اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

ديركة ..القرية الكردية التي أوجعت قلبي// أمير أمين

تقييم المستخدم:  / 5
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

ديركة ..القرية الكردية التي أوجعت قلبي

أمير أمين

 

في اليوم الأول من شهر تشرين الثاني عام 1980 نزلت بمفرزة قتالية مع عدد من رفاقي انصار الحزب الشيوعي العراقي في قاعدة بهدينان وكانوا من مختلف الأديان والقوميات المتعايشة في العراق فمثلاً كان بينهم المسلم السني والشيعي وكان المسيحي الكلداني والآشوري وكان الصابئي والايزيدي , وإنتضمنا بعد ذلك بمفرزة كانت بقوام سرية يربوا عدد أفرادها على الثلاثين نصيراً مسلحين بأسلحة خفيفة ومتوسطة يقودنا رجل كردي ايزيدي هو الراحل علي خليل المكنى أبو ماجد .كان يجوب بنا المنطقة سيراً على الاقدام من قرية الى أخرى وبمسافات مضبوطة بين نصير وآخر للتعرف على قرى منطقة بهدينان وسكانها الفلاحين البسطاء ومن أجل التحدث اليهم عن معاناتهم ومشاكلهم وحجم الجرائم التي تقوم بها السلطة ضدهم وضد الشعب العراقي بشكل عام فنقوم بتوزيع جريدة طريق الشعب وبيانات الحزب للبعض منهم ممن يستطيعون القراءة باللغة العربية وأيضا تقوم المفرزة بإستطلاع ربايا الجيش وتحركاته ونشاطات العملاء والمعادين , مررنا خلال تجوالنا بعشرات القرى وكنا ننام في جامع إحداها كل ليلة وننعم بدفء هواء المدفئة التي تشتعل على نار الحطب بعد أن نستلم من بيوتها الأفرشة اللازمة للمبيت تلك الليلة ونقوم بتنظيم الحراسات قرب الباب بمعدل نصير واحد أو حرسين حسب خطورة القرية وموقعها وعند الصباح نخرج منها وننتشر بعيداً عن أعين العدو والمعادين لنا لمواصلة التجوال في نهار اليوم الثاني ولعدة ساعات لقرية أخرى وهكذا.. ونستريح في منطقة عشبية باردة جدا ورطبة ونوقد  النيران ونضع في حافاتها الزمزميات المملوءة بالماء لعمل الشاي وتناول وجبة الفطور والتي غالباً ما تكون الخبز فقط أو بعض المعلبات التي نشتريها من القرى التي نمر بها ونجد بعضاً منها في دكانها الصغير .في صباح يوم الخامس عشر من شهر كانون الثاني عام 1981 وبعد مسيرة شاقة وبرد شديد وصلنا الى قرية ديركه التي يدخل اليها انصار الحزب الشيوعي لأول مرة في ذلك اليوم ومكثنا فيها الى الغروب مما أتاح لنا المجال للتعرف عليها عن قرب وقد كانت تئن الماً من جراح التدمير والحرق والتهجير الذي لحق بسكانها على يد السلطة الغاشمة وقواتها التي لا ترحم ! قرية ديركه الهادئة الوديعة والتي تم ارغام أهلها على ترك بيوتهم بالقوة من قبل مغاوير الجيش العراقي منذ اكثر من أربعة شهور والنزوح الى دهوك تاركين بساتينهم اليانعة وبيوتهم البسيطة وكل ما عز عليهم وخاصة ذكرياتهم ومصدر معيشتهم ومأواهم الذي لا يعوض بكنوز الدنيا ! كان عدد بيوتها بحدود ال 15 لذلك استطعت ان اتفحصها بعناية ولمدة لا تتجاوز الساعة وكم آلمني منظر الاطلال وآثار التدمير المتعمد للبيوت والأشجار المثمرة كالتين والعنب والتفاح وغيرها وقد كانت آثار التدمير المدفعي واضحة من خلال عثوري على قذيفة وأيضاً شاهدت في احدى الغرف ان الجنود قد تركوا ورائهم ظرفاً صدئاً يحتوي عشرات الاطلاقات وفي مكان بارد كان هنالك كلب نائم بلا حراك كان مسترخياً تماماً بدون نفس وقد حركته بقدمي فلم يستجب وكان ميتاً أو مقتولاً من قبل الجنود الذين دخلوا القرية وشردوا سكانها بالقوة وكانت في القرية مدرسة صغيرة جداً وقد تم العبث بكافة محتوياتها وفي احدى غرفها كانت تنام هرة نومةً أبدية بعد أن أصيبت بطلقة فلم تستطع الخروج من الغرفة لحين وفاتها فيها وعلى مقربة من المدرسة الصغيرة لاحظت عين الماء وشاهدت ان فيها ثلاثة أسماك صغيرة كانت تسبح وكان أهل القرية قد جلبوها هنا لكي تعيش وتتكاثر في هذه العين الدافئة وتتناول الديدان والحشرات وقد أفلتت من أيدي الجنود بقدرة قادر! لاحظت ان أشجار الكروم والفواكه الأخرى حزينة ومهملة ومتقطعة الاوصال وكانت المدرسة وجامع القرية شبه مهدمة وقد تناثرت الفوانيس والافرشة في عدة أمكنة و الابواب والشبابيك كانت مكسرة ورأيت الاعمدة والصوبات متناثرة ومرمية بعبث كذلك طعام الدواجن وقطع الحطب والتي تم جمعها بعرق الناس الكادحين لدرء خطر البرد في الشتاء فكانت كلها ترتجف برداً وتغرق في المطر ..لقد حل الخراب بكل شيء في هذه القرية الجميلة الواقعة في أجمل الأماكن والقريبة من ناحية مانگيش..كنت حزيناً ذلك اليوم وقد فكرت كثيراً بأهالي القرية وأين هم الآن ! وأي مصاب حل بهم بعد هذه الكارثة اللاإنسانية وماذا سيعملون هناك في دهوك التي رحلوا اليها عنوة وكيف سيعيشون بقية حياتهم ! إنها جريمة بحقهم لا تغتفر ..! خرجنا من قرية ديركة المهجرة والنازفة دماً وسرنا بضعة ساعات الى ان وصلنا ليلاً الى قرية بيسفكي والتي يدخل اليها انصار الحزب الشيوعي لأول مرة وهي قرية كبيرة وينعم أهلها بالكهرباء وقد بتنا في جامعها الكبير ولاحظنا بتعجب ان فوق رؤوسنا علقت المراوح السقفية لكن ألم قرية ديركة بقي هاجسنا لعدة أيام الى ان مررنا بعدة قرى مماثلة لها من ناحية الحرق والتدمير فهان أمرها وصارت المسألة شبه طبيعية وهي إنعكاس لهمجية وشوفينية النظام المقبور بحق الأبرياء من شعبنا الكردي وسكان قراه الكادحين .

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.