اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

Beez5

من مجموعة (مرثيات سومرية)- بين الرصافة والسجن// محمود حمد

محمود حمد

 

عرض صفحة الكاتب 

من مجموعة (مرثيات سومرية)

بين الرصافة والسجن

محمود حمد

 

لم اكن اتوقع أن لحظة الانزلاق من السُلَّمِ في المبنى ذي الطوابق الأربعة ستودي بي إلى الانقطاع عن العالم لزمن كانت الدقائق فيه عِدْلَ عصور...

صرت حبيس سرير في زاوية منسية بمستشفى تفوح منه رائحة السأم ويتلبد على وجوه من فيه غبار الضجر والجفوة... لكن نعمتي أنه كان بين الغيبوبة والإفاقة المشوشة منها... يتردد علي صديقي (أبو عمار) كل أسبوع، يفتح لي بين الفينة والأخرى نافذة الوطن، فأشم من خلالها نسيم الفراتين رغم كثافة الدخان الذي يغمر حواضر المدن ونفوس الناس وكينونة الأشياء!

 

لكني كلما أفقت من غيبوبة منتشياً بالعودة للحياة، كلما امتلأت أنفاسي برائحة الموت والدم المسفوك في شوارع وطني... تعددت قنوات تواصلي مع الناس المذعورين ومع الدروب المثقلة بالجثث والجدران المعفرة بالرصاص، التي تفاقمت غداة الغزو واستبدال الدكتاتورية الفردية باستبداد إقطاعي الطوائف وأمراء الأقوام المتعطشين للسلطة والانتقام والنهب!

 

وجدت في الإذاعات والقنوات التلفزيونية شريان تواصل للمعلومات عن العالم الخارجي... رغم انسدادها بالجلطات التزييفية... واستمعت اليوم إلى النشرة المسائية لإذاعة لندن باللغة العربية التي جاء فيها:

(بثت شبكة "سي. بي. أس نيوز" في أحد برامجها ليوم 28/4/2004 صوراً التقطها سايفيتس وجنود آخرون في "سجن أبو غريب" أواخر عام 2003 تبين مجموعة من أفراد قوات الاحتلال الأمريكي وهي تسيء معاملة عدد من المعتقلين العراقيين، وأظهرت جنود الاحتلال الأمريكي وهم يبتسمون ويقفون لالتقاط الصور التذكارية ويلوحون بعلامة النصر بأصابعهم بينما تَكَوَّمَ معتقلون عراقيون عُراةً في شكل هرمي، وكتبت كلمات مهينة على بشرة رجل عراقي باللغة الإنكليزية).

 

 ونشرت صحيفة الـ "غارديان" البريطانية بتاريخ 1/5/2004، (صورة رجل عراقي شبه مجرد من ملابسه ورأسه مغطى بكيس بلاستيكي أسود، بينما يتبول جندي بريطاني عليه، وتعرض ذلك الرجل للتعذيب خلال محاكمة استغرقت ثماني ساعات شملت تكسير فكه وأسنانه والضرب على مختلف أعضاء جسمه، كما تبول عليه الجنود الآخرون ولم توجه له أي تهمة، وبعد ذلك اقتادوه في سيارة وألقوه منها أثناء سيرها ولا يعرف ما إذا كان حياً يرزق أم توفي متأثراً بما تعرض له!).

 

انتابتني نوبة غضب كادت أن تفجر رأسي، (رغم اني لم استغرب او استبعد افرازات الاحتلال وتداعياته وسلوك المحتلين الذين جاؤوا بالنظام السابق وازاحوه بعد انتهاء مدة صلاحيته، وجاؤوا بدلاً عنه بمجموعة نفايات انتقامية جشعة من هوامش مدن اللجوء بعد ان سخنوها ولوثوها في قِدْر التخوين لتنشر الخراب في المدن، والكراهية في النفوس، والفساد في مفاصل الدولة وفي سلوك الافراد والمجتمع) ...  

فالتجأت الى دفتري المخبأ تحت وسادة السرير في المستشفى وكتبت:

بين الرصافة والسجن! (1)

محمود حمد

مسالكٌ للرياءِ والريبةِ..

مقابرٌ لـ “السبايا"...يُقَطِّعْنَّ الأثداءَ من فرط الأمومة...

***

ليلٌ لـ “المجندات" يَقْمَعْنَّ الرجولة...

قيحٌ لزجٌ منبعثٌ من سعف النخل...

حدودٌ باهتةٌ تعبرها الديدان إلى أحداق الفجر...

ذبابٌ يستوطن الشناشيلَ...

رؤوسٌ أوهنها التأمل...

أقدامٌ جائرة تجتاز البحرَ إلى حقل الألغام...

غموضٌ يكتنف الصبح إزاء الغسق المقبور بأزبال المدن المهجورة...

قُبَّرَةٌ تنأى عن صوت المدفع لعذوق النخل...

صمتٌ يتبعثر وسط جنوح الغرباء المهووسين...

كلبٌ يتبختر بين "الضاد" وأسلاب الشعراء الظرفاء!

      * * *

لصوصٌ تحت الأضواءِ...

وآخرون هُمُ الأضواءُ!

      * * *

مدنٌ ساورها الشكُ بـ “يوم الحشر" فقامت دون وضوء للإعدامِ!

إخوةُ دربٍ...فقدوا الأقدام الممحوة خلف القفراء...

تاهوا وسط الإعصار!

***

طفلٌ يرسم أُمّاً بددها البارود بأطراف الـ “الفلوجة"... (2)

***

رَجلٌ...صُبحٌ...أعرفهُ...

صار رفيقا للترهات!

* * *

مقصلةٌ...

كانت للساعة تَجْتَّزُ الأعناقَ، وتَنفُثُ منذ عقود موتاً في كل الأرجاء!

وأهلي تنبشُ قتلاها من قبر فاق حدود الوطن...الزمن...

الممتد من الفاو إلى "الأنفال"! (3)

***

مقصلةٌ...

أضحتْ مِنبرَ صِدقٍ لشهود الزور المصطفين بباب المعبد...

يبكونَ خدوشاً في ساق المقصلة "الثيب"...

***

مقصلةٌ..

حُبلى بحروبِ الآخر. ونوايا السوء...

وشخير المغدورين بأرض "الرضوانية"! (4)

* * *

 “حَدثٌ...شَكٌ" في ريعان النَزْوَةِ يصطادُ رؤوس الحكماء ببغداد...

ويضحكْ!

وعجوزٌ يُسْعِرُ نار البغض بأفئدة الصبيان...

ويغفو!

* * *

جارتُنا الحُبلى، مُذْ فاضت دجلة بالكتب المذبوحة...

أمست عاقر!

* * *

مِدفعُ رشاش لَزجٍ، كان لَصيقا في صُّدْغِ مدينتنا منذ عقود...

حط اليوم خطيباً في حشد الدَهماء...

يوَشِّحُ "فرق الإعدام"(5) ألْتَكْمُنُ خلف ظهور الفتيان بإكليل العفة!

      * * *

امرأةٌ في العقد الـ -لا أدري-... تَشْحَطُ مأسوراً كالمذبوح على أرصفة السجن...

وتسهو!!

***

جنديٌ مخمورٌ من شيكاغو يتلو نصا بالمدفع للأطفال المبهورين...

بساحات الكوفة!

***

قبرٌ مٌنكَسِرُ الخاطر...

يبكي في حضرة جلاّد حائر!

* * *

صغارٌ كالطلع" يوَلّونَ الوجهَ إلى شفق يمحو أدران القسوة...

وأنا قلبي معقود لخطاهم!

 

1)   سجن أبو غريب الذي كشف عورة المحتلين.

2)   مدينة عراقية استباحها الموت الدولي والوطني.

3)   حملة عسكرية شنها نظام صدام حسين لإبادة الشعب الكوردي.

4)   معتقل ومقبرة جماعية للمشاركين بانتفاضة 1991.

5)   فرق إعدامٍ كانت تكمن خلف خطوط الجبهات وبين خنادق الجنود خلال حروب الدكتاتورية.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.