اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• المثلية الجنسية ـ ملاحظات استباقية في أصل الأنواع - الجزء الأول

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د.عامر صالح

مقالات اخرى للكاتب

المثلية الجنسية ـ ملاحظات استباقية في أصل الأنواع

 الجزء الأول

 

"ما التأنيث لأسم الشمس عيبا      ولا التذكير فخر للهلال"

                                                    المتنبي

 

أثار لدي الفضول المعرفي عند كتابة مقالي السابق والموسوم"سيكولوجيا المثلية الجنسية والتصفيات الجسدية/ مناظرة في التأريخ والدين والسياسة وعلم النفس", والذي كان مكرسا عن المثلية الجنسية الذكورية, والمنشور على صفحات الانترنيت, أن أكمل الوجه ألآخر للمثلية, ألا وهو المثلية الجنسية الأنثوية, أو ما يطلق عليه في اللغة العربية الكلاسيكية بالسحاق, لكي نقترب من وضوح الرؤى لكلا الظاهرتين من حيث جذورها والمظاهر المختلفة للتعبير عنها وكذلك أسبابها المختلفة, وبالتالي نحاول استيعابها بمزيد من العقلانية, استنادا إلى المعارف العلمية في هذا المجال, بعيدا عن التهور والانفعالات المرضية.

 

وقد ارتأيت قبل الدخول في الموضوع مباشرة, أن أشير إلى بعض   الملاحظات السريعة حول جذور ظاهرة المثلية الجنسية لدى الكائنات الحية التي تقع تحتنا في سلم التطور البيولوجي. وقد ساقني لذلك تأكيدا للفروض العلمية التي أثبتت صحتها, والتي مفادها أن هناك الكثير من مظاهر الاستمرارية والتشابه في السلوك بين الكائنات الحية في مختلف درجات تطورها, وهذا ينطبق بصياغة أخرى بين الإنسان وما سبقته في النشأة التطورية/ التاريخية من الكائنات الحية, وبالتالي فأنه لا توجد قطيعة مطلقة بين جميع الكائنات الحية التي تتدرج في سلم التطور البيولوجي, وأن ما ينشأ جديدا في هذا السلم يحمل في طياته الكثير من القديم, وتلك هي سنة التطور.وأن ما يوجد بين الكائنات الحية من مشتركات كثيرة على مستوى العمليات البيولوجية الأساسية والبنية التشريحية العامة, وما يرتبط بها من غرائز كثيرة كالجوع والعطش والجنس والتنفس والهضم....الخ, يقود بالضرورة إلى البحث عن مظاهر مشتركة لسلوك الكائنات العضوية, كالإنسان والحيوان, بعيدا عن المعارف والخطابات الديماغوجية.

 

لقد أثبتت الدراسات العلمية, أن ظاهرة المثلية الجنسية منتشرة بين الحيوانات, وخاصة الطيور والحيوانات الثديية,مثل الزرافات والقردة, وخاصة القرد الشمبانزي, وهو الأقرب إلى الإنسان في سلم التطور.وحتى عند بعض أنواع الضفادع. فقد تم التأكد في عام 2004 في بحث علمي أن المثلية الجنسية منتشرة بين الأغنام, وهي تشبه إلى حد ما المثلية الجنسية لدى الإنسان, ويعتقد أنها متعلقة لديهم بمنطقة ما في الدماغ. وقد اثبت علميا أن 1500 نوعا من الحيوانات تنتشر فيها ظاهرة المثلية الجنسية, وأن 500 نوعا منها موثقا بأشكال مختلفة ضمن بحوث علمية ودراسات دكتوراه.

 

وفي عام 2004  أيضا  تم التأكد من خلال الملاحظة العلمية من قبل المتخصصين, في الحديقة المركزية للحيوانات في الولايات المتحدة الأمريكية, أن حيوان البطريق يمارس المثلية الجنسية بأشكال مختلفة تنسجم مع طبيعة جنسه وطريقة الاتصال بينهما, وهي ذات طابع مداعباتي, أو عيش مشترك, حيث يقوم الذكريين ببناء عش مشترك والعيش سوية, وبدلا من تجميع البيض ووضعه في العش ,يقومون الذكران بتجميع الحصى. وتم التأكد من نفس الملاحظات في الحدائق الألمانية,واليابانية والنيوزلندية.

 

ومن ضمن الطيور التي تنتشر فيها المثلية الجنسية, على سبيل المثال لا الحصر, هو طائر البجع الأسود الأسترالي ذو المنقار الأحمر, حيث يقوم هذا الحيوان ببناء علاقات مثلية ويسرق العش من الإناث, أو علاقات مزدوجة مع الإناث لسرقة البيض منها.وكذلك لوحظت المثلية في وسط طائر الاوك والنورس وغيرها. وتنتشر هذه الظاهرة على العموم في الحيوانات اللاتي تشكل تجمعات بأعداد مختلفة.

 

وتبدو ظاهرة المثلية الجنسية بشكل أكثر وضوحا في تجمعات القردة, كقرد الماكاك,وهو قرد أسيوي ذو انف ضيق, يتواجد في الشمال الشرقي من الهند. وكذلك في أوساط قرود البابيان أو الرباح, وهي نوع من القرود تعيش في المناطق الواسعة والمفتوحة من الغابات ومناطق الأعشاب الأفريقية إلى الجنوب من الصحراء وبعض المناطق المرتفعة منها.والمثلية الجنسية في أوساط تلك القرود تأخذ أشكالا مختلفة, ابتداء من المداعبات إلى العمل الجنسي الكامل.

 

وتنتشر المثلية الجنسية كسلوك فعلي بنسبة 75%  في وسط القردة من نوع البونوبو, وهو احد أنواع القردة الشمبانزي, الذي تم اكتشافه في عام 1928 من قبل عالم التشريح الأمريكي هارولد كوليج في أفريقيا الوسطى .وقد أكد العالم فرانس دي وال في كتابه"القرد المنسي",أن الجنس يلعب دورا مهما في مجتمع البونوبو, حيث يستخدم كوسيلة لأداء التحية بحرارة, أو كوسيلة لفض النزاعات بين المتخاصمين من القردة,ويستخدم لاحقا كخطوة لتثبيت حالة الهدنة التي تعقب فض النزاعات,وهو على نسق ما يجري في السياسة في المجتمعات الإنسانية أثناء حل الصراعات السياسية والعسكرية,حيث تبدأ الهدنة أولا ثم البحث عن عوامل تثبيتها, وأن اختلفت الوسائل في ذلك, كل حسب درجة تطوره, وكذلك يستخدم الجنس في وسط هذا النوع من القرود كوسيلة للمقايضة, على سبيل المثال مقابل وجبة طعام لقرد جائع, تتم ممارسة الجنس معه.وقد تكمن هنا جذور الدعارة الأولى( الجنس مقابل شيء ما), وعلى نسق ما يجري الآن في المجتمعات الإنسانية ـ  الجنس مقابل المال. ويصنف هذا الحيوان كحيوان بيسكسويل بامتياز( أي ممارسة الجنس مع جنسه والجنس الآخر).ونسوق هنا لأغراض المقارنة فقط في السياق , وأن كان اكتشاف القردة لأهمية الدور الجنسي يسجل سبقا لهم !!!. أن الجنس في الحياة المعاصرة للإنسان يلعب دورا مهما في الاستقرار والنمو الشخصيين, وكذلك على مستوى الاستقرار و التخطيط الأسري وبعث الهدوء النفسي والاجتماعي للأسرة. كما يستخدم الجنس ألآن كأحد وسائل العلاج لبعض الاضطرابات النفسية, مثل الاكتئاب والهستيريا والقلق وغيرها, أو ما يسمى بعلم النفس " الكف بالنقيض" , أي أحلال استجابة ايجابية سارة مكان استجابة سلبية غير سارة,وهو احد علاجات المدرسة النفسية السلوكية.

 

ومن الجدير بالذكر هنا, أن المثلية الجنسية في الحيوانات هي في الأعم الأغلب ذكورية( بين ذكر وأخر). أما المثلية الأنثوية فهي أقل بكثير وتنخفض نسبتها إلى النصف قياسا بالمثلية الذكرية, وهي تقترب من نسبتها في المجتمعات الإنسانية. ويفسر البعض هذا بسبب قوة" الصفة الذكورية" لدى الذكور, يقابلها حالات" الهدوء الجنسي" لدى الإناث , وخاصة بعد الإنجاب ورعاية الأطفال وما يترتب على ذلك من غرائز الأمومة,وما يصاحبها من تحويل للغريزة الجنسية صوب الأطفال ورعايتهم والارتباط النفسي بهم.

 

أما المثلية الجنسية الأنثوية, أو ما يسمى باللغة العربية بالسحاق, وهي كلمة ذات أبعاد سلبية تستعمل في اللغة العربية للحديث عن مثليات الجنس فقد حل مكانها مصطلح المثلية الجنسية الأنثوية كمصطلح تحرري محايد. ومثلية الجنس هي المرأة التي تميل إلى النساء جنسيا أو عاطفيا, واستعملت في الماضي كلمة سحاق وسحاقيات للحديث عن مثليات الجنس لأنهن "يسحقن" أي يضغطن أثداء وأعضاء بعضهن أثناء الفعل الجنسي, وهو يقابل الكلمة الانكليزية " لسبيس" ذات الأصل الإغريقي , نسبة إلى جزيرة لسبوس اليونانية ومسقط رأس الشاعرة اليونانية "صافو " التي كانت تمارس المثلية مع النساء اليونانيات في القرن السابع قبل الميلاد, وكانت تحي أمسيات في الشعر والخطابات والرقص معهن. وكلا مصطلحي السحاق بالنسبة للمرأة , واللواط بالنسبة للرجل لا يستخدمان في ثقافة اللغة الرسمية أو في اللغة الراقية, وقد حل مكانهما مصطلح المثلية الجنسية الذكورية بالنسبة للواط, ومصطلح المثلية الجنسية الأنثوية بالنسبة للسحاق. وظل مصطلحي السحاق واللواط قابعان في الخطابات الكلاسيكية واللغات القديمة.

أما بالنسبة لأبعاد ظاهرة المثلية الجنسية الأنثوية بين النساء من حيث حدودها ومسبباتها وأبعادها ومظاهر التعبير عنها فسيكون ذلك موضوع الجزء الثاني القادم. يتبع لاحقا

 

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.