اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

Beez5

علي جليل الوردي.. شاعر (القصيدة التنويرية المعارِضة)!// محمود حمد

محمود حمد

 

عرض صفحة الكاتب 

بمناسبة يوم الاديب العراقي

علي جليل الوردي.. شاعر (القصيدة التنويرية المعارِضة)!

محمود حمد

 

وأخو اللصوص، وإنْ تعفَّفَ، فهو لصٌّ أخطر

وصديقُ أعداء الشعوب عدوُّها المتنَّمر

             (1947- الشاعر علي جليل الوردي)

 

في نهاية آذار 1979 كان لقائي الأول معه... وقد تجاوز حينها العقد السادس من العمر لكنه كان مفعم بالحيوية ووضوح الرؤية وثبات الموقف وشغف الشعر وجهورية الصوت والنقمة على السلطة... اسهب في الحديث عن (الشعر المعارِض للاستبداد) الذي هو احد اصواته البارزين، وعن (حركة انصار السلام) التي هو احد قادتها... وعن (اتحاد الادباء العراقيين) الذي كان أحد مؤسسيه... وعن ديوانه (طلائع الفجر) الذي صدر عام 1960 ورسم صورة الغلاف له الفنان الكبير الراحل خالد الجادر... تلك الصورة التي عبرت عن ذلك التلازم الحتمي بين (السلام والمرأة وطلائع الفجر) في شعر الوردي... الديوان الذي اهداه الى:

الشعل الوهاجة المنورة ظلمات الزمن.

الاحرار المناضلين في سبيل خير الانسان.

عشاق الحق والعدل والسلام.

أُقَدِّم طلائع الفجر!

 

في حديثه عن نفسه قال:

من أوائل الاربعينات، وحتى أواسط الخمسينات، كنت انشر قصائدي في مجلة (الرسالة) ومجلة (الثقافة) في مصر، و(الالواح) في لبنان، و(الغد) في فلسطين، و(الهاتف) و(الغري) في النجف الاشرف، و(الفرات) في الحلة الفيحاء... غير ان هذه المغاني الأدبية احتَجَبَتْ عن الظهور، فاحتجَّبْتُ عن القرّاء باحتجابها وطواني النسيان!!!

حتى ان شاعرة كبيرة تحمل شهادة الدكتوراه في الآداب تسألني فيما إذا كُنْتُ شاعراً عمودياً أم شاعراً حراً؟!...... طعنة في الصميم!... اليس كذلك؟!

 

كان شعره (مثل شعراء زمانه الوطنيون) يطبع على العقول في ساحات الانتفاضات وينشر بالألسن بين الناس...

تتلازم في شعره بلاغة القصد وفصاحة الكلم وغزارة المفردات جمال الإيقاع والحس الوطني الوثاب والروح التوّاقة للتحرر من كل اشكال القيود.

 

كانت (القصيدة المعارضِة) شرارة توقد الانتفاضات، وصوتاً هادراً للجماهير المنتفضة... وفي طليعتها عند انطلاقها، معبرة عن تطلعاتها في احتشادها، وتنبثق عنها شعاراتها العفوية... وعندما تتفرق الجموع تعود (القصيدة المعارِضة) معهم الى بيوتهم... تستوطن عقولهم، وتنطق بألسنتهم في مجالسهم، فتكون جزءاً من حياتهم وتعبيراً عن مواقفهم!

 

لم يغفل في حديثه معي خلال لقاءاتنا المتكررة التي امتد حتى عام 1998 عندما غادرت العراق مُكْرَهاً... دون ان ينقطع التواصل فيما بيننا حتى وفاته في عام 2009 ...

 

ذكر باعتزاز أصدقائه في مسيرة الحرية والسلام والديمقراطية منذ اربعينيات القرن الماضي... المسيرة التي ذاق فيها السجون وشهدت وقفاته وهو يلقي شعره الحماسي في الحشود المنتفضة...

وعندما توقف بالحديث عن ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958... ذكرني بأول قصيدة له قُرِأَت في الإذاعة العراقية بعد الثورة بيوم واحد... ومطلعها:

كل شيء بعد تموز جديد... السما والأرض والفجر الوليد...

هزج الفلاح والناي البعيد وغناء الطير في الحقل المديد

 

وإذ يطلق (اتحاد الادباء العراقيين) مبادرة الاحتفال بيوم تأسيس اتحادهم كـ (يوم للأديب العراقي) ... فأني اذكر باعتزاز شاعر الحركة الوطنية (علي جليل الوردي المولود عام 1918 والمتوفى عام 2009) عضو الهيئة الإدارية التأسيسية للاتحاد في 7/5/ 1959، الذي لم يهادن جميع السلطات المستبدة المتعاقبة... وبقي زاهداً في حياته... اميناً على مواقفه كشاعر ناقد ووطني ثابت الموقف ورجل تقدمي واضح الرؤية... حتى عندما قتلت سلطة البعث اصغر أبنائه في 7/6/1981 لتركيعه وإذلاله... ولم تتوقف عن ملاحقته واستدعائه واستجوابه حتى بعد ان تجاوز الثمانين من العمر... عند سقوط النظام عام 2003.

 

كانت له الريادة عند نجاح الثورة مثلما في الانتفاضات التي مهدت لها... بان القيت قصيدته (العيد الاكبر) في 18 تموز 1958 اي بعد أربعة أيام من الثورة كأول قصيدة تلقى في الإذاعة العراقية بعد نجاح الثورة...

التي جاء فيها:

بالأمسِ كنا، وكان اليأسُ يعصرنا         عصراً فيقضي على الآمالِ بالرَّهب

سلِ المعاقلَ كم ادمى الحديدُ بها           من الشباب، وكم أودى من الشُيُب

وكم دماءٌ طهوراتٌ بها سُفكَت             قسراً بأمر (عميلٍ) غامضِ النَّسَب

 

وفي قصيدته (وترعرع الامل الحبيب) التي القيت من الإذاعة العراقية بتاريخ 20/8/1958 أي بعد أربعين يوماً من انتصار الثورة... قال فيها:

الشعب منك، ومن رجالكَ أكبرُ            فانزل عن الكرسيّ يا متجبرُ

مَنْ أنتَ حتى تستحلَّ دماءَهُ               قسراً، وتهزأ بالرجال وتسخر.؟

وتروح تعبث في البلاد وحكمها            وتعيثُ في خير البلاد وتذخر؟

خذها عدوَّ الشعبِ، ضربةَ ثائرٍ            أقوى من القَدَرِ الرهيب وأقدر

 

ورغم حماسه لدعم ثورة الرابع عشر من تموز لكنه كان ذو موقف فكري متمايز مستقل عن الانجراف وراء الظاهرة الصوتية الجمعية التي استباحت العقول والشوارع...

 

حدثني عما جرى خلال الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة الرابع عشر من تموز بقاعة الشعب عام 1959 التي القى فيها الزعيم عبد لكريم قاسم خطبة طويلة عن كيفية تفجير الثورة وكرر فيها كعادته كلمته المعهودة (إنني... إنني... إنني) وكان شاعرنا الوردي حاضراً ... فوقف وسط القاعة مخاطباً الزعيم:

لولا الضلوع الحانيات على اللظى     ما كان تموز ولا من ينصروا!

فاستدرك الزعيم قائلاً:

ان الشاعر يقصد... لولا الخوافي ما كان للقوادم ان تحلق في السماء!

 

كرس حياته وشعره لقضية السلام و(معارضته للحروب) منذ سنوات عمره المبكرة وهو الصوت المدوي المطالب بالسلام المعارض للحرب العالمية الثانية في قصيدته (اين السلام) التي نشرت في اوج احتدام الحرب في مجلة (الرسالة) المصرية عام 1942 التي مطلعها:

قالتْ وقد لاح عليها السقامْ:

الحربُ طالت أين عهدُ، السلامْ؟

 

وفي احتفال لحركة انصار السلام في عام 1954 القى الشاعر قصيدته (إنّا نطالب بالسلام) التي جاء في مطلعها:

فيمَ التطاحن والخصامْ      وعلى مَ يقتتل الأنامْ؟

وعلى مَ يُزجى بالألوفِ    من الشباب الى الحمام؟

وتروح قاذفةُ القنا         بلِ تقذف الحمم الجسام

وتبث ممطرة الدَّما   ر الرعبَ والموت الزؤام

ولأجل من؟ ألأجلنا؟    إنَّا نطالب بالسَّلام

 

وكان صوته حاضراً متحدياً الاستعمار والاستبداد في انتفاضة عام 1948 مثلما في تأبين (جعفر الجواهري) في الحفل الذي أقيم في (جامع الحيدر خانة) في نفس العام... التي قال فيها:

أ (جعفر) يا قدوة الطيبين          وصنوَ الأِباء، وترب الندى

أ أ ابكيك؟ لا، لست ترضى البكا   ويأبى الدموع من استشهدا

ولكن سنمضي، كما قد مضيت     أبياً، حميد الثنا، سيدا

سنمضي، فأَما حياة الرفاه        لهذي البلاد وإما الردى

ولكنما عن طريق النضال       تداس القيود ومن قيَّدا   

            

شكلت حرية المرأة العراقية ودورها النضالي ومعاناتها و(معارضته) لكل اشكال اضطهادها وتهميشها واستغلالها... احد ابرز محاور شعره على امتداد حياته... فهو القائل في قصيدته (نضال المرأة العراقية) بمناسبة الثامن من آذار عام 1953:

لا، لستِ (جانداركاً) ولا (أسماءا)       بل أنتِ أسمى رفعةً وعلاءا

أسماء قد صبرتْ ولم تنزلْ الى         نصرِ ابنها فتحاربُ العداءا

وتقحَّمَتْ (جندركُ) أهوالَ الوغى        بمسلَّحينَ تحمَّلوا الأرزاءا

وحشدتِ انتِ من الشبيبةِ عُزَّلاً         ولقيتِ أهوالَ اللَّظى عزلاءأ

حتى يقول:

لو كان للتمثال ثغرٌ ناطقٌ                 لتدفَّقَتْ كلماته اطراءا

ولراحَ يملأ مسمعَ الأجيال عن             (بنت العراق) مناقباً وثناءا

            

المخاطب لها عبر رسالته الى زوجته وهو في غياهب السجن... تلك القصيدة المفعمة بالشغف لمحبوبته والثبات على الموقف الوطني والثقة بالمستقبل:

(أم الحسين) وانتِ جذوَةُ همَّتي وضياءُ روحي

ولأنْتِ إنْ نَزَفَتْ جروحي بَلْسَمٌ يشفي جروحي

لا يقعدَنَّ بك القنوطُ عن التطلّعِ والطموح

فاليأسُ قتَّالٌ وكم لليأسِ من شعبٍ جريح

كوني الأشدُّ على الكفاحِ ونصرة الحقّ الصريح

الدربُ محفوفٌ بكلِّ مخوفةٍ صعبٍ جموح!

لكنه، ابداً، الى الآمال والعيش الفسيح

 

في عام 1948 نشرت جريدة (الأهالي) رسالة من (قرينة معلم بقلم... م. ت) تشكوا عوزها وفقرها... فخاطبها الشاعر بقصيدة جاء فيها:

اختاه! لا حلٌ لما نشكوه من عُقَدِ المشاكل

إلاّ بتحطيم الرؤوس الجامدات من الهياكل

وبعزمةِ المتوثبين الثائرين على السلاسل

وبناء مجتمعٍ جديدٍ فيه صفو العيش شامل

 

ولا يخلوا شعره من نسمات الحب وترانيمه ومعارضته لقمعه... فحين كان الشاعر طالباً في الصف المنتهي من كلية الحقوق عام 1949، لاحظ اقبال الطالبات الى قاعة المكتبة خروجاً على مألوفهنّه في التزام الغرف المخصصة لَهنَّ، وصادف ان همس بأذن الشاعر احد زملائه قائلاً له:

ألا يهزّك هذا الجمال، مشيراً الى احدى الطالبات فأجابه الشاعر على الفور:

حَسْبُ المحبِّ وحَسبَهنَّه            أنَّ المحبِّ زميلهنَّهْ

 

وفي اليوم التالي كانت قد اكتملت قصيدة (حمائم الحرم) ونشرت في مجلة (البيان) النجفية عام 1949م، وفي مجلة (الثقافة) المصرية سنة 1950م.

وجاء في مطلعها:

حَسْبُ المحبِّ وحَسبَهنَّه            أنَّ المحبِّ زميلهنَّهْ

يا بؤسَ (مكتبة الحقو              ق) إذا خلت من نورهنّهْ

كم جئتُ ساحتها الكريمـ            ـة كي أفوزَ بقربهنهْ

وأجيلَ طرفي رائعاً          ما بين زهر خدودهنّهْ

ولكم تحاشَيْتُ الرقيـ         ـبَ وخشية الرُّقَباء سُنّهْ

فجعلتُ وجهي للكتاب،             وناظري لوجوههنّهْ

كي لا يُحِسَّ بي الهوى             فيذيعه ما بينهنَهْ

فيهزهنَّ دَلالُهنَّ             إلى جَفاءِ مُحَّبهنّهْ

 

كان يطلق عليه أبناء جيله (شاعر الشباب) ...فهو حاضر حيث يكونون في ساحات الانتفاض او تجمعات الاحتفالات الجماهيرية المعارضة للسلطة المستبدة العميلة للاستعمار...

 

في شهر مايس 1954 اقام اتحاد الشبيبة الديمقراطية احتفالاً انتخابياً في الكاظمية وطلب من الشاعر ان يلقي بهذا الاحتفال قصيدة بالمناسبة، فما كان منه الا ان يستجيب لهذا الطلب وينزوي جانباً لينظم قصيدة رائية قبل ساعة من موعد الاحتفال ... جاء فيها:

سيري جموع الشعب سيري       للنصر للأمل النضير

إنَّ السعادةَ لا تنال         بغير معرفة الأمور

وبغير سعيٍ حازمٍ           في كلِّ معترك عسير

سيري فانّ سياسة           (الدولار) في الرمق الأخير

وسياسة التسليح سوف      يهدُّها عزمُ (النصير)

سيري اهتفي (عاش السلام)    وعاش كلُّ فتىً غيور

 

شكلت قضية الفقراء وحرمانهم وبؤسهم لوعة في قلب الشاعر وسبباً جوهرياً لمعارضته سلطة التفقير... وعبر عن ذلك في قصائده ومواقفه وسلوكه...

في عام 1946 نشرت مجلة (الفجر الجديد) الفلسطينية قصيدته (الكوخ يسأل) ... مخاطباً (القصر!) ... جاء فيها:

فكلُّ حجارةٍ يا قصر قلبٌ          لفلاَّحٍ تعضُّ به القيود

لفلاحٍ حباكَ بكلِّ خيرٍ             ويقضي وهو منكودٌ طريد

فكم شيخٍ قضى جوعاً، وكم من           فتىً ألوى به الجهْدُ الجهيد

وكم عذراء كالأنداءِ طهراً           تحدّى طهرها السغب الشديد

أضاعوا عمرهم نصباً وكدّاً         بلا ثمنٍ كأنهمُ عبيد

أ يشقى المنتجونَ ضنىً وجهداً            ليُتْخَمَ فيك سيّدك البليد

 

كان نصيراً للعمال وواحد منهم... ومعارضاً لاستغلالهم وصوتهم المحرض على كسر قيود الاستعباد...

في احتفال نقابة النسيج في الكاظمية عام 1947 خاطب الشاعر العمال في قصيدته (أيها العامل):

تقدَّمْ أيها العامل واحمل مشعل الفكرِ

وحرر شعبك المنهوك من أصفاده الكثر

ودونك منجل الفلاّح، فاخضد شوكة الغدر

وسر بالشعب نحو النور نحو الأمل النضر

فانت القائد الأعلى، وأنَّك صاحب الأمر

 

وفي الاحتفال الذي اقامته نقابة عمال النسيج في الكاظمية احتجاجاً على مذبحة عمال النفط في كركوك سنة 1946 القى الشاعر قصيدته (مأساة كاورباغي) التي قال فيها:

أيها العمال، هذا دمكم      ثمن النصر، ومَهْر الظَفَر

لا تخالوه مضاعاً، إنه      خيرُ غرسٍ مسفرٍ عن ثمر

فادأبوا في العمل المجدي ولاترتضوا غير النصيب الأوفر

وابعثوها وثبةً جامحةً        تتشظَّى شرراً في شرر

وامحقوا كلّ أثيمٍ جائرٍ              حسبَ الحكم ارتشاف المسكر

واكتبوا بالدَّم تاريخ الأِبا             تتملَّاهُ عيون الأعصر

راية الحرَّيةِ الحمراء، في     الأرض لولا دمكم لم تُنشر

وكأنه بنا اليوم ...

 

وهو يفضح العملاء اللصوص في قصيدته (دَقّوا الطبول) التي نشرت في الملحق الادبي لجريدة الأهالي عام 1947:

دَقّوا الطبول وزمَّروا  وتآمروا فتأمَّروا

راموا مواراة الحقيقة،  والحقيقة أظهرُ

وغدوا يبثّونَ الدعا   ية والدعاية تُدحر

إنْ واربوا، أو مالَؤوا  فالشعبُ واعٍ مبصر

من حالفَ المستعمرينَ فانه مستعمر

وأخو اللصوص، وإنْ تعفَّفَ، فهو لصٌّ أخطر

وصديقُ أعداء الشعوب عدوُّها المتنَّمر

 

وكأن انتفاضة تشرين 2019 حاضرة في قصيدته (طريق النور)... التي القاها في (الحضرة الكيلانية) في الاحتفال التأبيني لشهداء وثبة 27 كانون 1948 التي قال فيها:

 سلي (بغدادُ) مَنْ شهر السلاحا           بوجه بنيكِ أيَّ دمٍ أباحا.؟

وأيُّ شبيبةٍ قتلوا فداءاً              لعرضك أن يهان ويستباحا؟

أكانوا يبتغون سوى صلاحٍ        لحال بات يطلب الصلاحا؟

وكانوا ينشدون سوى ضماد       لأمتهم، وقد نزفتْ جراحا؟

أ تحصدها مسالمةً جموعاً        بنادق طغمةٍ ركبوا الجماحا؟

وتنثرها مهشمةً رؤوساً             على الطرقات عسفاً واجتراحا؟

أ ذنباً كان رفضهمُ (بنوداً)       هي الاغلال معنىً واصطلاحا؟

وإجراماً هتافهمُ بشعب              سعى دَأَباً وما لاقى ارتياحا!

أ تُقْتَل أمَّةٌ ليعيشَ رهطٌ             على سفكِ الدماء غدا وراحا

     

وعن علاقته بالشعر المُنَزَّه عن (الارتزاق!) منه... تلك الظاهرة البغيضة التي سادت (بشكل ممنهج!) سلوك (معظم الشعراء لإرضاء السلاطين) منذ الدولة الاموية الى يومنا هذا...

يقول في قصيدته (صفحة من حياة شاعر) التي نشرت عام 1946:

ولم اتخذ شعري وعلمي بضاعةٌ            فمن ساعدي عيشي وللساعد الشكر

نهاري نهار الكادحين، وليلتي              تناهبها الابحاث والكتب والشعر

أُقَضّي نهاري بين جدران معمل            تساورني فيه الشقاوة والضرُّ

كأنيَ و (السندان) صنوانِ في الأسى       فذا شفَّهُ طرقٌ وذا شفَّهُ الدهر

 

وفي زمن تفشي (ثقافة التفاهة!) اليوم... تذكرت كم كان شديد الاحتقار لعلوا صوت المادحين والرداحين من (الشويعرين!) ومعارضاً لتلبدهم كالإسفلت على وجه الثقافة... حيث يقول في قصيدته (كان يا ما كان) التي نشرتها (مجلة الثقافة) المصرية سنة 1942:

ولقد كان في الحضور (حمارٌ)     شامخ الأنف ما له من زمام

غاضه ان يرى الهزار يغني        حائزاً دونه لكلِّ احترام

فانثنى ناهقاً يصيح أنا الشاعر     يا قوم فاسمعوا إلهامي

وتعالى النهيق مدّاً فمدّاً            وتلاشى صوت الهزار السامي

غير أنَّ الهزار لما رأى الحفل       طروباً للناهقِ المتسامي

ورأى نغمة البديعَ سواءً           ونهيق الحمار عند الطغام

عاهد النفس أن يلازمه الصمت     دواماً بين الحمير الكرام

 

رغم المنع السلطوي والقمع الفكري والتهميش الممنهج والإغفال المتعمد... تبقى (القصيدة التنويرية المعارضِة) بكل اجناسها، ومختلف اجيال شعرائها... صوتاً مجلجلاً:

يوقظ العقول، وينعش النفوس، ويثري التفكير والتعبير، ويبدد عتمة التخلف والتجهيل الثقافي، ويفضح (قصيدة الارتزاق!)، ويكشف شعراء الإذعان والتذلل للمتسلطين، ويطرق المسامع الجمعية الصمّاء!

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.