اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الإسلام / الإرهاب ... أية علاقة؟// محمد الحنفي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الإسلام / الإرهاب ... أية علاقة؟

محمد الحنفي

المغرب

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

لقد تعود الناس في العقود الأخيرة – على الأقل – أن يربطوا بين الإسلام، والإرهاب كنتيجة للخلط القائم في الأذهان بسبب ما يحصل في العديد من دول المسلمين وفي غيرها. والواقع أن هذا الربط مغلوط من أساسه. وسنبين ذلك من خلال معالجتنا لمفهوم الإسلام، ومفهوم الإرهاب، وطبيعة العلاقة القائمة بينهما:

 

وهل هي علاقة تجاذب، أم علاقة تناقض؟

متسائلين:

هل يصح اعتبار الإسلام الحقيقي إرهابيا؟

ولماذا لا يعتبر التأويل الأيديولوجي للنص الديني هو الذي يدفع المسلمين إلى ممارسة الإرهاب على بعضهم البعض؟

 

وما هي السبل التي تؤدي إلى عدم التوظيف الأيديولوجي المؤدي إلى ممارسة الإرهاب على الآخر، حتى نتبين الحقيقة، ونقف على أن الدين الإسلامي جاء ليقضي على أسباب الإرهاب المادي، والمعنوي؟

 

فحقيقة الإسلام تقتضي أن يسود السلام بين المسلمين، وبينهم، وبين غيرهم من المعتنقين للديانات السماوية الأخرى.

 

وسيادة السلام تقتضي إجراء الحوار الهادف بين المسلمين حول القضايا الخلافية، والاختلافية، وصولا إلى خلاصات تتحقق معها وحدة المسلمين على اختلاف ألسنتهم، وألوانهم، وتباعد أقطارهم، وتدفع بهم إلى البحث عن سبل تجنب ممارسة الإقصاء على غير المسلمين، بالسعي إلى تجنب الخوض في أمور دينهم، وتوفير شروط ممارستهم لحريتهم العقائدية.

 

فالإسلام، كدين انتشر على أساس الحوار، والإقناع، والاقتناع: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة". وهو لا يسعى أبدا إلى محاربة العقائد الأخرى، بل يتحاور معها، ويحترمها، ويشاركها أهدافها، مادامت توحد عبادة الله تعالى: "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله".

 

وإذا كان هذا هو سلوك المسلمين الذين تلقوا تربية روحية سليمة، انطلاقا من الدين الإسلامي الحنيف، تجاه غير المسلمين من أهل الكتاب، واتجاه من لا دين لهم، فإن احترام المسلمين يكون أولى، كيفما كان الاختلاف معهم، و كيفما كانت تأويلاتهم للنصوص الثابتة من الكتاب، والسنة، ومهما كان المذهب الذي يقتنعون به. وهو ما يجيز لنا أن نقول: بأن الدين الإسلامي هو دين السلام. والسلام يعني تجنب إلحاق الضرر بالغير، مع سبق الإصرار، والترصد، سواء كان ذلك الضرر ماديا، أو معنويا. وهو ما يتنافى مع الشريعة الإسلامية، التي تنهى عن ذلك. فقد ورد في القرآن الكريم "ومن يقتل نفسا بغير نفس، أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".

 

فالسلام، إذن هو منهج إسلامي سام، في إطاره يمكن الحفاظ على سلامة الإنسان ماديا، ومعنويا. وهو ما أصبحت تسعى إليه المنظمات الدولية، والجمعيات المختصة، سعيا إلى حماية البشرية من الأضرار التي تلحقها. والسلام نقيض الإرهاب، الذي يتفق الجميع على مناهضته، مهما كان مصدره.

 

والإسلام كإيمان، يرسخ في سلوك المسلمين مبدأ السلام، لأن الإيمان يقود إلى تحقيق أمرين اثنين في نفس الوقت:

 

الأمر الأول: الإمساك عن إلحاق الضرر بالغير كيفما كان جنسه، أو دينه، أو لغته. فقد جاء في الحديث النبوي الشريف "والله لا يومن، والله لا يومن، والله لا يومن. قيل من يا رسول الله، قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه". وذكر الجار في هذا الحديث بدون ربطه بعقيدة معينة، أو بجنس معين، أو بلغة معينة، يحقق، في نظرنا، مستوى ساميا من التفكير السليم، ويعكس منهج المعاملة التي يجب أن يتحلى بها المسلم المومن، أما غير المومن، فقد يمارس سلوكا مخالفا يتناقض مع مبدأ السلام، يستحق عليه اللوم. فقد جاء في القرآن الكريم: "قالت الأعراب آمنا قل لم تومنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم". ومن هذه الآية يمكن أن نستخلص أن الإيمان الحقيقي يمنع صاحبه من ممارسة الإرهاب ضد المسلمين، وغير المسلمين. وهو ما يدفعنا إلى القول: بأن المسلمين الذين يمارسون الإرهاب ضد المسلمين، وغير المسلمين، بدون موجب حق، ينتفي عنهم الإيمان، وخاصة في صفوف الذين يدعون وصايتهم على الإسلام، والذين اخترنا تسميتهم ب "المتنبئين الجدد"، الذين يصدرون الفتاوى، تلو الفتاوى، من أجل استئصال جذوة الإيمان من قلوب المسلمين، لتحل محلها الأيديولوجيا القابلة لممارسة الإرهاب المادي، والمعنوي على المخالفين من المسلمين، وغير المسلمين، ممن يسعون إلى بث التنوير بين الناس، ونشر أشكال الوعي بينهم.

 

والأمر الثاني: هو الدفاع عن المسلمين، والعمل على حماية بلاد المسلمين من الهجمات التي يمارسها غير المسلمين على ديار المسلمين، كما حصل في صدر الإسلام، وفي كل العصور، وكما يمارس الآن ضد الفلسطينيين من الصهاينة. فالإيمان الحقيقي إذا لم يدفع بصاحبه إلى مناهضة ما يمارس ضد المسلمين، وحماية ديارهم، يعتبر لاغيا، وهو ما يمكن أن نستلهمه من الآية الكريمة: "والمومنون، والمومنات بعضهم أولياء بعض".

 

وتاريخ الإسلام مليء بالمحطات المعبرة في هذا الإطار. فإذا استثنينا الغزوات التي كانت تهدف إلى جلب المزيد من الغنائم، فإن ما قام به المسلمون من فتوحات كان يهدف إلى حماية ديار الإسلام، والدفاع عن المسلمين، وهو ما ينفي كون انتشار الإسلام على أساس حد السيف.

 

والفرق بين الإيمان و الأيديولوجية هو:

1) أن الإيمان يقف عند حدود الدفع من أجل الدفاع بالقول "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة، والموعظة الحسنة"، وبالقوة "واعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ومن رباط الخيل" عن الإسلام و حماية ديار المسلمين، ولا يتجاوز ذلك إلى شيء آخر. وجميع المسلمين المومنين يتساوون في الاستجابة، لأنهم يغارون على دينهم وعلى بلادهم.

 

2) أن الأيديولوجية لا يهمها الدفع في اتجاه الدفاع عن الإسلام، وحماية المسلمين، بقدر ما تدفع في اتجاه الوصول إلى امتلاك ناصية الدولة باسم الدين الإسلامي، الذي يتحول إلى مجرد أيديولوجية، من أجل حماية المصالح الطبقية لحاملي تلك الأيديولوجية. فإخضاع المسلمين، وغيرهم لسلطة "الدولة الدينية"، يعتبر شرطا لاستتباب الأمن الذي لا يتوفر إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية، التي تصبح خير وسيلة قمعية لإخضاع مناهضي "الدولة الدينية".

 

ولذلك نجد أن الإيمان الخالص يلعب دورا كبيرا في إخلاص العبادة لله، دون خلفية أيديولوجية، وفي حماية الإسلام، والمسلمين، بناء على قاعدة الحديث الشريف الذي يقول "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه،  وذلك اضعف الإيمان".

 

والعلاقة القائمة بين الإسلام والإيمان هي علاقة تجاذب وتنافر في نفس الوقت، لأنه ليس كل مسلم مومنا، في الوقت الذي يعتبر كل مومن مسلما، لأن " الدين عند الله الإسلام" كما ورد في القرآن الكريم، ولقوله تعالى "قالت الأعراب آمنا قل لم تومنوا و لكن قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان في قلوبكم"

فهي تكون علاقة تجاذب عندما يحترم المسلمون روح الدين الإسلامي، و يسعون إلى تحقيق سلامة الإنسان عن طريق الابتعاد عن إلحاق الضرر به واحترام قناعاته الدينية والأيديولوجية، والكف عن الاستغلال الأيديولوجي للدين الإسلامي.

وتكون علاقة تنافر عندما لا يكون المسلمون مومنين، ويسعون إلى إرهاب الآخر، وإلحاق الأذى به، لأن انعدام الإيمان، أو ضعف المساحة التي يشغلها، يفسح المجال للاستغلال الأيديولوجي للدين الإسلامي. ذلك الاستغلال الذي يحول الإسلام إلى دين للتسلط والقهر وظلم المسلمين، أي دين للإرهاب، إرهاب الأفراد وإرهاب الجماعات، وإرهاب الدولة الذي يلحق المسلمين. وهو ما يحدث تنافرا بين الإسلام والإيمان الذي يجنح صاحبه إلى السلم " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ".

وهكذا نجد أن الإسلام عندما يشحن بحمولة الإيمان الصادق يصير سلاما يستقطب المزيد من المقتنعين به المعتنقين له من مشارق الأرض ومغاربها. أما عندما يفتقر إلى حمولة الإيمان يتحول إلى ممارسة أيديولوجية منتجة لكافة أشكال الإرهاب المادي والمعنوي الذي ينفر الناس من الإسلام وهو ما يتنافى مع حقيقته.

والواقع أن الإسلام عندما يتحول إلى مجرد أيديولوجية يقود إلى ممارسة أشكال الإرهاب المادي والمعنوي لاعتبار واحد ووحيد وهو توظيف الدين الإسلامي لخدمة المصالح الطبقية للمتنبئين الجدد من الفقهاء الذي يسعون إلى فرض ولايتهم على المجتمع ككل، سواء كانت تلك الولاية مباشرة أو عبر خدمة الفقهاء لنظام استبدادي معين.

والإرهاب الذي يمارسه المؤدلجون للدين الإسلامي يعني في عمقه ممارسة الإقصاء على الآخر الذي يتخذ عدة مستويات :

1) مستوى التكفير الذي يسود في إطاره اعتقاد المتنبئين الجدد انهم وحدهم المومنون ومن سواهم لا إيمان لهم، والمقياس المعتمد هو الانتماء إلى أيديولوجية المتنبئين الجدد أو عدم الانتماء إليها. وهو ما يكسب هؤلاء شرعية الجهاد في سبيل الله الذي لا يعني في عمقه إلا إرغام الناس وبكافة الوسائل على الخضوع لارادة المتنبئين الجدد.

2) مستوى التفريق بين أفراد المجتمع، فمنهم "المومنون" المنساقون  وراء المتنبئين الجدد، المنخدعون بأيديولوجيتهم التي يسمونها "إسلاما" ومنهم "الكافرون" الذين يرفضون الانسياق وراء المتنبئين الجدد حتى وإن كانوا مومنين فعلا بحقيقة الإسلام وعاملين على الدفاع عنه وحماية المسلمين.

وفي إطار هذا المستوى يسعى المتنبئون الجدد إلى عملية التحريض المستدامة التي يسمونها "جهادا" فينشب صراع بين "المومنين" و"الكافرين" على المستوى الأيديولوجي ثم على المستوى السياسي لينتقل بعد ذلك إلى مستوى التصفية الجسدية كما يحصل في العديد من البلدان الإسلامية وكما حصل في لبنان من قبل.

3) مستوى التضحية الجسدية حيث يدخل المتنبئون الجدد في التخطيط لتصفية الرموز والشخصيات المؤثرة والقائدة لعملية بث الوعي الحقيقي الذي يعرقل المد الأيديولوجي للمتنبئين الجدد. والرموز المستهدفة تكون سياسية وفكرية كما هو الشأن بالنسبة للشهداء: عمر بنجلون، ومهدي عامل، وحسين مروة، وسهيل طويلة، وفرج فودة، والقائمة طويلة. وقد ينتقل الأمر إلى تصفية الجماعة بكاملها كما يحصل في الجزائر.

وهذا النوع من الإرهاب يعتبره المتنبئون الجدد بمثابة قربان "يتقربون به إلى الله تعالى" وكأن الله أوكل إليهم أمر المسلمين يفعلون بهم ما يشاؤون كما حصل في كل مراحل تاريخ المسلمين.

و بناء على هذه المستويات الثلاثة يمكن أن نصنف الإرهاب إلى :

1) إرهاب مادي يهدف إلى إلحاق الضرر بالمخالفين وهذا الضرر يبتدئ بسلب الأموال باعتبارها "غنيمة" ويصر على استعمال الضرب والجرح المؤدي إلى الإعاقة أو الموت، ثم ممارسة الاغتيال بكل الوسائل المادية الممكنة.

2) إرهاب معنوي يستهدف تشويه القناعات الإنسانية المختلفة بما فيها القناعة الإسلامية التي تخضع لأدلجة المتنبئين الجدد، فيتم وصفها بأوصاف لا علاقة لها باحترام الرأي الآخر ولا باحترام القناعات، وعبر جرائد و كتب المتنبئين الجدد. فأصحاب القناعات المخالفة كفرة وملحدون وزنادقة وعلمانيون (للتحقير) أو لائكيون، ومتغربون، وعملاء للصهاينة وغير ذلك من الأوصاف القبيحة التي لا يناسب استعمالها أناسا يدعون وصايتهم على الإسلام.

3) إرهاب فكري ينصب على البحث في الأفكار ومحاولة إيجاد منفذ لوصف أصحابها وحامليها بالإلحاد والزندقة والكفر من اجل تنفير الناس من الأفكار المتنورة التي ينشرونها عبر كتبهم ومقالاتهم. وهذا النوع من الإرهاب قد يكون مبطنا بالإرهاب المادي، لأنه يحمل في طيه دعوة إلى التخلص من مبدعي تلك الأفكار.

وهذه الأشكال من الإرهاب هي الأسلحة التي يركز عليها ويستعملها المتنبئون الجدد لفرض أيديولوجيتهم التي يدعونها "إسلاما" وجعل غالبية بسطاء الناس ينساقون وراءهم ليعمدوا بعد ذلك إلى توظيفهم لممارسة أشكال الإرهاب المادي والمعنوي على المخالفين، وإقصائهم بعيدا عن مجال تحرك المتنبئين الجدد.

وقد يطرح سؤال حول علاقة الإسلام بالإرهاب وهل هو دين الإرهاب، أم انه يلصق به انطلاقا من ممارسة "المسلمين" لا من حقيقة الإسلام ؟

إن الخلط الذي يقع فيه الكثير من الناس يكمن في كونهم لا يميزون بين الإسلام الحقيقي و الإسلام المؤدلج.

فالإسلام الحقيقي كما أوضحنا ذلك في الفقرات السابقة هو دين الإسلام المنبعث عن عمق الإيمان الإسلامي الذي يقودنا إلى استحضار إرادة الله في العدل والمساواة بين البشر باعتبار ذلك منطلقا لاحترام الرأي الآخر الذي له الحق في التعبير والإفصاح عن الفهم المخالف للواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي انطلاقا من النص الديني.

أما الإسلام المؤدلج المعبر عن مصالح المتنبئين الجدد، فإنه يوحي بضرورة ممارسة الإرهاب الذي يسمونه جهادا ضد كل من لا يخدم تلك المصالح ولا ينصاع لإرادة المتنبئين الجدد. فأشكال الإرهاب التي أشرنا إليها تحضر بكثافة في ممارسة مؤدلجي الدين الإسلامي.

وأول شيء يجب أن يحضر في ممارسة المسلمين هو التمييز بين الإسلام الحقيقي والإسلام المؤدلج حتى يتبينوا أن الإسلام الحقيقي لا علاقة له بالإرهاب. وأن الإسلام المؤدلج هو الذي يقود إلى ممارسة الإرهاب نظرا للفروق القائمة بين الإسلاميين ذلك :

1) أن الإسلام الحقيقي ينبع من روح النصوص و يهدف إلى التربية الروحية والعقلية والجسدية للمسلمين من اجل مواجهة كل أشكال الإرهاب التي قد تمارس عليهم كما مورست على المسلمين الأوائل وفي مقدمتهم محمد صلى الله عليه وسلم.

2) أن الذين أدلجوا الإسلام لم يستطيعوا النفاذ إلى عمق الإيمان الإسلامي لزحزحة قناعة المسلمين الحقيقيين بحقيقة الإسلام ودوره في إعداد المسلمين لحفظ كرامتهم من الاستغلال لصالح مؤدلجي الدين الاسلامي.

3) إن حفظ الدين الإسلامي هو مهمة جماعية توكل إلى الشعوب المومنة به بإرادة الله تعالى الذي لم يوكل ذلك الحفظ لبشر معين أو لجماعة معينة بل أوكله لنفسه "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" و كما نعلم فإن إرادة الشعوب من إرادة الله.

4) أن الإسلام المؤدلج لا علاقة له بالإيمان، لأنه لا يسعى إلى حفظ كرامة الإنسان كما يسعى إلى إهدارها بكل الوسائل لجعل المسلمين في خدمة المستفيدين من تلك الادلجة.

5) أن الإسلام المؤدلج يلجأ موظفوه إلى كل أشكال الإرهاب لفرض سيادة المتنبئين الجدد على مجمل الشعوب الإسلامية حتى يتمكنوا من السيطرة على مجمل الخيرات المادية والأدبية.

والمسلمون عندما يدركون هذه الفروق يستطيعون امتلاك وعي إسلامي حقيقي، ويعرفون أن حقيقة الإسلام لا تتناقض مع تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

هذه العدالة التي ترفض أن يصبح الدين الإسلامي في خدمة المتنبئين الجدد لتناقض ذلك مع كونه موجها للناس جميعا، ولاستحالة أن يكون الله غير عادل بين عباده.

فهل يمكن أن يصير الإسلام الحقيقي إرهابيا ؟

إن ما أوردنا في الفقرات السابقة من هذه المعالجة يؤكد أن الإسلام الحقيقي لا يمكن أن يكون إرهابيا لأن طبيعته –التي هي من إرادة الله- تتناقض مع الإرهاب سواء كان ماديا أو معنويا. فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتهم ". ولذلك لا يصير إرهابيا بقدر ما يرمي إلى الرغبة في التخلص من الإرهاب، وتوفير الحياة الكريمة للناس جميعا، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، وآتوا اليتامى أموالهم ولا تبدلوا الخبيث من الطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم انه كان حوبا كبيرا " وهذا النص وغيره من نصوص القرآن الكريم الذي يقرر في هذه الجزئيات لا يمكن أن يجعل الإسلام الحقيقي يسعى  إلى الإرهاب لتناقضه مع التقوى التي تعني عدم ارتكاب أفعال تلحق الضرر بالبشر و تهدر كرامتهم.

وإذا كان الإسلام يتضمن معنى السلام، فإن الإرهاب يعني انعدام الأمن الروحي، والجسدي، كما يعني إلحاق الضرر المادي والمعنوي بالآخر الذي لا يقوى على المواجهة المادية والمعنوية، مادام السلام والإرهاب لا يلتقيان، فإن الإسلام الحقيقي يبقى بريئا من الإرهاب إلى ما شاء الله.

والذي يقف وراء نسبة الإرهاب إلى الإسلام هو التحريف الذي يلحق المفاهيم الإسلامية بسبب التأويلات المؤدلجة للدين الإسلامي، والتي تتعدد بتعدد التيارات المؤدلجة له، والتي تختلف مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما تختلف انتماءاتهم الطبقية والمذهبية.

والتأويلات المغرضة التي تستهدف ادلجة الدين الإسلامي منذ أن انقسم المسلمون إلى مذاهب الشيعة والخوارج، والأمويين والزبيريين ليشرع كل مذهب سياسي في تأويل آيات القرآن الكريم و رواية الحديث بما يتناسب مع ما يقتنع به كل فريق، وما يمكن اعتماده في إصدار الأحكام والفتاوى بالتكفير والقتل، وهو ما أدى إلى عملية الاغتيال التي يمكن اعتبارها سنة سيئة في تاريخ المسلمين. والسنة السيئة عمل منبوذ بنص الحديث " من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة".

وإذا كان المسلمون الأوائل قد لجأوا إلى توظيف النص الديني تأويلا واختلافا. فلأن المسلمين في ذلك كانوا يفتقرون الى التراكم النظري الذي يساعدهم على فهم واستيعاب ما يجري بخلاف ما عليه أمر المسلمين اليوم الذين تحيط بهم النظريات السياسية من كل جانب مما يجعلهم في غنى عن توظيف الدين الإسلامي لأغراض حزبية ضيقة. وبالإضافة إلى ذلك، فالوعي الطبقي كان منعدما، والعبودية كانت مترسخة في أذهان المسلمين إلى ابعد حد ممكن مما يعتبر تخلفا حتى عن ممارسة الرسول (ص)، وممارسة بعض الصحابة كابي بكر الصديق وعمر، وعبد الله بن عمر الدين كانوا يشجعون على تحرير العبيد. وهو ما يجعل الدارسين يعتبرون الإسلام دين الحرية.

وما راكمته المذاهب السياسية/الحزبية منذ القدم أعطى إمكانية الاعتقاد بأن الإسلام دين ودولة وبأن ما حصل في عهد الرسول وفي عهد الخلفاء من بعده يعتبر دولة إسلامية وهو ما يجانب الحقيقة كما أوضحنا ذلك في مكان آخر.

ولذلك نجد أن مؤدلجي الدين الإسلامي في عصرنا يحدون حدو القدامى، ويسعون إلى فرض تأويلاتهم المغرضة على جميع المسلمين مستعملين في سبيل ذلك كل أشكال الإرهاب المادي والمعنوي، ومستغلين انتشار الأمية بنسبة كبيرة في صفوف المسلمين، واستبدادية الأنظمة الحاكمة لجعل الناس يقتنعون بتأويلاتهم الأيديولوجية، واتخاذ ذلك الاقتناع وسيلة لممارسة الإرهاب على المخالفين كما أوضحنا ذلك في الفقرات السابقة.

وعلى هذا الأساس، فالإسلام الحقيقي سيبقى نقيضا للإسلام المؤدلج، وللمحافظة على الإسلام الحقيقي لابد من إشاعة الديمقراطية بمفهومه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي حتى لا تتحول بلاد المسلمين إلى مفرخة للإرهاب بسبب التحريف الذي يصيب مضامين النصوص الدينية عن طريق التأويلات المؤدلجة.

فما هي سبل  عدم توظيف الإسلام لممارسة الإرهاب ؟

إن تجاوز مشكل توظيف الدين الإسلامي كأيديولوجية تقود إلى ممارسة الإرهاب على الآخرين يقتضي :

1) إعادة الاعتبار للإسلام الحقيقي عن طريق دعم استحضار التأويل البريء من الأيدلوجية عبر هيئات مختصة، يساهم الجميع في تكوينها من منطلق أن الدين لله، و ليس من حق أحد احتكاره، بدعوى انه من علماء الإسلام، أو فقهاء الشريعة الإسلامية، من اجل إيجاد فهم مشترك للنصوص الدينية حتى تبقى مرجعا الاحتكام إليها في المسائل الخلافية.

2) استحضار ما وصلت إليه البشرية من تطور اقتصادي واجتماعي وثقافي ومدني وسياسي في صياغة ذلك الفهم المشترك حتى لا نبقى محكومين بتأويلات الأقدمين المحكومة بالأيديولوجية التي أصبحت متجاوزة، وموظفة من طرف مؤدلجي الدين الإسلامي.

3) وضع دستور تكون فيه السيادة للشعب في كل بلد من بلاد المسلمين حتى يشعر المسلمون بأن من حقهم أن يقرروا في مصيرهم  الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي و السياسي.

4) إجراء انتخابات حرة نزيهة بإشراف هيئة مستقلة تشرف على تطبيق قوانين انتخابية تضمن نزاهة الانتخابات، وتردع كل أشكال التزوير التي تطال النتائج الجماعية والبرلمانية.

5) تكوين حكومة ائتلافية وطنية بمساهمة الجميع للإشراف على وضع الدستور وإجراء الانتخابات.

6) العمل على إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية التي تعاني منها الجماهير الكادحة بما فيها إيجاد حلول لمشكلة العطالة والأمية والحماية الاجتماعية، ومشاكل الفلاحين الذين يتعرضون لكافة أشكال الاستغلال المادي و المعنوي.

7) العمل على إيجاد تعليم وطني متحرر يهدف إلى بناء الإنسان المتحرر و يلبي الحاجيات الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية.

8) العمل على إشاعة حقوق الإنسان بمفهومها التقدمي والكوني والشمولي والديمقراطي والجماهيري والمستقل.

9) بناء اقتصادي وطني متحرر من التبعية للاقتصاد الرأسمالي العالمي.

10) ملاءمة القوانين والتشريعات مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بصفة عامة، وبمختلف الحقوق الخاصة بالمرأة والطفل، والعمال، ونشطاء حقوق الإنسان ... الخ بصفة خاصة .

11) دعم الأحزاب والنقابات والجمعيات المهتمة بتأطير المواطنين من اجل خلق اهتمامات مختلفة بالأفراد و الجماعات.

وعندما ينشغل المسلمون بأمور الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعيدا عن التوظيف الأيديولوجي للدين الإسلامي، فإن العقيدة تتحول إلى ممارسة تستهدف استحضار التربية الإسلامية في المعاملة. فقد جاء في الحديث الشريف "الدين المعاملة" ومفهوم المعاملة هنا لا يجب أن ينحصر في مجرد أخلاق المعاملة العادية، بل يتجاوز ذلك إلى المعاملات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية باختياراتها وقانونيتها ونظمها. والمعاملة لا تكون إسلامية إلا إذا تحقق في إطارها احترام كرامة الإنسان. وتحققها على ارض الواقع الذي يتمتع كل فرد فيه بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية في إطار الجماعة التي ينتمي إليها، والتي يجب أن تكون باختيارات شعبية وديمقراطية.

وبذلك يتم تمهيد الطريق أمام عوامل جديدة تحول دون وجود الإرهاب في مجتمعات المسلمين، لأن ذلك سوف يغير من سلوكهم ومن نمط تفكيرهم، وتطهير عقيدتهم من الأيديولوجيا التي تكون مطية لممارسة الإرهاب، من اجل مجتمع للمسلمين بلا إرهاب بلا استغلال أيديولوجي للدين الإسلامي.

وما يجب أن نقف عنده قليلا هو أن الاستغلال الأيديولوجي للدين الإسلامي يصدر عن المتنبئين الجدد وحدهم فقط. بل إن الأنظمة القائمة في بلدان المسلمين تعمل على تكريس الاستغلال الأيديولوجي للدين الإسلامي لتتستر على استبدادها، وتنشئ لهذه الغاية مؤسسات وجمعيات ووزارات، وتجند لغاية الادلجة جيشا من المتنبئين الجدد الذين يضعون أنفسهم في خدمة الأنظمة الاستبدادية القائمة في بلاد المسلمين، ويسمون أنفسهم بعلماء المسلمين بموازاة مع رجال الكنيسة الذي يتخصصون في معرفة النص الديني وتأويلاته المختلفة، وصولا إلى صياغة تأويل يعطي الشرعية للحاكمين، لأن علماء المسلمين هم أنفسهم "رجال الدين" الذين تنصبهم الأنظمة القائمة وتوجههم لخدمة النص الديني سعيا الى توظيفه لرغبة الحكام.

والاستغلال الأيديولوجي من قبل الأنظمة القائمة للنص الديني يترتب عنه إرهاب الدولة الذي يبرره المتنبئون الجدد خدمة لمصالح الأنظمة الاستبدادية من خلال الآلة الإعلامية المتطورة التي تحول كل من خالف تلك الأنظمة الاستبدادية الرأي في أسلوب الحكم الذي تتبعه إلى كافر أو زنديق ..الخ

والخلاصة أن الإسلام الحقيقي جاء في الأصل لتقويض أسلوب الإرهاب، وليبث تربية راقية بين البشر حتى يقبلوا على تكريم الإنسان بتمتيعه بكل حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية التي هي قوام تلك الكرامة التي أكد عليها الله تعالى "ولقد كرمنا بني آدم" أما الإسلام المؤدلج فهو لا يخدم إلا مصلحة المتنبئين الجدد، وارتباطهم بالأنظمة الاستبدادية القائمة في بلاد المسلمين، ولذلك فهو يتناقض مع حفظ كرامة المسلمين كأفراد أو جماعات، فيحرمون من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، وبسبب حرصهم على المطالبة بتلك الحقوق يتعرضون لكل أشكال الإرهاب المادي والمعنوي سواء من طرف الأنظمة الاستبدادية المؤدلجة للدين الإسلامي، أو من طرف تنظيمات المتنبئين الجدد التي تسعى إلى الوصول إلى السلطة في إطار دولة ولاية الفقيه. ولتجاوز ظاهرة الاستغلال الأيديولوجي للدين الإسلامي المنتج للإرهاب لابد من إعادة صياغة واقع المسلمين على جميع المستويات سعيا إلى تحقيق مجتمع يسود فيه السلام، وتتحقق في إطاره كرامة الإنسان، وتختفي منه المعاناة الناتجة عن القهر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي ليحل محلها الاطمئنان إلى الحاضر والمستقبل، والتفرغ لبناء واقع جديد خال من عوامل إنتاج الإرهاب. ومتوفر على الإمكانيات المادية والمعنوية الضرورية لسعادة الإنسان في الحياة الدنيا التي تعتبر مطية للسعادة في الحياة الأخرى.

فهل يعمد المسلمون إلى إعادة النظر في فهمهم للإسلام الحقيقي حتى لا يختلط بالإسلام المؤدلج ؟

وهل يميزون بين إسلام السلام وإسلام الإرهاب ؟

وهل يتحمل المسلمون مسؤوليتهم في حماية الإسلام من التحول إلى مجرد أيديولوجية ؟

وهل يعملون على حفظ كرامتهم من خلال حرصهم على التمتع بكل الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية ؟

وهل يسعون إلى القضاء على كل أشكال الأمية السائدة بينهم حتى يقووا على مواجهة متطلبات العصر و استيعاب قيم الحداثة ؟

إنها أسئلة نطرحها من اجل العمل على إيجاد مسلم من نوع جديد، يرفض ادلجة الدين الإسلامي ويعمل على طهارته من كل أشكال الأيديولوجية حتى يصير خالصا سائغا لعبادة الله تعالى، وحفظ كرامة الإنسان.

محمد الحنفي

المغرب ابن جرير في 22/8/2001

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.