اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

حنا بطاطو ونهجه في تفسير تاريخ العراق المعاصر// نبيل عبد الأمير الربيعي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

حنا بطاطو ونهجه في تفسير تاريخ العراق المعاصر

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

    العراق البيئة المتنوعة والمتعددة الثقافات , وقطب المشكلات والمعضلات, والجدار السامق التي تصطدم عليه كل التحديات, والأخطر من ذلك تبلور مستوياته وطبقاته الاجتماعية ضمن البنية التاريخية الواحدة ,والحدود الجغرافية التي تكاد تقترن بمواصفاته ببلدان أخرى مجاورة أو بعيدة فيها عن تنوعاته وتلوناته وتشابكاته , ولكنها ليست شبيهة بما في العراق.

     صدر عن دار الرافدين في بيروت كتاب (حنا بطاطو.. في سيرته ومنهجه وتفسيره لتاريخ العراق المعاصر) من إعداد وتحرير الكاتب والباحث مازن لطيف ,الكتاب من حجم الكبير (الوزيري) وذات طباعة جيدة , يحتوي على (205 صفحة),الكتاب يتضمن ثلاثة أجزاء ومقدمة, الجزء الأول والثاني تخللَ سيرة حياة الباحث, أمّا الجزء الثالث فقد تضمن نصوص ومقالات للباحث بطاطو قد تمت ترجمتها من قبل الباحثين في الشأن العراقي من النصوص الانكليزية إلى العربية بعد مراجعة رأي الباحث بطاطو, والكتاب هو أول كتاب يصدر عن حياة الكاتب والباحث الفلسطيني حنا بطاطو من قبل كتاب وباحثين كبار أمثال (سيار الجميل, فالح عبد الجبار,إبراهيم الحيدري, ماهر شريف,رياض الأسدي, أسعد أبو خليل, زهير الجزائري, صالح الطعمة, أحمد القاسمي).

     قدم الباحث مازن لطيف كتاب مهم أغنى بها المكتبة العراقية والعربية عن سيرة حياة الباحث حنا بطاطو فضلاً عن بعض النصوص المهمة والمترجمة بما تخص الأحزاب السياسية التي عملت في العراق أبان حقبة الثلاثينات ولغاية نهاية السبعينات من القرن الماضي, وتحليل علمي اجتماعي للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مر بها العراق أبان الحكومات الملكية والجمهورية ,فضلاً عن الدراسات النقدية في سيرة الباحث حنا بطاطو ورؤيته التاريخية كمؤرخ مهم لتاريخ العراق المعاصر.

     حنا بطاطو من مواليد القدس عام 1926م, نشأ وترعرع فيها ودرس في مدارسها, وغادر فلسطين وهو في الثانية والعشرين من العمر وأختار الولايات المتحدة الأمريكية عام 1948 للدراسة في حقل الدراسات الروسية, ومع بداية الخمسينات أخذ يدرس تاريخ الشرق الأوسط وتاريخ العراق الذي جذبه موضوعه لأنه كان نجماً قد بزغ في العالم, خصوصاً مع إعادة تتويج الملك فيصل الثاني عام 1953م , ذكر الباحث سيّار الجميل في ص13 "لقد أشتغل بطاطو على العراق منذ تلك اللحظة التاريخية وجاء إلى العراق كي يتدارس طبيعته الاجتماعية والعلاقات بين طبقات المجتمع, وحالات الصراع, ورافق تطوراته السياسية السيئة على امتداد أكثر من عشرين سنة على تغيير النظام الملكي في 14 تموز 1958 إلى النظام الجمهوري, وبقي بطاطو متعلقاً بالعراق حتى رحيله, إذ توفي في ويستد/كونيكتيكوت يوم 24 حزيران 2000م".

     لقد تميز بطاطو في منهجه وخطواته التطبيقية الذكية لدراسة واقع العراق المعاصر دراسة تخصصية منذ أن كان طالباً في الدراسات العليا عندما أكمل دراسته عن تاريخ العراق المعاصر مهتماً بالشيخ والفلاح وعكف على دراسة تراكيب العراق الاجتماعية المعقدة التي كان يبحث عن مصالحها وعلاقاتها الاقتصادية, أكد الباحث سيّار الجميلي في ص19 أن بطاطو"كان يؤمن إيماناً عميقاً , بأن أية سلطة تتكون في أي بلد من بلدان الشرق الأوسط إنما تقوم أساساً على درجة القرابة لضمان استمرارها, ولقد وجدَّ ذلك بأعلى درجاته في العراق... كونه يعتقد أن التاريخ الاجتماعي في العراق هو مجموعة بنى تحرّك التاريخ السياسي لهُ" وهذا ما يؤكده الواقع السياسي للعراق المعاصر منذُ ثورة تموز 1958م ولغاية هذه اللحظة التي نعيشها في واقع العراق السياسي وتردي حالته الاقتصادية وتبديد خيراته بيد الفاسدين والمفسدين بسبب القرابة والتبعية والنظرة الحزبية الضيقة والعشائرية والطائفية التي توسعت بشكل كبير بعد عام 2003م.

     الباحث بطاطو من خلال مقالاته وكتابه (العراق الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية)    الذي بلغ عدد صفحاته في أجزائه الثلاثة 1316 صفحة من القطع الكبير, قد اعتمد في كتابه على ثلاثة منابع نظرية هي (ماركس, ماكس فيبر, جيمس ماديسون) كأدوات منهجية وكمادة تجريبية مستقاة من المجتمع الغربي في تحليل واقع المجتمع العربي وخاصة العراقي, كما اعتمد بطاطو في مؤلفه هذا على كم كبير من المصادر تمثلت في الملفات السرية للأحزاب والشخصيات الناشطة في العهد الملكي لمديرية الأمن العام في بغداد, وتقارير الاستخبارات السرية البريطانية المتعلقة بالفترة (1917-1931م) والملفات السرية للرائد الانكليزي ج.ف, ويلكنز الذي كان مستشاراً للحكومة العراقية  ورئيساً لإدارة التحقيق الجنائي, وأوراق ومدونات ومخطوطات حزبية شيوعية وبعثية صادرتها الشرطة , ومدونات لاستجوابات أجريت لأعضاء من الكادر الشيوعي اعتقلهم البعثيون في العام 1963م, وسجلات  البريطانية العامة والمصادر العربية المطبوعة, وجملة مقابلات أجراها مع شخصيات سياسية ناشطة وقيادية من مختلف الألوان, فضلاً عن عدد من المذكرات والتصريحات التي أدلى بها أعضاء في اللجنة العليا لتنظيم الضباط الأحرار, ولكن لسوء الحظ أن تغطية كتاب بطاطو للعراق تنتهي في عام 1978م, أي قبل تولي صدام حسين للحكم ودخول العراق في حرب مع إيران وحرب أخرى لاحتلال الكويت , ومن ثم ثمان سنوات حصار وأخيراً سقوط النظام عام 2003م. .

     كان بطاطو يؤمن بالطبقات في مجتمع كالعراق لكن لو تابعنا واقع المجتمع العراقي لتأكد لنا أنه بعيد عن الصراع الطبقي وإنما هناك صراع فكري ثقافي وصراع بين البدو والحضر أو أهل المدن وأهل الريف, وصراع القوميات والطوائف, ولذلك تميز المجتمع العراقي بظاهرة المجتمعات المختلطة التي جذبت البعض وكانت طاردة للبعض منها , وقد تبين حقيقة ذلك في الآونة الأخيرة من صراع الأديان والطوائف حتى أصبحت بعض المناطق تمثل طائفة ما , أمّا أبناء الديانات الأخرى غير الإسلامية فكان مصيرها القتل والتهديد والتهجير خارج العراق , لذلك أكد الدكتور سيّار الجميل في ص32" أن انشغال بطاطو بالطبقة على حساب الفئة أو النخبة قد فوّت عليه جملة من المفاهيم,بل وعكس اهتمامه بالطبقة عموماً وإطلاقه أحكامه التي لم تكن كلها صائبة ,فهو لم يدرك العلاقة بين الإقطاعي والفلاح العراقي, وخصوصاً في علاقة شيخ قبيلة بأي فرد من أبناء قبيلته , فهو في أكثر الأحيان ابن عمه أو قريبه, فالعلاقة غير منفصمة بين الإقطاع والفلاح, بل قد تكون متشنجة أو متوترة أو معدومة الثقة, وفي العرق القبلي والعشائري في العراق أن ابن القبيلة لا يمكنه أن يتخلى عن شيخه". فالإقطاع في العراق لا تنطبق عليه أبداً قيم الإقطاع الأوروبي, بل وأن الشيخ والفلاح في العراق يمثل حالة قرابة وصلة رحم لأن البنى الاجتماعية في العراق وخصوصاً الزراعية قد اعتمدت مصالحها على علاقة الفلاحين بالقبيلة.

     يعقب الباحث فالح عبد الجبار في ص54 على أدوات المبحث الذي قدمه بطاطو لتحليل البنية الاجتماعية ذات الطابع الانتقالي في العراق " يقسم ماكس فيبر الطبقات إلى ثلاثة عناقيد . العنقود الأول الطبقة ذات الملكية . العنقود الثاني الطبقة المنتجة . العنقود الثالث الطبقة الاجتماعية ... استخدم بطاطو هذا التقسيم أساساً لدراسة الطبقات الوسطى في العراق, ولعل التعديل الوحيد الذي إضافة , اعتماداً على المعطيات الملموسة للواقع العراقي, أنه خلص إلى وسم البنيان السياسي والاجتماعي للدولة العراقية بعد تموز 1958بأنه حقبة الطبقة الوسطى", محاولاً تفسير الواقع الاجتماعي بعين نقدية فاحصة ومن دون التسليم بمنهج أحادي الجانب, ولصعوبة تطبيقه على دراسة الطبقات الاجتماعية في العراق, ما زال هذا البلد يسير نحو النمو وما زالت الطبقات هشة وغير مكتملة , وقد أكد هذا الرأي الباحث إبراهيم الحيدري في ص96 إذ قال "إذا كان هناك تمايز ديني / طبقي في جنوب العراق , فهناك تمايز طبقي/ عرقي في الشمال, وإذا كانت الأكثرية من العرب تخضع لعادات وتقاليد إسلامية, فإن أهل الريف يخضعون إلى عادات وتقاليد وعصبيات عشائرية مصبوغة بصبغة إسلامية, ولهذا لم يشكل العراقيون آنذاك أمه تستقطب مشاعرهم وولاءاتهم, كما أشار إلى ذلك الملك فيصل الأول في مذكرة قدمها إلى الحكومة العراقية عام 1932".

     وعلى أية حال الكتاب مهم ويتضمن واقع تحليلي لما مرَّ ويمر به العراق من خلال النصوص التي وردت في الكتاب وبترجمة بعض الباحثين لتوضيح تاريخ العراق السياسي والاجتماعي ودور الأحزاب السياسية العلمانية والدينية وتدخل دول الجوار في المشهد السياسي العراقي , مما أدى إلى التدهور الذي يمر به العراق في الوقت الحاضر .

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.