اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

• عبد الكريم قاسم ، ذاكرة لا تنساه / 2

حامد كعيد الجبوري

 

 

عبد الكريم قاسم  ، ذاكرة لا تنساه  / 2

 

          عام 1959 م أنهى الصديق حميد جابر المطيري تولد عام 1940 م الدورة الأساسية للجنود المكلفين بمركز تدريب الحلة صنف المخابرة ، شاءت الصدف أن ينسب لبدالة وزارة الدفاع العراقية الكائنة في باب المعظم – للطرفة – مقابل لبن أربيل ، لم يكن (ابو وليد) مهتما بالسياسة ولا علاقة له بها من قريب أو بعيد ، يعمل قبل دخوله للجيش بصفة مكلف مصلح للساعات وهي عمل بالكاد يسد حاجته الشخصية قبل زواجه ، ناهيك عن العدد القليل ممن يقتني الساعات آنذاك ، بعد التحاقه لعمله عام 1959 م كجندي عامل بدالة ، كان كأقرانه من الجنود يناط لهم مهمات أخرى كالحراسة على المشاجب

للسلاح أو حراسة غرفة المساجين وهكذا ، طيلة هذه المدة لم يحظ بلقاء مع الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم سيما وأن أقرانه الجنود يلتقون الزعيم بين مدة وأخرى ، في أحد أيام واجبه للحراسة كلف بالصعود مع بندقيته النصف آلية (السيمينوف) لسطح وزارة الدفاع بالقرب من السلم المؤدي للسطح ، سمع صاحبنا أبو وليد جركة على السلم وماهي إلا لحظات وإذا به وجها لوجه أمام الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ، تنكب بندقيته ووضعها على كتفه وأدى للزعيم تحية الأمراء – وهي عبارة عن وضع البندقية الملئى بالعتاد الحي أمام جسمه قابضا على أخمسها باليد اليمنى واليد

اليسرى الى أعلاها بقليل مع وضع قدمه الأيمن خلف القدم الأيسر بشكل قطري عليه - ، وقف الزعيم الراحل قبالته وكأن مصورا فديويا يراقب ما يفعل – هكذا كان الر جل عسكريا محترفا – وسأله ما أسمك ؟، أجاب صاحبنا ( نعم اني الرقم .... الجندي المكلف حميد جابر) ، أصدر الزعيم أمره لجنديه كما هي التقاليد العسكرية ( تنكب سلاح ، جنبك سلاح ، إسترح) ، نفذ حميد أوامر القائد وبدأ يتابع حركات سيده الضابط ، يقول الصديق حميد جابر كانت عينا الزعيم لا تستقران على منظر أو صورة يشاهدها ، ينظر بعيني صقر صوب نهر دجلة الطافح بالخير ، ومرة يرفع بصره صوب الكرخ ، ومرة صوب

المحكمة العسكرية ، ومرة أخرى صوب الجندي الذي تجمد في مكانه رهبة لمشاهدة زعيمه لأول مرة ، ويحمل الزعيم بيده عصا تسمى لدى العسكريين عصا التبختر وهي من أشجار الخيزران وتباع للضباط في حانوتهم ، أي أن الزعيم ينفذ مارسمه لنفسه ولضباطه على حد سواء ، يقول حميد أدركت أن الرجل كان عصبي جدا حيث أنه  يضرب بعصاه الخيزران ساقه الأيمن بشدة بحيث أسمع وقع العصى على ساق الزعيم وأنا – حميد – أقفز بمكاني مع كل ضربة يضرب بها نفسه ، تحرك الزعيم صوب جنديه ووقف أمامه وسأله من أي محافظة أنت ؟ ، أنا من بابل سيدي ، منذ متى رأيت عائلتك ؟ ، قبل يومان عدت من

إجازتي سيدي ، قال الزعيم لجنديه سلم بندقيتك وخذ إجازة سبعة أيام وخذ عشرة دنانير من مرافقي لأدائك مراسيم التحية بشكل عسكري مميز ، أجاب حميد لزعيمه شكرا لك سيدي ، لم يغادر الزعيم مكانه وبقي على سطح الوزارة وبقيت – حميد- أنتظر نزوله لأنفذ ما أمرني ، أو ما منحني إياه ، والزعيم يأخذ السطح ذهابا وإيابا ، بعد هنيهة سمعت صوته موجها لي وكأنه صاعقة نزلت فوق رأسي ، لماذا أنت هنا لحد الآن ، ألم أمرك بالذهاب بإجازة ، إذهب ؟ ، يقول حميد ويقسم أن صوت الزعيم كان ك (الشفل) أقتلعه من جذوره ورمى به منتصف السلم ، نهاية السلم وجد حميد مرافق الزعيم

وأبتسم الرجل بوجهه قائلا ما يربكك ، أخبرته بأمر الزعيم وسمعته يحدث نفسه قائلا ( والله لقد وزع كل راتبه على جنوده ، أنا لله وإنا له راجعون ، هاك عمي هاي أول عشرة دنانير أقرضها للزعيم وأستلمها نهاية الشهر ) .

       اللقاء الثاني الذي يرويه الجندي المكلف حميد جابر المطيري يقول ، أخبرنا أحد ضباط الركن أن هاتف دائرته المجاورة لمكتب سيادة الزعيم عبد الكريم قاسم قد تعطل ، وأسند للجندي حميد عامل البدالة مسألة إصلاحه ، نهاية الدوام الرسمي أخذ حميد عدته لتصليح الخط العاطل ، ولأن الدوام منتهيا فهو لم يرتدي طاقيته ولا حذائه الرسمي (البصطال) بل كان ينتعل (نعالا) ، وحميد بمهمته سمع صوتا من غرفة الزعيم مناديا يا ولد ، لم يكترث حميد لصوت الزعيم لأنه غير معني بذلك ، كرر الزعيم مناديا يا ولد بصوت أعلى ، ولا مجيب ، فتحت باب دائرة الزعيم وأطل بوجهه صوب

الممر ولم يشاهد إلا حميد – مصلح الخطوط – في الرواق ، سأل الزعيم بعصبية واضحة من أنت ؟ وماذا تفعل هنا ؟ ، أجابه حميد بأنه عامل البدالة وتلفون هذه الغرفة معطل وأنا هنا لإصلاحه ، قال الزعيم بصوت عال لماذا لم ترتدي كامل قيافتك ؟ ، أجابه حميد أن الدوام قد أنتهى سيدي ، لماذا لم ترد على ندائي ؟ ، قال له حميد أني أعتقد يا سيدي أنك تنادي على ( مراسلك) ، قال له الزعيم وأين هو هذا المراسل أذهب وأبعثه لي ، - لكم أن تتصوروا رئيس وزراء العراق ووزير الدفاع ليس له إلا مراسل واحد يقف على خدمته - ، يقول حميد لم أعثر على مراسل الزعيم ولبست كامل قيافتي

وطرقت باب دائرته دخلت عليه وقلت له سيدي لم أجد مراسلك ، قال الزعيم لحميد إذهب لمطعم الضباط وأتني بصحن ، نزلت مسرعا لمطعم الضباط وجلبت له ما يريد- الصحن عسكري يوجد حرف ج يعني جيش منتصف الصحن 0- ، صرخ بوجهي ألم أقل لك أجلب صحنين ، قال حميد للزعيم والله سيدي قلت صحن واحد ، أبتسم الزعيم بوجهه وقال له آتني بذلك ( السفرطاس) ، قدمت له ما أراد ونظرت ل ( السفرطاس) والذي هو عبارة عن قدور أو صحون صغيرة توضع فوق بعض ، أحداهن للمرق والآخر للرز ، وآخر يوضع بداخله شئ من البصل والخضروات ، وعلى جانبي (السفرطاس) رغيفان من الخبز الحلال ، أخذ الزعيم من يد

حميد الصحن وفتح (السفرطاس) وأخذ بيده الملعقة وبدأ يأخذ قليلا من الرز ليضعه داخل الصحن حتى ملئ نصف الصحن رزا ، ثم بدأ يأخذ شيئا قليلا من المرق ( باميه) ويضعها فوق الرز ، ثم بدأ يحدث نفسه ، (اليوم غدرونه باللحم لحمه وحده بس ) ، ولم يرفع تلك اللحمة وبقيت في صحن ( السفرطاس) وقال لجنديه حميد ، خذ هذا وتغدى به ، قال له حميد شكرا سيدي أني أتغديت ، قال له الزعيم (بابه والله اليوم ما أشتهي وأحببت أن أشارك مراسلي بغدائي ولكنه غير موجود فها هي  حصتك  الله قاسمها إلك) ، يقول حميد مددت يدي لأخذ الصحن الخالي من اللحم قال لي الزعيم لا خذ كل شئ وأترك لي

الصحن ، قلت له سيدي لأضع لك هذه اللحمة ، ضحك بوجهي وقال لي أنها حصتك (وليدي ) ، خرج حميد من غرفة الزعيم محملا بأشرف لقمة أكلها طيلة حياته كما يقول ، ويقسم أن لذة إكلها لا تزال تحت لسانه من عام 1959 م وليومنا هذا .

      حميد جابر المطيري من سكنة محافظة بابل لم يكن يعرف السياسة إلا بعد أن أصبح جنديا مع الزعيم عبد الكريم قاسم ، يقول عن الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم أنه جسد شخصية الإمام علي أبن أبي طالب بكل تفاصيل حياته ، حتى أن مدة حكم الشهيد عبد الكريم قاسم تتشابه مع مدة حكم الإمام علي (ع) .

( أضعنا وأي فتى أضعنا ) مع إعتذاري للتحوير .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.