اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• عطش الحب العتيق ... ثمنه الحب او الكراهية في محيط الوجدان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علي إسماعيل حمة الجاف

مقالات اخرى للكاتب

عطش الحب العتيق ...

ثمنه الحب او الكراهية في محيط الوجدان

هناك صلة وثيقة بين الذاكرة وبين التيار الوجداني الشعوري واللاشعوري. فانا عندما أتذكر شيئا او طائرة او حيوانا او شخصا معينا او مجموعة معينة من الناس، فان تذكري هذا يتواكب مع اعتمال مشاعر وجدانية معينة تجاه الموضوع الذي يتدفق في داخلي بعد القيام بالتذكر شعوريا او لاشعوريا تيارا ايجابيا نسميه الحب، كما انه قد يكون سلبيا نسميه الكراهية على أننا نؤكد ان هناك تمايزا بين الموضوعات التي نتذكرها شعوريا او لاشعوريا وبين التيار الوجداني الذي يتدفق في خط متواز مع تلك الموضوعات. ذلك ان ما نتذكره يكون من طبيعة عقلانية أما ما نستشعره من تدفقات وجدانية حبا كانت أم كراهية، فانه من طبيعة وجدانية.

فالمرهق الذي أحب فتاة، ولكن الظروف الاجتماعية حالت بينه وبين الارتباط بها، فلم يستطع ان يعلن حبه لها على الملأ، ثم قابل أحدى الشابات بعد ان صار شابا و كهلا او حتى شيخا، فان تلك الشابة التي تشترك مع الفتاة العتيدة التي أحبها أيام كان مراهقا، تستحث الصورة الذهنية الوجدانية الراقدة في لا شعوره، ويحدث تطابق فيما بينهما، وبالتالي فان التيار الوجداني الذي كان متدفقا باتجاه تلك الفتاة التي لم يعلن ذلك الشخص عن حبه لها، ينصب ويتركز متمحورا حول تلك الشابة فيجد انه قد ارتبط ذهنيا وعاطفيا، وان لا سبيل الى الانفكاك من مشاعره الدافقة نحوها. فهو يحس بالتعلق النفسي العتيق بها، وكأنه قد وجد فيها نصفه الأخر الذي أعاد أليه حبيبته التي كان قد فقدها، والتي ظل شبحها نائما بدخيلته حتى تلك اللحظة التي قابل فيها تلك الشابة الأثيرة الى قلبه والعطشان الى حبها.

ومهما يكن من أمر، فان المقطوع به هو ان المرء عندما يقابل شخصا ما لأول مرة في حياته، فانه يحس بالجاذبية العاطفية نحوه، مستشعرا الحب له، او يحس بالنفور منه والرغبة في الابتعاد عنه، والهرب من المكان الذي يوجد به. فثمة أذن حب او كراهية – تجاوزا – يحس بها.

يمكن تفسير الحب والكراهية من أول نظرة بما قال به بافلوف (1829-1936) من فعل منعكس شرطي، وبما امتد به واطسون بعد ذلك في هذا الصدد فكما ان صوت الجرس يسيل لعاب الكلب دون ان يقدم أليه طعام، وكما ان منظر سيارة الإسعاف قد يحدث انقباضا وضيقا في قلب الشخص الذي ان مر بخبره مكدره او مخزنة مرتبطة بعربة الإسعاف، كذا فان مشاهدة شخص ما لأول مرة يشبه شخصا ارتبط به المرء عاطفيا او كرهه، او كان يخاف منه او يخشاه، تحدث لديه في قلبه المشاعر الوجدانية نفسها التي كان يحس بها تجاه ذلك الشخص الذي ارتبط به وجدانيا بالحب، او الشخص الذي كرهه او ألقى الرعب في قلبه في مرحلة عمرية ما بداء" من الطفولة الى ما بعدها من أمراض عمرية.

ومعنى هذا ان لا مناص من الاعتراف بأننا عندما نقابل شخصا مت لأول مرة، فأننا ندركه بطريقة جشطلتية كلية، حتى ولو كانت نقطة البداية هي أدراك العينين، باعتبار ان النظر يعتبر أول الخيط في المقابلة بالنسبة لمن يتمتع بنعمة البصر. أما بالنسبة للضرير، فان نقطة البداية في الإدراك الجشطلتي، تكون صوت الشخص الذي يقابله ذلك الضرير لأول مرة.

ولكن يجب ألا نعتبر ان الجزء من قوام الشخص الذي نقابله لأول مرة وندركه يعني أننا نبدأ بادراك الأجزاء ثم نصعد الى أدراك الكل، او أننا ندرك مقومات ذلك الشخص الخارجية يقوم بتأليف فيما بينها لكي نشكل صورة ذهنية كلية له. فالواقع ان ما ندركه منه كالعينين او ملامح وجهه او غير ذلك من مقومات، لا يعدو ان يكون نقطة انطلاق يشبه رائحة الكباب التي أذا شمها الجائع فانه يستورد ويأخذ في التهامه. فرائحة الكباب بمثابة مثير لاستحضار الصور الذهنية الكلية المتعلقة بالكباب. كذا الحال الأول له بمثابة مثير شانه شان رائحة الكباب، فيأخذ في تشكيل صورة ذهنية كلية لذلك الشخص. فالشاب الذي ضربنا مثلا به عندما رأي الشابة التي استحوذت على قلبه من أول نظرة، لا يكون قد وقف على تفاصيل قوامها الجسمي او النفسي او الاجتماعي، بل تكون مشاهدته لها لأول مرة او لحظة قابلها فيها والتقاء عينيه بالمثير المتمثل في رائحة الكباب بالنسبة للشخص الجائع الذي أثارت لديه الصورة الذهنية الكلية – او الجشطلتية – للكباب.

ان منطق الحب او الكراهية، اعني منطق العاطفة، يختلف – ان لم يكن متعارضا – مع منطق العقل فمن يقول لك ان يستطيع ان يخضع عواطفه لعقله المنطقي يكون مغالطا، وان ما يقوله للسانه، واضحا تماما لما ينهج وفقه في حياته وعلاقاته بالآخرين.

هناك في الواقع مسائل تقع في نطاق العاطفة، ومسائل أخرى تقع في نطاق العقل. وحتى اشد المسائل ارتباطا بالعقل المنطقي، تخضع الى حد ما لتأثير العاطفة فأنت في تناولك لأحدى المسائل الحسابية، لا تكون خلوا كل الخلو من تأثير عواطفك. فأما ان تكون محبا وراغبا في حل تلك المسالة الحسابية، وأما ان تكون كارها وغير راغب في حلها. وإذا كان هذا هو حالك بإزاء حل أحدى المسائل الحساسية، فما بالك أذا كنت بإزاء موقف عاطفي بالدرجة الأولى، هو موقف القبول او الرفض الوجداني لشخص ما تقابله لأول مرة. ان المنطق الذي يحكمك في مثل هذا الموقف هو منطق العاطفة وليس موقف المنطق العقلاني. ولا يغيب عن البال ان البينة الوجدانية في قوام شخصياتنا أقوى وأوسع نطاقا وتأثيرا وفعالية من البينة العقلانية، فالعقل في حياة الفرد أشبه ما يكون بقارب صغير عائم فوق محيط بالغ الاتساع والعمق، اعني محيط الوجدان!

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.