اخر الاخبار:
بيان صادر من احزاب شعبنا - الجمعة, 10 أيار 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• ان العقـل أداة الحياة -//- علي أسماعيل الجاف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علي أسماعيل الجاف

مقالات اخرى للكاتب

ان العقـل أداة الحياة

لقد أشارت الدراسات الحديثة ان الأنسان أعتاد ان ينظر الى الكون من خلال أطار فكري يحدد مجال نظره، وأنه يستغرق أو ينكر أي شيء لا يراه من خلال ذلك الأطار. فالأنسان بهذا المعنى يشابه الأعمى. ومن الممكن القول بأن كل شيء جديد في العلم يقابله المتعلمون وغير المتعلمون من الناس بالهزء.

وهنا ينبغي ان نميز بين المتعلم والمثقف، فالمتعلم هو من تعلم أموراً لم تخرج عن نطاق الأيطار الفكري الذي أعتاد عليه منذ صغره، فهو لم يزدد من العلم الا مازاد في تعصيبه وضيق من مجال نظره. هو قد آمن برأي من الآراء أو مذهب من المذاهب فأخذ يسعى وراء المعلومات التي تؤيده في رأيه وتحرضه على الكفاح في سبيله. أما المثقف فهو يمتاز بمرونة رأيه وبأستعداده لتلقي كل فكرة جديدة والتأمل فيها ولتملي وجه الصواب فيها. ومما يؤسف له ان المثقفين بيننا قليلون والمتعلمين كثيرون. وهذا هو السبب الذي جعل أحدهم لايتحمل رأياً مخالفاً لرأيه.

يقال ان المقياس الذي نقيس به ثقافة شخص ما هو مبلغ ما يتحمل هذا الشخص من آراء غيره المخالفة لرأيه، فالمثقف الحقيقي يكاد لا يطمئن الى صحة رأيه، ذلك لأن المعيار الذي يزن به صحة الآراء غير ثابت لديه، فهو يتغير من وقت لأخر. وكثيراً ما وجد نفسه مقتنعاً برأي معين ثم لا يكاد يمضي عليه زمن حتى تضعف قناعته بذلك الرأي ...

ان الأطار الفكري الذي ينظر الأنسان من خلاله الى الكون مؤلف من جزئه الأكبر من المصطلحات والمألوفات والمقترحات التي يوحي بها المجتمع أليه ويغرزها في أعماق عقله الباطن. والأنسان أذن متأثر بها من حيث لا يشعر. فهو حين ينظر الى ما حوله ليدرك ان نظرته مقيدة ومحددة. وكل يقينه أنه حر في تفكيره. وهنا يكمن الخطر، فهو لا يكاد يرى أحداً يخالفه في رأيه حتى يثور غاضباً ويتحفز للاعتداء عليه. وهو عندما يعتدي على المخالف له بالرأي لا يعد ذلك شيناً ولا ظلماً أذ هو يعتقد بأنه يجاهد في سبيل الحقيقة ويكافح ضد الباطل.

وأغلب الحروب والأضطهادات التي شنها البشر بعضهم على بعض في سبيل مذهب من المذاهب الدينية أو السياسية ناتجة عن وجود هذا الأطار للاشعور على عقل الأنسان. ويعتقد "وليم جيمس"، الفيلسوف الأمريكي المشهور، بأن العقل البشري "جزئي ومتحيز" ويرى هذا الفيلسوف ان العقل لا يستطيع على التفكير المثمر الا اذا كان جزئياً في نظرته ومتحيزاً في أتجاهه. ذلك لأن الحقيقة الخارجية في رأيه تحتوي على نواحي متعددة وتفاصيل شتى. فأذا لم يركز العقل أنتباهه على ناحية ويترك النواحي الأخرى يصعب عليه الوصول الى فكرة عملية واضحة عنها. يقول "جيمس": ان العقل لا يكون ذا قدرة وكفاية الا بتخيره ما ينتبه أليه، وبتركه ماعداه، اي بتضيقه وجهة نظره، والا توزعت قوته الضئيلة وضل في تفكيره.

لقد وقع اختلاف بين المفكرين منذ أيام الأغريق القدماء حول موضوع الفكر البشري: هل هو الذي يخلق الحقيقة أم أنها هي التي تخلقه؟ وقد أنقسم المفكرون في هذا الى فريقين: فريق منهم يقول بأن العقل البشري ليس الا مرآة للحقيقة حيث هو يعكس صورتها من غير تغير او تشويه. والفريق الأخر يميل الى النقيض من ذلك أذ يرى بأن الحقيقة بنت العقل وليس ان هنالك حقيقة خارجة عنه. ففي رأي هؤلاء ان الأنسان هو مقياس الحقيقة. وقول "مانهيم": يمكن تشبيه الحقيقة بالهرم ذي الأوجه المتعددة حيث لا يرى الأنسان منه الا وجهاً واحداً في ان واحد. ويؤيد "جون ديوي" هذا الرأي تأييداً كبيراً. فهو يعتقد بأن العقل البشري ليس مرآة للحقيقة كما كان الأقدمون يتصورون. ان العقل في نظر "ديوي" لم يخلق من أجل الحقيقة، فله هدف آخر أهم من الحقيقة وأنفع، هو الفوز في تنازع البقاء.

كان القدماء يعتقدون بأن العقل هو قبس الحق ونور الهداية ومقياس الحقيقة. أما "ديوي" فيضحك على هؤلاء ويعدهم سخفاء. فالعقل في نظره عضو قد تطور في الأنسان كما تطور الخرطوم الطويل في الفيل والناب الحاد في الأسد والساق الرشيقة في الغزال. ان العقل قد تطور في الأنسان كي يساعده في كفاح الحياة وتنازع البقاء. فهو لايفهم الحقيقة الا بمقدار ما تنفعه في هذا السبيل.

وأصحاب الشهادات في مجتمع جاهل قد يصيبهم مثل ما أصاب أغنياء الحرب. فهم يرون أنفسهم في علو شاهق بالنسبة الى من حولهم من الناس. وتجدهم بذلك قد أكتفوا بما درسوا قبلاً وجمدوا على ما هم عليه؛ فشغلوا أنفسهم بالمكايدات والمؤامرات يحوكها بعضهم على بعض في سبيل المناصب الجامعية او التزلف نحو رجال الحكم.

والمصيبة في هذا الامر ان الأنسان لابد له احياناً في صنع أطاره الفكري أو في تغيره، فأطاره يتطور حسب مفاهيم خاصة لا يستطيع هو ان يتحكم فيها الا قليلاً.

فالأنسان قبل كل شيء يملك نفساً معقدة فيها كثير من الرغبات المكبوتة والعواطف المشبوهة والأتجاهات الدفينة. ففكره أذن مقيد بهذه القيود النفسية التي لا يجد عنها محيصاً الا نادراً. والأنسان قد يدعي أنه يفكر تفكيراً حراً لا تحيز فيه ولا تعصب، وهو صادق احياناً فيما يقول، لأنه لا يعلم ماذا كمن في عقله الباطن من عقد وعواطف ونزوات خفية.

ويقول د. علي، عالم الاجتماع العراقي، قد تسأل أحدهم مثلاً: لماذا تحب "هتلر" من دون بقية الزعماء؟ فيجيبك بأنه يحبه لعظمته ونزواته وأخلاصه وعبقريته وما أشبه. فهو يخلق الحجج والبراهين لكي يثبت لك أنه يطلب الحقيقة في حبه "لهتلر". والواقع أنه أحب "هتلر" لأن قصة هذا الرجل قد أشبعت بعض رغباته المكبوتة حيث حب القوة، الأعتداء، الفخار أو بعد الصيت ... فصاحبنا يشعر بنقص في نفسه، وهنالك الكثيرون أمثاله، وقد وجد في "هتلر" لا شعورياً ما يسد هذا النقص فهام به كما هام المجنون بليلى ...

وفكر الأنسان مقيد ايضاً بقيود أجتماعية علاوة على قيوده النفسية. فهو ينتمي الى جماعة، طبقة، بلد ، وغير ذلك. ولذا فهو يتعصب لجماعته في الحق والباطل.

والمراءة في نظر "شوبنهور" قد تملك أحياناً نظرة فائقة ولكنها لن تستطيع ان تكون عبقرية لأنها لا تقدر على الخروج من ذاتها، فهي ميالة الى النظر في الأمور من خلال عواطفها ورغباتها الشخصية.

ويقول "برجسون" ان الانسان ميال بطبيعته الى موافقة الجماعة التي ينتمي اليها. اما العبقري فيشعر انه ينتمي الى البشرية جمعاء ولذا فهو يخترق حدود الجماعة التي نشاْ فيها ويثور على العرف الذي يدعم كيانها. انه يخاطب الانسانية كلها بلغة من الحب، وكأنه أنسان من نوع جديد.

والخلاصة التي أريد ان أستخلصها من هذا البحث هي ان العقل البشري متحيز بطبيعته، والفرد العادي لا يستطيع ان يتجرد في تفكيره مهما حاول، لان القيود التي تقيد فكره مغروزة في أعماق عقله الباطن. ان العبقري هو الانسان الوحيد الذي يستطيع ان يسمو عن ذلك ويحلق في سماء الابداع والاختراع.

الأستاذ الباحث / علي أسماعيل الجاف

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.