية في مدينة دبس حيث مسكنه في دور شركة النفط الـ(كمب). أثناء الإستراحةِ، قالَ لنا:

 

·      لديكم فريقًا لا يعوزه سوى التدريب، التخطيط والرعاية. أرى أن رئيس فريقكم يبذل قصارى جهده معكم. يجب عليكم تجاوز مرحلة اللعبِ في الأزقة والتباري على ملعب مؤسسة الكهرباء، من أجل العبور إلى مرحلة الفريق الواحد المستعد للتباري مع الفرق الشعبية في محافظة كركوك. لديكم مقومات الفريق الواحد، إضافة إلى الجو النقي الذي يغطي جو مدينتنا دبس! لا زحمة المركبات ولا إزدحام النفوس كما هو في العاصمة بغداد، إضافة إلى إطلالها على نهر الزاب الأسفل.

 

فرحنا جدًا بتشجيعه لنا خاصةً وهو طالب يدرس في كلية التربية الرياضية، سيتخرجِ مدرسًا يُدرسُ حصة الرياضة في المدارس الثانوية في الوطن. بعد أن شاهدَ فينا تقبلنا لنصائحه وتيقنَ رغبتنا الجادةِ في ممارسة لعبة كُرَة القَدَم. إقترح علينا أن نكون الورثة الفعليين لـ"منتخب دبس لكُرَة القَدَم" ونحلُّ محل الفريق الأول الذي تفرق أعضاؤه لأسباب متعددة منها زواج بعضهم أو إنتقال أهاليهم إلى مدنٍ أخرى...إلخ حتى ننخرطَ في فريقٍ واحدٍ يجتمعُ فيه أحد عشر لاعبًا من بين لاعبي ناحية دبس إضافة إلى عدة لاعبين إحتياط، يختارهم هو نفسه بإعتباره. حتى يواصلَ الفريق تباريه مع الفرق الأخرى في محافظة كركوك، يُمثلُ أعضاؤه ناحيتنا أمامهم، طلبنا منه أن يترأسَ فريقنا فيكون الـ(كابتن) والمدرب في آنٍ واحدٍ. وافقَ دون ترددٍ، أخذَ في الحال ورقةً وقلمًا وبدأ بتسجيل أسمائنا لنُكَوِّنَ فريقًا لكُرَة القَدَم قادر على خوض مباراة مع الفرق الشعبية والأندية في المحافظة على المستطيل الأخضر.

 

بدأنا في اليوم التالي تحت إشرافه مرحلة من التدريب، فِي سَاحَةِ الدور السكنية لشركة نفط الشمال (IPC) تضمنَ الهرولة، الركض السريع، التكتيك، المراوغة، المناولات القصيرة والبعيدة، ممارسة التمارين السويدية. دون أن ينسى الواحد منا ممارسة العوم في مياه نهر الزاب الأسفل.

 

بعدَ عدةِ أسابيع رأى الكابتن (عوني يوأو) إستعداد الفريق للتباري مع الفرق الأخرى، إتصل مع رئيس أحدى الفرق الشعبية في محافظة كركوك. في صباح اليوم التالي إجتمعبأعضاء الفريق لكي يقوي معنوياتهم ويعرف ما هي نقاط الضعف. طلبَ من كل لاعبٍ أن يُظهِرَ له تجهيزاته الرياضيةِ، إندهش عندما شاهدَ حذائي اللاعبين (م. ك) و(ف. ك) لا يَفَيَّان بالغرض! لأن حذاء الأول  مخصص لرياضة الساحة والميدان (بوتين أبيض خفيف عادي). أَمَّا حذاءاللاعب الثاني فكان مخصصًا لممارسة لعبة الكرة الطائرة.

 

سألهما عن السبب؟ أجابَ الأول وهو يلعبُ في خط الهجوم: " لقد تمزق حذائي الـ(لابجين) ولا أملكُ مبلغًا لكي أشتري غيره." أجاب الثاني وهو يلعب في خط الدفاع:  "كنتُ قد إستعرتُ الحذاء الـ(لابجين) من شقيقيَّ لكنه غير رأيه البارحة وأخذه مني." قرر على الفور أن يذهبَ بنفسه إلى مدينة كركوك ويشتري حذائي كرة القدم الـ(لابجين) لكلا اللاعبين من مصروفه الخاص.

 

دخل فريقنا أولى مباراته الودية مع ذلك الفريق الشعبي القادم من المحافظة. كانت مباراة لا بأس بها، حضرها  جمهور غفير من مشجعي فريقنا، في مقدمتهم موظفو مؤسسة الكهرباء والناحية، حيث أُقيمتْ على ملعب المستطيل الأخضر لفريق كُرَة القَدَم العائد لمؤسسة كهرباء دبس. لا أودُ أن أذكر نتيجة المباراة، لأن الهدف كان أسمى منها. بعد إنتهاء المباراة إحتفلنا كأعضاء فريق واحدٍ بفرح وإبتهاج حيث حملنا الكابتن (عوني) على أكتافنا، ثم تقدم الجمهور وحملنا نحن اللاعبين على أكتافه بينما إرتفعتْ في أجواء الملعب الأهازيجُ الشعبية باللهجة العراقية. منها على سبيل المثال:  "هذا الكأس إلنا وعوني معلمنا." " فريق دبس فريق الأبطال، الفوز له حلال."  دير بالك تلعب ويه فريق دبس، إيْكَوِّلْ مثلما ياكل دبس."

 

بعد أن غادرَ الجمهور المكان، جمعنا الكابتن (عوني) وأخذ يكشف لنا نقاط الضعف والقوة في كل لاعبٍ. قالَ لنا:

 

·      يجب أن لا يأخذكم الفوز في المباراة إلى الإفتخار، يؤدي الإفتخار إلى الكِبْرِياءِ ويؤدي الكِبْرِياءُ إلى التغيِّب عن التمرين. عليكم أن تحافظوا على لياقتكم، عدم التدخين، تقبل النقد من الجمهور، سماع أوامر الكابتن، الإلتزام بالأخلاق الرياضية ومواصلة دراستكم. إعتبروني أخاكم الكبير.

 

ودعنا بعد أسبوعين عائدًا إلى العاصمة بغداد لكي ينهي العام الأخير من دراسته الجامعية، تخرجَ الأستاذ الكابتن (عوني يوأو) بعد عامٍ من الجامعةِ وحصل على شهادة البكالوريوس في التربية الرياضيةِ. تم تعيينه مدرسًا لحصة درس الرياضة في مدرسة ثانوية دبس المختلطة. لم يتأخر عن دعم أعضاء فريق منتخب دبس لكُرَة القَدَم ماديًا بل وضعَ راتبه الشهري تحت تصرف أعضاء الفريق. بدأ وشكلَ فَرِيقُ كُرَةِ الْقَدَمِ للثانوية، إستطاعَ أن يشاركَ لعدة سنواتٍ في مسابقاتِ دورة تربية مدارس كركوك لِكُرَة القَدَم.

 

بقلم أحد أعضاء الفريق/ مارتن كورش تمرس لولو

 

هذه القصة حقيقية مستنبطة من مجموعتي القصصي (القلوب عندما تسافر) الصادرة عام 2003

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.