اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

• خيوط الغربة بين البصرة ولندن ووطن ... مستباح

حامد كعيد الجبوري

مساهمات اخرى للكاتب

       خيوط الغربة

              بين البصرة ولندن

                          ووطن ... مستباح

 

          من الصعوبة الإحاطة والإلمام بما تكتبه الشاعرة العراقية المثابرة ( وفاء عبد الزاق ) ، ومن الصعوبة أيضا أن تتناول مجمل دواوينها الكثيرة ،باللغة الفصحى ، أو الشعبية الدارجة ، بل قل ديوان واحد ، الديوان الواحد يحمل بين طياته قصائد شتى ، ورؤى كثيرة ، وأفكارا جديدة ، ومواقف متناغمة ومتنافرة بآن واحد ، وحقيقة أن ( وفاء عبد الرزاق ) تملك من الجرأة ما لا يملكه الرجال ، فإن كتبت بباب الغزل فتجدها متحررة وكأنها ليست من هذه البيئة العراقية ، ولا أعني بذلك أنها تكتب بما يخدش حياء الأنثى ، حاشا لله ، بل هي تفصح عن مكنوناتها ، بطريقة متحضرة غير التي ألفناها في قرانا ، وحواضرنا العراقية ، وأجد أن خيوط الغربة ، جلية واضحة بقصائدها عامة ، بل قل الحزن العراقي المتجذر الذي نرضعه من أثداء معاناتنا  كل يوم ، لذا سأترك كل الدواوين الشعبية وقصائدها الكثيرة ، وسأتجنب الحديث عن الشعر البلورامي ، ولربما سأكتب عنه لا حقا ، وسأغادر عمدا الكتابة والتقصي عن الشعر الذي يصلح للمسرحة ، وسأغادر الخوض في الكتابة عن الأوزان التي تكتب بها المبدعة وفاء عبد الرزاق ، ولا أعيد النظر وأسلط الضوء بالتجربة الحداثوية لدى وفاء عبد الرزاق ، علما أنها تستحق الكتابة عنها بهذا الباب ، وأعني  التجربة الحديثة ببناء القصيدة الشعبية ، ووفاء تمتلك من الخبرة ما يؤهلها لولوج القصيدة ما بعد حداثتها ،  ، والشاعر الشعبي عموما متهم بعدم الخبرة والدراية بمدارس الشعر الحديث ، ووفاء عبد الرزاق وآخرون أعادوا للقصيدة الشعبية رونقها وجمالها وألبوسها الحلة التي تستحق .

     ( تبللت كلي بضواك )  ، حررت  قصائد هذا الديوان للشاعرة وفاء عبد الرزاق بين العام 2006 م – 2010 م ، بمعنى أنه آخر نتاج شعبي للشاعرة وفاء عبد الرزاق ، ومعلوم أن هذه القصائد كتبت في غربتها الدائمة بلندن الضباب ، وبين ضباب لندن وشمس البصرة بون شاسع ، فلو تقصيت مواطن الغربة والألم في هذه القصائد لزدت هما جديدا للقارئ المغترب ، وبما أني أجد أن الوطنية الحقة تلاحق الوطنيين كظلهم ، لذا سأبحر في قصائدها للوصول لمكامن الوطن ، والتعشق بالمحبوب الأول ، بل التربة الأولى ، بل الهواء الأول ، وهو العراق ، وبما أن العراق آلت أليه ظروفه لما لا يحمد عقباها ، إذن على وفاء ومن مثلها حملة الفكر التنويري ، توعية ممن حولهم من الناس ، وبهذا العصر الذي أصبح كقرية واحدة بيد العولمة الجديدة ودعاتها ، فلا بد لوفاء أن تطرق قلوب وعقول العراقيين لتوعيتهم بشتى أنواع الصور الحسية ، والتراثية ، والأسطورية ، (آه ياشعبي / كاشفتك بالله تراويني /وجهك بـِيَّه / او وجهي بشامات أمّك رَضعة / توصّخ ضينه /  وآنه استاحش /  رفـّة عيني / ياحالوبة تزوجي الطينة ) ، بهذه الأبيات تبدأ خطابها متحدثة مع الجمهور الذي تظن أنه قد استكان لواقع مفروض ، ( يل متغاوي.. / شلون تراوي الخضرة توجّ / وشلون الشبّاچ يفور؟ /  يَ ابن حسين / ويَ ابن العشبة / تمـّوزك وحسينك چَفْ إيدكْ / يَ ابن الجرح اليغري النجمة / تضوّي الحيرة /سيفك تايه؟ ) ، ويزداد نداءها لأبناء وطنها ، فتحاول أن تستفزهم بموروثهم الذي آمنوا به وضحوا لأجله ، (دلـلـّول الولد يَ ابني / يَ عصفور الدمَـه من تشبّ / يابذرة وكت / يَ مگشّرة من اللـّب / رف جبريل براس حسينه /   ومارفـّت كوفة اطفالي  / چنها مطـَفيَة ) ، تحاول إيقاظهم ولكن السبات يغلبهم ولا تحصل  بيدها شئ مما توقظهم به ، فتبدأ صراعها معهم بأكثر من ذلك فتقول ، ( تفر عارين عـْلى الكلـّة /  ياگاع الرخوة اشتاليتچ؟  / مثل اليعصر ميّت حيّ ) ، فتعود لتؤنب نفسها ، ولربما هذا الابتعاد أحد أسباب سبات الشعوب التي لا تجد من يدلها الطريق ، ( البارحة /  نكـّسِتْ رايات روحي  / واخـْجلتْ  / خجل منـّي الوطن / من شاف اخجلت / البارحة /  شفت روحي بالمراية / وإجفــَلتْ  / لا ملامح  / لا علامة اتدلّ علـَي / دمِّي مخبوص عـْلى لحمي  /  ولحمِّي ينزفني ﭽَـلِتْ )  ، ويوكد ما أزعم الأبيات التالية التي تحاول أن تجد لنفسها مخلصا مما تعتقد به ، (عمـِّي  / يا وطن ملـﭽـوم بينه  / محد خضَّر بـﮕـلبه حنينه؟ / فز النوم  والكاروك تايه / عين والهزة حزينة / دللو دللو  يَ الجسمك سفينة  / دللو دللول / الوطن ملـﭽوم بينه ) ، فتعود لجذور طفولتها غير ناسية ما مر به عراقها وشعبها ، (طير إيدي الربها صعدت / ياسفينة جسمي ردّي /  ردِّي ردّي ماكو مينه / انشلع جسمي يعمي من الأرض  / شـَلـعْ تنـّور ورغيف  / ذيـﭻ ﭽبدة آدمي معلـِّﮔة  حدر الجسر  / وذيـﭻ كـِتلة لحم خانكها الرفيف  /وذاك راس أمـِّي حلـَب طيبه على الرصيف) ، فتستمع بتمعن لصوت أمها التي تحاول أن تجد لها عذرا بمقدس موعود ، ( يمـَّه لا توِّن  / صوت ونـَّك /  مهدي ميعاده جريب /بين هاي الريح جسمك / زهـرة شذرت بالتمايم / بالوعَدْ والوعَدْ صايم  / غابة عمية تغربـَت  / والوطن بيها غريب / وبينا حاير ) ، وهناك في لندن الغربة ، ومحطات كل الغرباء تتوصل لحقيقة مرة ، النفط وأطماع الآخرون ، والخيانات المتكررة التي آلت بهم لهذه الغربة القاتلة ، (غابة عمية غلـِّسَتْ  / مطرت الدنيه نفـُط  / والأرض لفـَّة جـﮝـاير  / وين يا يمـَه تحط ) ، وتستنكر وفاء ما حصل للبلاد والعباد ، وتهزأ بسخرية مرة لتاريخ شوّه وجه الدنيا ، واستخدمت الأموال للذبح وللتمويه ،    ( بفلسيـَن يَ الرايد زِبِـيب  /  فلسين يا سعر الحراير /  يا عراقي الأمس متلفك دواير / وين صاير؟؟ / وين راح او وين بات / "شعريـَة وشَعر بنات" / يانبي النهرين وذِّ ِّن ، اللـِّشش فوﮒ المناير / كلها حيـَّت عَ الصلاة) ،  كل ما تريد قوله وفاء أوضحته جليا بهذا المقطع ، (وفارت الدنية علينه  / جت قيامة ومطرت الدنية جثث  / وفجـِّرت عين المدينة ) ، ولا يعني أنها أستكانت وقبلت بحال مفترض ، بل تصرخ  لكل العقول لتقول ما لا يقله إلا أهل الوطن المذبوح ، ( اليبوﮒ الوطن  / مثل الزنى بإخته ) . 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.